“ميدل إيست آي”: الإتفاق الإماراتي الإسرائيلي خيانة ونفاق
اليوم يواجه حكام الإمارات تهمة التواطؤ مع "إسرائيل" والولايات المتحدة في اعتداء دبلوماسي على إخوانهم الفلسطينيين على غرار العدوان الثلاثي على مصر.
آفي شلايم*
كتب المؤرخ والأكاديمي البريطاني آفي شلايم مقالة في موقع “ميدل إيست آي” البريطاني تناول فيه اتفاق التطبيع الإماراتي الإسرائيلي.
ورأى أن التظاهر بأن الإمارات أبرمت اتفاق السلام مع “إسرائيل” لمساعدة الفلسطينيين على تحقيق أهدافهم هو بمثابة نفاق.
وأوضح أن الرد الفلسطيني على الاتفاق كان رافضاً له بشكل موحد، حيث شجب الصفقة باعتبارها خيانة للنضال الفلسطيني من أجل التحرير وحتى كطعنة في الظهر. ووصفت صحيفة “الحياة الجديدة” الرسمية، يومية السلطة الفلسطينية الاتفاق بأحرف حمراء غاضبة ووصفته بأنه “عدوان ثلاثي على حقوق الشعب الفلسطيني”.
وأضاف العدوان الثلاثي هو الاسم العربي للمؤامرة الأنغلو-فرنسية-الإسرائيلية للهجوم على مصر عام 1956، لكن لم يشارك أي طرف عربي في العدوان على مصر في حرب السويس.
واليوم يواجه حكام الإمارات تهمة التواطؤ مع “إسرائيل” والولايات المتحدة في اعتداء دبلوماسي على إخوانهم الفلسطينيين.
ومن المبادئ الأساسية للدبلوماسية العربية في الصراع مع “إسرائيل” هو مبدأ “الأرض مقابل السلام” الذي يقضي بأن تعيد “إسرائيل” الأراضي العربية التي احتلتها في حرب حزيران / يونيو 1967 في مقابل السلام مع جيرانها. كان هذا أساس معاهدة السلام بين مصر و”إسرائيل” عام 1979 ومعاهدة السلام الأردنية عام 1994.
ويضر الاتفاق الإماراتي الإسرائيلي بآفاق السلام الشامل بالتخلي عن مبدأ الأرض مقابل السلام لصالح السلام مقابل السلام. كان دعم الحقوق الفلسطينية أحد نقاط التوافق القليلة بين الأنظمة العربية الاستبدادية وشعوبها. ويتجسد هذا الإجماع في “مبادرة السلام العربية” التي أقرتها جامعة الدول العربية عام 2002. وهي تعرض على “إسرائيل” السلام والتطبيع مع جميع الدول الأعضاء في جامعة الدول العربية البالغ عددها 22 في مقابل الموافقة على قيام دولة فلسطينية مستقلة على قطاع غزة والضفة الغربية وعاصمتها القدس الشرقية. بعبارة أخرى، كان الانسحاب من الأراضي الفلسطينية المحتلة شرطًا للتطبيع مع بقية العالم العربي.
وقال شلايم إنه إذا كانت أي خطة سلام تستحق أن تسمى “صفقة القرن”، فهي “مبادرة السلام العربية”. لكن “إسرائيل” تجاهلت ذلك لأنها فضلت الأرض على السلام بالنسبة للفلسطينيين. وأضاف أن ما يقوله الاتفاق الجديد لـ”إسرائيل” هو أنها تستطيع تطبيع العلاقات مع دول الخليج أن من دون إنهاء احتلالها للأراضي الفلسطينية.
وقد رحبت البحرين وعمان بالخطوة الإماراتية ومن المرجح أن تحذو حذوهما. وتحدت المملكة العربية السعودية، صاحبة مبادرة السلام العربية لعام 2002، الضغوط الأميركية للتوقيع على اتفاق مماثل.
واستبعد وزير خارجيتها الأمير فيصل بن فرحان إمكانية ذلك حتى يتم حل القضية الفلسطينية. وشدد على أن السلام مع الفلسطينيين يجب أن تحققه “إسرائيل” كشرط مسبق لأي تطبيع للعلاقات. كما قال إن المملكة لا تزال ملتزمة بالسلام مع “إسرائيل” على أساس “مبادرة السلام العربية”.
واعتبر الكاتب أن تحدي السعودية للضغط الأميركي قد يردع دول الخليج الأخرى، مثل الكويت، التي التزمت الصمت رسمياً حتى الآن، عن اتباع نموذج الإمارات.
