أصبحت ناقلة النفط “صافر”، وهي ناقلة نفط راسية في عرض البحر, على وشك الانفجار أو التسريب الذي سيكون كارثياً، ورقة مساومة أخرى في الحرب المستمرة في اليمن، حيث يتنافس الحوثيون والأمم المتحدة والولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية للاستيلاء على النفط الثمين الذي على متنها.

بقلم: احمد عبد الكريم

31 اغسطس 2020(موقع- mintpressnews” منتبرس نيوز” الانجليزي – ترجمة: نجاة نور- سبأ(

الحديدة، اليمن- في أعقاب الانفجار القاتل في بيروت الذي حدث في لبنان في 4 أغسطس الجاري، يأمل الكثيرون في اليمن أن يكتسب العالم، والولايات المتحدة والتحالف بقيادة السعودية، على وجه الخصوص، إحساساً جدياً بالضرورة للتحرك لتجنب كارثة مماثلة قبالة السواحل اليمنية في مضيق باب المندب الدولي الذي تمر عبره الكثير من السفن التجارية، وهو أحد أكثر ممرات الشحن الدولية ازدحاماً في العالم.

هناك تبحر ناقلة النفط صافر التي ترسو على بعد 25 ميلاً تقريباً شمال غرب مدينة الحديدة الساحلية، إذ لا تهدد هذه الناقلة فقط أفقر دولة في الشرق الأوسط ولكنها تشكل أيضاً تهديداً حقيقياً لجميع البلدان المطلة على البحر الأحمر والملاحة الدولية بشكل عام.

دخلت السفينة المليئة بما يقدر بنحو 1.1 مليون برميل من النفط الخام، بالفعل مرحلة حرجة وهي عرضة لكارثة يمكن أن تنافس تلك التي شوهدت في العاصمة بيروت, مع وزنها المدمج الذي يبلغ 409.000 طن متري وقدرة احتواء تزيد عن مليون برميل من النفط، ايضاً تحتوي على ما يكفي من المواد المتطايرة, بمعدل أكثر من 150.000 طن متري من النفط، لجعل 2750 طناً مترياً من نترات الأمونيوم التي كانت في مرفأ بيروت تبدو غير مهمة نسبياً.

على الرغم من أن النفط الخام في العادة ليس متفجراً مثل نترات الأمونيوم، إلا أنه في الظروف المناسبة، يمكن أن يكون شديد الانفجار.

في كارثة السكك الحديدية في كيبيك لاك-ميغانتيك في عام 2013, اشتعلت النيران في 47 عربة سكة حديد تحمل النفط الخام، وانفجرت، وأنتجت دائرة نصف قطرها كيلومتر واحد، مما أدى إلى تسوية الكثير من مدينة لاك ميغانتيك بالأرض، مما أسفر عن مقتل أكثر من 40 شخصاً وخلق بيئة كارثية ضخمة.

قد يتسبب الانفجار المحتمل للناقلة في جعل ملايين الأشخاص الذي يكافحون بالفعل ضد الجوع والمرض والوباء وسط حملة القصف التي تقودها السعودية والحصار من خلال فرض إغلاق ميناء الحديدة، بوابة دخول 90٪ من المواد الغذائية والطبية في البلد وإمدادات المساعدات، وخنق حركة المرور على أحد أكثر الممرات المائية ازدحاماً في العالم وهو مضيق باب المندب.

أعرب عشرات الصيادين في الحديدة الذين تحدثوا إلى مينتبرس عن قلقهم العميق، و أطلقوا على الناقلة “قنبلة عائمة” حيث ترسي قبالة سواحلهم ويقولون إنها يمكن أن تدمر آخر مصدر للغذاء والدخل لديهم.

سيؤثر التسرب النفط في مضيق باب المندب على أكثر من 100 جزيرة يمنية ومحافظات ساحلية، بما في ذلك الحديدة وحجة وعدن, كما أنه سيقضي على ملايين الأطنان من الثروة السمكية، وسيحطم حياة الصيادين اليمنيين الذين يواجهون بالفعل صعوبات مميتة: القصف، وتناقص الأرصدة السمكية، والقوارب المحطمة، والبحر غير الموثوق، والجوع والمرض.

كما أن تسرب النفط في ميناء البحر الأحمر من شأنه أن يدمر النظم البيئية البحرية الحساسة، ويشكل تهديداً لما تبقى من السياحة الساحلية في اليمن.

