هل يعلم المطبّعون مع “إسرائيل” إلى أين هم ذاهبون؟
إنّه السمّ في العسل، يدسّه نتنياهو كي يجمع أكبر عدد ممكن من هؤلاء المطبّعين، لينقضّ بعدها عليهم، ناهشاً مجتمعاتهم باستراتيجية العنصرية الصهيونية
شارل أبي نادر *
من يستمع إلى رئيس حكومة العدو الصّهيوني عندما يتكلّم عن أصدقائه العرب الجدد “المطبّعين”، وعن المستقبل المشرق للعلاقة معهم، يجد هذا المسؤول الإسرائيليّ ناعماً كالنّعامة، وودوداً ومحبباً ومسالماً كداعية سلام ومحبة ووئام، وبأنّه ليس نفسه ذاك المجرم الّذي يقود حكومةً وجيشاً وأجهزة أمنية ومخابراتية، مارست وتمارس اليوم، وستبقى تمارس غداً، أقسى أنواع جرائم القتل والتهجير والتدمير والاغتيالات بحق العرب والمسلمين، وخصوصاً الفلسطينيين.
مقابل هذا المسؤول “الإنسانيّ”، نجد المطبّعين من العرب الأقحاح فرحين مسرورين، يعيشون نشوة الانتصار، وكأنّهم ربحوا الدنيا والآخرة، بعد أن فازوا بشرف العلاقة مع “إسرائيل”، وأنَّ مستقبل أولادهم قد تأمّن مصوناً إلى أبد الآبدين، وأمانهم واستقرارهم الاجتماعي والاقتصادي أصبح محمياً لا يُمَسَ، والأهم أنّ قادتهم من أمراء وملوك طوّبوا إماراتهم وممالكهم لهم ولذريتهم من بعدهم إلى أبد الآبدين، وذلك بفضل رعاية وحماية الدولة الصديقة المحبة المسالمة: “إسرائيل”.
إنّه السمّ في العسل، يدسّه نتنياهو اليوم كي يجمع أكبر عدد ممكن من هؤلاء المطبّعين المرتهنين وضعفاء النفوس، لينقضّ بعدها عليهم، ناهشاً مجتمعاتهم باستراتيجية العنصرية الصهيونية التي برهنت عبر التاريخ أنها هي أولاً وثانياً وثالثاً في الاقتصاد والسّياسة والاجتماع والخصوصيّة الدينيّة والتفوّق العسكريّ.
هذا هو البعد الحقيقيّ لمسار التّطبيع اليوم مع “إسرائيل”، والّذي لم ولن يفهمه هؤلاء المطبعون المرتهنون الضعفاء. هو مسار الانزلاق نحو الهاوية والانهيار، فبِأيِّ منطقٍ سوف تقبل “إسرائيل”، ومن ورائها القاعدة اليهودية المتصهينة والنافذة عبر العالم، بأن تغيّر استراتيجيتها اليوم، وتعطي هؤلاء ما لم تعطه لدول وشعوب غربية أقوى وأكثر نفوذاً، مقابل بعض علاقات التطبيع التي سلّمت بها بعضُ تلك الدّول المرتهنة أساساً، والتي لم يكن ثمة وجود لأنظمتها كما هي اليوم، لولا رعاية هذا القاعدة المتهوّدة لها، عبر إدارات الدول الغربية، وخصوصاً الأميركيين؟
يكفي لهؤلاء المطبّعين، أو لمن يريد منهم أن يعرف، أو لمن هو قادر على أن يميّز، إذا أراد، أن يتابع ويبحث، ولو قليلاً، في موقع نخبة من اليهود عبر العالم وتاريخهم وحاضرهم، وعلاقاتهم مع الدول الغربية، وخصوصاً مع الولايات المتحدة الأميركية والأوروبيين، لكي يكتشف حتمية الهاوية التي يذهبون إليها في علاقة التطبيع مع “إسرائيل”. هذا بمعزل عن مساهمتهم (كمطبعين) في تمكين “إسرائيل” وتثبيتها في اغتصابها الحقوق والمقدّسات.
