أحمد يحيى الديلمي
شدني منظر مروع لمريض في مستشفى خاص شاهدته في حالة يرثى لها ، صعوبة الموقف دفعتني للتحلق حوله مع آخرين ، كان المسكين يتلوى ويصرخ من شدة الألم ، نظراته مسدده نحو الطبيب يستنجد به ويستغيثه ، أمعائه تتمزق .
قال الطبيب بانفعال ونزق شديدين : هؤلاء الناس تجردوا من القيم والأخلاق استعبدهم المال فأصبحوا يدمرون حياة الناس ويزهقون أرواح البسطاء بلا رحمة ولا شفقه .. المسكين تعاطى دواء انتهت صلاحيته قبل عام ، العلاج الذي كان من المفترض أن يفيده تحول إلى سم قاتل سبب له حالة تسمم حادة لا تجدي معها المضادات الحيوية ، لابد أن نعمل له غسيل معده كمحاولة لإنقاذ حياته .. للأسف تأخروا في إسعافه .. قلت لنفسي بالفعل أتفق مع الطبيب وأتساءل بمرارة.. أين ضمائر هؤلاء الناس ؟! أين قيم وتعاليم الدين ؟! هل هم مسلمين يعرفون ما قال الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز ؟! هذا العمل يعني الاستهانة بحياة البشر وممارسة القتل عمداً متناسين قول الله عز وجل (ومن يقتل مؤمناً متعمداً فجزاءه جهنم خالداً فيها ولعنة الله وأعد له عذاباً عظيماً) هل حُب المال يُعمي البصائر إلى هذا الحد ؟! إلا يكفي هذا المواطن الكوارث الدهماء التي تحيط به من كل جانب جراء العدوان الهمجي السافر والحصار الجائر وانقطاع المرتبات ، ها هو يواجه جبهة وحرب شرسة من ضعاف النفوس الذين يبيعونه الوهم ، استغلوا تقاعس الجهة المعنية عن القيام بأعمال التفتيش الدوري على الصيدليات ومخازن الأدوية فاخرجوا المخزون المتعفن يستغلون جهل المواطن اليمني وعدم قدرته على معرفة تاريخ الإنتاج وتاريخ انتهاء الصلاحية لتسويق أدوية قاتلة ، إنها جرائم لا تقل بشاعة عن جرائم العدوان ، ولا شك أن الإثم والوزر سيطال مسئولي جهة الاختصاص قبل غيرهم ، لأنهم تركوا الحبل على الغارب نتيجة الانشغال بالمكاسب الذاتية ..
من عقود أختل موضوع الرقابة والتدقيق في أهلية كل من يطالب برخصة لمزاولة تجارة الأدوية ، المهم استيفاء الرسوم والإتاوات بالعملة الصعبة ، فأصبحت الفرصة سانحة أمام أصحاب المهن الأخرى ، البعض أمي لا يجيد القراءة والكتابة يتعاطى بمفهوم التجارة وضمان جني الأرباح المهولة غير قادر على استيعاب القاعدة الإنسانية التي تقول ( الدواء خدمة لا سلعة ) ما يضع المواطنين أمام أخطار كبيرة هو الإهمال وسوء التخزين العشوائي وضعف الرقابة من قبل الدولة ، الموضوع واسع يتضمن حقائق صادمة عن الفوضى السائدة في سوق الدواء فالأسعار تصاعدت بشكل جنوني ووصلت إلى خمسة أضعاف ما كانت عليه قبل عامين مما يضاعف معاناة اليمنيين ، بالذات من يعانون من الأمراض المزمنة مثل السكر .. والضغط .. والكلى وغيرها ، آلاف المواطنين تمزقهم المعاناة والحكومة لا تحرك ساكناً ، للأسف المريض الذي سبقت الإشارة إليه لفظ أنفاسه قبل النطق باسم الصيدلية التي باعته الموت ، مع ذلك الشواهد كثيرة والأمل معقود على الأخ الدكتور طه المتوكل ، المعروف بالنزاهة والورع والتقوى ، الأمل كبير فيه وليعتبر هذا بلاغ موجه إليه وأن يُعطيه جُل اهتمامه لضبط سوق الدواء ورفع المعاناة عن المواطن فهذا واجب ديني قبل أن يكون مسئولية وظيفية .. والله من وراء القصد..