الإمارات: الأخت الكبرى لإسرائيل
السياسية – مركز البحوث والمعلومات: زيد المحبشي
بنى الكيان الصهيوني الغاصب منذ أكثر من ثلاثين عاماً، آمالاً كبيرة على قبول دول الخليج العربي به ضمن صفقة سلام إقليمية، مع إدراكه أن أي تقدّمٍ في العلاقات معها سيكون مرهوناً بحل القضية الفلسطينية، وتحديداً منذ أن وضع “شمعون بيريز” في العام 1992، معادلته الشهيرة: “العقل الإسرائيلي والمال الخليجي والعمالة العربية الرخيصة”، التي يمكنها مجتمعة أن تنتج ما أسماه “الشرق الأوسط الجديد”.
وهذه المعادلة لم تأتي من فراغ، فالمحادثات السرية بين الكيان الصهيوني ودول الخليج تجري على قدم وساق منذ ثمانينيات القرن العشرين، وتحديداً منذ الحرب “الإيرانية – العراقية”، وما تلاها من أحداث أهمها احتلال صدام للكويت، وانصهار الجماعات الدينية التكفيرية في بوتقة تنظيم القاعدة بتخطيط أميركي صهيوني وتمويل سعودي، وما بات يشكله من مخاطر لم يسلم من شضاياها حتى الرعاة والممولين، ما دعى الكيان الصهيوني الى ضرورة إيجاد مقاربة تضمن تحويل المتغيرات لصالح هدفه الأهم، وهو كسر حاجز المقاطعة العربية، وتحويل القضية الفلسطينية الى مجرد مشكلة اقتصادية عابرة، تمهيدا لشطبها نهائيا، واحتواء الرعب الإيراني المتعاظم بقفازات العرب.
بعد أحداث 2011 نجح مهندس العلاقات “الصهيونية – العربية”، رئيس الموساد “يوسي كوهين” – الجاسوس الوسيم – في تطوير آلية جديدة للتعامل مع العرب، مستفيداً من أصوله الشرقية، تقوم على ربط مصائر الأنظمة العربية بالمعلومة الأمنية الإسرائيلية عن الحاضر والمستقبل، لدرجة أنه تم تقزيم دور أجهزة المخابرات في هذه الدول وربطها بالمعلومة الإسرائيلية، وتطويع أجهزة مخابرات هذه الدول بيد “الموساد”، وبفضل ذلك أصبح الموساد من يرسم ويفكك القنابل الموقوتة في الإمارات وغيرها من دول المشرق العربي، وأسس قسماً بـالموساد يتولى مهمة العلاقات الخارجية السرية مع الدول العربية.
ونسج “كوهين” خيوط العلاقة على أساس مصائر الأنظمة، وأثمرت علاقات وزيارات علنية وسرية لدول لم يفصح عنها.
وسنكتفي هنا بتخصيص ثلاثة قراءات متتابعة للحديث عن مدخلات ومخرجات العلاقات “الإماراتية – الصهيونية”، باعتبار الإمارات أخر عناقيد المطبعين، وأكثرهم غرائبية، بالنظر الى أحلام هذه الدويلة الناشئة المتجاوزة حجمها الجغرافي والسياسي والتاريخي، وما تخلل هرولتها الإنبطاحية من مثالب تجاوزت كل المحرمات والمقدسات الدينية والقومية والعروبية.
وتتحدث إحدى وثائق موقع “ويكيليكس” عن إنتظام الاتصالات السرية الروتينية بين أبو ظبي وتل أبيب منذ منتصف تسعينيات القرن العشرين، بعضها مسجَّلٌ في البرقيات الدبلوماسية الأميركية التي نشرها الموقع، وكشفت برقية دبلوماسية تعود لعام 2009، أن العلاقات بين أبوظبي وتل أبيب إيجابية وعالية المستوى.
وقالت مذكرة قدمها المستشار السياسي للسفارة الأميركية في تل أبيب حينها “مارك سيفرز” أن: وزير الخارجية الإماراتي “عبدالله بن زايد”، طوّر علاقات شخصية جيدة مع وزيرة الخارجية الإسرائيلية وقتها “تسيبي ليفني”.
