بقلم: خالد الخالد وادلين محمدي

( موقع” اريون 24 نيوز- “areion24.newsالفرنسي, ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)

بعد خمس سنوات من الحرب المشتعلة في اليمن، لم يعد هناك شك في الهزيمة السعودية, وفي الوقت الذي نتعامل فيه مع صراع مستمر، من المغري قياس مدى فشل إستراتيجية الرياض، على المستوى اليمني والإقليمي والدولي, حيث وقد تعزز الانقسام بين شمال البلد وجنوبها والذي استعصى على حكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي الذي اعتلى عرش السلطة في البلد منذ العام 2012, وعرآبه السعودي.

 

ففي المناطق الشمالية من البلد, تسيطر الحركة الحوثية على الدولة والقبائل, مستندين على أساس إستراتيجية عسكرية فعالة وتسليح متطور وتمسك بالسكان الذين يخضعون لشهادة غير مسبوقة, في حين يهيمن الانفصاليون الانتقالي الجنوبي والمدعوم من قبل دولة الإمارات العربية المتحدة على المناطق الجنوبية من البلد.

 

في ظل هذه الظروف، يبدو أن القوات الحكومية المدعومة من قبل دول التحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية, هي الخاسر الأكبر في العملية العسكرية الدولية واسعة النطاق, والتي بدأتها في أواخر مارس من العام 2015, حيث سعت دول التحالف لإعادة توطين الحكومة اليمنية في العاصمة  صنعاء.

 

باختصار، يجد الرئيس هادي نفسه محروماً من العاصمة الفعلية والعاصمة المؤقتة, وفي محاولة لإعادة رسّم التحالف السعودي الإماراتي ضد الحركة الحوثية، عكفت الرياض على التوصل إلى اتفاق بين حكومة هادي والانفصاليين الجنوبيين في نوفمبر 2019, والذي عرف باسم اتفاق الرياض.

 

بيد أن هذا الاتفاق الذي من المفترض أن ينهي الأعمال العدائية في المناطق الجنوبية, والسماح بعودة شرعية الرئيس اليمني وإشراك الانفصاليين في الحكومة, لم يلقى أي احترام, حيث يبدو أنه من الصعب تنفيذه نظراً لدعم الذي توليه القوات الإماراتية لرعاياها في المجلس الانتقالي الجنوبي الذي اختار الوقوف في وجه الرئيس هادي.

 

إن القوات الموالية للرئيس هادي والتي تضم في طياتها حزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان المسلمين، تُساوى بشكل منتظم مع المنظمات الإرهابية من قبل صناع القرار في أبو ظبي والمجلس الانتقالي الجنوبي, وبالتالي فقد وجدوا حجة لتبرير موقف التحدي الصارخ في مواجهة الرئيس هادي, وبالتالي، فإن الوضع في المناطق الجنوبية أقل “استقراراً” عما هو عليه في المناطق الشمالية، حيث يواجه الحوثيون منافسة لا تكاد تذكر.

 

تصلب الإستراتيجية الحربية السعودية:

 

ومن وجهة نظر الجغرافيا السياسية الإقليمية، فإن استيلاء الحركة الحوثية على السلطة المركزية في العاصمة صنعاء أواخر سبتمبر من العام 2014, ما هو إلا انتصار منخفض التكلفة بالنسبة لإيران، في حين أن هيمنة الانفصاليين الجنوبيين في عدن كانت بمثابة طموحات تلبي أطماع دولة الإمارات.

 

وهكذا وجدت الرياض نفسها ضعيفة، كما هو الحال نفسه في أماكن أخرى في المنطقة، وذلك بعد أن عملت الأزمة الإنسانية في اليمن على تشوه صورتها على المستوى الدولي، في حين أن القوة الجديدة التي يجسدها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان تسعى إلى تحسين صورته.

 

وفيما يتعلق بهذه النقطة، فإن العمل السعودي متناقض: بين الوحشية (في اليمن وفيما يتعلق بالمعارضة الداخلية) والإغواء (التنازلات السطحية من حيث الحريات الفردية، وزيادة الضغط مع الشركاء الغربيين).

 

مع تربع الملك سلمان بن عبد العزيز على عرش السلطة في يناير من العام 2015, وتقليد ابنه الأمير محمد منصب وزير الدفاع منذ نفس العام, ومن ثم توليه منصب ولي العهد في العام 2017، أصبحت الإستراتيجية السعودية تجاه اليمن أكثر تصلباً, حيث قرر الأمير محمد بن سلمان إطلاق عملية “عاصفة الحزم” أواخر مارس من العام 2015، حيث تهدف هذه العملية بصورة رسمية إلى إعادة الرئيس هادي- الذي أطاح به الحوثي- إلى سدة الحكم.

