السياسية –  مركز البحوث والمعلومات:

يحيي العالم سنويا اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر الذي يصادف هذا العام الخميس القادم لتسليط الضوء على جريمة الاتجار بالبشر التي تطال النساء والأطفال والرجال لاستغلالهم في أغراض عدة بما فيها العمل القسري، أدت إلى تحطيم الكثير من المصائر البشرية بصمت وسرية وخاصة في حالات الاتجار بالأعضاء البشرية والاستغلال الجنسي.

وتعد هذه الجريمة بمثابة الوجه الحديث والمعاصر لتجارة الرقيق وظاهرة العبودية التي تشكل انتهاكا صارخا لحقوق وحريات الإنسان، كما أصبحت محل نقاش واسع في المحافل العربية والدولية، وذلك نظرا للآثار الخطيرة المترتبة عنها على المستوى الاجتماعي، الاقتصادي والأمني، مما أوجد قناعة بضرورة التصدي لها ومكافحتها.

وعلى الرغم من أن هناك الكثير من القوانين والتشريعات التي وضعت لتحد منها في مختلف دول العالم، إلا أن أشكالها فقط هي التي تغيرت، وباتت تزدهر لاسيما عند الأزمات الاقتصادية.

ويدرك المجتمع الدولي أن مشكلة مكافحة جريمة الاتجار بالبشر ليست مشكلة فردية، فهي جريمة تتعدى حدود الدول، بحيث تعتبر من الجرائم عبر الوطنية، ويعني ذلك أن أي دولة أو إقليم لن يتمكن بمفرده من وضع حد لهذه الجريمة، ومن ثم فإن تفعيل جهود مكافحة الاتجار بالبشر تفرض حتمية التعاون الدولي لمواجهتها.

ووفقا للأمم المتحدة، فإن عدد ضحايا الاتجار بالبشر في 106 من الدول الـ 193 الأعضاء في المنظمة وصل إلى 25 مليون شخصا، أغلبهم يتم استغلالهم جنسيا.. ويشير التقرير العالمي عن الإتجار بالأشخاص لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة لعام 2019، حول الضحايا الذين حددت هويتهم أن 51% من الضحايا هم نساء، و21% رجال، و20 % فتيات ، و8 % فتيان، ومن بين هؤلاء الضحايا، بلغت نسبة الذين تم الإتجار بهم للاستغلال الجنسي 45 %، والعمل القسري 38%.

وحذرت الأمم المتحدة من أن الاتجار بالبشر يأتي في المرتبة الثالثة بعد الإرهاب والاتجار بالسلاح، وتشير الإحصائيات ذاتها إلى أن تجارة البشر من الأطفال تتعدى 3 ملايين حالة سنويا، يشكلون مادة تجارة الرقيق، سواء باستخدامهم للتبني أو في أعمال السخرة والاستغلال الجسدي، وتجارة الأعضاء البشرية.. وبحسب منظمة اليونيسيف، فإن 28% من ضحايا الإتجار بالبشر في جميع أنحاء العالم هم قاصرون، علما أن الفقراء واللاجئين من ضمن الفئات الأكثر عرضة للاستغلال من قبل مهربي البشر.
وتصدرت أمريكا قائمة الدول التي يقوم فيها تجار البشر باستغلال الضحايا جنسيا، وتضم القائمة أوروبا وجنوب شرق آسيا أيضا.. ووفقا لتقرير الأمم المتحدة فإن ثلث ضحايا الإتجار بالبشر أجبروا على العمل، وهذا النوع من استغلال ضحايا البشر منتشر بكثرة في إفريقيا والشرق الأوسط، ويعد التسول وأخذ الأعضاء بشكل غير قانوني هو نوع أخر من أنواع استغلال ضحايا الإتجار بالبشر.

وستركز الأمم المتحدة هذا العام على المتصدرين للعمل لإنهاء ظاهرة الاتجار بالبشر، كون أولئك الأفراد يعملون في قطاعات مختلفة، والسعي إلى تحديد الضحايا لدعمهم وتقديم المشورة والانتصاف لهم، والحد من إفلات المتاجرين بالبشر من العقاب.
وفي أثناء أزمة كوفيد – 19، زادت أهمية الدور الذي يضطلع به المتصدرين لجهود مناهضة هذه الظاهرة، خاصة وأن القيود التي فرضتها الجائحة زادت من صعوبة أعمالهم، وغالبا ما تُتجاهل مساهماتهم ولا يُعترف بها.

