مغزى الدعوات الشعبية العلنية في بلاد الحرمين لوقف الحرب في اليمن
حماد صبح*
عقب إطلاق سراح 15 جنديا سعوديا في تبادل للأسرى مع جماعة أنصار الله ؛ انطلقت دعوات شعبية علنية في بلاد الحرمين لوقف الحرب التي تقترب من إكمال عامها السادس .
كانت وسائل التواصل الاجتماعي ، ومنها تويتر ، أداة هذه الدعوات التي ما كان لها ، في تقديرنا، أن تنطلق إلا بإذن النظام ورضاه .
ولن نتفاجأ إذا أطلت دعوات أخرى أصرح وأقوى في الإعلام السعودي لوقف الحرب .
في دعوات تويتر شكوى من أعباء الحرب دماء ومالا ومآسي اجتماعية في الجانب السعودي . يشكو نواف القحطاني : ” الحرب هذه تورطنا فيها”، ويضيف نادما: “يا ريت ما دخلناها !”، ويختم شكاته داعيا ضارعا :” يا الله تعجل بخلاص هذه الحرب !”.
ويتساءل شخص اسمه الزير مستنكرا متضجرا: “ليش ما يوقفوا الحرب؟!”، ويتشاءم ثالث اسمه الحربي متسخطا: “هذه الحرب سترون منها قتل وأسر وخراب بيوت وترمل ويتم وثكل”، ونكتب ما قالوا بلغتهم.
قلنا إن هذه الدعوات ما كانت لتنطلق إلا بإذن النظام ورضاه، فالداعية سلمان العودة سجن لتمنيه عودة الوئام والسلام بين بلاد الحرمين وقطر بعد أن سمع مثل سواه عن اتصال بين أمير قطر تميم بن حمد وولي العهد السعودي محمد بن سلمان، وهذه الدعوات تتجاوز ما تمناه العودة بمسافة بعيدة .
ما مغزى هذه الدعوات في هذا التوقيت إن صدق تقديرنا أنها بإذن النظام ورضاه ؟! نحسبها تمهيدا شعبيا لقرار رسمي بوقف هذه الحرب العدوانية المخيفة الإخفاق ليبدو الوقف في صورة استجابة لإرادة شعب بلاد الحرمين ، فيكسب النظام ، وتحديدا ابن سلمان ، رضا الشعب ، وأبعد من رضا الشعب الذي ما كان له يوما وزن في سياسة النظام، هو الخوف المقلق من فوز جو بايدن في الانتخابات الأميركية المقتربة.
وبايدن جاهر بأنه سيوقف تأييد بلاده لهذه الحرب ، وهذه ضربة كبيرة لا يتحملها النظام السعودي المثقل بالإخفاقات السافرة في كل سياساته في المنطقة، وفي قلب هذه الإخفاقات جريمة قتل خاشقجي المتوحشة التي ألقت على سمعة النظام وصورته أثقل الأضرار والأوزار ، والتي من المنتظر، الجريمة، أن يفتح بايدن إذا فاز بالرئاسة باب إعادة النظر فيها في أميركا .
وتواقتَ مع دعوات وقف الحرب الكشفُ عن قضيتي فساد بمئات ملايين الريالات ، إحداهما في بلدية تابعة للعاصمة الرياض، والثانية اتهم فيها 45 من المدنيين والعسكريين ورجال الشرطة. وكشف هيئة مكافحة الفساد عن هاتين القضيتين تسهل إضافته إلى دعوات وقف الحرب . كلها تستقصد تزيين صورة النظام شعبيا في الداخل وعالميا في الخارج.
ولا نستكثر أن تكون الثلاث تمهيدا أيضا للتطبيع مع إسرائيل الذي يعارضه أكثر من 90 % من شعب بلاد الحرمين العربي الأصيل والمؤمن المستقيم . كيف يكون هذا ؟! كيف يفسر منطقيا ؟! تفسيره بيان أن ابن سلمان الذي قد يوقف الحرب الخاسرة الخرقاء في اليمن ، ويحارب الفساد في الداخل ؛ مرضي عنه من الشعب ، فلا موجب لمعارضة سياسته ولو كانت التطبيع مع إسرائيل ، ومن يعارض ويغادر قواعد اللعبة فالعصا حاضرة، والمعتقلات وصنوف العقوبات الأخرى في انتظاره على حرارة الجمر، والحكمة والسلامة إذن في الخضوع والاستسلام لهذه القواعد. مياه عكرة قد تجري في أودية المنطقة السياسية، ومنها بلاد الحرمين، قبل حسم الفائز في انتخابات أميركا . يكاد قلق بعض الأتباع العرب في المنطقة أن يرسلهم إلى العرافات لسماع ما قد يبشرهم سلفا بفوز ترامب الذي يرفع مبدأ: “ما دمت تدفع لنا بسخاء افعل ما تشاء!”.
* المصدر : رأي اليوم
* المقال يعبر عن وجهة نظر كاتبه وليس بالضرورة عن رأي الموقع