بقلم: جولي كيبي

(صحيفة ” لوريون لوجور- lorientlejour” الناطقة بالغة الفرنسية – ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)

صاعدت حدة اللهجة بين صناع القرار في تركيا ودولة الإمارات العربية المتحدة, ففي مقابلة مع قناة الجزيرة القطرية، حذر وزير الدفاع التركي خلوصي أكار, من أن تركيا ستحاسبهم “في المكان المناسب وفي الوقت المناسب”, كما أكد على قضية أن دولة الامارات تدعم المنظمات الارهابية المعادية لتركيا والتي تهدف الى الحاق الاذى بسيادة التركية.

تأتي هذه التصريحات العنيفة والقاسية في وقت يزداد فيه التنافس بين أنقرة وأبو ظبي تفاقماً من خلال الصراعات التي يتمتع فيها كل منهما بموطئ قدم.

ففي ليبيا، تدعم تركيا حكومة الوحدة الوطنية المعترف بها من قبل المجتمع الدولي بزعامة فايز السراج، في حين تدعم الإمارات الجيش الوطني الليبي بقيادة الجنرال خليفة حفتر.

وفيما يتعلق بالقضية السورية، فإن التقارب بين أبو ظبي والنظام السوري، الذي بدأ بشكلٍ علني قبل عامين وشجعته موسكو، ينظر إليه بنظرة سلبية قاتمة من قبل أنقرة، التي لديها قوات في شمال البلد وتريد أن تكون محوراً أساسياً على طاولة المفاوضات، وعلى نطاق أوسع، في المنطقة.

ومن جانبه, سارع وزير الدولة الإماراتي للشؤون الخارجية، أنور قرقاش للرد على تصريحات انقرة، في تغريدة له من على منصة التواصل الاجتماعي تويتر, حيث حث من  وزير الدفاع التركي، على “التوقف عن التدخل في الشؤون العربية”, وقال أن “الباب العالي (رمز الامبراطورية العثمانية) والأوهام الاستعمارية لا مكان لهما إلا في ارشيف التاريخ”, مضيفا أن “العلاقات بين الدول لا تدار بالتهديدات”.

أشارت سينزيا بيانكو، المتخصصة الخليجية في المجلس الأوروبي للعلاقات الدولية والتي أجرت مقابلة مع الصحيفة, أن هذه التصريحات ليست سوى اعتراف من الجانبين بأن التنافس أصبح الآن في المجال العام ومن المستحيل احتواؤه في المناقشات الدبلوماسية.

المصالح الوطنية:

وفي سياق الدفاع عن الأجندات الإقليمية المتعارضة بشكلٍ تام، شهدت أنقرة وأبو ظبي تفاقماً في مدى سخطهما منذ العام 2011 في أعقاب موجة ثورات الربيع العربي, حيث يقول نيل كويليام، الباحث في شأن الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس – المعروف رسميا باسم المعهد الملكي للشؤون الدولية- والمدير الإداري لشركة “أزور ستراتيجي” الاستشارية: ” تروج الإمارات لرؤية علمانية قوية ولكنها استبدادية للمنطقة, حيث تستبعد الإسلام السياسي من سياسات جميع الولايات القضائية”, وتابع حديثه بأن “تركيا، من جهة أخرى، تهدف إلى تأمين مصالحها الوطنية من خلال سلسلة من الاتفاقات التجارية ومشاريع إعادة الإعمار والتعاون العسكري، وكلها مدعومة بالتقارب مع الجماعات والأحزاب السياسية القائمة على الإسلام السياسي”.

خلافات عديدة تبلورت في مناسبات مختلفة: في العام 2013، خلال الانقلاب ضد الرئيس الإسلامي المصري محمد مرسي، ثم في العام 2016 مع الانقلاب الفاشل ضد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، الذي اتهمت فيه أنقرة أبو ظبي بالمساهمة به مالياً.

وفي العام التالي، أثارت تركيا غضب دول الخليج من خلال إظهار دعمها بشكلٍ علني لقطر، التي كانت هدفاً للحصار الذي فرضته الرياض وأبو ظبي واتهمتها بإقامة علاقات وثيقة للغاية مع إيران وجماعة الإخوان المسلمين.

وكانت التغريدة التي شاركها رئيس الدبلوماسية الإماراتية في العام 2018, أحدث تطور دبلوماسي مثير للجدل, حيث ادعت التغريدة أن الوالي العثماني للمدينة المنورة خلال الفترة بين عامي 1916 إلى العام 1919، فخر الدين باشا، ارتكب جرائم ضد السكان المحليين.

