السياسية – رصد :

إذا صحّت التقارير الإخباريّة التي كشفت أنّ السيّد عبد الله الحمدوك، رئيس الوزراء السوداني، رفض طلبًا، أو بالأحرى ضُغوطًا، من قبل مايك بومبيو، وزير الخارجيّة الأمريكي، الزّائر للخرطوم بتطبيع العُلاقات مع دولة الاحتلال الإسرائيلي، وهي تبدو أقرب إلى الصحّة، فإنّ الحُكومة السودانيّة تكون بهذه الخطوة، وجّهت صفعةً قويّةً للحُكومة الأمريكيّة، وضربةً قاضيةً لجولة بومبيو الحاليّة التي تهدف إلى انضمام دول عربيّة جديدة إلى الإمارات وتُوقّع “اتّفاقات سلام” مع تل أبيب.

الفضل في هذا الإنجاز، يعود إلى الشعب السوداني الشّقيق، وإلى تحالف قِوى الحريّة والتغيير الذي قاد الاحتجاجات السلميّة التي أطاحت بحُكم الرئيس عمر البشير الديكتاتوري الفاسد، فالشّعب لم يتوقّف عن التّظاهر ضدّ التّطبيع الإماراتي، أمّا التّحالف فقد أكّد، وقبل وصول بومبيو، أنّ حُكومة حمدوك الانتقاليّة غير مُفوّضة في قضيّة تطبيع العُلاقات مع “إسرائيل”، وهو الموقف المُشرّف الذي التزم به رئيس الوزراء السوداني، لأنّه يعرف جيّدًا أنّ الرّفض يعني تجدّد الاحتِجاجات وإسقاط حُكومته.

بومبيو حمل إلى السودان، المحطّة الأولى في جولته الحاليّة، مُقايضةً ابتزازيّةً، تقول التّطبيع مع “إسرائيل” مُقابل رفع اسم السودان من قائمة الدّول الرّاعية للإرهاب، ولكن من الواضح أنّ السودان العربيّ المُسلم صاحب الإرث التّاريخي الوطني المُشرّف رفض هذه المُقايضة، وجعل بومبيو يُغادر مطار الخرطوم ذليلًا مُنكَسِرًا وخالي الوِفاض، أو هكذا نأمل.

وزير الخارجيّة الأمريكي لا يعرف الشعب السوداني ومعدنه الوطنيّ الأصيل، وإيمانه الاعمق بقيم الكرامة وعزّة النفس، وتاريخه الحافل بفُصول دعم قضايا الحق، في فِلسطين وإفريقيا، ولهذا تصوّر أنّ مهمّته سهلة، وأنّ السودان سيكون الدولة الثانية التي ستُهروِل إلى توقيع “اتّفاق سلام” تطبيعي يقود إلى فتح سفارة إسرائيليّة في قلب الخرطوم يُرفرِف على سواريها علم نجمة داوود.

الشعب السوداني الذي فُوجِئ بلقاء الجنرال عبد الفتاح البرهان رئيس المجلس العسكري بنيامين نِتنياهو في أوغندا في فبراير الماضي، مُصمّمٌ على عدم تِكرار هذه “السّقطة”، ويُلدَغ بالتّالي من الجُحر نفسه مرّتين وفي أقل من ستّة أشهر.

أمريكا خدعت السودان واقتطعت ثُلث أراضيه عندما وعدته بالرّخاء والازدهار، إذا وافق على انفصال الجنوب، وكانت المُكافآة المزيد من الفقر والحِرمان والجُوع والوضع على قائمة الإرهاب لإبقائه على قائمة البلطجة والإرهاب الأمريكيين، علاوةً على خلق الاضّطرابات في إقليم دارفور، وتوقّعت إدارتها الحاليّة التي تُحرّكها تل أبيب وتُسيطر على قرارها، أن تخدعها بل وتَذلّها مرّةً أُخرى استِغلالًا للوضع الاقتصاديّ الصّعب عبر ورقة رفعها من قائمة الإرهاب.

نكتب بحذر، لأنّنا لا نَثِق بالجِنرالات الذين زجّوا بآلاف الجُنود السودانيين في الحرب ضدّ الأشقّاء اليمنيين، ولذا فإنّ ثِقتنا تنصبّ في هذا الشّعب الأصيل حارس قيم العزّة والكرامة والسّيادة أعمدة العقيدة السودانيّة، ونأمل أن تكون استقلاليّته وسِيادته وإرادته والشّرفاء من مُمثّليه في تحالفِ قِوى الحريّة والتّغيير هي التي سادت وانتَصرت.
شُكرًا للشعب السوداني الذي أعاد بهذه المواقف الاعتبار للاءات بلاده التاريخيّة الثّلاث، ونأمل أن تقتدي به شُعوب أُخرى تضع جولة بومبيو حُكوماتها على قمّة استِهدافها للانضِمام إلى قائمة التّطبيع المُهينة والمُذلّة.

* افتتاحية “رأي اليوم”