الابراهيمية.. دين مشوّه تتولى كِبَرَه عربيا الأنظمة المتصهينة!!
السياسية – تقرير : نجيب هبة
منذ أكثر من 20 عاماً ظهرت دعوة مشبوهة لجمع أتباع الديانات السماوية الثلاث (الإسلام والمسيحية واليهودية) في دين مشترك أطلق عليه اسم “الدين الإبراهيمي” يقوم على البحث عن نقاط الاتفاق في الأديان الثلاثة وترك القضايا الخلافية والوصول إلى مشترك ديني عالمي.. هذه الدعوة المشبوهة لها أهداف معلنة وأهداف خفية أو استراتيجية يتم كشفها على المدى البعيد.
من أهدافها المعلنة التعايش بين الأديان والسلام العالمي وتعزيز القيم الانسانية وثقافة السلام ومن أجل تحقيقها فإنهم يبتدعون تفسيرات جديدة للنصوص المقدسة وخاصة منها بعض الآيات القرآنية التي ترى فيها الصهيونية العالمية خطراً عليها.
أما أهم أهدافها الخفية فهي القضاء على الإسلام وإضعاف الشعوب العربية والمسلمة وإبراز اسرائيل واليهود كقوة حقيقية مسيطرة على المنطقة وإيقاظ حلم ومشروع الدولة اليهودية (اسرائيل الكبرى) من النيل إلى الفرات.
وبشكل واضح فإن من يقود هذا المشروع هي الصهيونية العالمية بزعامة الحركة الصهيونية والإنجيليين الذين يتزعمهم الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.. ونجد أن جامعات أمريكية مثل جامعة هارفارد وفلوريدا وغيرهما قد بدأت في الكتابة والبحث عن هذه الفكرة منذ سنوات، وبدأ تنفيذ هذا المخطط منذ عام 2013 ومحاولة تطبيقه على الأرض بدعم من اللوبيات اليهودية والمتنفذين في الولايات المتحدة الأمريكية الذين استحدثوا إدارة خاصة لذلك الغرض في وزارة الخارجية هي “إدارة الدبلوماسية الروحية”.
وقد أعدت الباحثة المصرية الدكتورة هبة جمال الدين، أستاذ النظم السياسية بمعهد التخطيط القومي المصري، دراسة تكشف ما وصفته بـ “مخطط غربي خطير لتغيير شكل المنطقة وتصفية الصراع العربي الصهيوني من جذوره”.
المخطط – حسب الدراسة – “بدأ مع بداية الألفية الحالية ويرفع شعارات براقة لا تثير الشكوك وتركز على جهود منظمات دولية ومدنية على مكافحة الفقر وتحقيق التنمية في مناطق الصراعات”.
وتضيف الدراسة “لتحقيق هذا الهدف التنموي لابد من علاج الصراعات من جذورها باستخدام الدين باعتباره عنصرا لتحقيق المحبة والسلام وليس سببا للعنف”، وبما أن فهم نصوص الأديان السماوية التي يطلقون عليها الإبراهيمية لدى أتباعها هو أحد أسباب المشكلة “فيجب الاستعانة برجال دين من الأديان الثلاثة أطلق عليهم “القادة الروحيين” لدعوة خطيرة تنادي بدين واحد عام يطلقون عليه اسم “الدين الإبراهيمي”، وذلك الدين الجديد هو عبارة عن “مجموعة القيم الأخلاقية المشتركة مثل المحبة والتسامح وإتقان العمل بين الأديان السماوية” وقد يضاف إليها مستقبلا أديان أخرى مثل البوذية.
وحسب دراسة د. هبة جمال الدين فإن “القادة الروحيين” “منشغلون كذلك فيما بينهم بمفاوضات هدفها تصفية النزاعات بإعطاء الحق لأصحابه الأصليين في أي نزاع قائم على الدين.. ويشاركهم في هذه المفاوضات دبلوماسيون وسياسيون من دول معنية بالصراع محل التفاوض ومستفيدة من حل الصراع وفقاً لتوجهاتهم ومصالحهم، وهذا النوع من المفاوضات غير الرسمية يطلق عليه اسم الدبلوماسية الروحية”.
أما من هم أصحاب الحق الأصلي في الصراع العربي الصهيوني؟ فقد توصلت الباحثة جمال الدين أنهم “ليسوا سوى اليهود الذين تسعى جهود مراكز بحثية مختلفة معنية بالدبلوماسية الروحية وممولة من الغرب لتزييف التاريخ في المقررات الدراسية وغيرها لخدمة الإدعاءات الإسرائيلية، وتؤدي هذه الجهود مجتمعة لاستيلاء إسرائيل على القدس كاملة وتسطو على المقدسات الإسلامية والمسيحية هناك”.