 

وسرعان ما استبدل مهمته الأولى, بمهمته الثانية والتي أطلاق عليها أسم “استعادة الأمل”، كما لو أن المهمة السابقة قد نجحت وحققت كل أهدافها المعلنة.

 

وبالنسبة لهذه العمليات، التي كان سجلها السياسي والعسكري ضعيف جداً, حيث استولى الموالون للحكومة على العاصمة المؤقتة عدن في وقت مبكر من صيف العام 2015، لكن المدينة انتهاء بها المطاف في أيدي القوات التابعة للانفصاليين، في حين احتفظ الحوثيون بالعاصمة صنعاء ومعظم المناطق الشمالية من البلد, وسجلها الإنساني الكارثي، فقد حشدت الرياض تحالفاً دولياً واسعاً النطاق, ابتدأ من المغرب العربي وصولاً إلى حلفائها في الإمارات العربية المتحدة، بالإضافة إلى مصر, والسودان وقطر التي أطيح بها من المنظومة في العام 2017, بالإضافة إلى مملكة البحرين.

 

وبالإضافة إلى هذه البلدان، هناك دعم مؤقت من تركيا ودعم لوجستي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية في المسائل الاستخباراتية وبعض البلدان الأوروبية.

 

باختصار، لاحتواء إيران، التي تدعم الحركة الحوثية، وإعادة الرئيس هادي إلى العاصمة صنعاء، تمكنت السعودية من الاعتماد، في البداية على الأقل، على شبكة كبيرة من الشركاء الدوليين.

 

يأتي استخدام القوة هذا، مع فرض قوة صلبة، في أعقاب ممارسة أكثر حذراً في ظل رئاسة علي عبد الله صالح الذي ظل متربعاً على عرش اليمن خلال الفترة ما بين 1978-2012.

 

كان الأمير سلطان بن عبد العزيز، ولي العهد السعودي في الفترة ما بين عامي 2005 و2011 والذي شغل أيضاً منصب وزير الدفاع بين عامي 1962 و2011، قد حبذ توطيد العلاقات الثنائية بين البلدين من خلال إنشاء مجلس تنسيق سعودي يمني, تم تأسيسه في العام 1975, وسخاءه تجاه القبائل اليمنية من أجل شراء ولائها من خلال دفع  رواتب لزعماء القبائل وشيوخها.

 

وابتداءً من العام 2011، الذي شهد إشعال الشرارة الأولى من الانتفاضة الشعبية اليمنية ووفاة الأمير سلطان بن عبد العزيز، الذي كانت أجهزة الاستخبارات السعودية تتبع عمله في وقت من الاوقات، تخلت الرياض عن هذه السياسة، منها على سبيل المثال، وقف دفع الأموال لزعماء القبائل.

 

إن الانتفاضة الشعبية التي اندلعت  في العام 2011, والتي أدت إلى الإطاحة بالرئيس صالح في العام التالي، وصعود حزب الإصلاح المعارض والاستيلاء على صنعاء من قبل الحركة الحوثية في سبتمبر من العام 2014, ومجيء الأمير محمد بن سلمان إلى السلطة في الرياض في العام 2015 الذي أعلن فيه مقدرته على سحق تمرد الحوثيين في غضون أسابيع، كلها عوامل تسلط الضوء وتفسر تصلب الاستراتيجية السعودية.

 

لم تتخل الرياض تماماً عن “القوة الناعمة” منذ العام 2015, حيث عملت على توزيع مبالغ كبيرة من المال على مختلف الجهات السياسية والقبلية، ولكن دون جدوى, فمن ناحية، فإن السجل الإنساني للحرب لا يؤدي إلا إلى تفاقم الاستياء تجاه الجارة القوية المدعومة من الإدارة الأمريكية.

 

ومن ناحية أخرى، يراود بعض الممثلين اليمنيين الاستياء, حيث لطالما انتابهم شعور بتهميش من قبل الرياض.

 

وهذا هو الحال، على سبيل المثال، حميد الأحمر، الأمين العام السابق للجنة التحضيرية لمؤتمر الحوار الوطني في الفترة ما بين 2011-2013, والذي تتولى أسرته رئاسة قبيلة حاشد الاتحاد القبلي الرئيسي في البلد.

 

إن فشل السعودية في اليمن لا يعود فقط إلى التحيزات العسكرية والإستراتيجية التي تنتهجها الرياض، بل أيضاً إلى القوة المتنامية لخصمها والمتمثل في الحركة الحوثية، فضلاً عن الأولويات المتنوعة لـ “حلفائها” الرئيسيين في الحرب.

 

الحوثيون: التمرد والمقاومة الوطنية والشهادة

 

بعد انسحابهم من مدينة عدن في يوليو 2015، تمكن الحوثيون من الحفاظ على أنفسهم في العاصمة صنعاء وتعزيز هيمنتهم على المناطق الشمالية من اليمن, مع الحفاظ على الخطاب الوحدوي.