كما سيتم تسليط الضوء على إسهماتهم وأهمية أعمالهم ومؤسساتهم ومنظماتهم من خلال عرض قصص المتصدرين للعمل في مساعدة الضحايا، لإبراز تأثيرهم في مجتمعاتهم وتأثيرهم في الجهود المبذولة لمكافحة ظاهرة الاتجار بالبشر.. وستركز الرسائل على الإيجابيات مع الاعتراف بأهمية عمل النشاطين والناشطات في هذا المجال، فضلا عن طلب الدعم لهم ورفع مستوى الوعي بأهمية الإجراءات وضرورة مواصلتها وتكرارها.. وستسلط القصص كذلك الضوء على ما يبذله متصدرو مجال مكافحة هذه الظاهرة للوقاية من جائحة كوفيد – 19.

وفي رسالة للامين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش بهذه المناسبة قال ” يكرم اليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالأشخاص لهذا العام أول المستجيبين الذين ساعدوا في إنهاء جريمة الاتجار بالبشر وهم ضباط إنفاذ القانون، والأخصائيين الاجتماعيين، وأخصائي الرعاية الصحية، وموظفي المنظمات غير الحكومية والعديد من العاملين الآخرين في جميع أنحاء العالم لحماية الضعفاء.

ولفت جوتيريش إلى أن هؤلاء مثلهم مثل أبطال الخط الأمامي الذين ينقذون الأرواح ويحافظون على مجتمعاتنا في وباء كوفيد-19 لأن هؤلاء المقدمين يبقون على الخدمات الحيوية مستمرة طوال الأزمة – تحديد الضحايا وضمان وصولهم إلى العدالة والصحة والمساعدة الاجتماعية والحماية، ومنع المزيد من الانتهاكات والاستغلال.

وحث جميع الحكومات والمجتمعات على الانضمام إلى قضيتهم، بما في ذلك من خلال صندوق الأمم المتحدة الاستئماني للتبرعات لضحايا الاتجار بالأشخاص.

وأضاف جوتيريش لقد كشفت جائحة كوفيد-19 عن العديد من أوجه عدم المساواة العالمية وأدى إلى تفاقمها، وخلق عوائق جديدة على طريق تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وترك الملايين من الأشخاص في خطر أكبر للاتجار بهم لأغراض الاستغلال الجنسي والسخرة والزواج القسري وغيرها من الجرائم.

وكشف أنه تمثل النساء والفتيات بالفعل أكثر من 70 % من ضحايا الاتجار بالبشر الذين تم اكتشافهم، وهم اليوم من بين الأشد تضررا من الوباء.

وأكد جوتيريش ” إذا كان للعالم أن يضع الكرامة الإنسانية وحقوق الإنسان في صميم استجابة كوفيد-19 والتعافي، فنحن بحاجة إلى بذل المزيد لحماية ضحايا الاتجار ومنع المجرمين من الاستغلال من قبل المجرمين. ”

ولتعزيز التعاون الدولي لمواجهة جرائم الاتجار بالبشر دعت جامعة الدول العربية في ورشة العمل الإقليمية العربية التي عقدت في فبراير الماضي، بمقر الأمانة العامة للجامعة العربية بالقاهرة، إلى ضرورة تعزيز القدرات الوطنية والارتقاء بمستوى التعاون الإقليمي والدولي لمواجهة جريمة بيع الإنسان وجريمة الاتجار في النساء والأطفال، موضحة أن هذا إجرام منظم عابر للحدود الوطنية تستلزم مواجهته عملا جماعيا لمكافحته بكل أشكاله وصوره وملاحقة مرتكبيه.

وقالت السفيرة هيفاء أبوغزالة، الأمين العام المساعد لدى الجامعة العربية، رئيس قطاع الشؤون الاجتماعية، في الورشة إن المنطقة العربية كانت ولا تزال عرضة لأنشطة شبكات الجريمة المنظمة الناشطة في الاتجار بالبشر، مشيرة إلى أن هذه جريمة مقززة، تفاقمت حدتها مع الأزمات الناجمة عن الاحتلال والنزاعات المسلحة والتغيرات المناخية وتردي الأوضاع الاقتصادية والأمنية وتضاؤل فرص النزوح القانوني إلى مناطق أكثر استقرارا وأمانا.

وتابعت السفيرة هيفاء أبو غزالة: “جامعة الدول العربية ووعيا منها بجسامة الوضع، كثفت جهودها على مستويات عدة لصياغة منظومة عربية لمكافحة الاتجار بالبشر ترسخ حماية حقوق الإنسان في الوطن العربي وتقوم على تعاون وشراكة بناءة بين جميع الفاعلين من حكومات ومجتمع مدني وقطاع خاص”.

