السياسية: نجيب هبة

سارعت أدوات العدوان في اليمن وخاصة تلك الجهات التي تتبع دويلة الإمارات المارقة إلى تأييد ومباركة اتفاقية التطبيع العلني بين الكيان الصهيوني وشقيقه الكيان الإماراتي.. ونؤكد هنا على مصطلح “التطبيع العلني” على اعتبار أن التطبيع كان قائماً بينهما منذ سنوات طويلة وأن هذه الاتفاقية إنما جاءت كتحصيل حاصل وإعلان يستطيع مسؤولو النظام الإماراتي من خلاله التبجح بهذه العلاقة أمام العالم وبشكل علني.
ففي السياق.. أعلن المجلس الانتقالي الجنوبي المدعوم من أبوظبي، وقائد ما يعرف بـ “حراس الجمهورية”، طارق صالح، تأييدهم لاتفاق التطبيع بين الإمارات والاحتلال الإسرائيلي، وهو ما يثير تساؤلات عن الفوائد التي سيجنيها حلفاء أبوظبي من الهرولة وراء التطبيع مع الاحتلال الاسرائيلي.
إن مواقف أدوات العدوان هذه ماهي إلا استجابة لأوامر ورغبات أسيادهم وصانعيهم ظنا منهم أنها سوف تجعلهم مقربين ومحظيين عند أولئك الأسياد وتدفع بهم إلى مواقع المسؤولية والسلطة، والحقيقة التي لاجدال فيها أنهم لا يعدون كونهم أدوات يستخدمها العدوان لتحقيق أهدافه ومصالحه وهو مستعد للتخلي عنهم عندما يشعر بانتهاء حاجته لهم أو بأنه قد حقق ما كان يهدف أن يحققه من خلالهم.
وقد لاقت هذه المواقف استنكارا واسعا وسخرية لدى جمهور وسائل التواصل الاجتماعي والناشطين السياسيين اليمنيين والقوى الوطنية وهي مرفوضة جملة وتفصيلا من الشعب اليمني.
وبعد الإعلان عن التطبيع.. تغزّل هاني بن بريك، نائب رئيس المجلس الانفصالي، بتغريدة لرئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، يقول فيها “السلام عليكم وعلينا”، إذ علّق بن بريك “وعليكم السلام وعلينا. وحيا على سلام تسكن فيه المنطقة، ويقطع دابر الحروب وتجارها”.
وإمعاناً في السقوط الأخلاقي.. قال بن بريك “إذا فتحت زيارة الجنوبيين لتل أبيب وتم قبلها توقيع خطة السلام بين الإمارات وإسرائيل، فسأقوم بزيارة اليهود الجنوبيين في بيوتهم، وسأذهب معهم إلى القدس وسأصلي في المسجد الأقصى”.
بينما اعتبرت ماتسمى بـ “قوات حراس الجمهورية” التي يقودها طارق صالح ، التطبيع بين أبوظبي وتل أبيب بأنه “إنجاز دبلوماسي وتاريخي لإيقاف ضم الأراضي الفلسطينية لإسرائيل”. وهو المبرر الذي سرعان ماسقط بتصريح المسؤولين الاسرائيليين أن الاتفاق لن يفرض عليهم وقف ضم الأراضي الفلسطينية.
وأضافت عبر صفحتها بموقع “فيسبوك” أن “المضي في القرار بشكل علني على عكس الآخرين، دليل على وضوح الرؤية ونبل الهدف وصدق النية”.. مؤكدة أن الإمارات “ستبقى الدولة الوحيدة القادرة على نشر قيم التسامح والتعايش المشترك بما يخدم الإنسانية”.

الصديق السري في اليمن
وتأتي هذه الخطوات كتأكيد على العلاقة بين كيان الاحتلال والمجلس الانتقالي الجنوبي والتي كشفت عنها وسائل إعلام صهيونية قبل إعلان التطبيع مع الإمارات .. حيث كان موقع “إسرائيل اليوم” قد نشر في يونيو الماضي تقريرا عن الوضع جنوب اليمن، ومستقبله في ضوء سيطرة المجلس الانتقالي الموالي للإمارات وعلاقته بتل أبيب..
ونقل الموقع الاسرائيلي عن مصادر عدة في القدس ، تأكيدهم عقد مسؤولين اسرائيليين لقاءات سرية مع من وصفتها بـ “الحكومة الجديدة” جنوب اليمن في اعتراف ضمني بالانتقالي.
ووصف كاتب التقرير الانتقالي بـ “الصديق السري لإسرائيل” جنوب اليمن.. مستشهدا بتصريحات لنائبه هاني بن بريك والتي امتدح فيها الكيان الصهيوني ورحب بعودة اليهود إلى جنوب اليمن.
وأثارت هذه الخطوة استياءً واسعاً في جنوب اليمن، حيث اعتبر ناشطون بأن التقرير يعكس بيع الإمارات الانتقالي لإسرائيل في إطار خطوات التطبيع.
ويطمح العدو الاسرائيلي للحضور في باب المندب كما يمتلك قاعدة عسكرية في اريتريا ويقدم حاليا دعماً لوجستياً لتحالف عدوان الشر في باب المندب.. ودافع وزير دفاعها السابق، ليبرمان، خلال مساءلته في البرلمان حول إخضاع جيش الاحتلال الاسرائيلي لتنفيذ أجندة السعودية والامارات في اليمن بالحديث عن ماوصفها بـ “المخاوف الاسرائيلية من سيطرة حلفاء إيران”.

من جانبها قالت صحيفة الأخبار اللبنانية أن اليمن، ليس بعيداً عن محاولات اسرائيل وحلفائها لتكوين حلف في المنطقة العربية؛ لما يتمتّع به من موقع استراتيجي مميز، هو بمثابة عقدة مواصلات بحرية وبرّية يعتبرها الطرفان الإسرائيلي والخليجي، ومن ورائهما الأميركي، هدفاً مشتركاً.
وأضافت الصحيفة أن “انخراط الإمارات في هذه الحرب لم يكن إلا مندرجاً في السياق التطبيعي مع إسرائيل؛ إذ إن احتلالها للشواطئ والجزر والموانئ والمضائق يُمثّل أحد أبرز الاهتمامات الأمنية الحيوية للكيان العبري”.

تعاون عسكري في البحر الأحمر
وفي تطور لافت.. أكدت وثيقة رسمية إسرائيلية أن اتفاق التطبيع يمهد لتكثيف التعاون العسكري بينهما في البحر الأحمر..
وقالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، أمس إن وثيقة صادرة عن وزارة الاستخبارات الإسرائيلية تحدد مجالات التعاون المحتمل مع الإمارات، كشفت أن دولة الكيان الصهيوني مهتمة بتوسيع التعاون الأمني مع الإمارات.
وحسب الوثيقة، فإن التعاون في مجال الأمن يتصدر قائمة مجالات التعاون المحتملة بين البلدين. وتنص الوثيقة على أن اتفاق التطبيع يجعل من الممكن تعزيز تحالف عسكري بين دول الخليج ، فضلا عن تكثيف التعاون بشأن أمن البحر الأحمر.
ويذهب مراقبون، إلى أن الكيان الصهيوني يتحرك بكثافة، لاسيما عبر دول في منطقة القرن الأفريقي أبرزها إثيوبيا، لمنع تحول البحر الأحمر إلى “بحيرة عربية أو إسلامية”.

