مها بربار*

قبل أكثر من 15 عامًا نشرنا تحقيقًا صِحافيًّا قُلنا فيه إنّ الأمير سلمان بن عبد العزيز (الملك الحالي) كان أقل إخوانه ثراء، لأنه كأمير للرياض وانشغاله بترتيب أمور العائلة وحلّ مشاكلها وخلافاتها، فصل بالكامل بين الإمارة والتجارة، وطبّق هذا المبدأ على أبنائه حيث حرص على تعليمهم في أرقى الجامعات، وتحريم ومنع انخراطهم في الأعمال التجاريّة أُسوةً بأبناء عُمومتهم.

اتّصل بالصحيفة في ذلك الوقت مسؤولٌ خليجيٌّ كبير، وقال لنا إنّ هذه المعلومة غير صحيحة، وما ذكرتموه لا ينطبق على جميع أبناء الأمير سلمان، وهُناك أميرٌ شاب من زوجة الأمير الثالثة، يُدعى “محمد” غارقٌ في التجارة، ويملك العديد من الشركات، وأصبح مليارديرًا في زمنٍ قياسي.

كتاب “Blood and oil” في تتبّعه لمسيرة الأمير محمد بن سلمان توقّف عند هذه الفترة بإسهاب وكشف أن الأمير سلمان استثنى ابنه “محمد” من أي موانع للانخراط في “البزنس” لأنه كان ابنه “المدلّل”، وكان الأمير بن سلمان يُجادل بحقّه في أن يكون ثريًّا جدًّا مثل أبناء عُمومته، وأن يُكوّن ثروةً كبيرةً للعائلة السلمانيّة، ويملك اليخوت والطائرات الخاصّة، والقصور في داخل المملكة وخارجها، ويُعفي والده من الاقتراض من بعض رجال الأعمال داخل الأسرة وخارجها لتغطية بعض نفقاته كأميرٍ للعاصمة.

وسلّط الكتاب “الدم والنفط.. سعي محمد بن سلمان الشرس للقوة العالمية” وعلى ولع الأمير بجمع المال منذ أن كان فتى صغيراً، حيث جمع مئة ألف دولار بعد بيعه ساعات فاخرة قُدّمت له كهدايا عندما كان عُمره 16 عامًا، كما تطرّق إلى طُفولة الأمير حيث تم وصفه بطفل مشوّش، يُعاني من زيادة في الوزن ومُدمن طعام “ماكدونالدز”، إلى شاب يزداد قسوةً، وطموحاً نحو العرش، حتى تغيير الملك سلمان التقاليد المتّبعة في تعيين وليّ العهد، وأجرى تغييرات في التسلسل الهرمي، فأصبح محمد بن سلمان، ابنه المُفضّل، وليّاً للعهدـ وذلك عام 2017.

واستخدم الكاتبان الأميركيان برادلي هوب، وجاستن شيك، مؤلفا الكتاب وهما صحافيان في صحيفة “وول ستريت جورنال” في كتاب “الدم والنفط” حرب اليمن لتكون المقدمة للكتاب حيث أظهرا سوء التقدير الخطير لولي العهد السعودي بشأنها، وبدلاً من انتهاء الحرب بشهرين كما أكّد الأمير الشاب لوالده وللمسؤولين الأميركيين، الحرب في اليمن ما زالت مستمرة بعد خمس سنوات من بدئها، وقد أدّت حتى الآن إلى مقتل آلاف المدنيين، لتجعل من اليمن بلداً يشهد واحدة من أكبر الكوارث الإنسانية في العالم.

وركّز الكاتبان على محطّة الـ”ريتز كارلتون” حيث أوردا تفاصيل ما جرى وراء جدران هذا الفندق الفخم، في تشرين الأول (نوفمبر)2017، حيث طلب الأمير بن سلمان من السلطات تصميم زيّ خاص للمُعتقلين، في إشارةٍ إلى تغذية شُعوره بالسّطوة والقوّة.

وخصّص الكتاب مساحةً للأزمة الخليجيّة، حيث يؤكّد ما كشفته تقارير سابقة عن خطط ضد قطر سبقت إعلان الحِصار عليها، من بينها خطّة لتصويرها كدولة راعية للإرهاب في آذار (مارس) عام 2017، حيث تمّ استخدام مجموعة من الصحافيين ذوي التّأثير في الرأي العام لنشر مقالات تُشوّه سُمعتها.

وكشف الكاتبان في العديد من التقارير الصحافيّة معلومات ومستندات حكومية سريّة ومُمارسات تجاريّة غير النّاجحة لوليّ العهد وذلك عن طريق مقابلات أشخاص كانوا قريبين من الأمير بن سلمان، ولكن طبعًا دون الكشف عن أسمائهم.
كما تحدّث الكتّاب عن الإطاحة بأفراد العائلة المالكة المُنافسين له أو سجنهم وذلك بعد تعيينه بفترة قصيرة ومن بينهم ولي العهد آنذاك، محمد بن نايف، حيث أصبح بعدها المُتحكّم الوحيد بالدفاع والاقتصاد، وشركة “أرامكو” النفطيّة، إحدى أكبر الشركات في العالم وأكثرها ربحيّةً.

ويرى المؤلفان أنّ محمد بن سلمان ربّما باع والده أوهام رؤيته للمملكة العربيّة السعوديّة، التي تنطوي على استقلال المملكة عمّا يُسمّيه “الاعتماد على النفط”، والسّماح بمجتمع أكثر انفتاحاً لجيل شاب صاعد.

وبحسب المؤلفين، أدرك ولي العهد أنّ المملكة المُنعزلة بحاجةٍ ماسّة إلى التحديث والاستثمار الأجنبي، فاستقطب مُستشارين ومسؤولين غربيين بمبالغٍ باهظة، ودفع لشركة “ماكينزي” ومجموعة “بوسطن الاستشاريّة” عشرات الملايين من الدولارات، مُقابل مخطّطات واقتراحات، أثمرت عدّة قرارات، كان منها السّماح للمرأة بقيادة السيّارة أخيرًا، التي ساعدت على تلميع صُورته أمام أمريكا والغرب.

ويعرض الكتاب عددًا من الروايات التي تتحدّث عن فوضى البيت الأبيض في أثناء مُحاولة تنظيم زيارة ترامب للسعوديّة، بعد فترة وجيزة من تولّيه منصبه، مطلع عام 2017، كما تعرّض إلى قضيّة مقتل الصحافي جمال خاشقجي وكيف أنّ الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ألقى جانباً تقارير وكالات الاستخبارات الأميركيّة التي تحدّثت عن مسؤوليّة محمد بن سلمان في مقتله، قائلاً إنّ المملكة “شريكٌ تجاريٌّ مُهم”.

يرى المُؤلّفان أنّه من المُحتمل جدًّا أن يقود الشاب الملكي المتهوّر والخطير المملكة العربيّة السعوديّة لنصف قرن مُقبل.
ويؤكّد الكاتبين أن الكتاب ليس الكتاب الأوّل عن الأمير السعودي في الغرب، وربّما لن يكون الأخير.. ففهم صُعود بن سلمان إلى السلطة أمر يزداد أهميّةً بالنسبة للعالم لتقييم الاتّجاه الذي ستتّخذه المملكة حين يعتلي العرش.

* المصدر : رأي اليوم
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع