أيها المطبّعون تعالوا الى كلمة سواء بيننا وبينكم
د. عبد الحي زلوم*
نحن أولا وأخيراً أمة وحّدها الاسلام واللغة والجغرافيا والتاريخ من آلاف السنين ونودّ هنا ان نبيّن أن التطبيع في حقيقته لا يخدم حاكماً ولا محكوماً لا اليوم ولا غداً . وهذا يتطلب عدم التشنج الفكري ودراسة الحقائق والافتراضات بتأني وعمق للوصول الى النتائج والمخرجات الصحيحة وألا تأخذنا العزة بالاثم .
حتى لو قبلنا بمنطق الحدود التي رسمها الاستعمار لنا وقلنا ان التطبيع هو أمر سيادي خاص بكل دولة او دويلة وأمنها القومي فأنا ادّعي ان التطبيع لا يخدم أي منهما ، بل وأنه يتعدّى على حقوق أخوة لكم آخرين. فعندما تطبعون بدولة الاحتلال لفلسطين فأنتم تقولون أن أرض فلسطين هي أرضهم . والتطبيع يعني أنكم اعترفتم بأن ارضي أنا وبيتي وبيت والدي في فلسطين هي ملكاً لغيري وكذلك علي ان أطلب تأشيرة من المغتصب لزيارة مسقط رأسي مع انكم تسمحون له اليوم بزيارتكم دون تأشيرة ! فحقيقة اغتصاب ارض فلسطين من الغير يعترف بها الصهاينة انفسهم . بتاريخ 19 مايو 1936 ، قال بن غوريون أحد الآباء المؤسسين للصهيونية وأول رئيس وزراء إسرائيلي لمدير الوكالة اليهودية ” نحن وهم – أي الفلسطينيون – نريد الشيء نفسه … كلانا يريد فلسطين وهذا هو جوهر الصراع “. كما رُوِيَ عنه في دراسة للأساتذة ميرشيمر – والت ( من جامعتي هارفرد وشيكاغو) عن اللوبي الصهيوني صدرت في كتاب بعنوان( اللوبي ) في آذار 2006:
“لو كنت قائداً عربياً لما تصالحت أبداً مع إسرائيل ، وإنه لأمر طبيعي : لقد أخذنا بلادهم …… نحن من إسرائيل ، ولكن قبل ألفي سنة خلت ، وأية دلالة لهذا عندهم ؟
لقد كان هناك معاداة للسامية ، وكان النازيون ، وكان هتلر ، وأوشفيتز، ولكن هل كان ذلك خطؤهم ؟ إنهم يرون شيئاً واحداً فقط : لقد جئنا هنا وسرقنا وطنهم . لماذا عليهم أن يقبلوا ذلك؟ ” اذا كان الصهاينة يعترفون بأن هذه الارض ارضنا ويفترضون بأن لا يعترف العرب بمثل هذا الاغتصاب فهل من الكثير أن نطلب من الاخوة العرب والمسلمين ان يعترفوا على الاقل بما اعترف به الصهاينة ؟
فهل لنا ان نسأل من الذي أعطاكم الحق في ان تجيّروا أرضنا ووطننا وأملاكنا ونحن ابناء وطن واحد ودين واحد !
لو قبلنا بحقكم السيادي داخل حدود دولتكم أفلا ترون أن الاعتراف بكل هذا هو تعدٍ على حقوق اخوانكم في العروبة والاسلام ؟ اسمحوا لنا ان نقول لكم اننا نعرف مَنْ هؤلاء الذين طبعتم معهم اكثر منكم ، فأنتم اعدائهم تماماً كما نحن، ولن يحبوكم حتى لو اتبعتم ملتهم .
نحن وانتم غوييم! :
بدايةً نُعرّف أن كلمة الغوييم تُطلق على كل من هو غير يهودي ، وهذه هي نظرة اليهود الى الغوييم . فمثلاً حزب شاس هو الحزب المرجِّح في تأليف او سقوط كل الحكومات بما فيها حكومة نينتياهو الحالية . مؤسس الحزب يهودي عراقي هو الحاخام عوفاديا يوسف وهو باحث في التلمود يعتبره الكثيرون أهم شخصية دينية في الجيل الحالي، وهو مصدر الفتاوى الدينية. دعنا نرى كيف يصنفكم حزب شاس مقتبسين ما كتبته الويكيبيديا عنه حرفياً :
” في أحد دروسه الدينية في مايو/أيار 2000 قال (إن العرب صراصير يجب قتلهم وإبادتهم جميعاً )، ووصفهم بأنهم أسوأ من الأفاعي السامة.