ويرى باحثون أن هناك دلائل عديدة تؤكد صحة ما جاء في دراسة الدكتورة هبة جمال الدين، فالصهيونية العالمية تدرك أن استمرار بقاء إسرائيل على قيد الحياة في هذه المنطقة العربية مرهون بتغيير عميق في ثقافة شعوبها التي تعتبر الدولة العبرية كيانا غريبا ومعاديا لها، ولأن شعوب المنطقة العربية متدينة بالفطرة وتشكل فيها العقيدة الدينية والموروث الثقافي العقائدي الثقافة العامة والجمعية، فإن أي تغيير في تلك الثقافة الجمعية هو مرهون بتغيير في العقيدة الدينية لتلك الشعوب.
ويضيف الباحثون أن “تغييراً من هذا القبيل لا يبدو أمراً سهل التحقق على المدى المنظور، ولكن إنشاء نموذج عقائدي مواز يبدو أمرا ممكنا خاصة لو كان هذا النموذج نابعا في الأساس من الأديان والمذاهب القائمة على أرض الواقع في المنطقة؛ وهي أديان ومذاهب متقاربة في كثير من المفاهيم الأخلاقية والإنسانية وفي أحيان أخرى المفاهيم العقائدية”.
ويعتبر الباحثون أن “هذه الفكرة ضمن الأفكار الخيالية التي تحولت مع الوقت وبدعم من اللوبيات اليهودية في الولايات المتحدة إلى فكرة واقعية تبنتها مراكز دراسات حكومية مرموقة وجامعات مثل جامعة هارفارد وغيرها منذ تسعينيات القرن الماضي، وقد بدأ العمل على أرض الواقع نحو البدء في تجسيد الفكرة على الأرض تحت شعارات كالسلام العالمي والتعايش وتعزيز القيم الانسانية”.
ومن أجل نشر هذا المشروع في منطقتنا العربية فقد لجأ رعاة الصهيونية إلى شق صف المسلمين وتحطيمهم من الداخل من خلال الزعماء الذين نصبتهم القوى الغربية والصهيونية والذين تعمل على ضمان وتأمين استمرارهم في حكم دولهم مقابل تنفيذ الأهداف والمشاريع المشبوهة مثل مشروع “الدين الإبراهيمي”.
وليست صفقة القرن وحفلات التطبيع القائمة هذه الأيام بين الأنظمة الخليجية وإسرائيل ببعيد عن هذا المشروع، بل إنها جزء مهم من أجزاء تنفيذ الإبراهيمية حيث تهدف إلى تطبيع وجود إسرائيل ككيان طبيعي تمهيداً لتسييد هذا الكيان على الإقليم من خلال تفوقه العلمي والتكنولوجي والثقافي لاحقا.. وكذلك حمايته من دول المقاومة والشعوب التي لا تؤمن أبداً بهذه الفكرة أو بالسلام مع إسرائيل.
علاقة التطبيع بالدين الإبراهيمي
يقول مستشار وزير الأوقاف المصري السابق والباحث في الأديان والمذاهب، الدكتور محمد الصغير في مقال بعنوان “الديانة الإبراهيمية راية الردة في الإمارات” نشره موقع الجزيرة نت أن “خطورة الخيانة الجديدة تتضح لنا ، ليس لأن أبوظبي ستقوم بدور سمسار التطبيع في محيطها وعند من لها كلمة عليهم، وإنما لأن تطبيع الإمارات لن يكون له كبير تأثير على الأرض، ولا في أفق السياسة، وإنما تكمن خطورته في قيامه على أساس ديني”.
وأضاف أن “هذا هو الدور الخطير الذي قبله عيال زايد في الحرب على الإسلام عقيدة وشريعة، وليس مجرد التفريط في مقدسات المسلمين، وذلك من خلال الدعوة إلى الدين الجديد الذي أطلقوا عليه “الديانة الإبراهيمية” التي تبشر بها الصهيونية العالمية، وتتبناها الصليبية الغربية”.. مؤكداً أن “إنشاء البيت الإبراهيمي في نظرهم هو الحل الأمثل الذي تذوب فيه العداوات، وتختفي تحته الخلافات، من خلال تنقية النصوص المقدسة من كل ما يخالف توجهات الدين الجديد، ويُنْتقى منها كتاب واحد يكون هو المرجع الوحيد لأتباع الدين الجديد”.
وأشار الصغير إلى أن “من أسموهم القادة الروحيين من رجال الدين، الذين يؤمنون بفكرة الدين الجديد من علماء الأديان الثلاثة، هم من يضطلعون بهذا العبء وهذا يفسر استقطاب الإمارات لعلماء ودعاة تدخرهم لهذه المهمة، وإنشاء مجلس حكماء المسلمين كمرجعية علمائية”.
