(موقع “أتلانتيكو- Atlantico” الفرنسي – ترجمة: أسماء بجاش, الإدارة العامة للترجمة والأجنبي- سبأ)

أتلانتيكو: في كتاب “صمت الموت، حرب اليمن القذرة المنسية “, ما هي القضايا والقوى المعنية وواقع الصراع الدائر في  اليمن الذي وصفته في الكتاب؟

جانيت بوغراب: ما يحدث في اليمن اليوم هو بغض، لا صلاة، لا غفران، لا تكفير ولا شيء يملك الإنسان القدرة على القيام به, ولا شيء يمكن إصلاحه على حد تعبير بريمو ليفي “كاتب إيطالي يهودي، وأحد الناجين من الهولوكوست”.

فمنذ أن شنت المملكة العربية السعودية هجومها العسكري والذي أطلق عليه اسم “عاصفة الحزم” في 25 مارس 2015، بحجة إعادة تنصيب الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي طرده الحوثيون، قُتل أكثر من 200 ألف شخص.

فمنهم من لقي حتفه مدفوناً تحت أنقاض منزله جراء القنابل التي أمطرتها مقاتلات التحالف العربي على البلد أو بسبب المجاعة, نظراً لكون أعضاء التحالف العربي العسكري لم يتوانى ولو قيد أنمله عن استخدام المجاعة كسلاح حرب, مهلكين بذلك الحرث والنسل, من خلال استهداف المواقع المدنية وأطباق الحصار على البلد بشكلٍ صارم.

إن الحرب التي يشنها التحالف العربي لا تهدف فقط إلى قتل البشر فحسب، بل تدمر تراثاً تاريخياً عمره آلاف السنين, وبهذا يكون محو آخر لثروات البلد, والمتمثلة في الإرث التاريخي.

فاليمن يشتهر منذ الأزل بتراثه المعماري الفريد, حيث سبق وأن صُنفت العديد من المدن والمواقع الأثرية في اليمن ضمن قائمة اليونسكو للتراث العالمي.

واليوم, يُدمر السعوديون ثلاثة آلاف سنة من التاريخ، بما في ذلك مواقع ذكرت في “القرآن” مثل مأرب.

أتلانتيكو: كيف قلبت مأساة مقتل الصحفي السعودي المعارض وكاتب العمود في صحيفة واشنطن بوست, جمال خاشقجي موازين المنطقة؟ كيف نفسر موقف الأمير محمد بن سلمان وإستراتيجيته و”طموحاته” في الصراع الدائر في اليمن؟ ما الذي يلعبه بن سلمان؟

جانيت بوغراب: كان اغتيال الصحفي جمال خاشقجي سبباً تقليدياً في دفع الحكومات الغربية التي لا تراعي حقوق الإنسان في السعودية إلا قليلاً, إلى التشكيك في علاقاتها.

وبالتالي، ففي الولايات المتحدة الأمريكية، التي تلتزم بميثاق كوينسي – الذي تم التوصل إليه في 14 فبراير 1945 وذلك على متن الطراد يو أس أس كوينسي (CA-71)، بين الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت- تم تمرير قرار في مجلس الشيوخ في 13 ديسمبر 2018 لإنهاء الدعم الأمريكي لدول التحالف العربي في الحرب في اليمن.

لكن الرئيس دونالد ترامب رفض ذلك، متحججاً بعقد بيع اسلحة بقيمة 110 مليارات دولار, مستخدماً بذلك حق النقض.

ومن ناحية أخرى، سلكت دول أخرى مسلكٍ أخر بشجاعة, حيث علقت جميع مبيعاتها من الأسلحة الجديدة إلى السعودية, في حين ورفضت فرنسا، التي لطالما تتغنى باحترامها لحقوق الإنسان, تعليق ملف بيع الاسلحة مع الرياض.

ففي حقيقة الأمر، كانت هذه الحرب مطلوبة من قبل الأمير محمد بن سلمان، الذي كان قد تم تعيينه للتو في ذلك الوقت وزيرا للدفاع, وذلك لإضفاء الشرعية على نفسه كـ زعيم حرب وبالتالي السماح له بـ اعتلاء العرش.

وهكذا وجد اليمنيون أنفسهم كضحايا في حرب الدائرة بين تياري الإسلام: السني والشيعي.

ينتمي الحوثيين إلى التيار الشيعي، حيث يُقال إنهم خاضعون للنفوذ الإيراني, ولهذا السبب شن السعوديون هذه الحرب, والهدف التصدي لنفوذ الإيراني المتنامي في المنطقة.

أتلانتيكو: ما هو تأثير فرنسا وموقعها في هذا الصراع؟ هل نحن أمام تواطؤ مذنب مع بعض دول الخليج؟

جانيت بوغراب: كان الصحفي كلود أنجلي من صحيفة لو كانارد إنشينيه، أول من ندد بالدور الذي يلعبه قصر الاليزية الفرنسي في هذه الحرب الدموية, حيث استخدم عبارة أعتقد أنها دقيقة للغاية “التعاون” لوصف العلاقة بين بلادنا والتحالف السعودي.

