كيف تستفيد المؤسسات الغربية من الإسلاميين الفاسدين في السعودية
الملخص التنفيذي: الكشف الأخير لسعد الجابري، ضابط مخابرات سعودي سابق وفاسد إسلامي، يسلط الضوء على التناقض بين انتقاد المؤسسات الغربية للسعودية باسم حقوق الإنسان ودعمها للمسؤولين السابقين الأكثر مسؤولية عن انتهاكات حقوق الإنسان, والتجاوزات والتهديدات الأمنية المرتبطة بالمملكة.
السياسية :
تهدد إصلاحات محمد بن سلمان سلسلة متشابكة من العلاقات بين أنصار نظام محمد بن نايف المؤيد للإخوان وأعضاء سلطات إنفاذ القانون الأمريكية الموالين لقطر (مثل علي صوفان) والوسطاء المتعاطفين أيديولوجياً (مثل جمال خاشقجي)
بقلم: إيرينا تسوكرمان
(موقع “مركز بيغن- السادات للدراسات الاستراتيجية” الإسرائيلي – ترجمة نجاة نور، سبأ)
عندما أطلق الهارب سعد الجابري، رئيس المخابرات السابق في عهد محمد بن نايف ولي العهد السعودي السابق حملة إعلامية تتهم ولي العهد السعودي الحالي محمد بن سلمان باختطاف أبناءه استغرق الأمر من المملكة أكثر من شهرين للرد ونشر المعلومات إلى صحيفة وول ستريت جورنال, ومن ثم, هدأ هذا الغضب الإعلامي، لكن الجابري هو مجرد ممثل واحد في حملة لا تنتهي تتهم الحكومة الإصلاحية في السعودية بأنها ليست أفضل، إن لم تكن أسوأ من سابقاتها من حيث انتهاكات حقوق الإنسان، وقمع المعارضين، والتلاعب بالرأي العام في الغرب.
ومنذ ذلك الحين، ضاعف الجابري الادعاءات ورفع دعوى قضائية في المحاكم الكندية زاعماً أن ولي العهد أرسل فريق قتل لاغتياله.
وحتى الآن، لا يبدو أن هناك أي دليل على هذا الادعاء، لكن المنظمات المعارضة لولي العهد تظهر استعدادها لإنفاق مبالغ كبيرة لمهاجمة شخصيته ونشر الفضائح في وسائل الإعلام حتى لو كانت المزاعم تافهة وربما تنهزم.
لقد استحوذ التدفق الذي لا يمكن إيقافه للانتخابات والوباء والتطورات المتعلقة بأعمال الشغب على قدر كبير من اهتمام وسائل الإعلام الأمريكية.
ومع ذلك، لم يمنع كل هذا صحيفة نيويورك تايمز عن نشر سلسلة مقالات تتهم أنصار محمد بن سلمان على وسائل التواصل الاجتماعي بالتشهير بولي العهد السابق.
فلماذا تهتم التايمز بشأن محمد بن نايف الذي خرج من السلطة في السنوات الثلاث الماضية؟.
الجابري هو مجرد عضو واحد من مجموعة واسعة من الشخصيات في شبكة معقدة من العلاقات المتعلقة بالإصلاحات في السعودية.
فمن ناحية أخرى، هناك جماعة من المنظمات غير الحكومية لحقوق الإنسان وأنصار محمد بن نايف، ووسائل الإعلام، وجماعات الضغط لتصوير رؤية 2030, على أنها احتيال أو فشل لعدم تحقيق أي منها بالسرعة الكافية.
ومن ناحية أخرى، هناك جهود متضافرة من نفس المجموعات (وعناصر من المخابرات الغربية) لعكس الإصلاحات واستعادة الوضع السابق, حيث تساعد قصة الجابري في تسليط الضوء على المصالح الراسخة لبعض الغربيين في إعادة الإسلاميين الفاسدين إلى السلطة.
في حين أن الجابري لم يقدم أبداً أي دليل على اختطاف أبنائه البالغين، إلا أنه يجب وضع ثلاث نقاط في الاعتبار:
1) يبدو أن عائلته قد استفادت من اختلاسه وقد تعرف التفاصيل ذات الصلة بتحقيق الحكومة السعودية.
2) تلقينهم الأيديولوجي وأنشطتهم الخاصة قد تجعلهم أيضاً أشخاصاً موضع اهتمام.
