محمود القيعي*

أثار هجوم مبطّن شنه الرئيس عبد الفتاح السيسي أمس على الرئيس عبد الناصر بسبب حرب اليمن جدلا واسعا في الأوساط السياسية والثقافية.

السيسي قال أمام الندوة التثقيفية للقوات المسلحة ما نصه: “هو الغطاء النقدي لمصر راح امتى؟

راح من اثنين وستين لسبعة وستين في حرب اليمن.. الغطاء النقدي اللي الدكتور مصطفى (رئيس الوزراء مصطفى مدبولي) كان بيقول إنه من أكبر الغطاءات في العالم، استهلك في حرب اليمن “.

تذكير السيسي بحرب اليمن، وهجومه المبطن على عبد الناصر كان له توابع ساخنة، في السطور التالية الصوت والصدى:

المؤرخ الكبير د. عاصم الدسوقي أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر قال إن العالم قديما كان يتعامل بالذهب كعملة، مشيرا الى أنه كلما كان رصيد الذهب عند الدولة كبيرا، يكون اقتصادها قويا.

وأضاف أن محمد علي عندما كان يحكم مصر كانت حملته الى السودان من أجل البحث عن الذهب، وبعد انتهاء الحرب العالمية الأولى بدأ العالم في تغيير طريقة التعامل النقدي، وتم إيجاد السبائك الذهبية، وأصدرت كل دولة عملة معدنية غير الذهب ليتم التعامل بها، منها الفضة والنحاس ثم العملة الورقية، وكان يتم الاحتفاظ بالرصيد الذهبي في خزائن الدول، وكان يوجد تفتيش دوري على الرصيد الذهبي والعملة، بحيث يتم التأكد من أن العملة بمقدار الرصيد الذهبي الموجود.

وردا على سؤال من “رأي اليوم”: ألم تؤثر حرب اليمن على الاقتصاد المصري آنذاك؟

أجاب د. عاصم قائلا: “حرب اليمن لا علاقة لها بالرصيد النقدي، و كانت كأي حرب، أناس يموتون وآخرون يعيشون وأناس يجرحون”.

ونفى الدسوقي فكرة أن يكون تم الاستيلاء على الرصيد النقدي المصري في فترة الستينيات للإنفاق على حرب اليمن.
وردا على سؤال عن تقييمه الموضوعي لحرب اليمن التي خاضها الجيش المصري في عهد عبد الناصر؟

قال الدسوقي إن مصر نجحت في دعم ثورة اليمن وإعلان الجمهورية، حتى إن الرئيس الأمريكي كيندي وافق على إعلان الجمهورية في اليمن، وطلب من السعودية الاعتراف بالأمر الواقع.

وقال إن التدخل المصري في اليوم آتى أكله، مشيرا الى أن هذا النموذج له سابقة، حيث حدث في عام 1948 أن قامت ثورة في اليمن أيضا، ووقفت السعودية ضدها، ووقف أيضا ملك مصر فاروق ضدها، لأن نجاح ثورة في اليمن يعني نجاحها في مصر والسعودية.

وخلص د. الدسوقي الى أن قرار عبد الناصر بالتدخل في اليمن كان قرارا صائبا ونجح في فرض إرادته.

وتابع قائلا: “وطلب كيندي من السعودية الاعتراف بالأمر الواقع الجديد، ووافقت بشرط انسحاب القوات المصرية، واشترط عبد الناصر أن يكون الانسحاب من اليمن متزامنا من القوات المصرية والقوات السعودية، وتم الاتفاق على الانسحاب المتزامن، بمعنى أنه عندما تنسحب فرقة مصرية، تنسحب معها في ذات الوقت فرقة سعودية، وفي أثناء انسحاب الفوج العاشر من القوات المصري قُتل كيندي في نوفمبر 1963، فانقلبت الأمور، وأرسل نائب الرئيس الأمريكي برقية للملك فيصل قال فيها إن اليمن ستكون مقبرة لمن يريد تغيير الأوضاع فيها، وكانت تلك البرقية إشارة لمصر، فتجدد القتال، ونجحت مصر بقيادة عبد الناصر في فرض سيطرتها أمام القوات ليس فقط في اليمن، بل أيضا في دعم حركات التحرر القومي في الجنوب العربي، و في شرق اليمن، حيث إقليم ظفار الخاضع لسلطنة عمان، وتم تحرير ظفار من السيطرة العمانية، وكان هذا التحرير يلقى دعما من الحركة الشيوعية في العراق، وقام عبد الناصر بدعم هذا التحرر، كان هذا عام 1964، فكان السؤال:
كيف تتعامل أمريكا مع جمال عبد الناصر ؟ فلم يكن مفر من القضاء عليه في حرب 67 “.