وفي أغسطس/آب 2004 قال عوفاديا يوسف في خطبة بثتها الفضائيات الإسرائيلية إن ( اليهودي عندما يقتل مسلما فكأنما قتل ثعبانا أو دودة ولا أحد يستطيع أن ينكر أن كلاّ من الثعبان أو الدودة خطر على البشر، لهذا فإن التخلص من المسلمين مثل التخلص من الديدان أمر طبيعي أن يحدث) .وظهر بعدها على القناة الثانية في التلفزيون الإسرائيلي وأعاد كلامه مع تأصيله من وجهة النظر اليهودية، زاعماً أن الدين اليهودي يحث على التخلص من كل من يسكن فلسطين، وأنه جاء في التلمود ( إذا دخلت المدينة وملكتها فاحرص على أن تجعل نساءها سبايا لك ورجالها عبيدا لك أو قتلى مع أطفالهم) . “
هل تريدون من هؤلاء ان يدخلوا مدينتكم وبدون تأشيرات ؟ وهل تقبلوا بأنكم حشرات وافاعي وصراصير ليس فقط حسب عقيدة حزب في الائتلاف الحكومي الصهيوني الذي اعترفتم به بل بغالبية المستوطنين والاحزاب الدينية ؟ اذا انتم تقبلون ذلك على انفسكم فنحن لا نقبله لكم ولا لأي عربي او انسان بما فيه نحن انفسنا . هل تقبلوا أن يتم هدم المسجد الاقصى الذي بارك الله حوله لبناء الهيكل الثالث مكانه؟ حتى صفقة القرن تطلب مشاركة المسجد الاقصى وبناء هيكل سليمان هناك .
اقترب الجنرال سولومون غورين كبير حاخامات الجيش الإسرائيلي خلال حرب الأيام الستة، وبمجرد دخوله القدس مع أول دفعة من القوات الإسرائيلية من الجنرال عوزي نركيس الذي قاد عملية احتلال القدس ليقول له :” هذه هي اللحظة المواتية لتفجيرالمسجد الاقصى . افعلها وسيخلد اسمك في سجلات التاريخ”. اذا كنتم تقبلون بهدم المسجد الاقصى واغتصاب ما بارك الله حوله فهذه خطيئة لا نحبها لكم ولا نقبلها لانفسنا .
**
لا يزيد التطبيع المطبعين الا بؤساً وخسارة :
طبّعت مصر والاردن وعصابة اوسلو من قبلكم فماذا كانت نتائج التطبيع ؟
فلنبدأ بمصر . عندما توفى المرحوم جمال عبد الناصر سنة 1970 كان مجموع الدين العام في مصر 1.7 مليار دولار كان معظمها بعد حرب 1967 لبناء جيش قوي هو جيش العبور سنة 1973 والذي هزم العدو لولا تدخلات القيادة السياسية لأمر بات معروفا ً .
ارتفعت ديون مصر بعد حرب اكتوبر ايام السادات لتصبح 2.6 مليار دولار وبعد عصر سلام كامب ديفيد ارتفع الدين العام المصري ليصل عند وفاة السادات الى 22 مليار دولار . ! وصل الدين الخارجي لمصر في 2011 عند خلع «مبارك» إلى 36.5 مليار دولار، والدين الداخلي الى 962.2 مليار جنيه!
أمّا في عهد عبدالفتاح السيسي والذي تعتبره اسرائيل ذخراً استراتيجيا لها فوصل 53.4 مليار دولار، كما ارتفع الدين المحلي إلى مستوى خطير قارب 2.5 ترليون جنيه بالاضافة الى عشرات المليارات التي ضخها الخليج لنظام السيسي !
ولنأتي الى سلطة اوسلو باعتبارها المطبع الثاني . نتج عن هذا التطبيع ان ارتفع عدد المستوطنين في الضفة الغربية الى اكثر من 600 الف مستوطن وتحويل المقاومة الفلسطينية الى مقاولة لحماية الاحتلال ، وفقدانها اي قوة تفاوضية بحيث ان المعروض اليوم ضم ثلث الضفة الغربية للكيان المحتل وسلطة حراسة وكناسة فيما تبقى من الضفة الغربية ، واقتصاد يعيش على الجمارك والضرائب التي يحصلها العدو من الضفة الغربية ، ويعطيها ويمنعها عن عملاءه في الضفة كما يشاء .