3) الجابري، بصفته خبير استخبارات، تم تدريبه على الكذب واستغلال السذج.
وبحسب وجهة النظر الغربية عن الجابري، فهو محارب شجاع ضد الإرهاب ومسؤول عن منع تنظيم القاعدة من مخطط تفجير يستهدف الغرب, ويُعتبر محاوراً رئيسياً مع وكالات الاستخبارات الغربية، بما في ذلك “MI6″ و” CIA” ، و “حارس البوابة” لمحمد بن نايف الذي تنسب إليه هذه الوكالات.
حاول تنظيم القاعدة وغيره من الإسلاميين شن هجمات ضد السعودية حتى منتصف عام 2017, أي بعد شهرين من تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد.
كشفت صحيفة وول ستريت جورنال أن الجابري اختلس أكثر من 11 مليار دولار من التمويل الحكومي للاستخدام الشخصي والعائلي وتم شمل اسمه في تحقيق لقضايا الفساد بقيادة محمد بن سلمان عام 2017, وهرب إلى كندا قبل أن يتم القبض عليه فيما يتعلق بعمليات الاختلاس الجماعية تلك.
يوفر موقع Twitter الذي يتابعه أفراد من العائلة المالكة السعودية والمعروف بأنه مصدر للتسريبات الرسمية تفاصيل إضافية.
في عام 2013, كشف التحقيق أن الجابري حصل على عقار خاص باهظ الثمن في تركيا كهدية من الرئيس أردوغان, كما أنه اشترى عقارات فاخرة في مدينتين مختلفتين ويفترض أن يكون بأمواله الخاصة.
لم يكن الجابري فاسداً فحسب، بل كان فاسداً مخضرماً, فقد كان يتمتع بعلاقة شخصية وثيقة مع الرئيس الإسلامي التركي ومشارك في أيديولوجيته.,كما احتفظ باتصالات وثيقة مع رئيس جهاز المخابرات التركي الذي زُعم أنه ساعد في هروبه إلى كندا، حيث يقيم الكثير من “المعارضين” السعوديين المناهضين لمحمد بن سلمان والمدعومين من قطر, لكن كيف لا يعلم محمد بن نايف بهذه التطورات؟
قد يكشف تسليم الجابري واستجوابه عن تورط بن نايف أو تواطؤه مع الإسلاميين المحيطين به.
وخوفاً من الضغط، اتهم الجابري محمد بن سلمان بممارسات مسيئة في محاولة للتأثير على التعاطف العام، كما اتهم الحكومة الكندية بنظره كمعارض سياسي يستحق الحماية، وليس مسؤولاً فاسداً في الخارج.
احتُجز محمد بن نايف وشقيق الملك سلمان أحمد بن عبد العزيز في مارس على خلفية التخطيط لمخططات سياسية معقدة تضمنت الضغط على الهيئات الحكومية لتدمير سمعة محمد بن سلمان واستبداله بالملك.
وأعقب ذلك تحقيق آخر في قضايا فساد انتهت بتوقيف مئات المسؤولين خاصة في وزارة الداخلية, لكن الجابري يحمل مفتاح ما إذا كان محمد بن نايف والعديد من كبار المسؤولين يمكن توجيه الاتهام إليهم رسمياً.
منذ صعوده، حاول محمد بن سلمان تحقيق السلام مع محمد بن نايف وأتباعه الذين فقد العديد منهم مناصبهم وإمكانية وصولهم وسلطتهم نتيجة التنفيذ العدواني لرؤية 2030 وإعادة التوجيه الفلسفي للحكومة.
ومع ذلك، فإن الظروف الغريبة التي أحاطت بمقتل جمال خاشقجي في القنصلية السعودية بإسطنبول، إلى جانب الكوارث الأمنية والعلاقات العامة الأخرى تشير إلى أكثر من مجرد عثرات متزايدة لفريقه الشاب.
كان الجابري في وضع أفضل للتأثير على مسار الأحداث الفرعية داخل البلد، وكشخصية استخباراتية كبيرة سابقة، سيكون الرابط المنطقي لـ “الدولة العميقة” وراء سلسلة الكوارث غير القابلة للتفسير التي ضربت السعودية خلال الثلاثة الأعوام الماضية.