هناك الكثير من المستندات والمؤلّفات التي صوّرت العلاقة الأميركية مع نخبة نافذة من اليهود ومستوى التحكّم الصهيوني بإدارات تلك الدول وسياساتها. ومن هذه المؤلّفات كتاب أصدره في العام 2007 الكاتب “جون ج. ميرشايمر”، بالتعاون مع “ستيفن م. والت”، بعنوان: “اللوبي الإسرائيلي والسياسة الخارجية الأميركية”، وترجمه الكاتب سعيد الشطبي. وقد تمّ فيه الكشف عن سيطرة اللوبي الإسرائيلي على أغلب الإدارات الأميركية، وذلك بالقول: “إنّ اللوبي اليهودي ينتمي إليه عدد من الجماعات ذات التأثير الكبير داخل أميركا، منها منظمة “إيباك”، و”المؤتمر اليهودى الأميركي”، و”منتدى السياسة الإسرائيلي”، و”اللجنة الأميركية اليهودية”، و”الأصدقاء الأميركيون لليكود”، بل إن 51 منظمة من أكبر المنظمات وأهمها تجتمع في إطار “مؤتمر الرؤساء”، وهو تنظيم ضاغط كبير يعمل لمصلحة إسرائيل”.
يركّز الكاتبان على مدى تأثير اللوبي الإسرائيلي في قرارات الإدارة الأميركية الاستراتيجية، ومنها شنّ الحروب والمواجهات الكبرى خارج الولايات المتحدة الأميركية، ويعطيان مثالاً على ذلك عهد إدارة الرئيس جورج بوش، وخصوصاً بعد أحداث 11 أيلول/سبتمبر 2001 وقرار غزو العراق، وما نتج منه من تداعيات لاحقة على الدول والشعوب في الشرق الأوسط والعالم من دمار وقتل، ومن تأسيس وإطلاق الحركات الإرهابية، إضافةً إلى ما حصده الأميركيون أنفسهم من خسائر مهولة لدى جيشهم من قتلى ومصابين.
أيضاً، لا حاجة لذكر تفاصيل سياسة الرئيس دونالد ترامب ووقائعها حالياً، وما يشبه الانصياع الكامل في سياسته الدوليّة لما يؤمن مصلحة “إسرائيل”، من خلال مقاربة أغلب قضايا العرب والفلسطينيين، والمرتبطة بالصراع مع الكيان الصهيوني، بشكل يخدم مصالح “إسرائيل”، من نقل السفارة الأميركية إلى القدس، إلى تشريع احتلال “إسرائيل” للجولان السوري المحتل، إلى الضغط الواسع، ومن النواحي كافة، على إيران ولبنان والعراق وسوريا، خدمة لاستراتيجية “إسرائيل”، ناهيك بموقفه المتقدم والأساسي في موضوع إنجاح “صفقة القرن” والتطبيع مع الكيان الصهيوني.
لناحية التأثير الصهيوني في أوروبا على سياسات دول الاتحاد أو الدول الأوروبية غير المنضوية في الاتحاد الأوروبي، فحدث ولا حرج عن هذه التأثيرات الضخمة في توجيه إدارات تلك الدول تجاه كل ما يخدم ويحمي “إسرائيل”، وتحديداً في ملفات الصراع مع العرب والفلسطينيين أمام الأمم المتحدة ومجلس الأمن، أو أمام أغلب الجمعيات والمنظمات المرتبطة بالمؤسَّسات الدولية، إضافة إلى الدور الرئيس للبريطانيين أيام انتدابهم لفلسطين وبعض دول الشرق الأوسط في تأسيس الكيان الصهيوني واحتلال الأراضي العربية في فلسطين، انطلاقاً من “وعد بلفور” المشؤوم.
من جهة أخرى، تتعدّد الدراسات التي تسلّط الضوء على تمدّد إمبراطورية اليهود الذين يدعمون الصهيونية خارج “إسرائيل”، من خلال قدرة اللوبي الصهيوني واليهودي وفعاليته في قطاعات المال والاستثمارات العقارية عبر العالم. طبعاً، تستفيد “إسرائيل” بشكل مباشر أو غير مباشر من لوبي الصّهاينة المكوّن من كبار أثرياء العالم من اليهود، والذين استطاعوا تكوين شبكة من الشركات العملاقة المتعددة الجنسيات التي تتحكَّم بشكل كبير باقتصاديات العالم.
من هنا، كلّ هذا النفوذ اليهودي- الصهيوني عبر العالم، والمسيطر بشكل شبه كامل على سياسات أغلب إدارات الدول الغربية القادرة، والذي يأتي لخدمة الكيان الإسرائيلي الغاصب، لن يجد في علاقة التطبيع مع بعض الدول العربية إلّا استكمالاً لمشروعه في الهيمنة والتسلط، ولن يجد في تلك الدول إلا بيادق موجّهة، لا دور لها إلّا كونها وسيلة تعبر “إسرائيل” من خلالها من حالة الحرب والمواجهة في صراعها ضد من اغتصبت أرضهم وحقوقهم ومقدساتهم إلى حالة الفوز بتلك الحقوق والمقدسات التي اغتصبتها بسلام وهدوء، بعيداً من الحرب والمواجهة.
* المصدر : الميادين نت
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع