بقلم: سارة لازار

(موقع صحيفة “The Wire” الهندية، ترجمة نجاة نور – سبأ)

تصف الأمم المتحدة نفسها في ميثاقها بأنها سلطة أخلاقية دولية أنشئت من أجل “إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحروب, لكن الناشطين الذين يحاولون إنهاء الحرب الأمريكية على اليمن يقولون انها في انحدار مظلم عن هذه المهمة، حيث أن الهيئة الدولية تحجب الانتقادات الموجهة للتحالف العسكري الأمريكي السعودي, بل وتمدح زعمائها بفاعلية لتجنب تعرض صناديق التبرعات الإنسانية للخطر، والتي تهدف إلى المساعدة في تخفيف المعاناة الناتجة عن تلك الحرب.

وكما قالت جيهان حكيم، رئيس لجنة التحالف اليمني: “نفس اليد التي نطلبها لإطعام اليمن هي نفس اليد التي تساعد في قصفهم”.

في 15 يونيو، قام الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريس بإزالة التحالف العسكري الأمريكي السعودي الذي يشن حربا في اليمن منذ أكثر من خمس سنوات من القائمة السوداء الدولية للدول والجماعات المسلحة المسؤولة عن قتل وتشويه الأطفال، في انتصار للعلاقات العامة للمملكة.

وأشار إلى ان هنالك انخفاض مفترض في عمليات قتل الأطفال, حتى مع اعترافه بأن التحالف كان مسؤولاً عن قتل 222 طفلاً في العام الماضي، 171 منهم من التفجيرات – وهو عدد لا يشمل بالتأكيد عدد الذين توفوا جراء المجاعات وتفشي الأمراض (بما في ذلك فيروس كورونا) الذي تفاقم بسبب الحرب والحصار.

أثارت خطوة الأمم المتحدة شجباً فوريا من المنظمات المناهضة للحرب والمنظمات الإنسانية, لاسيما أنها تزامنت مع صدور تقارير في نفس اليوم الذي صدر فيه التقرير تفيد بأن التحالف الأمريكي السعودي قصف سيارة في شمال اليمن, مما أسفر عن مقتل ثلاثة عشر مدنيا، أربعة منهم أطفال.

يقول حسن الطيب, كبير جماعات الضغط في سياسة الشرق الأوسط للجنة أصدقاء للتشريع الوطني، وهي منظمة ضغط تقدمية، إن الخطوة لها تفسير بسيط، حيث يقول: “بالنسبة لي، من الواضح حقا ما الذي يحاولون القيام به, إنهم يحاولون الحصول على دعم حتى تقدم السعودية المزيد من الأموال لليمن لمواصلة تقديم المساعدات الإنسانية”.

يدعم نظرية الطيب عدد من المؤشرات, ففي يونيو 2016, اعترف الأمين العام السابق للأمم المتحدة بان كي مون علناً أنه أزال اسم السعودية من “قائمة قتلة الأطفال” نفسها في تقرير الأمم المتحدة لعام 2015 رداً على التهديدات غير المعلنة لسحب التمويل من برامج الأمم المتحدة, ووجدت وسائل الإعلام أن هذه التهديدات جاءت من السعودية، واحدة من أكبر الجهات المانحة للأمم المتحدة في الشرق الأوسط.

قال بان كي مون في مؤتمر صحفي وصف خلاله الفظائع التي لا يجب أن يواجهها أي طفل, وفي الوقت نفسه، قال انه كان عليه أيضا أن يفكر في الاحتمال الحقيقي جداً الذي سيعاني فيه ملايين الأطفال الآخرين بشكل خطير إذا تم, في حال تم قطع تمويل العديد من برامج الأمم المتحدة”.

وعلى الرغم من هذا الاعتراف، لم يعيد بان كي مون التحالف الأمريكي السعودي على الفور إلى القائمة السوداء, ولكنه إعاده في نهاية المطاف.

يوجد هناك مؤشرات أكثر حداثة يمكن الاعتماد عليها, ففي 2 يونيو ، استضافت الأمم المتحدة مؤتمر المانحين الافتراضي مع السعودية لجمع الأموال للإغاثة الإنسانية في اليمن التي دمرها تفشي فيروس كورونا، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى أن التحالف السعودي الأمريكي أهلك النظام الصحي في البلد، والحصار الذي يديره يقطع الإمدادات الطبية الطارئة عنه.

أدلى غوتيريس الذي اتخذ القرار الأخير بإلغاء اسم السعودية من القائمة السوداء، بالملاحظات الافتتاحية للحدث, وقال: “أشكر حكومة السعودية على استضافة حدث التعهدات هذا، وعلى التزامها المستمر بالمساعدة الإنسانية للشعب اليمني”.

كانت السعودية أكبر مانح في هذا الحدث وتعهدت بتقديم مساعدة رمزية بقيمة 500 مليون دولار ، وهي المبلغ المحدد الذي أنفقه الحاكم الفعلي للمملكة, ولي العهد الأمير محمد بن سلمان, على يخته الخاص.

تعهدت الولايات المتحدة بتقديم 225 مليون دولار, اي ما يعادل قيمة أقل من تكلفة ثلاث طائرات مقاتلة من طراز “اف-٣٥, التي اشتراها الجيش الأمريكي من شركة لوكهيد مارتن.

هذه الأرقام ضئيلة أيضا مقارنة بقيمة الأسلحة التي تشحنها الولايات المتحدة إلى السعودية والتي بلغت قيمتها 3 مليارات دولار على الأقل في عام 2019 – على الرغم من الدعوات لفرض حظر عالمي بسبب الفظائع السعودية في اليمن.

ومع ذلك، فإن الحدث، وهو المعادل العالمي لحملة “GoFundMe” لمساعدة اليمن, قد انخفض بمقدار مليار دولار عن هدفه، أو ما يعادل تقريبا قيمة اثنتين فقط من لوحات ليوناردو دا فينشي التي اشتراها بن سلمان لنفسه في عام 2017.

يقول الطيب إنه قلق بشأن ما إذا كانت المساعدات الأمريكية التي تم التعهد بها سيتم إرسالها إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث يعيش غالبية سكان اليمن, النقطة الشائكة الرئيسية هي ما يحدث بالفعل للأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون, لذا هل سوف تصل المساعدات إلى حيث تعيش غالبية السكان؟”

تتفق شيرين الاديمي، ناشطة يمنية أمريكية مناهضة للحرب، وعضو مجلس إدارة “جست فورين بوليسي” ومساهمة متكررة في “إن ذيس تايمز”, مع شرح الطيب عن سبب إزالة التحالف من القائمة السوداء للأمم المتحدة, حيث ترى أن الأمم المتحدة تعيش في خوف من أن تسحب الدول المسؤولة عن افتعال الأزمات الإنسانية التمويل من المساعدات الإنسانية, في أي وقت تعقد الأمم المتحدة أي نوع من انواع جمع التبرعات لليمن، فإنهم يبذلون قصارى جهدهم لشكر دول التحالف على أي مساعدة تتعهد بها”.

وبالفعل، في 9 أبريل، غرد مارك لوكوك، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية ومنسق الإغاثة في حالات الطوارئ, قائلاً “شكرا [للمملكة العربية السعودية] لإعلانها عن مساهمة كبيرة أخرى للمساعدة الإنسانية في اليمن! سيفيد كرمك الملايين من الناس الذين يحتاجون إلى المساعدة “.

ردد هذا الثناء المثير للاشمئزاز الذي منحه للتحالف بسبب تبرعاته الإنسانية لليمن.

يلقي تبادل أبريل 2018 بين غوتيريس ومراسل في حدث, لمؤتمر يمني لجمع التبرعات الضوء على هذه الديناميكية, حيث سأل المراسل غوتيريس عن الحدث, حيث كانت كل من السعودية والإمارات وهما أيضا جزء من التحالف العسكري في اليمن مانحين مهمين.

“كيف ترى التناقض بين قيام دولة واحدة بتقديم نفسها كجهة مانحة رئيسية ومساعد رئيسي لليمن في حين أنها تضرب منذ ثلاث سنوات البلد ، بما في ذلك المناطق المدنية؟

رد غوتيريس قائلاً: “هذا البلد يمنح المال لإصلاح ما يدمره, حسنا، نعلم جميعا أن هناك حربا، ونعلم جميعا من هم أطراف الحرب, ولكن يجب النظر إلى الأمرين بشكل منفصل.

وبصرف النظر عن وجود حرب، هناك التزامات إنسانية تتحملها البلدان، واليوم كنا نسجل بالضبط دعما قويا جدا من المجتمع الدولي لشعب اليمن”.

يمكن للمرء أن يجادل بأن الأمم المتحدة مجبرة على أداء الليونة الأخلاقية بسبب السحب المفاجئ لإدارة ترامب لعشرات الملايين من الدولارات من وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية وتخفيض برنامج الأغذية العالمي بنسبة 50 ٪ للمساعدة في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون, والتهديدات بإغلاق برامج المساعدة الغذائية الحرجة التي تديرها الأمم المتحدة في اليمن, كل ذلك بالاضافة الى تفشي وباء فيروس كورونا في البلد, وبالتالي، ليس أمام الأمم المتحدة خيار آخر, لكن القيام بما يجب على أي جامع لجمع التبرعات القيام به: التحذير من الجهات المانحة المكروهه، وتتملق للمانحين الأغنياء على أمل أن يبقوا المنظمة واقفة على قدميها.

لكن الأمم المتحدة ليست مجرد مراقب سلبي لحرب اليمن: فمن خلال حماية الولايات المتحدة والسعودية, صنعت العواقب السياسية الأكثر تواضعا للحرب أسوأ أزمة إنسانية في العالم, فقد استخدمت قوتها المؤسسية لتمكين هذا الهجوم.

في عام 2015, بعد ستة أشهر فقط من الحرب, أطلقت السعودية حملة دبلوماسية لمنع الأمم المتحدة من الشروع في تحقيق بشأن حقوق الإنسان, أثارته صمت إدارة أوباما.

كان هذا الجهد ناجحا في نهاية المطاف, وماذا لو لم يحدث ذلك: تخيل لو تم استنكار الحرب قبل أكثر من خمس سنوات عالمياً.

حتى النشطاء الذين يعترفون بالسخرية المأساوية للاعتماد على منفذي الحرب لتقديم المساعدة لضحايا تلك الحرب يضطرون هم أنفسهم إلى دعوة الولايات المتحدة لاستعادة المساعدة.

ففي أواخر شهر مايو، وقعت أكثر من ثمانين منظمة تقدمية ومناهضة للحرب على رسالة تدعو الرؤساء وأعضاء الكونغرس البارزين إلى بذل كل ما في وسعهم للضغط على الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية للتراجع عن قرارها, كما حذرت الرسالة من ان هناك حاجة ماسة إلى ملايين أخرى، على وجه الخصوص, لمخزون الطوارئ من معدات الحماية الشخصية والمراوح وأسرة العناية المركزة وغيرها من الإمدادات الحيوية لنظام الرعاية الصحية في اليمن.

تقول جيهان حكيم, التي تقاتل من أجل استعادة هذه المساعدة، إن الجهد يطرح أسئلة سياسية صعبة, إن الأمر يبدو فعلاً وكأنه انتهاك لنا، داعيتاً هذه الوكالة [وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية] التي هي جزء من النظام الذي يستفيد من هذه الحرب بمبيعات الأسلحة وكل هذا الدعم العسكري, لكن, كما تقول, يواجه النشطاء الأمريكيون واقعا صارخا: الانسحاب المفاجئ للمساعدات وسط جائحة ستقتل بالتأكيد العديد من اليمنيين, يسألنا الناس, لماذا تدعين وكالة الولايات المتحدة للتنمية الدولية؟ إنها إشكالية, وأنا أعرف, ولكن ماذا عن الأشخاص الذين يحتاجون إلى الطعام الآن؟ نحن نفعل ذلك من اجل الناس.

على عكس الأمم المتحدة, فإن جيهان وزملائها المنظمين لا يمدحون التحالف العسكري, والأهم من ذلك، أنهم يعملون على إنهاء الحرب ,جذر المعاناة, حتى بعد أن اعترضت إدارة ترامب في عام 2019 على المحاولات لإنهاء مشاركة الولايات المتحدة في الحرب.

تقول جيهان: “نجري محادثات الآن مع عدد قليل من المنظمات الأخرى لصياغة قرار جديد لقوى الحرب, هذه هي أقوى وسيلة لدينا للتحقق من تورط الولايات المتحدة, فبدون الأسلحة والدعم العسكري وتبادل المعلومات الاستخبارية واستهداف المساعدة التي تقدمها الولايات المتحدة, لا يمكن للتحالف أن يستمر في العدوان في اليمن بنفس الطريقة, لكننا سنواصل الضغط.”

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.