ووفقاً لهذا الصحفي المطلع فإن فرنسا لن تبيع الأسلحة فحسب، بل إنها سوف تقدم “مثلها كمثل الأميركيين” معلومات عن المواقع التي يسيطر عليها المتمردون الحوثيون.

والأخطر من ذلك, فأن قوات الكوماندوز الخاصة, تقوم بدوريات لمسح البلد بصورة سرية لتوجيه قاذفات القنابل السعودية والإماراتية.

وعلى مدى العقد الماضي، باعت فرنسا ما قيمته أكثر من 10 مليارات يورو من الأسلحة للسعودية دون الإشارة إلى قائمة الأسلحة التي باعتها للأمارات.

فقد استفادت باريس من التأثير غير المتوقع الناجم عن الحرب في اليمن، حيث تمكنت من بيع مخزوناتها من الأسلحة.

وبهذا, أصبحت الرياض ثاني أكبر عميل للأسلحة الفرنسية, لذا لا ينبغي عليها أن تزعج مثل هذا العميل.

ومن الواضح أن هذا من شأنه أن يخلق نوعاً من الاعتماد الدبلوماسي, وعلاوة على ذلك، يتعين على فرنسا أن تضمن إمداداتها من الطاقة.

ولكن فرنسا لم تعد قادرة على المضي قدماً في تحقيق هذه الغاية, نظراً لتقرير الذي أعده خبراء مستقلين بتكليف من مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان، حيث أشارت صفحات التقرير إلى أنه من المرجح أن تتم محاكمة فرنسا والولايات المتحدة والمملكة المتحدة بتهمة التواطؤ في جرائم حرب.

ومن جانبهم, أشار فريق الخبراء إلى هذه الدول الثلاث صراحة للتوقف والكف عن تقديم أي معدات عسكرية يمكن استخدامها في هذا الصراع.

أتلانتيكو: كيف يمكن أن نفسر التغطية الإعلامية السيئة والضعيفة للحرب الدائرة في اليمن وعدم مشاركة القادة الرئيسيين في هذه القضية والمجتمع الدولي, الذي يبدو أنه اختار أن يغض الطرف عن المأساة التي تتجلى في هذا البلد؟

جانيت بوغراب: السبب الرئيسي يكمن في كون التحالف العربي السُنّي يمنع الصحافيين الأجانب من تغطية هذه الحرب، لذا ظلت بعيدة عن أعين عدسات الكاميرات.

وبالرغم من كل تلك القيود المفروضة, نجح البعض في تغطية هذه المأساة, بفضل الصور والشهادات المؤثرة.

يتحلى العاملون في صحيفة نيويورك تايمز بالشجاعة الكافية, بعد أن تصدرت صورة الطفلة أمل الصفحات الأولى, والتي لفتت أنظار العالم للمجاعة التي تطبق خناقها على البلد, وبهذا أصبحت صورة أمل رمزا للأزمة الإنسانية, إذ, لم تعد حرب اليمن منسيّة للعالم بعد هذه الصورة لطفلة لم تتجاوز 7 أعوام, وهي مستلقية على سرير في أحد المستشفيات المحلية.

فقد أثارت تلك الصورة صدمة كبيرة, في أوساط المجتمع الدولي, حيث عملت صورة أمل على تسليط الضوء على وفاة الآلاف من الأطفال في اليمن.

ولا يمكن ايضاً إغفال الذكر عن التقرير المصور لفيرونيك دي فيجويري ومانون كيرول برونيل والذي حصد جائزة “الفيزا الذهبية” في بيربينيا, بالإضافة إلى جورج مالبرونو من صحيفة لو فيجارو.

أتلانتيكو: ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه المؤسسات الدولية مثل الأمم المتحدة أو منظمة حلف شمال الأطلسي في هذا الملف؟ فهل ما زالت هذه المؤسسات تتمتع بسلطة وقوة حقيقية، وهل هي رادع حقيقي في مثل هذه الصراعات؟

جانيت بوغراب: حصل برنامج الأغذية العالمي على جائزة نوبل للسلام لهذا العام, فبدون عملهم، لكان الوضع أسوأ مما هو عليه الآن.

ففي اليمن يعاني أكثر من 20 مليون شخص من انعدام الأمن الغذائي، من بينهم أكثر من 3 ملايين طفل.

إن عدم اكتراثنا بالمعاناة التي نحن في الأصل جزئياً منها، على حد وصف مارسيل بروست، هو الشكل الرهيب والدائم للقسوة.

أتلانتيكو: ما هو المستقبل الذي يمكن تصوره لليمن واليمنيين؟

جانيت بوغراب: مستقبل مظلم وقاتم جداً, والأسوأ من ذلك, أن منظومة التحالف العربي لم تتوانى عن إبرام الاتفاقات مع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية لإخراج الحوثيين من السلطة.

لقد أصبح حلفاؤنا مقربون من تنظيم القاعدة، وهي نفس المنظمة التي تقف وراء الفتوى ضد صحيفة شارلي إيبدو.

لذا فإن حجة مكافحة الإرهاب لدعم المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ما هي إلا مجرد جهل أو سخرية.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.