يقول المسؤولون إن الأسوأ من ذلك كله، أنه قد يترك ملايين الأشخاص في الحديدة بدون مياه شرب نظيفة, حيث حذر الخبراء في “IR Consilium” وهي شركة استشارية تركز على القانون والأمن البحريين، من أن تسرباً في المنطقة من شأنه أن يجبر العديد من محطات التحلية المحيطة بالبحر الأحمر على الإغلاق، مما يحرم الملايين من الوصول إلى مياه الشرب النظيفة.

قنبلة موقوتة:

وفقاً لفريق من المسؤولين الحكوميين الذين زاروا الناقلة، يمكن أن يبدأ النفط من السفينة بالتسرب إلى البحر الأحمر في أي وقت.

ويقول هؤلاء المسؤولون أنه إذا حدث ثقب في خزانات السفينة، فمن المحتمل أن تغطي التداعيات مساحة 939 تريليون متر مربع (حوالي 366.000 ميل مربع)، محذرين من أن غلايات ومبردات السفينة تعاني من تآكل شديد.

في الواقع، زعمت الأمم المتحدة أن النفط الموجود في الناقلة ربما بدأ يتسرب منذ ثلاثة أشهر، وذلك بسبب تسرب في أنبوب تبريد أدى إلى دخول المياه إلى غرفة المحرك.

على الرغم من معارضة معظم الفصائل السياسية اليمنية، منحت حكومة الإنقاذ بقيادة أنصار الله في صنعاء تأشيرات لفريق من الأمم المتحدة لزيارة السفينة هذا الأسبوع استجابة لدعوة الأمم المتحدة, واعتبرت عدة جهات سياسية الخطوة انتهاكاً لسيادة اليمن ومحاولة لتدويل الناقلة، على غرار محاولة تدويل تحقيقات انفجار بيروت, كما يقولون إنه ليس الوقت المناسب للزيارات، ولكن لإرسال معدات الصيانة وقطع الغيار المطلوبة بشكل عاجل

تريد الأمم المتحدة إرسال فريق، ليس لإجراء الصيانة اللازمة للسفينة، ولكن لسحبها إلى مكان غير معلوم وتفكيكها, وفي المقابل ترفض جماعة أنصار الله هذه الخطوة التي ترى في بقاء الناقلة مصدر قلق للأمن القومي.

وبحسب حسين العزي، نائب وزير الخارجية في حكومة أنصار الله، الذي اتهم التحالف الذي تقوده السعودية بتسييس قضية الناقلات، فإن السفينة تحتاج إلى ترميم وصيانة وليس التخلص منها, وقال: “البنية التحتية التي لم تدمرها السعودية، تحاول تدميرها بطريقة ناعمة من خلال الأمم المتحدة”.

ورقة مساومة أخرى:

مثل معظم القضايا الاقتصادية والمساعدات الأخرى في اليمن، أصبحت محنة الناقلة ورقة مساومة, حيث دق اليمنيون ناقوس الخطر مراراً وتكراراً وحذروا من احتمال وقوع كارثة كبيرة، لكن تم تجاهل تحذيراتهم.

الآن كما يقولون، أعادت الولايات المتحدة والتحالف الذي تقوده السعودية إحياء الجدل من أجل حرمان اليمنيين من النفط المخزن على السفينة والاستيلاء على الوعي العام الذي نشأ في أعقاب انفجار بيروت.

قال مسؤول في الحديدة طلب عدم ذكر اسمه بسبب حساسية الموقف, أن هناك مخاوف في الحكومة التي يقودها الحوثيون من احتمال قصف الناقلة صافر من قبل ايادي محلية أو دولية على أمل إثارة التوترات في البحر الأحمر, وأشار المسؤول إلى الجماعات الإرهابية، وإسرائيل والإمارات باعتبارهما أهم مصادر التهديدات.

اتهمت هيئات سياسية أخرى في اليمن التحالف الذي تقوده السعودية بتسييس ناقلة النفط من أجل ابتزاز قوى المعارضة التي أحرزت تقدما في محافظة مأرب الغنية بالنفط.

في يونيو، أعرب مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة عن قلقه إزاء “الخطر المتزايد من أن ناقلة النفط صافر قد تنفجر أو يتسرب مخزونها مسببة كارثة بيئية واقتصادية وإنسانية لليمن وجيرانه”, لكن بدلاً من مطالبة التحالف السعودي بالسماح للحكومة في صنعاء بإرسال معدات الصيانة والإصلاح، دعوا الحوثيين إلى “منح الوصول غير المشروط للخبراء التقنيين التابعين للأمم المتحدة على الفور.