كما تكشف الأرقام الرسمية أن خدمة الدين العام الأردني (الفوائد) قفزت بنسبة 157 % خلال الأعوام الـعشرة الماضية ، ودعا خبراء إلى ضرورة إعادة النظر بسياسة “إدارة الدين العام” حتى لا يخرج هذا الملف عن السيطرة. وقفزت قيمة خدمة الدين العام ( الفوائد ) في العام 2018 إلى أكثر من مليار دينار بينما كانت في العام 2009 تناهز 388.9 مليون ، علماً بأن المساعدات الامريكية تزيد قليلا عن مبلغ خدمة الدين فقط وتكون في معظمها اسلحة من الاجيال الخارجة من الخدمة في الجيش الامريكي ولا تدخل هذه الدولارات في الاقتصاد الاردني . في حين وصل إجمالي الدين العام المستحق على المملكة حتى تشرين الثاني (نوفمبر) 2018 إلى 28.6 مليار دينار اي ما يقارب 40 مليار دولار ومقارنة مع 9.6 مليار دينار في العام 2009 اي حوالي 12.76 مليار دولار ، اي نسبة ارتفاع 196 %.. ووصل الدين العام الى 44 مليار دولار في العام 2019 اي بارتفاع بنسبة 244% عن سنة 2009 . كما زادت نسبة الفقراء والفقراء العابرون حسب البنك الدولي الى حوالي 35% من مجموع السكان .
يسمع الناس اليوم ان السودان سيدفع ( خاوة) 335 مليون دولار لرفع اسمه من قائمة الارهاب الامريكية يضاف اليها اجباره على التطبيع مع الكيان المحتل . يقول العسكر السودانيون ان ذلك سيجلب لهم الخير والبركة لاقتصادهم لكنهم نسوا ان اكبر ضربة للاقتصاد السوداني كانت فقدانه 70% من انتاجه النفطي والتي اصبحت حقولها في دولة جنوب السودان والذي يتفاخر الموساد الاسرائيلي بأنه هو من ادار حركة انفصال الجنوب من ألفها الى يائها . المظاهرات المليونية في الخرطوم يوم الاربعاء 21/10/2020 كانت لاسباب معيشية . ومنذ تولي المجلس العسكري الحكم انخفض سعر الجنيه السوداني من 70 مقابل الدولار الى 260 جنيه ، وبذلك اصبح الشغل اليومي للسوداني ان يقف في الطابور نصف نهاره لشراء رغيف خبزه والنصف الثاني لتأمين وقود لسيارته وبيته .
فهل يكافئ من دمّر الاقتصاد السوداني بالاعتراف به ؟
الارقام لا تكذب . يتبين من أعلاه ان السلام مع الاعداء لا يجلب سلاماً وانما يجلب ثورات وانتفاضات ومظاهرات مليونية وربيع عربي في الداخل ولا يجلب رفاهية معيشية بل يزيد الفقر فقراً والدين العام ديناً فوق دين .
***
والخلاصة :
· أي سلام ممكن مع من يعتقدون انهم شعب الله المختار وأن الله قد خلق الاخرين كحيوانات في شكل بشر لخدمتهم ؟ اذن فالمخرجات التي اوصلتنا اليه المقدمات اعلاه هو انه ( إما نحن وإما هم ) هذه هي القضية ! سيقول بعض من وقعوا في حب المحتلين في فلسطين ( ومن الحب ما قتل ) أن كاتب هذا المقال متعصب يعيش في عالم الخيال . لكن المشكلة ان هذه ليست مقولتي. انها مقولتهم هم وهي مقولة آرييل شارون اذ توصل للشيء نفسه حينما قال أثناء قمعه الانتفاضة الفلسطينية الثانية، “إما نحن وإما هم”.
· نحن أمة واحدة جمعها التاريخ والجغرافيا والحضارة والدين ولا نريد أن يفرق بيننا الأعداء . لو ان بعض (نخبنا ) ضلّت طريقها ولا أريد أن أقول انها ضالة ، وان سوء تقديرها كان بناءا على سوء المعلومات وتقييمها ولا أقول الجهل أو أن الأنانية الضيقة قد طغت على المصلحة العامة فؤأكد أن اللجوء للصهاينة كملجأ لحماية مصالحها هو خيار خاطئ وأن الخيار الامثل ان تستمد الدول المطبعة شرعيتها من شعوبها مما يعطيها الشرعية والديمومة وإلا فسيبقى هؤلاء قيد الابتزاز لان الصهيوامريكيون يعرفون انهم هم اصحاب شرعيتهم . ان اللجوء لضمان مستقبل تلك النخبة الى الصهيوامريكيين هي كالمستجير من الرمضاء بالنار او من الجرب بالطاعون.
· أنا أعلم أن فئة ضالة من الفلسطينيين قد خانت شعبها ولم تطبّع فقط بل أصبحت عميلة للاحتلال وما زالت، وان بعضكم قال اتريدوننا ان نكون اكثر فلسطينية من الفلسطينيين؟ أولاً لا يبرر عمل الخطأ بعمل خطأ آخر، ولكن الاهم أن من يخون فلسطين ليس فلسطينياً ، ومن يخون العرب ليس عربياً ، ومن يخون المسلمون ليس مسلماً !
هدانا وهداكم الله
* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع