بالنسبة للكثيرين في اليمن، ليس هناك سبب يدعو للتفاؤل لدخول ما يبدو أنه المرحلة الثالثة من الحرب ضد بلدهم, حيث تدخل إسرائيل بشكل علنياً إلى ساحة المعركة.

بقلم: احمد عبد الكريم

22 سبتمبر 2020 (موقع- mintpressnews” منتبرس نيوز” الانجليزي- ترجمة: نجاة نور, الإدارة العامة للترجمة والتحرير الأجنبي “سبأ”)

لقد مر للتو معلم كئيب آخر في اليمن، حيث بلغت الحرب التي تشنها المملكة العربية السعودية ضد أفقر دولة في الشرق الأوسط يومها الـ 2000.

الاسباب الظاهرية للحرب كانت من أجل إعادة الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى السلطة بعد الإطاحة به في أعقاب الاحتجاجات الشعبية التي قادها الحوثيون في فترة الربيع العربي.

من الناحية الواقعية, أصبح من الواضح أن الحرب ليست إلا ذريعة للسيطرة على المواقع الاستراتيجية والثروة الطبيعية في اليمن.

وفي الوقت الراهن تحتل السعودية والإمارات محافظات جنوبية بأكملها من المهرة إلى مضيق باب المندب, لكن بطريقة ما، لم يسمحوا بعد لهادي وحرسه العجز بالعودة.

إحصائيات مروعة:

الأرقام مذهلة, فمنذ عام 2015, قصفت طائرات التحالف بقيادة السعودية البلد بأكثر من 250 ألف غارة جوية, أصابت من خلال 70% منها أهدافاً مدنية، مما أسفر عن مقتل أكثر من 100 ألف شخص منذ يناير 2016, وفقاً لتقرير صادر عن مشروع بيانات أحداث الموقع والنزاع المسلح .

لا تشمل هذه الأرقام من لقوا حتفهم في الكوارث الإنسانية التي سببتها الحرب، لاسيما المجاعة وتأثير آلاف الأطنان من الأسلحة التي زودت بها الولايات المتحدة التحالف في كثير من الاحيان والتي تم إسقاطها على المستشفيات والمدارس والأسواق والمساجد والمزارع والمصانع والجسور ومحطات معالجة المياه والطاقة.

تُركت الذخائر التي لم تنفجر والمنتشرة في المناطق المأهولة بالسكان، بالأخص في المناطق الحضرية في صنعاء، وصعدة، والحديدة، وحجة، ومأرب والجوف, البلد واحدة من أكثر المناطق تلوثاً في العالم.

ومع انهاء الحرب رسمياً يومها الالفين، أصدر مركز عين الإنسانية للحقوق والتنمية، وهي مجموعة مناصرة يمنية، تقريراً عن مكان سقوط ما يقدر بنحو 600 ألف قنبلة.

وبحسب المنظمة غير الحكومية، فقد دمرت تلك الهجمات أكثر من 21 منشأة اقتصادية حيوية مثل المصانع ومنشآت تخزين المواد الغذائية وقوارب الصيد والأسواق وناقلات الغذاء والوقود وألحقت أضراراً بـ 9000 جهة من البنية التحتية الحيوية، بما في ذلك:

– 15مطاراً.

– 16 ميناء بحري.

– 304 محطة كهرباء.

– 2098 خزان ومضخة مياه.

– 4200طريق وجسر.

كما تم تدمير أو إتلاف ما لا يقل عن 576.528 منشأة خدمة عامة، بما في ذلك أكثر من 1000 مدرسة و 6732 حقلاً زراعياً و 1375 مسجداً, كما أدى الحصار وقصف البنية التحتية المدنية، ولاسيما المستشفيات إلى شل النظام الصحي في اليمن، مما جعله غير قادر على التعامل حتى مع الاحتياجات الصحية العامة الأساسية.

تشير التقارير الصادرة عن المنظمة, إلى أن التحالف دمر 389 مستشفى ومركزاً صحياً, في حين أن معظم المرافق المتبقية في البلد والتي يقدر عددها بنحو 300 منشأة إما مغلقة أو تعمل بالكاد, ناهيك عن تفشى فيروس كورونا في كل انحاء البلد مثل الحرائق في الغابات.

يبلغ معدل انعدام الأمن الغذائي الأسري الآن أكثر من 70 %، مع وجود 50% من الأسر الريفية و 20 % من الأسر في المناطق الحضرية تعاني الآن من انعدام الأمن الغذائي.

