غالب قنديل*

ماذا يدور في المشرق العربي وماذا يريد الغرب من لعبته الجديدة في لبنان؟ هذا هو السؤال الجوهري الراهن حيث أصدر الرئيس الأميركي صك توكيل لفرنسا سيثبته لاحقا من بيروت السفير ديفيد هيل الذي سبق له التدخل في مسار التسويات الاحتوائية منذ سنوات مع ملاحظة انه لم تتضح بعد بما يكفي من عناصرالتفويض الأميركي وشروطه السياسية لاستجلاء احتمالات المرحلة المقبلة.

أولا

حيكت روايات وتوقعات كثيرة بعد إشارة حرص الرئيس مانويل ماكرون على التواصل المباشر مع قيادة حزب الله خلال زيارته لبيروت مجددا الاعتراف الفرنسي بدور الحزب الرئيسي في لبنان وبوزنه الشعبي والسياسي المقرر بعد انقلاب باريس والتحاقها بالمخطط الأميركي وما رتبه من نتائج سياسية على العلاقة بين الجانبين خلال عدوان تموز رغم استمرار الضوابط الفرنسية الناتجة عن حساسية الشراكة بقوات الطواريء الدولية / اليونيفيل على أرض الجنوب ووجود حاجة متواصلة لقنوات تنسيق فرنسية لها حيثياتها الامنية والسياسية على إحدى اخطر جبهات الصراع العربي الصهيوني من زواية النظر المشتركة التي تلتقي عليها عواصم الغرب وتل أبيب في هاجس التهديد المتعاظم لقوة المقاومة التي تكبل الكيان الصهيوني بمعادلات الردع.

ثانيا

يتوه الناظرون بانشداه إلى اللهفة الفرنسية المستجدة نحو لبنان وأمام تخطيها لحدود الإعلانات العاطفية المعتادة تعبيرا عن الحنين للماضي الاستعماري ولاسترجاع خارطة النفوذ الغربي التقليدي في الشرق العربي بعد انتقال الرئيس ماكرون إلى جمع مساعدات مالية بقيمة ربع مليار يورو هي أقصى ما تمكن من تحصيله رغم المباركة الأميركية في زمن ضيق عالمي شامل ومغزى الشراكة بينه وبين نظيره الأميركي كان سياسيا بتفاهم ضمني لاحت مؤشراته عبر الايحاء بتعديل الاتجاه في التعامل مع الملف اللبناني بصورة تراعي التوازنات التي عجز الغرب وعملاؤه عن قلبها بواسطة العقوبات الضارية رغم وقوع الانهيار الذي حول الغرب على جري عادته نتائجه إلى ميدان استثمار جديد تحت شعارات المساعدة التي اختيرت لتوقيتها سانحة الانفجار الذي دمر المرفأ ولو لم تحصل لاخترعوا المناسبة ضمن مواسم مئوية الكيان وذكرى ابتلائه بانتداب الأم الحنون.

ثالثا

لايمكن الفصل بين حرارة الحرص الغربي على التواجد في لبنان وبين التطورات السورية الجارية بعد تصاعد المقاومة ضد الاحتلال الأميركي بجناحيها الشعبي والعسكري وتسارع احتمالات تطور الأمور إلى مسارها المحتوم باستعادة الدولة الوطنية وقواتها المسلحة لمساحات متزايدة من الأراضي السورية وتآكل منظومة الاحتلال والعملاء القائمة في المناطق السورية الخارجة عن سيطرة الدولة الوطنية التي تعزز قدراتها وإمكاناتها في أصعب ظروف اقتصادية ومالية يمكن تخيلها جراء الحصار والعقوبات والسرقة الأميركية المتواصلة لحصة لا يستهان بها من ثرواتها النفطية والزراعية في الشرق والشمال ويزيد من أهمية هذا العامل تصاعد القدرات الاقتصادية والعسكرية الإيرانية ومعالم الشراكة الواسعة والمتشعبة بين طهران ودمشق.

رابعا

سيكون للتحول السوري القادم أثر نوعي وحاسم يسعى الغرب لاستباقه بتثبيت الحضور في لبنان الذي اوشك مؤخرا ان يخطو بجدية نحو شراكات شرقية مباشرة وكبيرة لولا تردد الحكومة الراحلة وبعدما قتلت البوادر في مهدها وعاد الغرب إلى نهج الاحتواء بعد حقبة متوترة ومشدودة من إحكام الضغوط الغربية السياسية والاقتصادية على الحكومة اللبنانية التي استقالت مؤخرا وسوف يبقى تجديد العمل على ملفات العلاقة اللبنانية مع سورية والعراق وإيران والصين وروسيا مؤشرا على مدى صلابة موقف الفريق الوطني اللبناني واعتباره لهذه البنود عناصر رئيسية لا تقبل المراجعة او المساومة في مضمون السياسة التي يمكن ان تتبناها الحكومة الجديدة أيا كان شكلها او قوامها.

خامسا

تشطح بعض المخيلات نحو افتراض تسويات كبرى جاهزة ومحتملة لا مؤشرات عالمية كافية تدل عليها طالما لم تفكك منظومة العقوبات وهي أقرب إلى التمنيات منها للوقائع خصوصا وانها مرتبطة بعوامل متغيرة أهمها نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة والسياسة الخارجية للإدارة الجديدة سواء كانت جمهورية ام ديمقراطية وعلى الرغم من المؤشرات الأولية التي توحي في ظل إدارة ترامب بتفاهم اميركي فرنسي على استرجاع المؤسسة الحاكمة لنهج الاحتواء والإقلاع عن أسلوب التصادم الهجومي في لبنان بهدف الإخضاع وتقع في الخلفية المحتملة لمثل هذا التبدل التكتيكي حالة الوهن الخطير التي يجتازها الكيان الصهيوني وتعاظم قدرات الردع التي يملكها محور المقاومة وكذلك زحف الشرق بمشروعه القاري العملاق من إيران وسورية وخطر امتداده إلى لبنان والعراق ساحتى التشابك الجغرافي والسياسي والعسكري.

إن التطورات اللبنانية المقبلة ترتبط إلى حد بعيد بهذه العوامل وعلى من يرد ان يفهم إخراج عينيه قليلا من الدائرة المحلية المحصورة لينظر صوب الأفق نحو طهران ودمشق.

*رئيس مركز الشرق الجديد للإعلام والدراسات
* المصدر : إضاءات الإخباري
* المادة تم نقلها حرفيا من المصدر ولا تعبر بالضرورة عن رأي الموقع