بعد عشر سنوات من الربيع العربي، انخفاض أسعار النفط بسبب الفيروس التاجي يمكن أن يزعزع استقرار العالم العربي
بقلم: فينيكس*
(موقع “هافينتون بوست-” huffingtonpost الفرنسي- ترجمة: أسماء بجاش- سبإ)
في حين أن العواقب الاقتصادية بالنسبة للقارة الأوروبية وأمريكا الشمالية وآسيا ستكون عميقة، فإن الآثار الجيوسياسية على منطقتي الشرق الأدنى والأوسط ستكون غير مسبوقة.
من شمال أفريقيا إلى شبه الجزيرة العربية، يمكن للمنطقة أن تشهد أحدث تحولاتها الدراماتيكية منذ الربيع العربي.
في 20 أبريل 2020، انخفضت أسعار النفط في الولايات المتحدة الأمريكية إلى ما دون الصفر, في حين شهد العالم وجود أربعة مليارات شخص محصورين في منازلهم.
أسعار النفط والربيع العربي:
إن التغيرات التي طالت أسعار النفط تقدم قراءة جديدة للربيع العربي, ففي الفترة التي شهدت ارتفاع منذ أوائل العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين، انخفض سعر برميل النفط بالتزامن مع الأزمة المالية العالمية التي حلت في العام 2008، بالإضافة إلى التباطؤ الاقتصادي في المنطقة والانتفاضات الناجمة عن ذلك، قبل أن يتعافى مع حلول العام 2010.
ومن المفارقات أن هذا الارتفاع في الأسعار, سمح للأنظمة الملكية الموالية للغرب في منطقة الخليج: المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والكويت, باحتواء آثار الربيع العربي من خلال تمويل الحكومات الموجودة والمهددة من قبل الأحزاب الإسلامية.
تلعب ممالك الخليج دور البنك غير الرسمي وبالتالي تعتبر صمام الأمان في المنطقة:
يشير الواقع إلى أن هناك ثلاثة عوامل تفسر التحول الجغرافي السياسي الذي كان يحدث على مدى العقد الماضي, حيث أن الربيع العربي يهيئ الظروف لاشتعال النيران في العديد من بلدان المنطقة, حيث كانت ثورة الصخر الزيتي، وذلك من خلال الحد من اعتماد الولايات المتحدة على النفط، والذي سوف يؤدي إلى فك الارتباط الأمريكي، وتمهد الطريق لطموحات الجهات الإقليمية الفاعلة الأخرى:السعودية، الإمارات، قطر وإيران, أو الدول الطرفية: تركيا وروسيا, كما أن ارتفاع الذي صاحب الأسعار يلقي بظلاله على نمو الإنفاق العسكري، الذي هو أداة لأهدافها الجيوسياسية.
وعلى سبيل المثال، تُضاعف روسيا من إنفاقها العسكري بين عامي 2010 و2016، في حين وصلت السعودية إلى ثالث أكبر ميزانية دفاع في العالم خلال العام 2018، وميزانية الإمارات تزيد بنسبة 41٪ في العام 2019.
ومن جانبها, تشن إيران، على الرغم من العقوبات المفروضة عليها، عدة حروب “بالوكالة”, وإذا لم تكن تركيا دولة بترولية، فإن مغامرتها في ليبيا تفسر إلى حد كبير التعطش للهيدروكربونات.
انخفاض الأسعار له تأثير كبير على “الدول البترولية”:
في بداية شهر مارس المنصرم، وعلى الرغم من انخفاض الأسعار بنسبة 30% فشلت أوبك وروسيا في التوصل إلى اتفاق للحد من الإنتاج.
وفي 5 من نفس الشهر، بدأت السعودية حرب أسعار مع روسيا, في مواجهة انهيار سعر البرميل، ولهذا هدد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بوقف المساعدات العسكرية.
وفي الأخير وصل الروس والسعوديون إلى اتفاق لخفض الإنتاج بشكل استثنائي، في حين كانت الأسعار آخذة في الارتفاع, ولكن الضرر قد وقع، ونظراً للتوقعات بالنسبة للاقتصاد العالمي (الأزمة السياسية في الولايات المتحدة، وانفجار الديون في أوروبا، وتوقف الاقتصاد الصيني)، فإن الآثار سوف تكون دائمة، وتتحدى الاستراتيجيات الإقليمية للاعبين الرئيسيين, ولا يزال سعر البرميل مقياساً للطموح العسكرية لدول البترولية.
وفي السعودية (صندوق الثروة السيادية بقيمة 300 مليار دولار, والذي يمثل 60% من ميزانية البلد والتي تأتي من النفط)، سيتعين على محمد بن سلمان إبطاء إنفاقه العسكري، وتغيير حجم خططه الفرعونية التي يسعى من خلالها إلى تنويع الاقتصاد في البلد، والكفاح من أجل الحفاظ على السلطة.
وفي الإمارات (يمثل النفط ثلث الناتج المحلي الإجمالي)، حيث يجب تخفيض المطالبات العسكرية لتنفيذ مشروعها الرئيسي لتحويل اقتصاد النفط إلى مركز لوجستي ونقل.
ولن يكون لدى إيران، التي تضررت بشدة جراء العقوبات الأمريكية، والاقتصاد المحتضر، والأوبئة، والآن الأسعار المنخفضة، جميعها وسائل لشن حروبها “منخفضة التكلفة”.
ويبدو أن روسيا التي تجني ثلث الميزانية من عائدات النفط، والتي تملك صندوق ثروة سيادية بقيمة 150 مليار دولار, أكثر استعداد، ولكن الوباء والأزمة الاقتصادية، من خلال التأثير على شعبية بوتن، قد تحتوي على طموحاتها الإقليمية.