وتعليقا على ذلك.. نقل موقع “عربي 21” الاخباري عن رئيس مركز الجزيرة العربية للدراسات، أنور الخضري قوله “إن ما تم الإعلان عنه مؤخرا من تطبيع العلاقات بين الإمارات والاحتلال الإسرائيلي ليس بجديد على المتابعين”.. وأكد أن “دخول الإمارات لليمن هو جزء من مؤامرة صهيونية ضد اليمن”.. مستدركا أن هذا الانكشاف الإماراتي مع الاحتلال الإسرائيلي “سيخدم القضية اليمنية وسيظهر للرأي العام اليمني أن أبوظبي “ليست حليفا عربيا بل عدو عبري”.. وأضاف بالقول: “بل محتل ومعادٍ”.
وذكر الخضري أن “الإمارات تعمل وفق أجندة إسرائيل منذ البداية، ووفق أجندات بريطانيا والولايات المتحدة ضمن اللجنة الرباعية”.
وهاجم رئيس مركز الجزيرة العربية، هاني بن بريك، الذي أعلن تأييده للتطبيع مع الكيان الصهيوني وقال “ذاك الرجل قد باع نفسه للشيطان”، مؤكدا أن تصريحه يهدف لعدة أمور أولها “التقرب لابن زايد أكثر واسترضاؤه وتدعيم مواقفه”. والآخر هو “إظهار أن حلفاء الإمارات سيكونون أوفياء لإسرائيل وسوف يطبعون معها إذا مكنوا”.
واختتم قائلا “من كان لايزال يحسن الظن بحكام الإمارات إلى وقت قريب، فاليوم سيكون من واجبه تحديد موقفه، فقد تجاوز الأمر أهدافها المزعومة من التدخل في اليمن إلى خدمة الاحتلال الصهيوني ودولته إسرائيل”.
وفي هذا السياق، يرى محللون سياسيون أن اليمن خلال العقود الماضية كانت تتسابق فيها كل القوى السياسية على استحضار القضية الفلسطينية والتشبث بالبعد القومي والإسلامي.. وأن هذه الأفكار جعلت القضية الفلسطينية حاضرة في الوعي الرسمي والشعبي وأنها القضية الوحيدة التي كانت تجمع السلطة مع المعارضة في اليمن فيما كانا يختلفان حتى في القضايا الوطنية.
ويؤكد المحللون أن الإمارات ستجعل من الجماعات التي تدور في فلكها أبواقا للدفاع عن هذه الخطيئة الكبرى وبالتالي ستجد نفسها مضطرة لتحمل تبعات تأييدها للخطوة الإماراتية التي لايمكن تصنيفها إلا في خانة تصفية القضية الفلسطينية.. وهو ما سيؤدي إلى خسارة هذه الجماعات للشارع اليمني حتى من أنصارها لأن القضية الفلسطينية تعد في ثقافة اليمنيين قضية العرب والمسلمين الأولى.
ويضيف المحللون أن اعتقاد هذه الجماعات – أدوات العدوان – أن تأييد عملية التطبيع مع الكيان الصهيوني هي مفتاح للوصول إلى الأهداف التي تأتي في مقدمتها القوة والسلطة، هي قراءة خاطئة وإن كانت صالحة في أي بلد لا يمكن أن تكون كذلك في اليمن.
ويشدد المحللون على أن الوضع في اليمن سيكون مختلفا وأن القوى الوطنية المعادية للاحتلال الصهيوني هي من ستكسب الرهان وسيكون لها الحضور الأكبر بحكم استهدافها من قبل العدوان المتحالف مع العدو الاسرائيلي.
وتأتي مواقف أذرع العدوان في اليمن في ظل غليان شعبي ورسمي عارم في الدول العربية والإسلامية رفضا لاتفاقية التطبيع التي أبرمتها الإمارات مع العدو الصهيوني برعاية أمريكية.
عطفاً على ذلك وبناءً على كل تلك المعطيات والمواقف فإن أذرع وأدوات العدوان بإعلانها مباركة وتأييد التطبيع قد خسرت سياسيا بكل الحسابات وسقطت أخلاقيا بكل المقاييس من حيث أرادت تحقيق المكسب.