وذكر دبلوماسي كبير في السفارة الإسرائيلية بواشنطن في العام 2009، أن الإماراتيين: يؤمنون بالدور الإسرائيلي بسبب العلاقات الوثيقة بين إسرائيل وأميركا، ورغبتهم في الاستعانة بإسرائيل في مواجهة إيران، وأنَّ دول الخليج في العموم: تؤمن بأن إسرائيل قادرة على فعل المستحيل، وأشاد بما وصفه: التحالف الاستراتيجي بين إسرائيل والإمارات، وفقاً لوسائل الإعلام الأميركية.
وفي بداية 2017 زارت الامارات باحثة إسرائيلية، وكتبت مقالاً بموقع “المصدر” الإسرائيلي، وأكتفى الموقع بالترميز لإسمها بحرف “م”، من أهم ما جاء فيه: الإمارات منطقة خالية من المواجهات، لذلك تتصرف وكأنها “الأخت الكبرى” المسؤولة في المنطقة التي تسود فيها الفوضى.
ويشير الكاتب البريطاني “أندرياس كريغ ” الى أن العلاقة بين أبوظبي وإسرائيل تقوم على التآزر الإيديولوجي المِطواع!.
وأكدت وسائل إعلام إسرائيلية أن: التحالف بين البلدين بدأ قبل 20 سنة، وشمل تعاوناً أمنياً، دبلوماسياً واقتصادياً واسعاً، معظمه بقي سرياً، ثم جاء التهديد النووي من طهران ليعزز هذا التحالف.
ويظهر استطلاع رأي لوزارة الخارجية الإسرائيلية أن 42 بالمئة من عينة إماراتية يؤيدون علاقات مع إسرائيل.
وخلال عام 2019، والذي يمثل ذروة التحول في مسارات التطبيع، وجه “خلف الحبتور” 3 دعوات لتطبيع العلاقات بين دول الخليج وإسرائيل، زاعما أن “التطبيع” و”السلام” سوف يخدم الفلسطينيين، وقال في مقابلة مع مجلة ناطقة باسم الجالية اليهودية في أميركا ان: العرب واليهود أبناء عمومة، ومن الغباء أن يقاتلوا بعضهم بعضاً!.
ميدانياً، كشفت صحفٌ إسرائيلية أن العلاقات بين إسرائيل والإمارات مبنية على المصالح الاقتصادية والعدو المشترك “إيران”، وهي منفصلة كلية عن القضية الفلسطينية!.
ويعتقد “بن زايد” و”بن سلمان”، أن خدمة مصالح دولتيهما والحفاظ على النظام فيهما “يبدأن” و”ينتهيان” في واشنطن، لكنهما يمران بالضرورة بالرضا الإسرائيلي، لذا تُولي حكومة أبوظبي اهتماماً خاصاً بتطوير العلاقة مع تل أبيب، في ظل “إجماع داخلها على جعل تلك العلاقة من أبرز الأولويات”، وتبادل البعثات الدبلوماسية لم يعد سوى “مسألة وقت”، وفقاً لمستشار الملك البحريني، الحاخام الأميركي “مارك شناير”، في حديث له مع صحيفة “جيروزاليم بوست” العبرية بتاريخ 6 فبراير 2018.
ولكلٍ منهما طموحاته بحسب المستشرق الإسرائيلي “جاكي خوجي”: إسرائيل تستفيد بالحصول على بطاقة دخول إلى سوق تجاري ضخم، ووجود علني في منطقة الخليج الغنية، والنابضة بالحياة، أما زعماء الإمارات فهم يحظون بتحالف مع قوة إقليمية عظمى وهي إسرائيل، ووفق ما هو متاح من معلومات، فإن العلاقات آخذة بالتنامي والدفء مع مرور الوقت.
ومن أبرز ذرائع الإمارات للتطبيع: مواجه الخطر الإيراني والإرهاب ودعم عملية السلام في المنطقة، وكلها ذرائع واهية.