ويزعم الإماراتيون أنهم تصرفوا لصالح الفلسطينيين من خلال إقناع “إسرائيل” بالتخلي عن خطتها لضم أجزاء كبيرة من الضفة الغربية رسمياً. وقال شلايم إن هذا الادعاء غير مقنع لأسباب عدة هي:
أولاً، لم يستشر الإماراتيون الفلسطينيين. ذهبوا من وراء ظهورهم للتحدث مع العدو ثم استخدموهم كورقة تين. ثانياً، إن الضم الزاحف للضفة الغربية مستمر منذ 53 عاماً ولا يمكن للاتفاق أن يفعل شيئاً لوقفه.
ثالثاً، إن خطة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الأخيرة لضم ما يقرب من ثلث الضفة الغربية رسمياً، بما في ذلك الكتل الاستيطانية ووادي الأردن، ستكون استيلاء أحادي الجانب وغير قانوني على الأراضي وبالتالي لا يستحق أجراً على تعليقه.
رابعاً، وافق نتنياهو فقط على التأجيل، وليس عن التخلي عن خطته للضم الرسمي. فمباشرة بعد الإعلان في البيت الأبيض، أوضح نتنياهو على التلفزيون الإسرائيلي أن الضم لا يزال هدفه طويل المدى.
وبالتالي، فإن الاتفاق مع الإمارات يمثل انتصاراً دبلوماسياً كبيراً للزعيم الإسرائيلي اليميني. فعلى مدى عقود، ظل نتنياهو يجادل، ضد الحكمة التقليدية، بأنه سيكون من الممكن تطبيع العلاقات مع دول الخليج من دون الحاجة إلى حل الصراع مع الفلسطينيين أولاً. وهذا ما يسميه التوجه الخارجي والداخلي: تطوير علاقات دبلوماسية واقتصادية واستراتيجية منفتحة مع دول الخليج من أجل عزل وإضعاف الفلسطينيين وإجبارهم على تسوية النزاع بشروط “إسرائيل”.
ورأى الكاتب أن نجاح نتنياهو في هذه الحالة لا يرجع إلى قوته في الإقناع بقدر ما يرجع إلى تغير الديناميكيات الإقليمية والدولية. إذ تشعر دول الخليج بتهديد متزايد من إيران وحلفائها في البحرين واليمن والعراق وسوريا ولبنان. ولمواجهة هذا التهديد، تحتاج هذه الدول إلى حلفاء أقوياء، بحسب زعمها.
أحد الحلفاء هو الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي انسحب من الاتفاق النووي الذي أبرمه سلفه الرئيس باراك أوباما مع إيران في عام 2015. حليف آخر هو نتنياهو الذي كان ناشطاً لا هوادة فيه ضد إيران وطموحاتها النووية. فقد أدت الجغرافيا السياسية إلى إعادة تنظيم القوات، مما أدى إلى تأليب إدارة ترامب وحكومة نتنياهو وحكام الخليج ضد إيران. وتم تهميش القضية الفلسطينية، جوهر الصراع العربي الإسرائيلي، في هذه العملية.
وقال شلايم إن ذلك معناه أن حكام دولة الإمارات العربية المتحدة يسعون لتحقيق مصالحهم الوطنية الضيقة من خلال جلب تعاونهم السري الذي دام عقوداً مع إسرائيل إلى العلن. ويمكن تبريرهم ذلك باعتباره سياسة واقعية تقليدية: إيران هي عدوهم وهم بحاجة إلى مساعدة “إسرائيل” لمواجهتها. لكن التظاهر بأن الإمارات أبرمت اتفاق السلام مع “إسرائيل” من أجل مساعدة الفلسطينيين على تحقيق أهدافهم هو نفاق.
فقد أطلق الوسطاء الأميركيون على الصفقة الإماراتية الإسرائيلية اسم اتفاق إبراهيم. يحظى النبي إبراهيم بالاحترام من قبل جميع الديانات السماوية الثلاث التي تأسست في الشرق الأوسط – المسيحية والإسلام واليهودية – كرجل سلام. ومن خلال تسمية الصفقة على اسم أبي الأنبياء، حاول السماسرة تدويرها كمساهمة في السلام.
هنا تظهر الفجوة بين الخطاب والواقع بشكل لافت للنظر. على حد تعبير علي أبو نعمة، مؤسس الانتفاضة الإلكترونية، فإن اسم اتفاق إبراهيم هو “محاولة لتزيين صفقة سياسية دنيئة تقوض حقوق الفلسطينيين باعتبارها إنجازاً سامياً للتفاهم بين الأديان”.
وختم شلايم بالقول إن هناك مثلاً عربياً يقول إن الشيء الذي يبدأ أعوج يظل أعوج. للأسف، قد يتضح أن هذا هو مصير “اتفاق إبراهيم”.
*آفي شلايم هو أستاذ فخري للعلاقات الدولية في جامعة أكسفورد ومؤلف كتاب “الجدار الحديدي: إسرائيل والعالم العربي” (2014) و”إسرائيل وفلسطين: إعادة تقييم وتنقيحات وتفنيدات” (2009).
* المصدر : الميادين نت
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر وبالضرورة لا تعبر عن رأي الموقع