وبعد فترة وجيزة، عملت تركيا على تسمية الشارع الذي تقع فيه سفارة الإمارات العربية المتحدة في أنقرة، على اسم هذا الوالي العثماني.

وفي الآونة الأخيرة، تصاعدت التوترات منذ أن أثارت مصر، حليفة الإمارات في ليبيا، خطر التدخل العسكري، الذي وافق عليه البرلمان المصري، إذا واصلت قوات فايز السراج تقدمها نحو شرق ليبيا.

ولا يُتبع هذا السيناريو شأن أنقرة، التي جعلت من مدينة سرت الاستراتيجية، في الشرق هدفاً نصب اعينها، حيث لا يزال المشير حفتر يعاني من نكسات في الغرب بعد إرسال قوات ومرتزقة أتراك في يناير المنصرم, لتعزيز صفوف حكومة الوفاق الوطني.

وفي نفس الصدد, أشار نيل كويليام, إلى أن “مشاركة تركيا في جميع أنحاء المنطقة، لاسيما في ليبيا، تكثفت خلال الأشهر الأخيرة ولم تزيد من تكلفة التدخل العسكري الإماراتي فحسب، بل عكست أيضا اتجاه التقدم الذي أحرزته القوات العربية المسلحة الليبية المدعومة من الإمارات في الاستيلاء على العاصمة الليبية طرابلس”.

لا يوجد صراع مباشر:

تم تصدير حرب النفوذ بين الإمارات وتركيا إلى القرن الأفريقي، وهي منطقة استراتيجية يسعى الجميع من خلالها إلى تعزيز قاعدته فيها, ففي العام 2017، افتتحت أنقرة أكبر قاعدة عسكرية أجنبية في الصومال، وهي دولة لديها علاقات تاريخية واقتصادية وثيقة معها.

من جانبها، كان لأبو ظبي قاعدة جوية في مدينة عصب، الإريترية، منذ العام 2015، والتي استخدمتها كجزء من تدخلها في اليمن مع التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية التي اخذت على عاتقها مهمة دعم الحكومة اليمنية ممثلة بالرئيس عبد ربه منصور هادي ضد المتمردين الحوثيين الذين تمكنوا من بسط سيطرتهم على العاصمة صنعاء في أواخر سبتمبر من العام 2014, كما تمكنوا ايضاً من الاستيلاء على أجزاء شاسعة من المناطق الشمالية للبلد.

كما تم الإعلان عن بناء أبو ظبي لقاعدة عسكرية في بربرة، أرض الصومال، في نهاية المطاف، بضجة كبيرة في العام 2017.

يمثل القرن الأفريقي أهمية خاصة لكل من أبو ظبي وأنقرة، حيث يوفران إمكانية الوصول إلى خليج عدن والبحر الأحمر عبر مضيق باب المندب، وهو نقطة هامه للتجارة البحرية الدولية وصادرات الذهب الاسود.

وفي شهر مايو المنصرم، ندد المتحدث باسم وزارة الخارجية التركية حامي أقصوي  بدور الإمارات في ليبيا والقرن الأفريقي، متهما إياها “بتقديم الدعم للمنظمات الإرهابية، بما في ذلك حركة الشباب، والأنشطة الانفصالية في اليمن”، في إشارة إلى المجلس الانتقالي الجنوبي.

كما عرج نيل كويليام على نقطة أنه من غير المرجح أن تخوض أنقرة وأبو ظبي صراعاً بصورة مباشرة, على الرغم من أنهما ستواصلان تكثيف جهودهما لدعم الجماعات السياسية والعسكرية المعارضة في شمال أفريقيا والشرق الأوسط والقرن الأفريقي.

واختتمت سينزيا بيانكو حديثها, بتأكيد على أن كلا البلدين يرى التنافس بينهما من خلال احتمال لعبة محصلتها صفر, ونتيجة لذلك، فإنهم سيمضون قدماً في حدود مواردهم الخاصة أو إلى أن يتدخل طرف خارجي, ويمكن لهذه تصريحات الأخيرة أن تسهل هذه العملية، بمعنى أنها يمكن أن تجذب انتباه الكثيرين الذين لا يرون في التنافس التركي الإماراتي أحد العيوب الرئيسية في المنطقة، مثل تلك الموجودة بين المملكة العربية السعودية وإيران.

* المادة الصحفية تم ترجمتها حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.