الفزاعة الايرانية:
للتطبيع “الإماراتي – الصهيوني” دوافع أمنية تقليدية أكثر، حيث تأمل إسرائيل والإمارات تشكيل جبهة مشتركة ضد إيران ونفوذها في الشرق الأوسط، بحسب موقع “إنتليجينس أونلاين”.
ولذا ترى الباحثة في مجموعة الأزمات الدولية “إليزابيث ديكنسون” أن: انسجام السياسات يجعل تل أبيب والرياض وأبو ظبي أكثر تقارباً، للضغط على إيران وتقليل نشاطها الإقليمي, هي الأولوية الأهمّ لإسرائيل ولعواصم خليجية معيّنة، وجميعها تشعر بأنه من المهم استغلال الفرصة المتاحة حالياً، التي تقوم فيها الإدارة الأميركية – ترامب – أيضاً بإعطاء الأولوية لإيران.
وتحاول الإمارات جاهدة الحفاظ على التوازن في المواجهة مع إيران، ومع العامل الشيعي في المنطقة ككل، رغم الصعوبة الكبيرة التي تعانيها قيادتها في هذا المنحى.
بعد تنصيب الرئيس الأميركي السابق “باراك أوباما”، في ولايته الأولى عام 2009، أعلنت أبوظبي وتل أبيب عن توحيد جهودهما للمرة الأولى، من أجل الضغط على واشنطن لاتخاذ موقف أشد صرامة ضد ايران، وأطلق سفراء إسرائيل والإمارات بواشنطن نداءً مشتركاً في اجتماع مع مستشار الشرق الأوسط لإدارة “أوباما”، لحثها على تبني موقف أكثر حزماً فيما يتعلق بإيران.
ومع قرب انتهاء ولاية “أوباما” الثانية تحدثت الصحف الأميركية عن رصد استخبارات بلادها اتصالات هاتفية متكررة بين مسؤولي أبوظبي وتل أبيب، بما في ذلك بين “نتنياهو” وزعيم إماراتي كبير، واجتماع بين “نتنياهو” والقيادة الإماراتية في قبرص، ركزت على التعاون ضد إيران.
وتسبب الملف النووي الإيراني في توطيد العلاقة بين الإمارات واللوبي الإسرائيلي في واشنطن بمساعدة سفير الكيان الصهيوني “رون ديرمر”، وهو الأكثر نفوذاً في أروقة مؤسسات القرار الأميركية، وأغدقت الإمارات مئات الملايين من الدولارات على مؤسسات اللوبيات الصهيونية بأميركا من أجل الضغط على الإدارة الأميركية ومنعها من توقيع صفقة حلحلة الملف النووي مع طهران.
فاختار السفير الإماراتي في واشنطن “يوسف العتيبة”، خلال السجال الذي سبق توقيع الاتفاق النووي الإيراني، التنسيق مع “إيباك” واللوبي الإسرائيلي للضغط على إدارة “أوباما” ومنعها من توقيع الاتفاق.
وكان “يوسف العتيبة” قد تسلم في 2015، إحاطة من السفير الإسرائيلي لدى واشنطن “رون ديرمر”، بشأن معارضة إسرائيل لخطة العمل الخاصة بالاتفاق النووي مع إيران، وحث أبوظبي على القيام بدور أكثر فعالية في معارضة هذه الصفقة، وفق مجلة “نيويوركر” الأميركية، وأكدت المجلة نقلاً عن مسؤول أميركي سابق، أن آراء “ديرمير” و”العتيبة” متفقة تماماً في كل القضايا، وخصوصاً العداء لإيران ومحاربة الإسلام السياسي، ولفت إلى العلاقات الشخصية القوية القائمة بين الرجلين بعيداً عن وسائل الإعلام.
ويعتبر “العتيبة” رجل الإمارات الأول في واشنطن والمهندس الفعلي لتطبيع العلاقات “الإماراتية – الصهيونية”، وإخراج معاهدة الإستسلام الأخيرة الى حيز الوجود.
