هل يصبح الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، أول ديكتاتور أمريكي؟

تشير أرقام الإصابات بفيروس كورونا في الولايات المتحدة الأمريكية إلى 2600 إصابة كل ساعة، أي 43 إصابة في الدقيقة الواحدة. وقد تجاوز العدد الإجمالي لمصابي فيروس كورونا خلال الأسبوع الماضي 4 ملايين مصاب، وكان المليون الأول من المصابين قد استغرق 98 يوما، والمليون الثاني 43 يوما، والثالث 27 يوما، والرابع 16 يوما.

ولا يتطلب الأمر عبقرية للتنبؤ بأنه دون فرض حجر صحي في البلاد، فإن معدل نمو الإصابات في الولايات المتحدة الأمريكية، في غضون شهر تقريبا، سيصل إلى مليون إصابة أو أكثر يوميا. أي أن أصعب مرحلة لانتشار الوباء ستكون قبل الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

وإذا كان المصابون بالمرض حتى الآن يشكلون أكثر من 1% من سكان الولايات المتحدة الأمريكية، بقليل، فبحلول نوفمبر ستصبح النسبة في خانة العشرات بالمائة من الشعب، أي عشرات الملايين من المصابين، وفي الوقت الذي يتضح فيه أن نظام الرعاية الصحية الأمريكية غير قادر واقعيا على التعامل مع الوضع الحالي، فإن ما ينتظر الولايات المتحدة إذا لم يتم اختراع لقاح الشهر المقبل، هو كارثة إنسانية محققة خلال الأشهر القادمة.

وهنا تقف الحكومة الأمريكية بين خياري الكارثة الإنسانية أو أقسى أشكال الحجر الصحي، والذي يجب وأن يستمر لعدة أشهر على الأقل، ربما لا تقل عن ثلاثة. في الوقت نفسه، فإن الحجر الصحي، وتداعيات المشكلات الاقتصادية المصاحبة له هي تحديدا ما حرم دونالد ترامب من فرص إعادة انتخابه، لذلك أعتقد أنه سيقاوم فرضه بكل ما أوتي من قوة. ولكن على الأرجح سيتعيّن عليه اتخاذ هذه الخطوة الانتحارية.

إن الضرر الذي يلحق بالاقتصاد الأمريكي من الحجر الصحي كارثي. ووفقا للتقدير الرسمي لبنك أتلانتا الاحتياطي الفدرالي، فقد انخفض الناتج المحلي الإجمالي الأمريكي بنسبة 34.7% في الربع الثاني. كذلك فإن ارتفاع معدلات البطالة غير مسبوق، ومرشح للارتفاع، على الرغم من الحديث عن بعض الانتعاش الاقتصادي بعد انتهاء الحجر الصحي. لقد تقدم 1.4 مليون مواطن أمريكي الأسبوع الماضي بطلب للحصول على إعانات البطالة (بزيادة 100 ألف). وقد أصبحت المدفوعات للأمريكيين غير العاملين ضخمة (يتلقاها 30 مليون أمريكي) ومزمنة، وهو ما يفسد موازنة الدولة. يعمل البنك المركزي في الولايات المتحدة الأمريكية على طباعة دولارات غير مغطاة بجنون، وأصبح تعرض الاقتصاد الأمريكي إلى التضخم المفرط مسألة وقت لا أكثر.

في مقالي السابق، قبل أسبوع من الاحتجاجات التي اندلعت في الولايات المتحدة الأمريكية تنبأت بوقوع أعمال شغب عرقية في الخريف، إلا أنها وقعت في وقت مبكر بأكثر مما توقعت. وأعتقد أنه لا يمكن للحجر الصحي أن يوقف هذه الاضطرابات، بل على العكس من ذلك، فإنه لا يؤدي سوى إلى تطرف المواطنين وجلب محتجين جدد إلى الشوارع الأمريكية. كذلك فإن أعمال الشغب الحالية تتطور بالفعل إلى اشتباكات بين الأمريكيين العاديين، وسيزداد الأمر سوءا، بل إن دخول الأسلحة إلى المشهد بين المعسكرين المتنافسين هو أمر لا يمكن استبعاده مع اقتراب موعد انتخابات الرئاسة.

سوف يواجه الرئيس ترامب في غضون شهرين خيار إعلان حالة الطوارئ من عدمه .