لا يمتلك الجابري فقط أدلة على دور بن نايف (وأنصاره وداعميه) في هذه الفضائح والمؤامرات، بل يمكنه أيضاً الكشف عن تفاصيل الاتصالات بين قطر والمعارضة السعودية في الخارج ووكالات المخابرات الغربية والإسلاميين في المملكة الذين يشتركون في الجذور الأيديولوجية للقاعدة وقد قدموا ذات مرة تمويلاً سخياً.
سيطرت الجابري يدمر الأسطورة الإسلامية “المعتدلة” ربما يكون تنظيم القاعدة قد خطط لقتل رئيسه في مناسبات متعددة بسبب الخلافات بين الفصائل، ولكن قد يكون هناك سبب وجيه لفشل هذه المحاولات دائماً, لذا لماذا يريدون قطع اليد التي تطعمهم؟
أما بالنسبة للغربيين المتعاطفين، فاعتبر علي صوفان، رجل المخابرات المشهود له والذي كان أحد المحاورين مع الجابري بشأن جهود مكافحة الإرهاب, ويصادف أن صوفان يقوم الآن بتدريب القوات القطرية وقد اتهم صحفياً استقصائياً سعودياً بتدبير حملات تحرش ضده على الإنترنت.
ومع ذلك، فإن أولئك الذين دعموا صوفان في وسائل الإعلام، مثل بروس ريدل، هم أنفسهم جزء من المؤسسات التي تمولها الدوحة.
بعد مقتل خاشقجي، بثت وسائل الإعلام ووكالات المخابرات الغربية سلسلة من التسريبات من ضباط مجهولين زعموا أن وكالة المخابرات المركزية تحمل محمد بن سلمان المسؤولية الشخصية عن مقتل خاشقجي (لم يذكر مدير وكالة المخابرات المركزية هذا الادعاء أبداً).
كشفت هذه التسريبات عن تفاصيل حساسة خلال التحقيق الجاري، سواء كانت حقيقية أو ملفقة، حيث كانت ستقوض مصالح الأمن القومي الأمريكي.
يعتقد منتقدو الإسلاميين أن أطراف العلاقة بين الجابري وصوفان ومسؤولين في نفس التوجه على جانبي الامر, نظراً لكونهم هم الذين أقاموا علاقات واتخذوا ترتيبات جدية.
أخيراً، من المهم ملاحظة سبب أهمية فضيحة خاشقجي لهذه المؤسسات, فقد كان خاشقجي ضابطاً سابقاً في المخابرات السعودية ومتحدثاً باسم الحكومة, و كان نشطاً خلال حملة مكافحة الإرهاب وتم إرساله لعقد صفقة مع أسامة بن لادن لتجنيب السعودية الهجمات.
كان خاشقجي، بكل المقاييس، صديقاً لبن لادن، الذي لم يستهدفه السعوديون بشكل جدي على الرغم من استمرار الهجمات ضد البلد.
كان لأيديولوجية خاشقجي و جماعة الإخوان المسلمين الصريحة الكثير من القواسم المشتركة مع نظرة بن لادن للعالم وكان يعارض حملة المملكة على دعاة الكراهية الإسلاميين وسياسات محمد بن سلمان التي من شأنها أن تضع البلد في مسارها نحو التعاملات التجارية والدفاعية المحتملة مع إسرائيل (من خلال التعاون الإقليمي بشأن مشروع نيوم، من بين أمور أخرى).
تطلب العديد من هذه التطورات نهجاً جديداً وفريقاً حكومياً جديداً للإشراف عليها، مما يعني خسارة الإسلاميين للسلطة.
وعلى الرغم من أن وجهة النظر الأكثر انفتاحاً والمناهضة للتطرف للإسلام التي اقترحها ولي العهد وأنصاره كانت غير مقبولة لهذه المجموعة من المسؤولين، فقد يكون لديهم شبح الخراب الشخصي بنفس القدر أو حتى أكثر.
وبالمثل، فإن أولئك الموجودين في وسائل الإعلام والاستخبارات الغربية الذين كانوا يتلقون إعانة مالية وعلى وشك أن تتعطل مصالحهم وتمويلهم, كان لديهم مصلحة خاصة في توجيه الضربات.
وقد فعلوا ذلك، حيث اجتمعوا معاً للدفاع عن مواقفهم وهو ما يعني حتماً حماية أشخاص مثل الجابري واستخدام جماعات الضغط الغربية القوية لتقويض سلطة ولي العهد السعودي وهو يحاول الكشف عن مدى الفساد داخل حكومته.
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.