وفي 3 يونيو 2017، نشر موقع “إنترسبت” الأميركي وموقع “ميدل إيست مونيتور” البريطاني، عينات من رسائل البريد الإلكتروني المخترق للسفير الإماراتي “العتيبة”، كشف بعضها عن تواصل الإمارات والسعودية مع إسرائيل من أجل التعاون ضد إيران، ورغبة الإمارات في “تطبيع سريع” للعلاقات مع إسرائيل، وعلاقات وثيقة مع مؤسسات الضغط التي تعمل لصالح تل أبيب في واشنطن، مقابل دعم تل أبيب لها في خططها الإقليمية، بما فيها تلك المتعلقة بمجابهة إيران وإعاقة قدرتها على الانخراط في أنشطة تجارية مع كبرى الشركات حول العالم.
وخلال العقد الأخير شهدت واشنطن العديد من اللقاءات بين السفير “العتيبة” وقادة الكيان الصهيوني، منهم “نتنياهو” في مارس 2018، في مطعم “كافي ميلانو” بحي “جورج تاون” في واشنطن، لمناقشة الجهود المشتركة لمواجهة إيران ودورها الإقليمي المتنامي، بحسب وكالة “أسوشيتدبرس”، والسفير الإسرائيلي “رون دريمر” في 3 أبريل 2019، بحفل عشاء نظمه المعهد اليهودي لأبحاث الأمن القومي بواشنطن، لذات السبب.
وفي أوائل ديسمبر 2018، احتضنت إحدى العواصم الخليجية، يرجح أن تكون أبوظبي، لقاءاً أمنياً جمع مدير الموساد “كوهين” وقيادة استخبارات السعودية والإمارات ومصر، لمناقشة كيفية التصدي لنفوذ تركيا وإيران بالمنطقة العربية، وإعادة تأهيل الأسد بحسب موقع “ميدل إيست آي” البريطاني، وتكوين تحالف “سني – صهيوني” ضد محور المقاومة.
وسجل شهر فبراير من العام 2019 مرحلة فاصلة في تاريخ العلاقات “الصهيونية – الإماراتية”، من خلال تسريب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي مقطع فيديو من اجتماعات مؤتمر الشرق الأوسط بقيادة واشنطن في “وارسو”، أقر فيه وزير خارجية الإمارات “عبدالله بن زايد”، بـ “حق” إسرائيل في الدفاع عن نفسها من خطر إيران وحزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية، قبل أن يعود لحذفه بعد ساعات.
بالتوازي مع كشف الكاتب الإسرائيلي “عومري نحمياس” في بداية أبريل 2019 عن عمل الإمارات وإسرائيل لإقناع إدارة “ترامب” بالانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وتهديد وزير الخارجية الإسرائيلي “يسرائيل كاتس”، في ديسمبر 2019، إيران بـ “جبهة سعودية، إماراتية، أميركية” في حال تجاوزها “الخط الأحمر”، وقال: “لا يمكننا الخوض في التفاصيل، لكن لدينا مصالح مشتركة”، وفي 17 ديسمبر 2019 احتضن البيت الأسود اجتماع ثلاثي سري، أميركي، إسرائيلي، إماراتي، بهدف التنسيق ضد إيران، ومناقشة تطبيع العلاقات بين أبو ظبي وتل أبيب، بحسب موقع “أكسيوس” الأميركي.
وقالت صحيفة “هآرتس” أن: السعودية والإمارات تتقاسم بشكل دائم مع إسرائيل الكثير من المعلومات الاستخبارية التي تتعلق بالمخاطر الأمنية القادمة من طرف إيران.
وقريباً من “الفزاعة” الإيرانية، اعتبر وزير الدفاع الإسرائيلي السابق “أفيغدور ليبرمان”، في تصريح له بتاريخ يونيو 2017، مشاركة الإمارات في قطع العلاقات مع قطر “فرصة ممتازة لتوحيد الجهود مع إسرائيل في المعركة ضد الإرهاب”، رغم أن قطر من الدول المطبعة، وللكيان الغاصب مكتب تجاري فيها، إلا أن تقاربها مع إيران مؤخراً في بعض القضايا الإقليمية، وتعليق مشاركتها في عدوان العاصفة على اليمن، جعلها محل سخط الإمارات والسعودية، لكن لا زالت شعرة معاوية متصلة مع تل أبيب.