بالنسبة له، تلك ضرورة موضوعية وإغراء كبير، لأن بإمكانه التذرع بذلك لإلغاء الانتخابات أو تأجيلها. وتماما، مثلما هو الحال مع الحجر الصحي، فإن هذا الإعلان سيدفع بخصومه إلى الشوارع، وسوف تنفجر البلاد.

حسنا، فلنفترض أن ذلك سيناريو متطرف للغاية، ولن تكون هناك حالة طوارئ، وإذا حدث ولا بد، فلن تلغى الانتخابات أو تؤجل. لكنني أعتقد أن أمريكا لن تتمكن من الهروب من مصير الحجر الصحي خلال الأشهر المقبلة على أي حال.

إن النظام الانتخابي لـ “زعيم العالم الحر” قديم ومربك. وبفضل ذلك، أصبح بوش الابن وترامب نفسهما رئيسين، على الرغم من حقيقة أن أقلية من الناخبين صوتوا لصالحهما. كان هناك تصويت متعدد لنفس الناخبين وتلاعب وارتباك مع القوائم الموجودة بالفعل في الانتخابات الأخيرة، وهو ما سبب مشكلات كبيرة. وإذا تم إجراء الانتخابات القادمة في ظل ظروف الحجر الصحي، عن طريق البريد، أو بأي طريقة أخرى لا تنطوي على إقبال الناخبين، فمن المحتمل جدا أن يكون هناك المزيد من الفوضى والاحتيال، وألا يعترف الطرف الخاسر، أيا كان، بنتائج الانتخابات.

وفي أعقاب الانتخابات مباشرة، ستكون السلطة حينئذ لا تزال في يد دونالد ترامب. فكيف سيتصرف إذا فاز، ولم يعترف الديمقراطيون بالنتائج؟ وماذا سيحدث إذا لم يعترف هو نفسه بالنتائج؟

لكن الشيء الرئيسي هو أنه وراء كل معسكر من المعسكرين ملايين الأمريكيين اليائسين، والمدججين بالسلاح، والذين ينشئون الآن بالفعل ميليشياتهم المسلحة، وقد لا يعترفون هم أنفسهم بنتائج الانتخابات، بغض النظر عن قرار المرشحين. لذلك يبدو أي تطور لأي من السيناريوهات فظيعا.

هناك تفصيلة أخرى يمكن أن تضيف ديناميكية درامية للكوميديا السوداء التي نتابعها.

هناك في ترسانة كل الرؤساء الأمريكيين قبيل الانتخابات الرئاسية خيار “النصر في حرب صغيرة”، وكنت قد نشرت من قبل أن حزب الله يمكن أن يكون هدفا مثاليا لترامب في هذه الحالة. إلا أن تدهور الحالة المعيشية للمواطنين الأمريكيين العاديين يقلل احتمال قيام أي حرب في الخارج، لأنها لن تتمكن من صرف انتباههم عن الداخل ومشكلاتهم الخاصة. يبقى أن تقع بعض الأعمال الإرهابية الوحشية تماما، “بيد حزب الله” مثلا، تفوق مرات عديدة بشاعة الحادي عشر من سبتمبر 2001، وهو ما يدفع الأمريكيين نحو الانتقام. لكن من يمكنه تنظيم أحداث كهذه؟ ترامب ليس صديقا لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية، التي تدعم الديمقراطيين لا ترامب، لذلك فنحن بحاجة للبحث عن أصدقاء آخرين تهمهم هزيمة حزب الله، ويمكنه تقديم “خدمة” كهذه. ومع ذلك فإن احتمالية هذا السيناريو، في رأيي المتواضع، تقل مع غرق الولايات المتحدة الأمريكية في مشكلاتها الداخلية أكثر وأكثر، كما أن مخاطر خطوة كهذه بالنسبة لترامب هائلة والفوائد غير واضحة.

على أي حال، أظن أن هناك احتمالا متزايدا بأن الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة الأمريكية إما لن تجري أو ستكون نتائجها غير معترف بها من أحد الطرفين. ولا يمكن التنبؤ بنتائج أي من الاحتمالين.

بصراحة، تذهلني سرعة وحجم التغييرات التي تحدث في الولايات المتحدة الأمريكية. وأنا بطبيعة الحال أصف السيناريوهات المحتملة فقط، لكن لم تعد أي تنبؤات، حتى أكثرها جرأة، بالنسبة لي راديكالية أكثر من اللازم. لقد بات كل شيء ممكنا.

المحلل السياسي/ ألكسندر نازاروف
* المادة الصحفية تعبر فقط عن رأي الكاتب