مسعف يفحص مولوداً مصاباً بسوء التغذية داخل حاضنة في مستشفى السبعين في صنعاء، 27 يونيو2020, تصوير: هاني محمد, أسوشييتد برس

ما يقرب من ثلث سكان اليمن ليس لديهم ما يكفي من الغذاء لتلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية, كما أصبح الأطفال الذين يعانون من نقص الوزن والتقزم, مشهدا يتكرر يومياً، خاصة في المناطق الريفية.

هذا هو اليمن بعد 2000 يوم من الحرب, حرب قذرة وحصار وحشي على شعب منسي يعيش في ظروف غير صالحة للبقاء على قيد الحياة.

إذا كان المرء قادراً على تفادي الموت من الحرب والمجاعة وفيروس كورونا، فإنه يواجه مستويات غير مسبوقة من تفشي الامراض القاتلة.

يبلغ متوسط العمر المتوقع في اليمن الآن حوالي 66, وهو من أدنى المعدلات في العالم.

فرض الحصار السعودي سيطرة مشددة على جميع جوانب الحياة، حيث قيد بشدة ليس فقط حركة المساعدات والأشخاص ولكن أيضاً الرحلات التابعة للأمم المتحدة.

في الأسبوع الماضي، أعلنت كل من وزارة النقل والهيئة العامة للطيران المدني والأرصاد الجوية أن مطار صنعاء الدولي لم يعد مجهزاً لاستقبال الطائرة الرسمية لمبعوث الأمم المتحدة الخاص إلى اليمن، مارتن غريفيث.

لا تزال السعودية الغنية بالنفط تمنع ناقلات الوقود من دخول البلد, بالرغم من الحاجة إليه في المستشفيات اليمنية، ومضخات المياه، والمخابز، وشاحنات جمع المخلفات ومحطات الوقود، مما يغرق المناطق الشمالية، في أزمة وقود حادة.

لم يجبر الحصار الآلاف على الانتظار لأيام في طوابير على امتداد البصر فحسب، بل أجبر العديد من المنشآت على الإغلاق كلياً.

كل ذلك بينما تنهب السعودية وميليشياتها المحلية النفط الخام في مأرب وشبوة وحضرموت.

بعد التطبيع، الإمارات تصعد هجماتها

بالنسبة للعديد من اليمنيين، لا يوجد سبب يدعو للتفاؤل بالدخول فيما يبدو أنه المرحلة الثالثة من الحرب ضد بلدهم، حيث تدخل إسرائيل بشكل علني المعركة, حيث يعتقدون أن الوضع سيتصاعد نتيجة التطبيع بين الإمارات وإسرائيل، وبالفعل، يبدو أن دخول تل أبيب إلى المسرح المشتبه به بالفعل فتح الباب عملياً لمزيد من التصعيد.

منذ التطبيع، كثفت الطائرات الحربية الإماراتية غاراتها الجوية على المناطق المأهولة بالسكان في جميع أنحاء المحافظات الشمالية للبلد.

ففي صنعاء، شنت المقاتلات الحربية ما يقرب من 20 غارة جوية على أحياء مكتظة بالسكان واستهدفت بوقاحة مطار صنعاء ومعسكر الهندسة العسكرية ومزرعة دواجن، وغيرها من الأهداف المدنية الأخرى.

يعتقد السكان المحليون أن الطائرات الحربية الإماراتية تتلقى دعماً لوجستياً من إسرائيل، على الرغم من عدم ظهور أي دليل بعد لإثبات هذه المخاوف.

وفي خروج صارخ عن اللهجة الإماراتية الأكثر تصالحيه في اليمن خلال العام الماضي، نفذت الطائرات الإماراتية أكثر من 100 غارة جوية منذ 13 أغسطس، عندما أعلن ترامب التطبيع بين أبو ظبي وتل أبيب, كما تم قصف محافظة مأرب الغنية بالنفط والواقعة شرقي البلد، حيث ألقت الطائرات الإماراتية أكثر من 300 قنبلة على شاحنات النقل ومحطات الوقود والمنازل والمزارع, وتم استهداف مواقع عسكرية متطورة تابعة لأنصار الله.

ويعزز اليأس, استمرار الولايات المتحدة في إهمال معاناة اليمن، على الرغم من تصنيفها من قبل الأمم المتحدة باعتبارها أسوأ أزمة إنسانية في العالم.

حتى مع اقتراب الانتخابات الرئاسية وميل الرئيس دونالد ترامب بشدة إلى تعزيز إنجازاته في السياسة الخارجية، كان الدور الأمريكي في اليمن غائباً بشكل ملحوظ عن المناقشة.

لم يكن بايدن أفضل حالاً، حيث تارك أملاً ضئيلاً في أن انتخابات نوفمبر يمكن أن تضع نهاية للحرب.

محاولات فاترة للسلام

هناك جهود جارية لتحقيق بعض مظاهر السلام في اليمن من قبل الأطراف في كل من قطر وسلطنة عمان, حيث جرت مفاوضات سرية في صنعاء، لكن يبدو أنها تهدف إلى وقف تقدم الحوثيين في مأرب وليس الحرب بشكل عام.

في الواقع، ترتفع الأصوات الدولية عندما تبدأ الحرب في التأثير على السعودية، كما كانت في سبتمبر الماضي عندما تعرضت منشآت النفط السعودية للهجوم أو عندما يهدد تقدم الحوثيين الحدود السعودية كما حدث في أغسطس من عام 2019 عندما تمكن الحوثيين من بسط سيطرتهم على 4000 كيلومتر مربع من الأراضي السعودية في نجران.

الجهود القطرية والعمانية ليست الوحيدة على الأرض, حيث يقود مبعوث الأمم المتحدة إلى اليمن، مارتن غريفيث، جهوداً أخرى تهدف إلى وقف تقدم الحوثيين في مأرب, وقال غريفيث خلال جلسة مجلس الأمن الأخيرة إن “الوضع في مأرب مثير للقلق”.

للتحولات العسكرية في مأرب آثار مضاعفة على ديناميكيات الصراع, وإذا سقطت مأرب، فإنها ستقوض احتمالات عقد عملية سياسية شاملة تؤدي إلى انتقال للسلطة قائم على الشراكة والتعددية.

لا الجهود في قطر ولا تلك التي تبذلها الأمم المتحدة التي تزعم أنها تركز على إنهاء الحرب أو تخفيف الحصار، وبدلاً من ذلك، يبدو أنهم مهتمون فقط بتأكيد احتفاظ التحالف بميزته التنافسية.

في الواقع، أثبتت 2000 يوم من الحرب أنها مصطلح غير كاف لإحلال السلام في الدولة التي مزقتها الحرب, باستثناء وقف إطلاق النار الهش في الحديدة وعدد قليل من عمليات تبادل الاسرى، وغالباً ما تصل المفاوضات بين الجانبين، حتى بشأن القضايا الصغيرة، إلى طريق مسدود, حيث فشلت العديد من المفاوضات بين الحوثيين والسعودية، بما في ذلك محادثات السلام التي توسطت فيها الأمم المتحدة في سويسرا العام الماضي.

الحوثيون يزدادون قوة

عندما بدأت الحرب قبل أكثر من خمس سنوات، وعد القادة السعوديون بانتصار حاسم في غضون أسابيع، شهر أو شهرين على الأكثر.

ومع ذلك، فإن الحوثيين ما زالوا صامدين في مقاومتهم، وفي الواقع، أصبحوا أقوى مما مضى, مما أدى إلى ذعر المملكة، مع قيام الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بإقالة قائد قوات التحالف فهد بن تركي وعدد من كبار الضباط في أعقاب سلسلة من حالات الفشل الأخيرة في ساحة المعركة السعودية.

نفذت قوات الحوثي، ضربات بطائرات مسيرة استهدفت مطار أبها بمحافظة عسير جنوب غرب السعودية, حيث كانت هذه العملية هي الخامسة ضد المطار وإشارة إلى أن نصف عقد من الحرب لم يفعل شيئاً يذكر لتحقيق الأمن في المملكة.

وفي الواقع، يبدو أن الحوثيين الآن عازمون على نقل خط المواجهة إلى السعودية والإمارات، ووعدوا بعمل انتقامي ضد إسرائيل إذا استمروا في تصعيد مشاركتهم في الحرب.

ووفقاً للمتحدث باسم الحوثيين محمد عبد السلام، فإن “الحرب التي تقودها السعودية على اليمن هي الثمن الذي تدفعه الأمة العربية جراء تخاذلها في اتخاذ موقف حازم ضد إسرائيل, نظراً لكون الإسرائيليين متورطون في معظم الصراعات التي تعاني منها المنطقة، بما في ذلك الحرب العدوانية التي تقودها الرياض ضد اليمن”.

* تم ترجمته المادة الصحفية حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.