قطار التطبيع في الخرطوم.. أين ستكون المحطة القادمة؟
د. محسن القزويني*
لا فرق بين عطا الله عبد الرحمن شاؤول الذي ولد في حالوف شمال السودان عام 1949 ثم هاجر إلى إسرائيل أيام جعفر النميري وهو في عمر المراهقة، لا فرق بينه -لو صدقت الرواية- وبين بنيامين نتانياهو الا بالاسم العربي الذي اختاره يهود السودان على انفسهم للتمويه والتخفي.
فالاسم العربي لنتانياهو لم يشفع للعرب أطماعه اللامتناهية ولم يرحم مسقط رأسه وبلده الأول السودان من أن يصبح هدفاً للأطماع الإسرائيلية.
فهناك ثلاثة موارد في السودان يسيل لها لعاب نتانياهو.
المورد الأول: المياه حيث انعم الله على السودان بمياه النيل التي بلغت إيراداتها السنوية 85.6 مليار مترمكعب، وعين إسرائيل على مياه النيل من زمن مديد فهي التي ساعدت اثيوبيا على إقامة سد النهضة للسيطرة على منابع النيل، ولم تكتف بهذا القدر بل هي تحاول السيطرة على حوض النيل تأكيداً على الوعد الأسطوري في إسرائيل العظمى من النيل إلى الفرات سيما وانها تعاني في السنوات الأخيرة من شحة في المياه فقلصت حصة الزراعة من مياهها بنسبة 10 إلى 15% أضف إلى ذلك زيادة الملوحة في بحيرة طبرية والمياه الجوفية.
المورد الثاني: النفط فالسودان بلد غني بالنفط حيث يبلغ احتياطيه زهاء مليار ومائتي مليون برميل لم يكتشف منه سوى 20%، ويتركز وجود النفط السوداني في دارفور، وهي ثروة وطنية معطلة وبحاجة إلى استثمارات عالمية وإسرائيل على استعداد تام لتقديم هذه المساعدة لتعزيز وجودها في هذا البلد ولتنمية وتحفيز الاقتصاد السوداني.
المورد الثالث: هو الذهب والسودان هي الدولة الأولى في احتياطي وإنتاج هذا المعدن الثمين إذ بلغ انتاجها من الذهب في الربع الأول من هذه السنة 2020، 8.4 طن. وللذهب بريقٌ قادر على جذب الشركات الإسرائيلية لغرض الاستثمار في هذا المعدن النفيس.
وإلى جانب هذه الموارد الاقتصادية هناك ثلاث خصائص للموقع الاستراتيجي الذي حظي به السودان.
أولها اطلالتها الطويلة على البحر الأحمر بطول 390 ميلا واشرافها على العشرات من الجزر الصغيرة الواقعة في البحر الأحمر قبالة شواطئها. الأمر الذي يمنح السودان قدرة كبيرة على التحكم والمناورة في هذا الممر المائي الاستراتيجي.
والخصيصة الثانية لسودان هو احاطتها بتسع دول افريقية تتلهف للمساعدات الإسرائيلية، فستتحول السودان إلى رأس جسر للوصول إلى هذه الدول الافريقية البائسة.
والخصيصة الثالثة وقوعها في أسفل مصر لتكون طرف كماشة للضغط على مصر متى شاءت إسرائيل بينما هي من الشمال تمارس الطرف الاخر من الكماشة.
هذه هي الدوافع الأولى للانقضاض الإسرائيلي على السودان والذي تحقق أخيراً بمساعدة الامارات العربية التي قامت بدورها بترتيب اللقاء بين عبد الرحمن برهان ونتنياهو في أوغندا والذي كان بداية انطلاق التطبيع بين السودان وإسرائيل.
لاشك ان لوجود اليهود في السودان هو الآخر محفز إسرائيلي للاندفاع نحو هذا البلد العربي، فعائلات يهودية عريقة لازالت تقطن الخرطوم وام درمان نزحت من اسبانيا بسبب مالقيت من ظلم واضطهاد المسيحيين بعد سقوط غرناطة فلم تجد ملجأ لها سوى البلاد الإسلامية فالتجأت إلى السودان وعاشت حياة سعيدة تحت ظل التسامح الإسلامي فاقامت المشاريع الاقتصادية واسست الشركات المالية والانشائية والفنادق والمصانع المختلفة حتى أصبحت تشكل هذه المجاميع جالية سميت بـ (السفارديم) وهي مجموعة يهودية تنحدر من أصول اسبانية، وبالرغم من تأثر الوجود اليهودي في السودان منذ نكبة 1948 و حرب حزيران 1967 الا ان اليهود لازالوا يشكلون رقماً مهماً حتى ان حزباً سودانياً يسمى بالحزب الجمهوري نادى ومنذ عام 1945 بالاعتراف بإسرائيل وإقامة علاقات قوية معها فاعتقل النميري رئيس الحزب محمود محمد طه ونفذ حكم الإعدام بحقه 1985.
لم تثن هذه الحوادث إسرائيل عن وضع يدها على السودان لأنها تعرف قيمة هذا البلد وقد أعلن آفي دريختر وزير الأمن الإسرائيلي عام 2008 في محاضرة له قائلاً :ان أسباب اهتمام إسرائيل بالسودان هو ان السودان بمواردها ومساحتها الشاسعة وعدد سكانها محتمل أن تصبح دولة قوية منافسة لبلدان عربية رئيسية.
ومن أجل ان لا تكون السودان دولة قوية فقد قامت إسرائيل بتقطيع أوصالها فقطعتها إلى نصفين وهي على أهبة الاستعداد لتقطيعها إلى أقسام أخرى كالنوبة ودارفور تطبيقاً لمبدأ جولدا مائير رابع رئيس وزراء اسرائيلي حيث اكدت ان اضعاف كل من العراق والسودان يتطلب اثارة النعرات العرقية فيهما.
حاولت إسرائيل ان تغرس خنجرها في الجسد العراقي من خلال داعش بغية تقسيم العراق ففشلت نتيجة وعي الشعب العراقي وحكمة المرجعية الدينية، لكنها نجحت في السودان ولازالت تواصل نجاحاتها بسبب حاجة هذا البلد إلى المساعدة فلم تتقدم إليها الدول العربية بأية مساعدة فاضطرت أن تمد يدها إلى إسرائيل.
وهي حاجة لازالت قائمة في دول عربية أخرى مرشحة للالتحاق بقطار التطبيع، فمن ستكون هذه الدولة يا ترى؟
نقولها بكل صراحة هناك أكثر من دولة عربية مستعدة اليوم للدخول في ركب التطبيع بسبب الحاجة إلى الأمن أو الاقتصاد ولا يمنعها شيء من الانحدار إلى الحضن الإسرائيلي سوى التضامن العربي الذي أصبح حلماً يدغدغ انغام المنشدين ويهز قافية الشعراء ويحرك أقلام الكتّاب العرب وحسب.
*كاتب عراقي
* المصدر : رأي اليوم