وكذا الحال بالنسبة لليمن، والمخاوف الصهيونية من سيطرة حركة “أنصار الله” على هذا البلد المتحكم بـ “باب المندب”، وتحويله الى ساحة جديدة لمحور المقاومة والممانعة، وما يشكله ذلك من خطر وجودي على دولة الكيان الغاصب، ما دفع الصهاينة الى التنسيق اللوجستي والاستخباراتي مع السعودية والإمارات في حربهما الإجرامية ضد اليمن، وتدريب مرتزقة التحالف العبري بإرتيريا، ومد تحالف العار السعودي الإماراتي بالأسلحة الفتاكة لقتل اليمنيين، كما حدث في فج عطان، والمساعدة في احتلال الجزر والمدن الساحلية اليمنية، وأخرها الحديث عن توجه ضباط إماراتيين وإسرائيليين الى جزيرة سقطرى، كما وقعت الإمارات مع تل أبيب إتفاقاً لمد الجماعات الموالية لها في جنوب اليمن وليبيا بالسلاح.
وإجمالاً: أينما وُجِدَت الإمارات وُجِدَت إسرائيل، ووُجِدَ معهما الخراب والدمار.
ولا تستغربوا في قابل الأيام والشهور من انضمام موالي التحالف العبري في اليمن الى قافلة المطبعين، وما نسمعه اليوم من تصريحات لبعض قادة الموالي، لها ما بعدها، وهذا الموضوع في غاية الخطورة ويحتاج الى قراءة مستفيضة.
ونكتفي هنا بإيراد شهادة لأحد المستشرقين الصهاينة، للتأكيد على الأهمية التي يحتلها اليمن في الاستراتيجية الصهيونية، هو “إيهود يعاري”، في تقرير نشرته القناة العبرية 12، في منتصف 2017 بمناسبة سيطرة القوى اليمنية الموالية للإمارات على جزيرة سقطرى: إسرائيل سعيدة بهذه الجهود الإماراتية لمنع الهيمنة الإيرانية على طريق الشحن البحري إلى إيلات، ان نظرة إسرائيلية سريعة على الخريطة توضح أن سقطرى تهيمن على ممرات الشحن من وإلى البحر الأحمر، ولها أهمية استراتيجية هائلة تحظى بمراقبة كثيفة من أجهزة الأمن الإسرائيلية، إسرائيل على استعداد “لتقديم المساعدة بالمعدات العسكرية” في الحروب التي لا نهاية لها في اليمن، لأن إسرائيل لا تريد أن تقع سقطرى في أيدٍ معادية لها.
وطبعاً المسيطر حينها على سقطرى، ليس “أنصار الله” ولا إيران، بل ميليشيات عشّار اليمن “هادي”، وعِش رجباً ترى عجباً.
المتاجرة بالقضية الفلسطينية:
من المفارقات المضحكة رفع الكيان الإماراتي قميص القضية الفلسطينية لتبرير تقاربه مع الكيان العبري، وهو الذي لم يُعطي هذه القضية أي اهتمام، بل كان على الضد خنجراً مسموماً في خاصرة الفلسطينيين، خصوصاً في العقدين الأخيرة، وأحد أبرز المتآمرين على القضية الأولى للعرب والمسلمين، لدرجة منع أبو ظبي رفع علم فلسطين داخل الأماكن العامة ومؤسساتها الرسمية، وترحيل أي فلسطيني ينتمي لأي حركة من حركات المقاومة وتصفية أعماله بعد اعتقاله، بل وتصفية قادة المقاومة بالتنسيق مع الموساد الصهيوني، والعمل على تصفية القضية الفلسطينية من بوابة ما بات يُعرف بالسلام الاقتصادي، وصفقة القرن.
وبالنظر الى حيثيات معاهدة السلام الأخيرة بين الإمارات والكيان الصهيوني، والتي ليست سوى حلقة من حلقات الشراكة العميقة القائمة على دوافع أيديولوجية بين إسرائيل في عهد “نتنياهو” وبين رؤية الإمارات لنظام إقليمي جديد، لا يستغرب الكاتب البريطاني “أندرياس كريغ” أن تكون إسرائيل “معجبة” بأبوظبي وترغب لها في لعب دور رائد في “مبادرة السلام” البائسة للرئيس الأميركي “ترامب”، ونتيجة لذلك، تبنى مستشار الرئيس الأميركي “جاريد كوشنر”، وجهة نظر “بن زايد” حول الفلسطينيين كمقياس للتسامح العربي مع عملية “الغدر” التي يتعرض لها الفلسطينيون.
ورغم أن خطة الإقتضام الصهيونية للأراضي الفلسطينية وأخرها العمل على ضم 30 بالمئة من مساحة الضفة الغربية “المستوطنات وغور الأردن”، ماتزال غير نهائية، إلا أنها تنسجم تماماً مع حل الدولة الواحدة، كما يراه “كوشنر”، وهو الأمر الذي أقره “محمد بن زايد” خلال محادثات خاصة أجراها مع صهر الرئيس الأميركي “دونالد ترامب” .
وعلى الرغم من أن أبوظبي قد يساورها القلق إزاء رد فعل جمهورها على إقرارها خطة الضم الإسرائيلية، إلا أن حكامها يدركون أن التعبير العلني عن رفض الإجراء الإسرائيلي في فلسطين قد يكون كافياً للحفاظ على عمق ومرونة ما هو أكثر من مجرد “زواج مصلحة” بين أبوظبي وإسرائيل يعود على الطرفين بمنفعة مشتركة.
وفي هذا السياق يمكن تفسير إعلان “بن زايد” عقب إفصاح “ترامب” عن معاهدة السلام الإماراتية الصهيونية، “توقيف” اسرائيل عمليات الاستيطان مقابل معاهدة السلام، وخروج “نتنياهو” بعدها مباشرة للتأكيد على “التوقف” المؤقت وليس “الإلغاء”، بمعنى تخدير وعي الجمهور العربي والإماراتي تحديداً ريثما تُؤتي سحابة التطبيع ثمارها، على أن هذه المعاهدة برمتها ليست سوى فصل من فصول صفقة القرن، وسنكتفي في هذه العجالة بإيراد نماذج بسيطة من جرائم إمارات “بن زايد” بحق القضية الفلسطينية، وهي بحاجة الى قراءة مستفيضة مستقلة.
1 – إقدام الموساد في 19 يناير 2010 بالتنسيق مع المخابرات الإماراتية على اغتيال القيادي العسكري في حركة حماس “محمود المبحوح” في دبي، بعد يومين فقط من زيارة وزير البنية التحتية الإسرائيلي “عوزي لانداو”، لأبو ظبي، وبعدها بأسبوعين استقبلت دبي فريقاً رياضياً صهيونياً، وكأن شيئاً لم يحدث.
2 – منع عقد مؤتمر لحركة حماس في الدوحة، كما كشفت عن ذلك عينات من البريد الإلكتروني المخترق لسفير دول الإمارات في واشنطن، “يوسف العتيبة”، تحدث بعضها عن اتصالات إماراتية أميركية صهيونية بهذا الصدد، نشرها موقع “إنترسبت الأميركي” في 3 يونيو 2017.
3 – المشاركة في تدشين صفقة القرن، وقد كان رجل الأعمال المقرب من الطبقة الحاكمة بالإمارات “محمد العبّار” أبرز الحاضرين في صيف عام 2019 بورشة البحرين، الخاصة بإعلان الشق الاقتصادي لصفقة القرن الأميركية بخصوص تصفية القضية الفلسطينية، ووصف الإعلام العبري “العبّار”، يومها بأنه: “مُحِبٌّ للشعب الإسرائيلي”.