وتتولى دويلة الإمارات المارقة كبره وتتحمل إثم نشر هذه العقيدة في المنطقة العربية من خلال تزعمها للأنظمة العربية المتصهينة وقيادتها لراية هذا الفكر والمخطط.. ومما يدل على تحمل الإمارات مسؤولية نشر هذا الفكر الدخيل على الأمة العربية والإسلامية في المنطقة العربية نيابة عن اسرائيل هو إقامتها لجملة من الفعاليات التي تندرج في إطار الترجمة العملية لتأسيس الابراهيمية ومن هذه الفعاليات مايلي..
– في يوم 14 مايو الماضي أقيم ما وصف بمبادرة “الصلاة من أجل الإنسانية”، التي أطلقتها اللجنة العليا للأخوة الإنسانية المنبثقة عن وثيقة الأخوة الإنسانية من أجل السلام العالمي والعيش المشترك، والتي تتخذ من أبوظبي مقراً لها، وكان هدفها حسب وصفهم أن “تتوحد فيه قلوب بني البشر في شتى بقاع العالم للتضرع إلى الله بالصلاة والدعاء بصوت واحد كل في مكانه وحسب دينه ومعتقده ومذهبه بأن يحفظ البشرية ويرفع عنها وباء كورونا”.
– في عام 2019 تم تدشين ما سمي ب “بيت العائلة الابراهيمي” في العاصمة الإماراتية أبوظبي وهو صرح يجمع بين الديانات السماوية الثلاث، وسيضم عند افتتاحه رسميا في وقت لاحق كنيسة، ومسجدا، وكنيسا يهوديا.
– أطلق ترامب اسم “اتفاق ابراهام” على اتفاقية التطبيع بين الإمارات والبحرين وإسرائيل التي تم الاحتفال بتوقيعها الثلاثاء في واشنطن، وهذه التسمية ليست اعتباطية وإنما تأتي في سياق الخطوات العملية لتنفيذ مخطط الدين الابراهيمي.
– دعت صحيفة “جيروزاليم بوست الإسرائيلية”، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو إلى أن يؤدي صلاة مشتركة في المسجد الأقصى مع ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد، أو رئيس الوفد الإماراتي الذي سيزور إسرائيل في 22 سبتمبر الجاري.
– بدأ التمهيد بالفعل في المدارس الدولية لفكرة إيجاد القاسم المشترك بين الأديان حيث تم حذف مادة التربية الدينية واستبدالها بمادة الأخلاق العامة.
البحث عن حق مزعوم لليهود
وفي سياق الترويج الإسرائيلي للدعوة الإبراهيمية.. قالت صحيفة “جيروزاليم بوست” في مقال تحت عنوان “هل حان الوقت لتطبيع جبل الهيكل؟” في إشارة إلى المسجد الأقصى المبارك، إن اختيار اسم “اتفاق أبراهام” لاتفاق السلام مع الإمارات لم يكن عبثيا، وأن السلام بين الديانات يتطلب الإقرار بما وصفته بـ”حق اليهود بالصلاة في جبل الهيكل”.
وأضافت الصحيفة أن “كثيرا من الأشياء التي لم تكن طبيعية باتت طبيعية اليوم، وكثير من المحرمات لم تعد كذلك، وقد حان الوقت لكسر أكبر المحرمات وهو صلاة اليهود في المسجد الأقصى، وتحقيق نبوءة التوراة في سفر أشعيا التي تقول ” بَيْتِي يُدْعَى بَيْتَ الصَّلاَةِ لِكُلِّ الشُّعُوبِ” بمعنى أن “الهيكل سيصبح بيتا للصلاة لجميع الأمم في آخر الزمان”.
واعتبرت الصحيفة الإسرائيلية أن “إنكار حق اليهود بالصلاة في جبل الهيكل هو من أغرب جوانب هذا الصراع، وهذا ينبغي تصحيحه الآن بتمكين كل أبناء إبراهيم من الصلاة فيه، إن أردنا لاتفاق أبراهام أن يكون ذا معنى”.
إذن فاليهود والانجيليين من النصارى يخططون بشكل استراتيجي من أجل القضاء على الإسلام واستعباد المسلمين وإذلالهم ويعملون على تنفيذ تلك الخطط على مراحل زمنية لا يهمهم إن كانت بعيدة وأخذت فترات طويلة جداً من الزمن، إنما المهم في عقيدتهم أن يحققوا تلك الخطط ويجعلوها واقعاً ملموساً، وهذا ما يجب على من تبقى لديهم غيرة على دينهم من العرب والمسلمين أن يتنبهوا له جيدا وأن يعملوا على محاولة فضحه وإفشاله وتنبيه الشعوب الإسلامية التي لا تتنازل عن مبادئها للوقوف في وجه تلك المخططات.