بقلم: روح الله فقيهي
السياسية- ترجمة: أسماء بجاش-سبأ:

كيف وجدت الإمارات صديقاً في إسرائيل:
لدى أبو ظبي وطهران قصة، لكن هذه القصة تم التخلي عنها لأن الإمارات العربية المتحدة ترى فوائد للعلاقة الجديدة.
في 13 من أغسطس الجاري، أعلنت دولة الإمارات وإسرائيل التطبيع العلاقات بينهما، منهية بهذا الإعلان عدة سنوات من العلاقات الأمنية السرية التي كانت معروفة بالفعل للعديد من دول المنطقة.

إلا أن إعلانها هذا, كان مقلقاً لإيران لأنها قد تحولها إلى أذربيجان أخرى، لتكون في نظر طهران قاعدة للعمليات التخريب الإسرائيلية, لطالما عانت دولة الإمارات من خلافات داخلية بين إماراتها السبع حول كيفية التعامل مع إيران.

فخلال السنوات الثماني من الحرب بين العراق وإيران في ثمانينيات القرن الماضي، اختارت أبو ظبي وعدد من الإمارات الوقوف إلى جانب الديكتاتور العراقي صدام حسين، في حين رأت كلاً من دبي والشارقة وأم القيوين في طهران حليف مهم لهم, مما أدى إلى علاقة تجارية قوية كان لها تأثير إيجابي كبير على اقتصاد دبي.

لكن دولة الإمارات وسلطنة عمان سعتا للتوسط بين قطبي الحرب -الإيراني والعراقي- وحافظتا بشكل عام على علاقات بناءة مع إيران خلال تلك الفترة، حيث زار العديد من الدبلوماسيين الإيرانيين الدولة الساحلية للإعلان عن استعداد طهران لقبول أي مبادرة.

وعلاوة على ذلك، وعلى الرغم من دعمها للعراق، لعب بعض كبار أعضاء الأسرة الحاكمة في أبو ظبي دوراً قيادياً مهماً في ما يسمى بفضيحة إيران كونترا في الغرب، والتي قام فيها مسؤولون أمريكيون بتسهيل صفقة مبيعات الأسلحة السرية إلى طهران.

وبالمقارنة مع العقد الماضي، كانت دولة الإمارات تنظر إلى طهران في ذلك الوقت بنظرة إيجابية.

إلى جانب ذلك، تستضيف دولة الإمارات، وتحديداً إمارة دبي، مئات الآلاف من الإيرانيين الذين يعيشون فيها ولديهم أعمال ناجحة هناك.

على سبيل المثال، تعتبر عائلة كلداري، وهي واحدة من أغنى العائلات في دبي، وعشيرة قرقاش، التي ينتمي اليها أنور قرقاش منصب وزير الدولة للشؤون الخارجية حالياً, من بين العائلات الإيرانية الأكثر شهرة في دولة الإمارات.

بالإضافة إلى ذلك، في وثيقة تم الكشف عنها في العام 2007, بواسطة موقع ويكيليكس، قال مسؤول أمريكي رفيع المستوى في الإمارات: “أن العديد من ضباط الشرطة المحلية هم إماراتيون من أصل إيراني جنوبي/بلوش…. ممن يتحدثون “اللاري” بلهجة فارسية.

تولى أبناء زايد بن آل نهيان دفة القيادة في الدولة بعد أن غيب الموت مؤسس الدولة في العام 2004, بعد أن تربع على عرش الدولة لأكثر من ثلاثة عقود, ومن جانبه, لطالما وجد مؤسس الدولة في المحافظات الجنوبية لإيران من حين لآخر متنفساً لقضاء العطلات والصيد.

وفي هذه المرحلة، تدهورت العلاقات بين البلدين بصورة تدريجية, وفي الوقت نفسه، اضطرت أبو ظبي إلى مساعدة دبي بعد أزمة الديون التي خيمت عليها في العام 2009.

فقد ضعفت قيادة دبي، ممثلة “محمد بن راشد آل مكتوم” الذي لطالما عكف على نسج علاقات جديدة مع إيران حتى خلال العقوبات, وقد أدى ذلك إلى تعزيز قوة بن زايد, في حين تم تجاهل آل مكتوم، رئيس مجلس الوزراء، حيث لم يتم إدراجه في لجنة التنسيق بين الإمارات والسعودية، التي تم تشكيلها في العام 2018.

ومع تولي محمد بن زايد المسؤولية الكاملة للبلد- نظراً للحالة الصحية السيئة لشقيقه خليفة بن زايد آل نهيان -الذي لا يزال يشغل منصب رئيس الدولة- جراء إصابته بسكتة دماغية جعلته غير قادر على القيام بشؤون الحكم اليومي- فقد انتهج سياسة خارجية عدائية، ساعياً من خلالها إلى تحقيق طموحه في خلق هوية فريدة وجعل أبو ظبي لاعباً سياسياً مهماً في المنطقة.

كما يريد أن يكون على أهبة الاستعداد لمواجهة ما يعتبره “تهديداً” من إيران والسعودية اللتين خاض معه 57 معركة خلال 250 عاماً الماضية على الأراضي الإماراتية.