وفي حين تظهر تركيا (اللاعب الوحيد التي لا تعتبر دولة بترولية) كـ “رابح” جراء انخفاض الأسعار، فإن اقتصادها لا يزال غير مستقر بشكل خاص (العملة، وميزان المدفوعات)، مما يزيد من صعوبة تمويل “العثمانية الجديدة” للرئيس أردوغان.
الآثار المترتبة على الحروب الأهلية الثلاث: اليمن وسوريا وليبيا:
استأنفت تركيا التي تعتبر البلد الوحيدة من بين جميع اللاعبين في المنطقة التي لم تعاني من العبء الكامل لهبوط أسعار النفط، الهجوم, حيث اعتمدت على المقاومين “المصدرين” من المسرح السوري إلى طرابلس والطائرات المسيرة صينية الصنع، حينها عمل الأتراك على توفير غطاء جوي للسماح لقوات حكومة الوفاق الوطني باستعادة الأرض المسلوبة, ونتيجة لذلك، تم طرد قوات الجنرال خليفة حفتر التي تتلقى الدعم من الإماراتيين والمصريين والجيش الخاص لجماعة فاغنر- وهي منظمة روسية شبه عسكرية- والقريبة من الكرملين، من العاصمة الليبية طرابلس.
وبالنسبة لرئيس التركي أردوغان، الذي تعثر في شمال غرب سوريا، فإن ليبيا هي وسيلة لحفظ ماء الوجه وورقة مساومة إذا كانت هناك حاجة إلى اتفاق في سوريا.
وعلاوة على ذلك، فإن وجوده في طرابلس من شأنه أن يسمح له أن يحقق هدفين بضرب حجر واحد:
أولاً: تحقيق رهانها الكبير في مجال الطاقة من خلال البدء في الحفر البحري في شرق منطقة البحر الأبيض المتوسط, حيث تم التوقيع على اتفاق مع حكومة طرابلس.
ثانياً: السيطرة على الطريق الثاني للاجئين إلى أوروبا: طريق طرابلس- لامبيدوسا* الواقعة على بعد250 كم فقط، مما يتيح له إمكانية جديدة “لابتزاز المهاجرين”, لكن العلم العثماني لم يرفرف بعد فوق طرابلس.
وبالنظر إلى أن الجنرال حفتر قد خسر ما يكفي من الأرض، أرسلت موسكو عدة طائرات مقاتلة (عابرة عبر إيران وسوريا) لتزويد مجموعة فاغنر التي تفتقر للغطاء الجوي.
الحرب الأهلية الليبية باقية, ومع ذلك، فإن الوجود التركي والروسي على أعتاب إيطاليا يمثل تهديدا استراتيجيا لفرنسا والقارة الأوروبية:خطر عسكري، وابتزاز المهاجرين، وتسلل إرهابي في منطقة الساحل الأفريقية.
يجب على قصر الاليزية الفرنسي تغيير نهجه في الصراع الدائر في ليبيا وإحباط جهود أنقرة دون ترك الطريق مفتوحاً أمام الروس, لهذا، يوجد العديد من الخيارات:
الدبلوماسية أكثر حزماً تجاه تونس ومصر، وتوسيع الوجود العسكري الفرنسي في شمال النيجر، والوجود البحري الأكثر نشاطا في شرق البحر الأبيض المتوسط لزيادة الضغط على أنقرة.
أثار أخرى مترتبة على المنطقة:
وكما قلنا سابقاً, تلعب الملكيات الخليجية دور البنوك غير الرسمية وبالتالي صمام أمان للمنطقة, لن تنخفض التدفقات المالية، مما يعرض لمخاطر مالية في العديد من البلدان فحسب، بل أن الأزمة الاقتصادية تعني أيضا, إعادة عشرات الآلاف من العمال المهاجرين من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى أوطنهم، وبالتالي وجود عجز يقدر بعشرات المليارات من الدولارات بالنسبة للمغرب وتونس ومصر ولبنان والأردن.
إن لبنان، الذي تخلف عن سداد ديونه، يعاني من أسوأ أزمة مالية واقتصادية منذ عقود؛ في حين يواجه الأردن، وهو أحد البلدان القليلة المستقرة في المنطقة، مهلة لسداد نحو ملياري دولار؛ وأما المغرب، وهو بلد مستقر آخر، لديه مشاكل خطيرة في السيولة, كما تشهد الجزائر عدم استقرار سياسي دائم؛ وستعاني تونس ومصر من انخفاض حد في معدل الحولات المالية من العملة الاجنبية من العاملين في دول الخليج.
وقد يؤدي اتساع رقعة الأزمة السورية إلى لبنان والأزمة الليبية إلى تونس إلى اندلاع جديد في شمال أفريقيا والشرق الأوسط.
ومن أجل الدفاع عن مصالحها الاستراتيجية في المنطقة وحماية الأراضي الوطنية، يجب على فرنسا ألا تكتفي بالرد على الأزمات بل أن تستبقها.
وفي مواجهة متزايدة مع الجهات الفاعلة القادرة على العمل على عدة جبهات بتكلفة عسكرية محدودة، يجب عليها أن تتكيف بشكلٍ كامل من خلال إعطاء نفسها وسائل لطموحاتها.
* فينيكس: أسم مستعار لروائي متخصص في الحرب السورية ووحدات حماية الشعب والدولة الإسلامية والجيش والاستخبارات.
* أسم لجزيرة ايطاليه
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.