وفي النهاية رضخ الحوثيون ووافقوا على السماح لفريق من الأمم المتحدة بالوصول إلى الناقلة لتجنب الكارثة.

رفضت معظم الهيئات السياسية اليمنية المخاوف الخارجية للولايات المتحدة ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بشأن مصير الناقلة، قائلة إنها تبدي اهتماماً بالحياة البحرية والبيئة لكنها تظهر عدم اكتراث بحياة آلاف اليمنيين الذين يموتون بسبب التفجيرات السعودية.

يدعو البعض أنصار الله إلى استخدام الناقلة كورقة مساومة للتفاوض على إنهاء الحرب أو رفع الحصار السعودي أو على الأقل السماح بدخول النفط الذي تشتد الحاجة إليه إلى البلد.

ودعت الحكومة التي يقودها الحوثيون في صنعاء مرارا إلى تقييم وضع الناقلة، لكن هذه المطالب قوبلت بالرفض.

ففي 21 ديسمبر 2016, طلب وزير النفط والمعادن اليمني من قادة الهيئات والمؤسسات النفطية إيجاد حل للأزمة الوشيكة, وكرر تحذيراته في مايو 2017, ومع ذلك استمر الوضع في التدهور.

وفي أبريل 2017, أعلنت الهيئة العامة للشؤون البحرية أن توقف معظم الأنشطة، بما في ذلك صيانة الناقلة العائمة التي تهدد بكارثة بحرية يمكن أن تؤثر على اليمن والدول المجاورة، لكن التحالف بقيادة السعودية لم يظهر أي اهتمام.

اتهم التحالف الذي تقوده السعودية الحوثيين باستخدام صافر كـ “قنبلة نووية” للمساومة, لأن الحوثيين يريدون ضمانات بأن عائدات النفط الذي على متن الناقلة ستذهب إلى المرافق الحيوية بما في ذلك المستشفيات والكهرباء ومحطات معالجة المياه، حيث يعاني اليمنيون من نقص الوقود بسبب الحصار السعودي على اليمن.

ويريد التحالف الاحتفاظ بهذه العائدات النفطية، مثلما يحصلون على عائدات من مناطق اليمن الجنوبية حيث تستخرج السعودية والإمارات النفط من مناطق شبوة وبلحاف وحضرموت وتحويل عائداتها إلى البنك الأهلي في السعودية.

في عام 2015, عندما بدأت الحملة العسكرية للتحالف بقيادة السعودية في اليمن، منعت السعودية الناقلة صافر من مغادرة الحديدة وأجبرت أفراد الطاقم على التخلي عنها، وتركت أعمال الصيانة المهمة دون إنهاء وخلقت ما هو في الأساس قنبلة موقوتة عائمة.

ومنذ أن تم التخلي عن السفينة، منع التحالف مراراً السفن الأخرى من تزويد الناقلة بالوقود “الديزل” لتشغيل مولداتها المستخدمة للتبريد وتفريغ الغاز المنبعث من النفط الخام.

في عام 1988, قامت شركة “SEPOC” بتثبيت السفينة بشكل دائم قبالة ميناء نفط رأس عيسى، على بعد 4.8 ميلاً من الساحل اليمني على البحر الأحمر، وربطتها بخط أنابيب تصدير النفط بطول 430 كيلومتراً من مأرب, كما تم تجهيز السفينة بمعدات للسماح بنقل النفط الخام إلى سفن إعادة الشحن الأخرى.

سرعان ما أصبحت صافر محطة التصدير الرئيسية للنفط الخام الخفيف المستخرج من القطاع 18 في منطقة صافر في مأرب، شرق العاصمة صنعاء، وكذلك القطاع 9 في منطقة مالك بمحافظة شبوة.

في نوفمبر 2016, منعت قوات التحالف سفن شركة صافر “راما -1” من دخول ميناء رأس عيسى في الحديدة لتفريغ 300 طن من الديزل لتزويد الناقلة بالوقود الكافي لتشغيل مولداتها وأنظمة السلامة الخاصة بها، وفقاً لرسالة قدمتها شركة الشرق الأوسط الملاحية المحدودة لشركة نفط اليمن بتاريخ 7 نوفمبر 2016.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.