ومع استمرار أزمة كورونا التي اجتاحت معظم دول العالم هذا العام تزيد مخاطر الإتجار بالبشر، حيث أكدت الدكتورة غادة والي المدير التنفيذي لمكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، أن تزايد الفقر وقلة فرص العمل في ظل التباطؤ الاقتصادي بسبب جائحة فيروس كورونا المستجد يهدد بترك المزيد من الناس تحت رحمة المتاجرين بالبشر.. وطالبت في إطار مؤتمر منظمة الأمن والتعاون الأوروبي في دورته العشرين حول مكافحة الإتجار بالبشر، الذي انطلق يوم 20 من هذا الشهر بمقر المنظمة في فيينا، بزيادة السبل الفعالة لتحسين مقاضاة المتاجرين بالبشر، وأن على الحكومات تكثيف الإجراءات لمنع الاستغلال في أزمة كورونا مع تحديد ضحايا الاتجار بالبشر ودعمهم وتقديم الجناة إلى العدالة.

وأشار المؤتمر – حسب بيان للمنظمة الأوروبية – إلى أن العديد من الدول لديها تشريعات وخطط عمل لمكافحة الإتجار بالبشر، إلا أن الإفلات من العقاب لا يزال منتشرًا في جميع أنحاء العالم وفي منطقة منظمة الأمن والتعاون الاوربي.

وأطلق مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، والمكتب الإقليمي للمنظمة الدولية للهجرة للشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في الـ 23 من هذا الشهر حملة توعية إقليمية تستمر أسبوعاً تحت عنوان “حفظ الكرامة” للاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الاتجار بالبشر، والذي يعكس أهداف حملة القلب الأزرق، وهي مبادرة عالمية لزيادة الوعي لمكافحة الاتجار بالبشر وتأثيره على المجتمع.. وتسعى الحملة إلى تشجيع مشاركة الحكومات والمجتمع المدني وقطاع الشركات والأفراد على حد سواء، لإلهام العمل والمساعدة في منع هذه الجريمة، وتشمل الأنشطة الممتدة بين 23 و30 يوليو الجاري، مبادرات متعددة مثل سلسلة من الحوارات الصوتية مع خبراء في موضوع الاتجار بالبشر، وعرض فيلم حول الموضوع، وإصدار بيان مشترك من فرقة العمل المعنية بالهجرة المختلطة في شمال أفريقيا.

هذا وقد أعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة في عام 2010 خطة العمل العالمية لمكافحة الاتجار بالأشخاص، وحثت الحكومات في جميع أنحاء العالم على اتخاذ تدابير منسقة ومتسقة لهزيمة هذه الآفة الإجتماعية.. وحثت الخطة على إدراج مكافحة الإتجار بالبشر في برامج الأمم المتحدة بشكل موسع من أجل تعزيز التنمية البشرية ودعم الأمن في أنحاء العالم.. وكانت احدى الأمور المجمع عليها في خطة الأمم المتحدة هي إنشاء صندوق الأمم المتحدة الاستئماني للتبرع لضحايا الاتجار بالبشر، وخاصة النساء منهم والأطفال.

وفي عام 2013، عقدت الجمعية العامة اجتماعا رفيع المستوى لتقييم خطة العمل العالمية لمكافحة الإتجار بالأشخاص.. واعتمدت الدول الأعضاء القرار رقم A/RES/68/192 والذي أقرت فيه إعتبار يوم 30 يوليو من كل عام يوما عالميا لمناهضة الاتجار بالأشخاص.. ويمثل هذا القرار إعلانا عالميا بضرورة زيادة الوعي بحالات الإتجار بالأشخاص والتوعية بمعاناة ضحايا الاتجار بالأشخاص وتعزيز حقوقهم وحمايتها.

وفي سبتمبر 2015، اعتمد العالم جدول أعمال التنمية المستدامة 2030، بما فيها أهداف وغايات بشأن الاتجار بالأشخاص، وتدعو كلها إلى وضع حد للاتجار بالأطفال وممارسة العنف ضدهم، فضلا عن دعوتها إلى تدابير ضرورية ضد الاتجار بالبشر، كما أن الأهداف تسعى إلى إنهاء كل أشكال العنف ضد المرأة والفتاة واستغلالهما.

ومن التطورات المهمة التي تلت ذلك، جاء انعقاد قمة الأمم المتحدة للاجئين والمهاجرين، التي خرجت بإعلان نيويورك.. ومن مجمل الالتزامات الـ19 التي اعتمدتها البلدان في الإعلان، هناك التزامات ثلاثة تعنى بالعمل الحاسم ضد جرائم الاتجار بالأشخاص وتهريب المهاجرين.