الجزء الثاني

بقلم: اميل بوفييه

باريس, 31 اغسطس 2020 (موقع “لوكليه دو موين اغيونت – les cles du moyen orient” الفرنسي – ترجمة: اسماء بجاش-سبأ)

3- فسيفساء عامة عن المتحاربين:

تعيش الأراضي اليمنية اليوم تحت ظل اربع “جهات عسكرية”، تسيطر كل منها بحكم الأمر الواقع على قوة رئيسية أو مجموعة من القوات.

يسيطر الجيش الوطني الموالي للحكومة الشرعية وبدعم من دول التحالف الذي تقوده السعودية، على معاقل محافظة مأرب، وكذلك على معظم المحافظات الجنوبية الشرقية، وأجزاء من محافظة تعز الجنوبية الغربية.

وفي الوقت نفسه، تسيطر الحركة الحوثية على العاصمة صنعاء والمحافظات الشمالية من البلد(بما في ذلك محافظة الجوف المتاخمة للحدود السعودية) وما تبقى من محافظة تعز, كما يقترب الحوثيون اليوم من محافظة مأرب من ثلاث جهات: شرقاً من مديرية نهم التابعة لمحافظة صنعاء، وجنوباً من مديرية صرواح التابعة لمحافظة مأرب وشمالاً من محافظة الجوف.

وفي الجنوب, يسيطر المجلس الانتقالي الجنوبي على العاصمة المؤقتة عدن والمحافظات المجاورة، لحج والضالع، بينما يتقاسم السيطرة على محافظة أبين شرق عدن مع الجيش الوطني.

أما القوة الرابعة فهي قوة العميد طارق صالح (“قوة المقاومة الوطنية”)، التي يمتد نفوذها غرب اليمن بين مديرية المخاء ومحافظة الحديدة، مع السيطرة على المدينة الساحلية المشتركة مع الحوثيين.

ومن بين جميع هذه القوات، يبدو الجيش الوطني اليمني أقلها فعالية وأقلها عملية, وعلى الرغم من أن القائمة الدقيقة للأرقام غير معروفة، إلا أن وزير الدفاع اليمني محمد علي المقدشي اعترف في أبريل 2019, بأن 70% من مقاتليه يتألفون من أشخاص يستخدمون أسماء مزيفة كما يحصلون على أجورهم دون المشاركة في القتال ضد الحوثيين.

ونتيجة للفضيحة المدوية التي سببها هذا التصريح، استعادت دولة الإمارات من الجيش الوطني اليمني الأسلحة الثقيلة وصواريخ “الباتريوت” التي قدمته لها، مما أدى إلى زيادة إضعاف قوات الحكومة اليمنية.

وعلاوة على ذلك، هناك صراع داخل الجيش الوطني, جراء الانقسامات الحزبية بين الإخوان المسلمين من جهة، وبين تلك التي تدعم حزب المؤتمر الشعبي العام، الذي كان يتزعمه الرئيس الراحل علي عبد الله صالح من جهة أخرى.

وعلى رأس الفرق التي تدعم الخط القومي للمؤتمر الشعبي العام, رئيس الأركان اللواء “صغير بن عزيز”، الذي يقطن في مديرية نهم, كما يحظى بنفوذ قوي على المؤسسة العسكرية.

وفي الأخير، تفتقر القوات الحكومية اليمنية إلى وحدات الاستخبارات العسكرية المتخصصة، وهذا يعيق بشكلٍ كبير من نجاح العمليات العسكرية على المدى القصير والمتوسط.

وعلى غرار الجيش الوطني اليمني، لا توجد حالياً أرقام دقيقة لتحديد قوة مقاتلي الحركة الحوثية بشكلٍ دقيق.

ومن ناحية أخرى، تتميز الحركة الحوثية بازدياد فعاليتها في العمليات القتالية, على عكس معظم الجماعات المتمردة التقليدية، حيث تمكنوا على مر سنوات الصراع من تأسيس وحدات قتالية متخصصة، مثل القوات الخاصة، ولكن أيضا تأسيس ترسانة متقدمة تكنولوجيا بشكل خاص.

ويشمل هذا المجال من الخبرة المتزايدة في القطاع الجوي والأسلحة البالستية، والصواريخ.

ففي العام 2018، كانت الأراضي السعودية والإماراتية في مرمى نيران الهجمات الحوثية, وفي يوليو 2018، تمكنت الحركة من تنفيذ هجوم بطائرات بدون طيار على مطار أبوظبي الدولي, بيد أن هذا الهجوم لم يتسبب في أضرار بالغة، ولكنه في نفس الوقت يضيف بعداً جديداً إلى الصراع الدائر في اليمن.

لم تقف المهارات الحوثية عند هذا الحد فحسب, بل عملت على تطوير الطائرات بدون طيار والصواريخ والحرب المضادة للطائرات.

ففي شهري يونيو وأغسطس 2019، أسقط الحوثيون طائرتين أمريكيتين من طراز MQ-9″” فوق محافظة ذمار, وفي 14 فبراير 2020، تمكنوا من إسقاط طائرة مقاتلة سعودية من طراز “تورنادو” في مديرية المصلوب محافظة الجوف.

وكدليل على تنامي الخبرة العسكرية التي اكتسبها الحوثيون منذ بداية الصراع، فقد تمكنوا في أواخر العام 2017, من تطوير صواريخ جو- جو من طراز “R-27T AAM” التي كانت في الأصل مجهزة لطائرات “MiG-29″ التابعة للقوات الجوية اليمنية.

كما عملت الحركة الحوثية على تطوير صواريخ أرض- جو مثبتة على منصة البيك آب الخلفية, كما تمكنوا من إسقاط طائرة عسكرية سعودية من طراز F-15″” في أجواء العاصمة صنعاء في يناير 2018.

إن التحول الاستراتيجي للقوات التابعة للحركة الحوثية والتي تحولت من الدفاع إلى الهجوم، يرجع إلى حد كبير إلى طول فترة الصراع, حيث وفرت لهم طوال هذه المدة, خبرة قوية في الصراعات غير المتماثلة، ولكن أيضاً من حيث الدعم الشعبي، حيث أن هناك الكثير من الخسائر في صفوف المدنيين التي تسبب بها التحالف, حيث تشير الاحصائيات إلى أنه حتى 31 أكتوبر 2019، قُتل أكثر من 12 ألف مدني على يد القوات العسكرية التابعة لدول التحالف العربي.

وفي 9 مايو 2015، كانت الأمم المتحدة تلقي باللوم على السعودية في “استهدافها المتعمد للمدنيين” وفي المقابل لطالما, تباهى الحوثيون باستقبال مجندين جدد في صفوفهم مع كل ضربة جديدة للتحالف أسفرت عن مقتل مدنيين.

إحدى القوى الرئيسية الأخرى المشاركة في الصراع اليمني، خارج منظومة الجيش الموالي والحوثيين، هي القوات التي دربتها وزودتها دولة الإمارات العربية المتحدة والتي تتنافس بشكل متزايد مع الجيش الحكومي, حيث يقترب قوام هذه القوات من 200 ألف مقاتل، مقسمة إلى أفواج متنوعة تعمل بشكل مستقل عن القيادة العسكرية الحكومية, إذ تدين بالولاء والطاعة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي.

تنتشر هذه القوات التي دربتها الإمارات حالياً في المحافظات الجنوبية: عدن ولحج وأبين والضالع، وتعمل بالتنسيق مع المقاتلين الحضارم في جنوب البلد.

وأخيراً، فإن آخر القوات التي تكمل لوحة فسيفساء الأطراف المتحاربة في اليمن, والمتمركزة على طول الجانب الغربي للبلد, قوات العميد طارق صالح “المقاومة الوطنية” التابعة له – والمعروفة أيضاً باسم “القوات المشتركة”- والتي تجمع بين ” ألوية العملاقة” و”مقاومة تهامة” و ألوية الحرس الجمهوري.

كما ينضم إلى هذه القوى بعض الحلفاء السلفيين الذين قرروا دعم الإمارات وفقاً للظروف ومصالحهم في جنوب البلد، مثل كتائب أبو العباس في محافظة تعز.

4- محاولات متعددة لحل الصراع:

أدت هجمات الحركة الحوثية المتزايدة على أهداف حساسة في الأراضي السعودية والإماراتية، فضلاً عن النفوذ المتنامي للقوات المدعومة من الإمارات إلى موافقة السعودية في نوفمبر 2019 على الدخول في مفاوضات غير مباشرة مع الحوثيين.

إذ يشعر السعوديون بالقلق البالغ إزاء الأزمات المتتالية التي هزت المملكة الوهابية (الأزمة الدبلوماسية التي أعقبت اغتيال الصحفي السعودي المعارض “جمال خاشقجي” مطلع أكتوبر 2018، أو انخفاض أسعار النفط إلى ما دون حاجز الثلاثين دولاراً في مارس 2020، أو حتى بسبب أمور أخرى، مثل انتشار فاشية الفيروس التاجي منذ فبراير 2020)، واليوم يبدو أن صناع القرار في الرياض مستعدون لقبول حل سياسي لإنهاء الحرب في اليمن.

ويتجلى هذا الميل من خلال انخفاض عدد العمليات العسكرية ضد الحوثيين، وخاصة الغارات الجوية:

ففي الواقع، في أعقاب ادعاء الحوثيين بشن هجوم على البنية التحتية النفطية السعودية في منشأة بقيق في سبتمبر 2019، خفض سلاح الجو السعودي بشكل كبير من عدد طلعاتهم الجوية، مع انخفاض بنسبة 80٪ تقريبا في الأسبوعين التاليين لضربة الحوثيين، وفقا لمبعوث الأمم المتحدة لليمن، مارتن غريفيث.