4 – المشاركة في عمليات التهويد بغزة والقدس، ففي العام 2005 قررت اسرائيل الانسحاب الأحادي الجانب من قطاع غزة “فك الارتباط”، وشمل القرار التخطيط لتدمير 21 مستوطنة، فقامت شركة “إعمار” بشراء تلك المستوطنات بـ 56 مليون دولار، وهي أكبر شركة عقارية في الإمارات، يديرها “محمد العبّار”، زار يومها تل أبيب سراً، والتقى برئيسها “شمعون بيريز” ورئيس وزرائها “أرييل شارون”، ووقع معهما الصفقة، وبعد أسابيع التقى ولي العهد “محمد بن زايد” بسفيرة واشنطن في الإمارات “ميشيل ساسون”، وأبلغها عدم اعتراضه على صفقة “العبّار” من حيث المبدأ، وأنه يرى من الأفضل الاستفادة من هذه المساكن بدلاً من هدمها، ومن يومها بدأ إسم “العبّار” يخطف أضواء أولياء نعمته في الكيان العبري.
وفي مايو 2016، كشف الموقع الإلكتروني للقناة الإسرائيلية الثانية، عن تورط رجال أعمال إماراتيين في مشروع “تهويد” مدينة القدس والبلدة القديمة فيها، من خلال شراء منازل من الفلسطينيين وممتلكات عقارية، ثم نقل ملكيتها إلى مستوطنين يهود، عبر وساطة القيادي المفصول من حركة “فتح” الفلسطينية “محمد دحلان”.
وأكد نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، الشيخ ” كمال الخطيب” استمرار “طحنون بن زايد” في تسريب عقارات من مدينة القدس المحتلة: إماراتيون يحولون ملكية عقارات في القدس إلى إسرائيليين بعد شرائها عبر وسطاء، وشخصيات إماراتية مارست التضليل والتدليس لشراء منازل من فلسطينيين في القدس لبيعها لاحقاً لإسرائيليين.
وتحدثت ندوة عقارية في الضفة الغربية عن قيام بعض رجال الأعمال بشراء عقارات في حي “سلوان” بالقدس المحتلة لصالح إماراتيين، وبهذه الحجة تم تسريب 18 شقة لصالح جمعية “عطيرت كوهنيم” الاستيطانية الصهيونية، التي تستولي على بيوت القدس المحتلة في سلوان.
5 – مشاركة الطيران الإماراتي، الكيان الصهيوني في العدوان على غزة في العام 2012 و2019 بحسب الكاتب الصهيوني “إيدي كوهين”، ومن قبلها على لبنان.
المراجع:
1 – أندرياس كريغ، الإمارات وإسرائيل أكثر من مجرد “زواج مصلحة”، موقع ميدل إيست آي البريطاني، 8 يوليو 2020.
2 – منية فاضل، دول الخليج وإسرائيل: الإمارات أقرب الأصدقاء والكويت خارج السرب، البيت الخليجي، 22 مايو 2017.
3 – الخليج الجديد، الإمارات وإسرائيل .. تعاون استراتيجي نسجته مخاوف مشتركة، 28 نوفمبر 2019.
4 – الإمارات 71، ما بين أبوظبي وإسرائيل أعمق من تطبيع وأخطر من علاقات، 6 يناير2020.
5 – عدنان أبو عامر، مستشرق يهودي يستعرض خفايا علاقات إسرائيل والإمارات، عربي21، 27 ديسمبر 2019
6 – صالح النعامي، اتصالات إسرائيلية إماراتية مكثفة لتدشين علاقات دبلوماسية علنية، فرانس برس، 28 ديسمبر 2019.
7 – عربي بوست، الإمارات وإسرائيل عقدان من التطبيع الخفي، 9 أغسطس 2020.
8 – الشرق القطرية، الإمارات تدخل مرحلة التطبيع العلني مع إسرائيل .. هل الثمن هو فلسطين؟، 4 يوليو 2020.