 

وفي مواجهة العمليات السعودية، فرضوا أنفسهم في أعين الناس الخاضعين لسيطرتهم كقوة مقاومة وطنية ضد غازي أجنبي.

 

حولت الهجمات السعودية وضع الحوثيين: من تمرد محلي (حرب صعدة في يونيو 2004) إلى حركة وطنية تدعي السيطرة على السلطة المركزية, وهذا هو الموقف الذي أكده محمد عبد السلام، الناطق الرسمي باسم جماعة الحوثي, حيث إن خطابه الشامل والتقليل من شأن الخلافات الداخلية – هو خطاب ممثل دولة ضربتها قوى خارجية.

 

وهكذا يبرر الدعم الخارجي (التلميحات إلى إيران): إذا كانت السيادة اليمنية مهددة من قبل تحالف دولي، فإن أي مساعدات خارجية موضع ترحيب.

 

وعلى غرار حليفهم السابق، الرئيس السابق صالح (الذي تم اغتياله على يد حلفاءه الحوثيين في 4 ديسمبر 2017)، تعرف الحركة الحوثية الكيفية اللازمة ليتلاعب بالقبالية.

 

ففي مارس من العام 2019، وقّع زعماء القبائل الذين يدينون بالولاء للحوثيون أو الذين يعيشون تحت سيطرتهم على وثيقة “الشرف القبلي” التي تؤكد على واجبات وامتيازات القبائل وفقاً للسلطة السياسية.

 

وفيما يتعلق بالأعداء والمتواطئين معهم، تنص هذه الوثيقة على فرض جزاءات قضائية وجزاءات في الإطار القبلي, وبالإضافة إلى ذلك، فإن القبائل مدعوة للدفاع عن أراضيها وحدود البلد بأسره.

 

وأخيراً، طالما استمر الصراع، فإن القبائل مدعوة إلى تنحية خلافاتها جانباً للتركيز على العدو الخارجي.

 

نحن نتعامل هنا مع الرغبة في إخضاع وتعبئة القبائل على حد سواء، لوضعها في خدمة الدولة والأغلبية الساحقة من القبائل الشمالية (بما في ذلك الكونفدرالية الحاشدية)، التي ينتمي إليها الرئيس السابق صالح والتي يرأسها صادق الأحمر، الأخ الأكبر لحميد الأحمر هي إلى جانبهم.

 

وعلى الصعيد العسكري، يبدو أن هذا الصراع غير المتكافئ يتجه لصالح الحركة الحوثية، الذين تزداد أسلحتهم تطوراً (الصواريخ البالستية، والطائرات بدون طيار والدفاع الجوية المضادة للطائرات) والتي تهدد المصالح السعودية (منشآت شركة أرامكو السعودية للنفط، على سبيل المثال).

 

وبعيداً عن الأسلحة – من الجيش اليمني أو السوق السوداء أو المصانعة بشكلٍ محلي والمدعومة بخبرات أجنبية – نجح الحوثيون في تعبئة السكان ضد العدوان السعودي بطريقة مماثلة تماماً لتلك التي تنتهجها “وحدات الحشد الشعبي” في العراق أو حزب الله اللبناني، الذي يكن لإسرائيل ما يكنه الحوثيون للمملكة العربية السعودية.

 

وتتعلق المقارنة بفكرة التعبئة الشعبية (التي تنطوي على فكرة عسكرة جزء من المجتمع)، ولكن أيضا الرموز الدينية المعينة.

 

ففي البلد  الذي يتعايش فيه الشيعة الزيديون معاً, مع أهل السنة الشافعية، بدا أن هوية إسلامية عالمية سائدة، ويشير الحوثيون إلى شيعة سياسية كانت حتى الآن هامشية في اليمن.

 

ومن الناحية السياسية، يتطلب ذلك تقارباً من إيران وحزب الله اللبناني, ومن الناحية الدينية، فهذا يعني إعادة ملكية المهرجانات الشيعية (عاشوراء، على سبيل المثال).

 

وبالإضافة إلى الطقوس الشيعية على وجه التحديد، هناك المزيد من الاحتفالات التي يحتفل بها “شهداء” الحرب ضد السعودية والتي يشارك فيها السنة.

 

ومن بين هؤلاء “الشهداء” صالح علي الصماد، رئيس المجلس السياسي الأعلى (السلطة التنفيذية التي يسيطر عليها الحوثيون في صنعاء) خلال الفترة بين عامي 2016 – 2018، والذي قُتل في غارة جوية شنتها قوات التحالف العربي في 19 أبريل من العام 2018, حيث تم تخليد مقبرة, كما أصبح مرتع يتم زيارته بانتظام، خاصة من قبل زعماء القبائل.

 

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.