ومع ذلك، يبدو أن إبرام اتفاق، في الوقت الراهن، يخيم عليه مخاوف من الجانب السعودي بسبب ولاء الحوثيين لطهران.

وسيواصل السعوديون النظر إلى ذلك على أنه تهديد أمني مباشر على جناحهم الجنوبي، وسيُشرط إلى حد كبير, انسحاب الحوثيين من الشريط الحدودي الذي يفصل المملكة الوهابية عن اليمن.

أما الشعب اليمني، من جهته، فيشكك بشكلٍ نسبي في اتفاقات السلام، حتى لو كانت تتم تحت مظلة الأمم المتحدة, حيث وقد فشلت في الماضي عدة مبادرات تهدف إلى التوصل إلى حل سياسي للصراع, كاتفاق ستوكهولم الذي تم التوقيع عليه في ديسمبر 2018 باعتباره مثالاً بليغ على ذلك, بعد أن تم إبرامه بين الحكومة اليمنية والحوثيين من أجل تجنب وقوع كارثة إنسانية في محافظة الحديدة (وهي مدينة ساحلية على الواجهة البحرية الغربية لليمن)، ولكن تم خرق الاتفاق في وقت مبكر من 12 مارس من قبل الحكومة اليمنية، التي تتهم الحوثيين بعدم احترام وقف إطلاق النار.

وبالمثل، لم يتم حتى الآن تنفيذ أي من البنود الواردة في اتفاق الرياض الموقع في نوفمبر 2019 بين العربية السعودية والحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي.

ووفقاً للسلطات اليمنية، فإن هذا الفشل كان راجعاً بشكلٍ جزئي إلى المجلس الانتقالي الجنوبي الذي رفض مواجهة المعارضة الداخلية من الانفصاليين “المتطرفين”، وتقاسم السلطة مع الحكومة اليمنية في المناطق الخاضعة لسيطرتها في جنوب البلد.

وفي غياب اتفاق قابل للتطبيق، ومع تراجع أعداد التحالفات بشكل حاد، تبنت السعودية استراتيجية جديدة تجاه الحرب الدائرة في اليمن من خلال عدد متزايد من الوكلاء:

وهكذا تحظى الرياض بدعم أمراء الحرب وغيرهم من عملاء النفوذ المحليين من أجل معارضة وكلاء إيران والإمارات بشكل متزايد، نظراً للسمعة السيئة التي يتسم بها المجلس الانتقالي الجنوبي اليوم.

وهكذا تتحول الحرب في اليمن، بشكل متزايد وبشكل حاد، إلى صراع وكلاء تتنافس فيه القوى الإقليمية بطريقة مُتوسطة لحماية مصالحها.

5- أزمة إنسانية متفشية كما كانت دائما:

يواجه اليمنيون بالفعل ما وصفته الأمم المتحدة بكونه “أسوأ أزمة إنسانية في العالم”, وفي حال أكد الصراع ميله إلى أن يصبح ساحة للوكلاء المحليين، فمن المرجح أن تستمر علل السكان المحليين الحالية أو حتى تتفاقم، لأن خطر إجبارهم على اتخاذ موقف في الصراع المحتدم سيزداد.

إن تدفق الأسلحة والأموال من القوى الإقليمية إلى حلفائها المحليين سيزيد من الاستقطاب في تفتيت المجتمع اليمني، وفي المقابل, سوف يتسبب هذا في فقدان المنظمات الدولية للضمانات الأمنية التي كانت تتمتع بها في السابق.

وبعيداً عن الحروب، يواجه السكان المحليون أيضاً بشكل متزايد خطر الفيروس التاجي, في حين أن الوباء أخذ في التناقص في أوروبا، إلا أن انتشاره يتسارع في اليمن، حيث أبلغت الحكومة حتى 30 مايو 2020 عن تسجيل 310 حالات تلوث، منها 13 تمثلت للشفاء و 77 حالة لقت حتفها.

ويعزى ضعف هذه الأرقام- التي ارتفعت بشكل حاد مقارنة بآخر بحث قام به موقع ” les cles du moyen orient ” حول هذا الموضوع- إلى عدم قدرة الحكومة الحالية على تحديد وإدارة المرضى.

في شمال البلد وغربها، ضمن المحافظات التي يسيطر عليها الحوثيون، يرفض الحوثيون الابلاغ عن مدى حجم الوباء حتى لا يثيرون البلبلة في أوساطهم.

*إميل بوفييه: طالب في جامعة باريس بانتيون- السوربون، يعمل على المشاركة في منافسات الخدمة العامة, حاصل على درجة الماجستير في الجغرافيا السياسية، وقد أتيحت له العديد من الخبرات في وزارة القوات المسلحة، بما في ذلك مركز التخطيط ومراقبة العمليات، وفي هيئة أركان القوات المسلحة في وحدة التحليل الجيوسياسي، وبعثة الدفاع في تركيا, دفعه اهتمامه الكبير بتركيا والمسألة الكردية للسفر إلى المنطقة في عدة مناسبات.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.