بدأت العلاقات السرية مع إسرائيل في العام 2012، وفي المقابل تم تقليص بصمة التواجد الإيراني في الإمارات, كما عملت على ممارسة الضغط فيما يخص ملف الاتفاق النووي الذي تم توقيعه في العام 2015، والحرب في اليمن مع تغذية ميليشياتها الانفصالية في الجنوب والعمل ضد أي وجود للإسلام السياسي في المنطقة، بما في ذلك في ليبيا, فجميعها تتفق مع أهداف السياسة الخارجية التي ينتهجها بن زايد.

ولكن ما الذي حدث ودفع محمد بن زايد نحو تطبيع العلاقات رسمياً مع إسرائيل؟ ربما يتعلق الأمر كله بإيران والولايات المتحدة والرئيس ترامب.

وعلى مدى السنوات الثلاث الماضية، واجهت الإمارات المتحدة تحدياً غير مسبوق: وهو ما تردد عن استهداف الحوثيين اليمنيين المدعومين من إيران لمطار دبي في العام 2018، والهجوم التخريبي الذي طال أربع سفن تجارية على ساحل إمارة الفجيرة.

بالنظر إلى جملة هذه التهديدات على أنها تحذير واضح من الجانب الإيراني، توقع محمد بن زايد أن تقف الولايات المتحدة الأمريكية خلف أبو ظبي بالكامل, وتلقن طهران درساً, بيد أنه لم يطمئنهم أحد في البيت الابيض على سلامتهم.

ربما كانت هذه نقطة تحول بالنسبة للإمارات لأنها ذكّرتهم بالرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما الذي باعهم -في نظرهم- لإيران.

ونتيجة لذلك، شرع صناع القرار في دولة الأمارات في السعي لتحقيق سياسة خارجية مستقلة مع تشكيل تحالف جديد والبحث عن مأوى جديد للبقاء على قيد الحياة، حيث كان محمد بن زايد دائماً حريصاً على أن لا يكون في مرمى نيران حرب إسرائيلية – إيرانية.

هذا الغموض حول الدعم الأمريكي ليس شيئاً جديداً, ففي العام 1959، بدأ شاه إيران محمد رضا بسعي خلف تحالف مع الاتحاد السوفيتي في منتصف الحرب الباردة, حيث أصبح يشك بشكل متزايد في نوايا الإدارة الأمريكية, كما شعر بعدم اليقين الشديد بشأن بقائه بعد انقلاب الفاشل في العام 1958, ونجاحه في العراق في نفس العام.

بالإضافة إلى ذلك، تنظر أبو ظبي إلى التحالف مع تل ابيب على أنه المفتاح لاحتواء إيران، لكنها ترى أنه يجب اتباع مثل هذه الاستراتيجية تحت ذريعة “القضية الإسرائيلية/ الفلسطينية” حتى تتمكن من إقناع واسترضاء الرأي العام.

ووفقاً لوثيقة ويكيليكس، فخلال اجتماع مع وزير الخزانة الأمريكي تيموثي غايثنر في العام 2009، شرح محمد بن زايد كيف يمكنهم جذب الرأي العام العربي:

“من أجل كسب [الرأي العام]، كان على الولايات المتحدة الأمريكية أن تعمل على تحقيق حل الدولتين وبسرعة, على الرغم من اعتراضات حكومة نتنياهو.

وقبل بضعة أيام، فعل الأمير محمد بن زايد الشيء نفسه مع الرئيس ترامب، حيث أرسل هذه الرسالة الكاذبة إلى الرأي العام العربي بأنهم ضحوا بأنفسهم من خلال توقيع اتفاق مع إسرائيل مقابل “إلغاء” خطة الضم.

فمن ناحية , نحن نعلم جيداً, أن الضم قد تأخر ببساطة ولم يتم إلغاؤه, ومن ناحية أخرى، ربما تكون الإمارات قلقة من احتمال فوز جو بايدن، الذي سيكون أقل تأثراً بمطالب أبو ظبي, ولهذا السبب، عندما طلب ترامب، اليائس من تحقيق إنجاز في السياسة الخارجية، التوصل إلى اتفاق سلام بين الإمارات وإسرائيل، تبنوه وأعطوه “الضوء الأخضر”.

وفي المقابل, فإن إيران بدأت تنظر الى الامارات على انها اذربيجان اخرى، وهى دولة شيعية تستضيف قاعدة اسرائيلية, قيل انها لجأت الى القيام بعمل سرى ضد طهران.

ومن جانبه, قال الرئيس الإيراني حسن روحاني في 15 أغسطس” إننا نحذرهم من الرغبة في دعوة إسرائيل إلى المنطقة، وفي هذه الحالة سيعاملون معاملة مختلفة”.

وربما كانت طهران محقة في قلقها بشأن “تنسيق امني اوثق” بين تل ابيب وابو ظبي الذي وعد به في البيان المشترك.

ومن المؤكد أن هذا النوع من التعاون سيؤثر على صنع القرار في الإمارات ويمكن أن يحول جاراً سابقاً في الفناء الخلفي إلى بؤرة رئيسية لشن هجوم على إيران.

* روح الله فقيهي صحفي مستقل, كتب في العديد من الصحف الأجنبية منها: المونيتور وفورين بوليسي وميدل إيست آي.
* موقع”موروكومايل- moroccomail” المغربي الناطقة باللغة الفرنسية
* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.