السياسية: نجيب هبة
على خلاف ما يظهره إعلامها الرسمي ورغم الدعوات المتكررة لمنظماتها الإنسانية لوقف الحرب تبدو بريطانيا متورطة بشكل عميق في الحرب والعدوان على اليمن.. وعندما يتعلق الأمر بالاختيار ما بين مراعاة الجوانب الإنسانية أو تحقيق المصالح الاقتصادية الناتجة هنا عن بيع الأسلحة للسعودية فإنها اختارت على مايبدو الثانية.
ففي الوقت الذي تذكّر الحكومة البريطانية عبر موقعها الرسمي مواطنيها بمبلغ ال37 مليون جنيه استرليني الذي أعلنت مؤخرا تخصيصه للأعمال الإنسانية في اليمن فإن 450 عنصراً يصلون إلى عدن ليشكلوا طليعة قوّة بريطانية ــــ أميركية خاصة، مهمّتها ضمان السيطرة على المحافظة ذات الأهمية الاستراتيجية.
وتستمر كذلك القوات الجوية الملكية البريطانية في تدريب طيارين سعوديين على استخدام طائرات الـ”تايفون”.. حيث أفادت تقارير بأن بريطانيا دربت مئات الطيارين السعوديين على طائرات حربية استخدمت في قصف اليمن.
صحيفة الأخبار اللبنانية من جهتها نقلت عن أحد المتعاقدين البريطانيين الذين يتمركزون في القواعد العسكرية السعودية قرب الحدود اليمنية قوله “لو لم نكن هناك، لاختفت المقاتلات السعودية من سماء اليمن خلال أسبوع إلى أسبوعين كحدّ أقصى”.
هؤلاء المتعاقدون البريطانيون والذين يصل عددهم إلى 6300 عنصر يعملون لدى شركة “بي ايه اي سيستمز” التي تنفّذ عقوداً بمليارات الدولارات لمصلحة الجيش السعودي.. ويتولى هؤلاء المتعاقدون ــــ رسمياً ــــ إدامة العمليات الجوية العسكرية السعودية، بما فيها تدريب الطيّارين وإدارة عمليات الطيران لقصف الأهداف المختارة في الأراضي اليمنية بما في ذلك خدمات الصيانة وقطع غيار المقاتلات وتسليح الطائرات على مدار الساعة والدعم الفني والتقني وإدارة مخزون المواد والقذائف.
وتضيف الصحيفة اللبنانية أن الشركة لا تعترف علناً بمشاركة طيارين مقاتلين بريطانيين في قصف الأهداف اليمنية، لكن من المعروف أن معظم المتعاقدين مع “البريطانية لأنظمة الطيران” هم بالفعل موظفون معارون أو سابقون من منسوبي سلاح الجو الملكي البريطاني.
وتشير الأخبار اللبنانية إلى أن كوادر السلاح الملكي تتولى العمل مباشرة مع إدارة مركز عمليات التحكم والسيطرة العسكري السعودي، على تحديد بنك أهداف القصف وطبيعة المهمّات والأسلحة التي ستستخدم فيها والتنسيق مع كوادر “البريطانية لأنظمة الطيران” لتنفيذها، وتحضير القذائف والمعدات والطائرات وفق البرنامج الزمني المتفق عليه مع السعوديين.. وأن ذلك يعني ببساطة أن الجزء الجوي من الحرب على اليمن تتولّاه بريطانيا بالكامل.
بريطانيا التي وقعت صفقة عسكرية هائلة بنحو (3.3 مليارات جنيه) مع حكومة آل سعود عشية انطلاق العدوان قبل خمس سنوات.. يبدو أن مشاركتها في العدوان على اليمن على وشك الانتقال إلى مستوى الانخراط المباشر في النزاع على الأرض، بعدما وردت تقارير في مارس الماضي عن وصول قوة بريطانية ــــ أميركية خاصة إلى عدن قوامها 450 عنصراً، كطليعة لقوة مشتركة سيصل تعدادها إلى 3000 عنصر، مهمّتها إحكام السيطرة على المحافظة الجنوبية ذات الأهمية الاستراتيجية الفائقة للملاحة في منطقة مضيق باب المندب وبحر العرب.
وهذه القوة المنتشرة في الميناء الرئيسي لتصدير الغاز الطبيعي المسال في شبوة والمدعومة ببارجتين أميركيتين تتولّيان حماية سرقة ثروة اليمن..

فشل العدوان وتقدم الجيش اليمني
وقد تسربّت العام الماضي، معلومات عن إصابة جنود بريطانيين في معارك داخل مناطق خاضعة لحكومة الإنقاذ، وهو ما يراه مراقبون مؤشراً إلى تحوّل تدريجي في استراتيجية المشروع الأميركي ــــ البريطاني تجاه اليمن، ونتاجاً لشعور واشنطن ولندن المتزايد بالضيق من فشل تحالف العدوان السعودي ــــ الإماراتي في حسم الأمور بعد أكثر من خمس سنوات على بدء القتال ولا سيّما مع استمرار تقدّم قوات الجيش اليمني واللجان على حساب عملاء السعودية والإمارات والمكاسب الثمينة التي حققتها أخيراً في الجوف ومأرب، ناهيك عن الاستهدافات المتكررة لمواقع سعودية حساسة ــــ عسكرياً واقتصادياً ــــ بالصواريخ والطائرات الموجهة.
ويخلص تقرير الأخبار اللبنانية إلى أنه لا يبدو في الأفق ما يشير إلى إمكانية خروج قريب لبريطانيا من “بحر الدم اليمني”. فالسعوديون ــــ وبقية سلالات الخليج ــــ يشترون أكثر من نصف الصادرات العسكرية البريطانية إلى العالم. ومع اقتراب موعد خروج بريطانيا نهائياً من عضوية الاتحاد الأوروبي، والظروف الاقتصادية الضاغطة عليها مالياً إثر تفشي وباء “كورونا”، لن يجرؤ أحد في المؤسسة البريطانية الحاكمة على وقف “شلال النقد” المتدفق على لندن مهما كانت الدواعي الإنسانية.
ويعتبر تقرير الصحيفة اللبنانية إن “الطابع الشوفيني الغالب على الحكومة البريطانيّة، وتفرّد بوريس جونسون بالسلطة للسنوات القادمة، قد يدفعان الرؤوس الحامية في الدولة المتشبّعة بأحلام الإمبراطوريّة وذكريات استيطانها جنوب اليمن باتجاه تنفيذ احتلال جديد لعدن ومينائها، وفرض أمر واقع هناك على الأرض منعاً لوصول النفوذ الإيراني المزعوم إلى بحر العرب”.

وفي ذات السياق.. كشفت بيانات جديدة حصل عليها موقع “ديكلاسيفايد. يو. كي” من وزارة الدفاع البريطانية عن أن القوات الجوية الملكية البريطانية دربت سعوديين عام 2019 على الطائرات المقاتلة التي تستخدم في قصف المدنيين باليمن..
كما كشفت عن أن القوات الجوية الملكية البريطانية دربت جنودا آخرين في العدوان السعودي الإماراتي في 12 قاعدة عسكرية في بريطانيا، وذلك في العام نفسه الذي حظرت فيه المحكمة العليا في لندن بيع الأسلحة البريطانية للسعودية بسبب مخاوف تتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان.
وأشارت البيانات إلى أن 310 سعوديين تدربوا في 6 مواقع لسلاح الجو الملكي البريطاني في إنجلترا وويلز العام الماضي، وأن التدريب ما يزال جاريا.. وإن 90 سعوديا تلقوا تدريبات لقيادة مقاتلات “تايفون” في القاعدة الجوية شرقي إنجلترا.
وأكد موقع “ديكلاسيفايد. يو. كي” أن الأسطول السعودي المكون من 72 طائرة مقاتلة من طراز “تايفون” لعب الدور المركزي في عمليات القصف الجوي في اليمن، التي تضمنت هجمات متكررة على إمدادات الطعام. وحصلت السعودية على هذه الطائرات ضمن صفقة مع ذراع الجيش البريطاني “بي إيه إي سيستمز” بـ 20 مليار جنيه استرليني.
وتعرضت بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ودول غربية أخرى لانتقادات من منظمات دولية لبيعها أسلحة وذخائر للسعودية والإمارات استخدمت في عمليات العدوان الجوية، التي خلفت خلال السنوات الماضية آلاف الضحايا من المدنيين بينهم كثير من الأطفال.

بريطانيا شريك أساسي في جرائم الحرب
من جانبه اعتبر الحقوقي البريطاني آندرو سميث أن للعلاقة الوطيدة بين المملكة المتحدة والسعودية أثرا مدمرا على الشعب اليمني.. مشيرا إلى أن بريطانيا باعت أسلحة ودربت طيارين سعوديين قصفوا أهدافا مدنية في اليمن.
وأضاف مدير منظمة “الحملة ضد تجارة الأسلحة” في بريطانيا آندرو سميث – في تصريحات لقناة الجزيرة – أن “حرب اليمن ليست مدمرة فقط، بل إنها غير شرعية”.. مشيرا إلى أن “محكمة بريطانية قضت بذلك العام الماضي”.
وأكد سميث أن “صفقات السلاح ما زالت مستمرة.. مشيرا إلى أن لذلك تأثيرا سيئا جدا على الشعب السعودي باعتباره دعما لأحد أكبر الأنظمة الدكتاتورية في العالم، كما أن لهذه العلاقة تأثيرات مدمرة على الشعب اليمني من خلال تقديم دعم عسكري لهذه الحرب، إضافة إلى التأثير السلبي على الحكومة البريطانية التي تتحدث عن الديمقراطية من جانب فيما تسلح دكتاتورية من جانب آخر”.
إلى ذلك.. قالت الصحفية المختصة في شؤون الدفاع بصحيفة تايمز البريطانية لوسي فيشر إن الحكومة البريطانية تدّعي أن تدريب طيارين سعوديين ليس عملية عسكرية وإنما يأتي ضمن علاقات مع حليف مهم، لكن فيشر أشارت في الوقت نفسه إلى أن العديد من النواب في مجلس العموم البريطاني يرفضون موقف حكومتهم.
وأكدت الصحفية لوسي فيشر أن طبيعة العلاقة البريطانية مع السعودية أثيرت بعد مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي، لكن الحكومة البريطانية دافعت عن الاستمرار في بيع قطع غيار للأسلحة باعتبارها جزءا من العقود التي وقعت عليها.
المقال يعبر عن وجه نظر الكاتب