شهادة الشاذلي

في ذات السياق ذكّر الفقيه الدستوري نور فرحات بشهادة الفريق سعد الدين الشاذلي عن حرب اليمن، حيث نفى في لقاء مع المذيع أحمد منصور أن يكون عبد الناصر قد استهلك رصيد مصر من الذهب في حرب اليمن، مشيرا الى أنه عند وفاة عبد الناصر في 1970 كانت ديون أقل من 2 مليار دولار، برغم المصانع التي تم إنشاؤها وبرغم إنشاء السد العال، بينما عندما توفى السادات، كانت ديون مصر 18 مليارا.

وتابع الشاذلي: “في الفترة التي دخلنا فيها 5 حروب كانت ديون مصر بعدها 2 مليار دولار، وفي الفترة التي لم تدخل مصر حروبا بعد 73، وصلت ديونها الى نحو 75 مليار دولار”.

وأردف الشاذلي: “لازم المناقشة تكون موضوعية وبالأرقام، الكلام المطلق لا”.

وردا على سؤال من منصور: “لكن الدخول في اليمن وما تلاها من حرب 67 تسبب في تراكم الديون على مصر ؟
أجاب الشاذلي: “هذا اتهام يوجه الى خلفاء جمال عبد الناصر أكثر مما يوجه الى عبد الناصر”.

وخلص الشاذلي الى أن من مكاسب حرب اليمن التي اقتحمها عبد الناصر سقوط نظام رجعي متخلف بشع في اليمن يشبه أنظمة القرون الوسطى، وصعود

نظام لن نقول تقدميا، ولكنه نظام يعيش في القرن العشرين حتى بكل تخلفاته.
وتابع الشاذلي: “المكسب الثاني استقلال عدن وهذه نقطة لا ينبغي أن ننساها، وما كان لعدن أن تستقل إلا بوجود القوات المصرية”.

وردا على أن الاستقلال جاء متأخرا في 68؟
أجاب الشاذلي: “صراعات الدول لا تتم في شهر أو شهرين”.

وخلص الشاذلي الى أنه بالنسبة للإنفاق كانت توجد ميزانية دولة خاصة بوزارة الدفاع وميزانية طوارئ، مشيرا الى أن ما يعلمه من عبد الناصر شخصيا أن الميزانية كانت 40 مليون جنيه مصري للإنفاق على حرب اليمن، من السويس الى اليمن ذهابا وإيابا، فضلا عن المرتبات العادية “البوكيت ماني”، مؤكدا أن 40 مليون جنيه التي خصت لحرب اليمن كانت قليلة جدا مقارنة بالمكاسب السياسية التي تحققت للعرب.

وقال الشاذلي إن راتب الظابط المصري في اليمن كان 40 ريالا في الشهر، مشيرا الى أن خسائر مصر في اليمن ألف شهيد، إضافة لألفين أو ثلاثة آلاف مصاب.

حرب لاناقة لمصر فيها ولا جمل!!

على الجانب الآخر أثار حديث السيسي عن حرب اليمن الهجوم من جديد على عبد الناصر من بعض شانئيه الذين يرون أن حرب اليمن لم يكن لمصر ناقة لمصر فيها ولا جمل، مؤكدين أن قرارات عبد الناصر كانت قرارات عنترية.

* المصدر : رأي اليوم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع