كيف فاقم ترامب ’الحروب التي لا نهاية لها’ وأعد للتالي
بقلم: ماكسيم تشايكس
(صحيفة “لوموند مودارن. ميديا- lemondemoderne.media” الفرنسية- ترجمة: أسماء بجاش- الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)
انتهج الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وأنصاره سياسة الإنعزال, حيث يظهر ذلك النهج من خلال تخليه عن مهاجمة فنزويلا أو كوريا الشمالية أو حتى إيران.
ولكن حقيقة أنه لم يشن عمليات غزو عسكرية جديدة, لابد وأن لا ننسى أنه اختار انتهاج استراتيجية حروباً هجينة ضد العديد من البلدان، وهي الاستراتيجية التي تخلف عواقب وخيمة على السكان المستهدفين وعلى مدى الاستقرار العالمي.
فهذه فرصة لنا لمراجعة التصعيدات العسكرية القاتلة التي أمر بها في العديد من البلدان التي تمر “بالحروب التي لا نهاية لها” من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
في العالم الغربي، وبالتحديد في الولايات المتحدة الأمريكية بصفة خاصة، هناك إجماع شبه كبير على أن الحروب التي شنها جورج دبليو بوش, قد أدت إلى خلق كوارث إنسانية واقتصادية وأمنية وإستراتيجية حقيقية.
وبمشاركة الرئيس باراك اوباما لهذه الملاحظة، ركز خلال حملته الانتخابية على إدانة إثارة الحروب من قبل منافسه، ووعد بوضع حد للصراعين اللذين كان قد أحدثهما.
ولكن كما أشار الصحفي “جون جريجوري ماير”, في مقاله الصادر في أكتوبر 2015: “دخل الرئيس بارك اوباما البيت الأبيض بوعد, نص على إخراج قواتنا من حربين رئيسيتين.
ولكنه كان على يقين تقريباً من أنه سوف يتنحى عن منصبه مع القوات الأميركية المشاركة في ثلاثة صراعات جارية: سوريا والعراق وأفغانستان”.
وأثناء كتابة هذه الفقرة، من الواضح أن “جريجوري ماير” نسي أن الإدارة الأمريكية, كانت آنذاك متورطة بشدة في الحرب في اليمن، كما أشار إلى ذلك المتخصص في العلوم السياسة “ميكا زينكو” من خلال إطلاق هذا الهجوم الكارثي الذي شنته المملكة العربية السعودية وحلفاؤها في الخليج في أواخر مارس من العام 2015.
ولم يذكر ذلك الهجوم الهائل الذي قامت به إدارة اوباما من خلال تسيير العديد والعديد من طلعات الطائرات بدون طيار، والتي تسبب تحليقها المفرط على عدد متزايد من مناطق العالم في إرهاب السكان المحليين, بما في ذلك منطقة وزيرستان.
وعندما ذكر سوريا، اكتفى بالإشارة إلى الحملة التي نظمتها وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) وحلفائها ضد تنظيم الدولة الإسلامية أو ما يعرف بتنظيم “داعش”، متجاهلاً بذلك العملية السرية العملاقة لتغيير النظام التي شنتها وكالة الاستخبارات المركزية في أكتوبر 2011, مع الكثيرين من حلفائها للإطاحة بنظام الرئيس بشّار الأسد.
ومن المؤكد أنه في صيف العام 2017، كان لدى الرئيس دونالد ترامب الحدس الحكيم لوقف هذه العملية الكارثية، مستند على أن هذه العملية أدت إلى تسليح شبكات القاعدة في سوريا على نطاق واسع.
ولكن إذا كان المرء يرغب في وضع تقييم عسكري واقعي للفترة الرئاسية الأولى لدونالد ترامب، فبوسعنا أن نلمس أوجه التشابه المزعجة مع سلفه.
والواقع أن منافسته هيلاري كلينتون في الانتخابات الرئاسية للعام 2016, انتقدت هي الأخرى “الحروب التي لا نهاية لها” والتي وصفتها بالمكلفة والتي اندلعت بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر 2001، ووعدت هي الأخرى بإنهائها.
إلا أنها ببساطة أكدت على الاتجاهات السائدة في العمل منذ فترة ولاية الرئيس جورج دبليو بوش الثانية، والتي تضخمت في ظل رئاسة أوباما.
وبعبارة أخرى، السعي الحثيث إلى تخفيف الوجود العسكري الأميركي في مسارح “الحروب التي لا نهاية لها”، فقد استخدم تكتيكات أقل وضوحاً للعواقب التي قد يتحملها الرأي العام الأميركي، ولكنها في نفس الوقت لا تقل إيلاماً بالنسبة للسكان الذين يعانون منها.
ومن الواضح أن الإدارة الأمريكية واصلت، في ظل رئاسة ترامب، استراتيجيتها لجعل عملياتها العسكرية أكثر غدراً ومكراً, ومن بين هذه الإجراءات والتدابير التي اتخذها دونالد ترامب ما يلي:
– تخفيف قواعد الاشتباك المباشر، التي كانت لها عواقب وخيمة في البلدان المتضررة, وذلك كما لخص الصحفي “مرتضى حسين” في مقاله الصادر في مايو الماضي، حيث أشار إلى أنه :”في ظل إدارة ترامب، ارتفع معدل تسيير الغارات الجوية التي تشنها الطائرات بدون طيار في الصومال إلى ثمانية أضعافها منذ عهد الرئيس اوباما.
(…) وبالمقابل, أودت هذه العمليات الوحشية بلا داع إلى سقوط الآلاف من المدنيين في العراق وسوريا نتيجة لخفض معايير الاستهداف.
وبوصفه القائد العام الأعلى للقوات المسلحة, فإن الرئيس ترامب بذل كل ما بوسعه لتشجيع جرائم الحرب، بل وحتى عمل على الاحتفال بأولئك الذين يرتكبونها.
– استمرار الضربات بطائرات بدون طيار وامتداؤها على نطاق اوسع، وهو موضوع مهم منذ أن فوض دونالد ترامب إلى وكالة الاستخبارات المركزية سلطة أكبر فيما يتعلق بملف إخفاء الضحايا المدنيين الذين سقطوا جراء هذه الغارات.
– تصعيد الحروب الجوية في أفغانستان وسوريا، ناهيك عن تسامح الرئيس ترامب المذهل مع قصف حلفاءه السعوديين في اليمن، والذي يهدف بشكل واضح وصريح إلى تجويع الملايين من الناس لثني الجماعات الموالية لإيران, ولكن هذه الإجراءات كانت دون جدوى حتى الآن.
توسيع وتبني سياسات العقوبات – التي سبق وأن أشرنا اليها في مقال سابق صادر في 26 من يناير المنصرم- التي تؤثر بشدة على السكان المدنيين في فنزويلا وسوريا وإيران ولبنان ولكن ليس على قادتهم.
انتشار حملات الحرب الإلكترونية ” السيبرانية”، حيث منح الرئيس ترامب وكالة الاستخبارات المركزية سلطات كبيرة في هذا المجال الحساس، وهذا سمح لأنصار القوى السيبرانية الأوسع نطاقا (لصالح الوكالة) بتحقيق انجازات كبيرة، وبالتالي تشجيع وكالة الاستخبارات المركزية على توسيع صلاحياتها السابقة لملاحقة العمليات السيبرانية الأكثر عدوانية وخاصة ضد إيران.
(…) وقد وصف مسؤول كبير حالي في وكالة الاستخبارات- رفض الافصاح عن تفصيل عمليات أو سياسات محددة للحكومة الأميركية- الاهتمام بالعمليات الهجومية الذي يمليه فريق ترامب بأنه “استثنائي”.
وطبقاً لما اشار اليه مسؤول فإن وكالة الاستخبارات المركزية ووكالة الأمن القومي ووزارة الدفاع :”كنا قادرين على التصرف كما كان ينبغي أن نفعل خلال السنوات الأخيرة”.
دعونا نغتنم الفرصة للتأكيد على المفارقة في هذه المعلومات، علماً بأن أنصار الرئيس ترامب يزعمون أنه يكافح “الدولة العميقة”، في حين عرض على مؤسساته الأكثر رمزية زيادة كبيرة في صلاحياتها، وخاصة وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية.
– الاستعانة بمصادر خارجية للعمليات البرية الأمريكية لقوات الحلفاء مع القليل من الاهتمام باحترام القانون الإنساني.
كما أشير إلى ذلك فيما يتعلق بأفغانستان أو كما وثقته فلور أوليف أثناء عملية استعادة مدينة الموصل العراقية, حيث توضح تصريحاتها اللاذعة والدامغة لدى عودتها من تغطيتها الصحفية فظاعة ما لاحظته ولمسته في العراق خلال فترة رئاسة دونالد ترامب “الانعزالية”.
ولنشدد على ما يلي: إن هذه الإجراءات أقل تأثيراً من الحروب التي يعود منها الجنود الأميركيون في نعوش أو مصابون بصدمات أو جروح خطيرة.
لذلك يمكن وصف هذه العملية بأنها “إخفاء” للحملات العسكرية الأمريكية التي تتسم بتعميم الحروب الهجينة.
وفي هذا المجال، يذكرنا “مرتضى حسين” مرة أخرى, بأن السياسة الأكثر العدوانية التي لا يزال ترامب ينتهجها حتى اليوم ربما تكون نهجه في التعامل مع إيران.
بعد تمزيق الاتفاق النووي الذي تم التوصل إليه في عهد الرئيس بارك أوباما- ولكن أياً كانت أوجه القصور التي تعيب هذا الاتفاق كان الخطوة الأكثر أهمية في إخراج الولايات المتحدة من حروبها التي لا تنتهي في المنطقة.
فقد قاد ترامب هاتين الدولتين إلى حافة الصراع المسلح مطلع يناير المنصرم، بعد أن قتل بشكل غير قانوني الجنرال الإيراني قاسم سليماني, قائد فيلق القدس أثناء تواجده على الأراضي العراقية.
والأمر الأكثر ترويعاً وإثارة للصدمة هو أن الرئيس ترامب أصر على فرض عقوبات صارمة على البلد أثناء انتشار جائحة وباء كوفيد-19، على الرغم من التحذيرات التي أطلقها الناشطين الإيرانيين في مجال حقوق الإنسان، وأعضاء من مجلس الشيوخ الديمقراطيين وزعماء العالم السابقين.
لقد أظهرت وثيقة صادرة عن وزارة الدفاع الأميركية في إبريل المنصرم, أن هذه العقوبات “شلت” قدرة النظام الصحي في إيران على الاستجابة لمواجهة هذا المرض، وهو التطور الذي تسبب في حالة من عدم الارتياح, بما في ذلك بعض الشخصيات المولعة بالقتال والمناوئة لإيران.
[ نستطيع أن نقول ببساطة إن هذه السياسة] أسفرت بالفعل في حصد ارواح العديد من الأبرياء.
وكانت نفس الملاحظة حول سمية عقوبات ترامب من قِبَل الخبيرين الاقتصاديين جيفري ساكس ومارك فايسبروت، اللذين حددا في مايو 2019 أن “أكثر من أربعين ألف شخص قيل إنهم ماتوا في فنزويلا منذ العام 2017 نتيجة للعقوبات الأميركية المفروضة على بلادهم”.
(…) ويخلص التقرير إلى الكيفية التي أدت من خلالها هذه التدابير العقابية إلى خفض معدل توفر المواد الغذائية والمستلزمات الطبية في فنزويلا, مما أدى إلى زيادة الأمراض وبنتيجة ارتفاع عدد الوفيات.
ووفقاً لجيفري دي ساكس فإن: ” العقوبات الأميركية تهدف عمداً إلى القضاء على الاقتصاد الفنزويلي وبالتالي سيكون تغيير النظام نتيجة حتمية, فهي عبارة عن سياسة غير مثمرة وغير قانونية وفاشلة, حيث عملت على إلحاق أضراراً جسيمة بالشعب الفنزويلي”.
وفي وقت أقرب إلى الزمن الحاضر، سلطت الأضواء على مدى تسبب مثل هذه العقوبات التي فرضتها الإدارة الأمريكية في خنق السكان السوريين، وهو ما يتسم بالتناقض نظراً للمطالب الثابتة والمستمرة التي تفرضها السلطة التنفيذية الأميركية على رفاهة السوريين.
وبشكل أكثر عموما، كان دونالد ترامب سبباً في إزعاج العديد من التوازنات الاستراتيجية, حيث أشار “مرتضى حسين”، في مقالة الصادر في 12 من مايو المنصرم, تحت عنوان :” لا يوجد أحد أسوأ من ترامب فيما يتعلق بالمناخ والحرب”.
فقد قدم شيكاً على بياض غير مسبوق لاستيلاء إسرائيل من جانب واحد على الأراضي الفلسطينية، مما مهد الطريق لقمع مؤسسي غير مسبوق خلال العقود السبعة الماضية من الصراع.
كما ألغى معاهدات الحد من التسلح التي تشكل جزءاً من البنية الأساسية السرية التي تمنع الحروب النووية.
ولقد مهد نهجه الرجعي في التعامل مع هذه الاتفاقيات الطريق أمام تجديد سباق التسلح النموذجي أثناء الحرب الباردة.
وحتى قراره المتواضع نسبياً بإزالة القيود المفروضة على الألغام الأرضية من المرجح أن يقتل ويشوه الأبرياء دون داع لسنوات قادمة.
لا تنخدعوا أيها المؤيدون الأعزاء بـ دونالد ترامب, اخرجوا من أوهامكم الحزبية وواجهوا الواقع المحزن.
وعلى الرغم من أن الرئيس ترامب لم يتسبب في المزيد من الغزوات الأمريكية الجديدة، إلا أنه كان رئيساً عدوانياً، حيث سياسته الخارجية قد زرعت بذور الصراعات المستقبلية من خلال زعزعة استقرار دول بأكملها، وفاقمت معظم “الحروب التي لا نهاية لها” التي تخبطت فيها قوات بلاده.
ولكن مما يدعو للأسف أن الولايات المتحدة الأمريكية، وهي تدرك تمام الإدراك أنها أصبحت حبيسة عمليتها. فهي تخسر كل الحروب التي تخوضها، بينما تعود الفوائد المترتبة على مجمعها العسكري الصناعي.
لذا, يمكن للمرء أن يخشى من أن هذا العمل “كالمعتاد” سوف يستمر بغض النظر عن القاطن القادم للبيت الأبيض.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.