السياسية – رصد

لقمان عبد الله *

بسقوط أحد أهمّ خطوط دفاع التحالف السعودي – الإماراتي في الجهة الجنوبية – الغربية لمحافظة مأرب، ينفتح الباب على تحوّل تاريخي في مسار الحرب على اليمن، يبدو واضحاً أن الرياض تخشى التدحرج إليه سريعاً. وفيما لا يزال حسم المعركة في مأرب مُعلّقاً على قرار سياسي من قيادة صنعاء، تزداد حالة التشرذم في صفوف القوات الموالية لـ«التحالف»، مُنبِئةً بهزيمة مدوّية ستلحق بها في آخر معاقلها في الشمال

أحدثت استعادة الجيش واللجان الشعبية مناطق واسعة في محافظة البيضاء من تنظيمَي «القاعدة» و«داعش» صدمة كبيرة لدى أصحاب القرار في السعودية، خصوصاً أن استماتة التحالف السعودي – الإماراتي في تأمين التغطية الجوية والإسناد البرّي واللوجستي للقوى التكفيرية أظهرت أن ثمة تعويلاً كبيراً من قِبَل الرياض على تلك التنظيمات في أكثر من اتجاه. وكنموذج من ذلك، تُمكن الإِشارة إلى أن «القاعدة» و«داعش»، على رغم خلافاتهما البينية، كانا يشكّلان خطّاً دفاعياً متقدّماً لـ«التحالف» من الجهة الجنوبية الغربية لمحافظة مأرب. وعليه، فإنّ سيطرة قوّات صنعاء على مركز ثقل التنظيمَين في البيضاء أدّت إلى تراجع معنويات «التحالف» والقوى المحلية الموالية له، لتتسارع إثر ذلك عمليات الانسحاب من عدد كبير من الحاميات العسكرية القريبة من مدينة مأرب، إلى حدّ الحديث عن سقوط معسكر ماس، الذي يُعدّ أهمّ معسكر في الدفاع عن المدينة. إلى الآن، لم تعلن صنعاء عن إنجازاتها كما جرت عادتها في معارك كهذه، في انتظار اكتمال المرحلة الأخيرة من العمليات بعد صدور القرار السياسي بدخول مأرب. وفي هذا الإطار، تؤكّد مصادر متعدّدة، بما فيها مصادر قريبة من «التحالف»، أن قوات صنعاء باتت على أعتاب تحقيق «انتصار تاريخي» في الحرب، ستكون له تداعيات كبيرة على مسارها.

يقف النظام السعودي، اليوم، عاجزاً عن وقف اندفاعة قوات صنعاء باتجاه مأرب، على رغم استخدامه المكثّف للطيران الحربي. ويتجلّى عجزه بوضوح في إخفاقه في تجميع صفوف القوى المحلية التي تقاتل إلى جانبه، فضلاً عن إيجاد إطار مشترك لها تحت قيادة موحّدة. وعلى رغم أن تلك القوى المحلية باتت تستشعر قرب هزيمتها، إلّا أنه لا تزال تتجاذبها الصراعات الفصائلية والأيديولوجية والشخصية، فيما يبدو كلّ منها في نسق مستقلّ ومعزول، بعيداً من أيّ تنسيق أو عمل مشترك، بل إنها لا تتوانى، لدى وقوع أيّ خسارة أمام الجيش واللجان، عن اتّهام بعضها بعضاً بالتنسيق مع صنعاء والتسبّب في هذه الخسائر.

وتنقسم الجهات العسكرية المحلّية المقاتلة تحت راية العدوان في مأرب على النحو الآتي:

أولاً: قوات ما يسمى «الشرعية»، والمنقسمة بين:

– ألوية تابعة لرئيس أركانها، الفريق صغير بن عزيز، المحسوب على حزب «المؤتمر الشعبي العام» – جناح أبو ظبي.

– ألوية تابعة مباشرة لنائب الرئيس علي محسن الأحمر الذي يمثّل الجناح العسكري لحزب «التجمع اليمني للإصلاح» (إخوان).

ثانياً: ميليشيا «الإصلاح» والتي تُعتبر الأكبر عدداً وعدّة والأكثر تنظيماً، مقارنة بما هو عليه حال تلك الميليشيات في بقية المناطق.

ثالثاً: القبائل المقاتلة إلى جانب «التحالف»، وهي قبائل مراد وبعض أفخاذ قبيلة عبيدة، علماً أنه في الآونة الأخيرة حصل تواصل بين تلك القبائل وقيادة صنعاء أفضى إلى تفاهمات تراعي مصلحة الطرفين، الأمر الذي انعكس تراجعاً في حافزية المقاتلين القبليين للقتال، وجنوحاً باتجاه الصلح مع «أنصار الله».

بهزيمة «القاعدة» و«داعش» في البيضاء سقط خطّ دفاعي متقّدم لـ«التحالف» في مأرب

رابعاً: ميليشيات سلفية بقيادة يحيى الحجوري، يناصبها «الإصلاح» العداء، وقد عمل طوال السنوات الماضية على التنكيل بها في محاولة لفرض أجندته عليها.

خامساً: مرتزقة من المحافظات الجنوبية استقدمتهم القوات السعودية في الساعات القليلة الماضية، في محاولة لتعويض الخسائر التي تَعرّض لها وكلاؤها المحلّيون في جبهات مأرب.

قلّة الحيلة السعودية في مأرب استدعت من السفير البريطاني لدى اليمن، مايكل آرون، التدخّل لمآزرة الرياض، عبر إجرائه اتّصالاً بمحافظ مأرب، سلطان العرادة، زعم فيه أن «التحالف» عرض وقفاً لإطلاق النار في المحافظة، لكن «أنصار الله» رفضته. وعلى رغم أن قوات صنعاء تفادت إلى الآن استهداف المناطق المأهولة، وأنه لم يُسجّل سقوط ضحايا مدنيين في المدينة، إلا أن آرون وصف الهجوم على مأرب بـ«غير الإنساني»، علماً أن وكلاء «التحالف» المحلّيين هم مَن ارتكبوا مجزرة بشعة بحق عائلة آل سبيعيان الشهر الماضي، أدت إلى مقتل سبعة من أفراد العائلة بينهم أطفال ونساء، بدعوى موالاتهم لـ«أنصار الله». كذلك، طالب السفير البريطاني، صنعاء، بالتعامل بجدّية مع المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، بعدما كانت حكومة الإنقاذ أوقفت التعامل مع غريفيث على خلفية انحيازه الفاضح إلى الجانب السعودي، لا سيما في ما يتعلّق بمأرب، حيث قَدّم مبادرة لوقف إطلاق النار في المحافظة من دون أن يُدرج فيها أيّ بند متّصل بالقضايا الإنسانيّة. وردّ نائب وزير خارجية حكومة الإنقاذ، حسين العزي، على آرون بالقول إن «من المهمّ أن يضع الشعب البريطاني حدّاً لسياسات حكومته تجاه صنعاء، باعتبارها سياسات تقف بقوة وراء كلّ معاناة الشعب اليمني، وتواصل انحيازها القبيح لحكومة غير شرعية ولا تُعبّر عن اليمنيين، بقدر ما تُعبّر عن خليط من الفاسدين والقاعدة وداعش». ووصف العزي، تصريحات السفير البريطاني، بأنها «تفتقد إلى المصداقية، وهدفها تضليل الرأي العام البريطاني والهروب من التبعات السلبية (للحرب) التي ساهمت فيها بلاده».

* المصدر : الأخبار اللبنانية
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع