معاناة العائلات في اليمن من تراجع التحويلات الخارجية جراء تداعيات فيروس كورونا
بقلم: ايونا كريج
(موقع وكالة “The New Humanitarian”, ترجمة نجاة نور، سبأ)
عدن- اليمن، في متجر صغير في شارع فرعي في مدينة عدن، يملأ محمد البالغ من العمر 17 عاماً أرفف ثلاجته ذات الواجهة الزجاجية بعلب العصير, إنها مهمة عقيمة عندما تكون الثلاجة أكبر بقليل من خزانة دافئة، فهذه الثلاجة تبقى بدون كهرباء لمدة 12 ساعة, في درجة حرارة تصل إلى 36 مئوية تجعل الناس يتصببون عرقاً.
يضاف إلى التعذيب اليومي لارتفاع درجات الحرارة وانقطاع التيار الكهربائي المنتظم والفيضانات الأخيرة – وفي خضم الحرب التي دخلت عامها السادس – أصبحت مدينة عدن الجنوبية مؤخراً مركز لتفشي وباء كوفيد- ١٩ في اليمن.
رسمياً، تم الإعلان في اليمن عن أقل من 850 حالة إصابة و 209 حالة وفاة، ولكن مع الحد الأدنى من توفر الفحوصات الخاصة بالكشف عن الفيروس والنظام الصحي شبة المدمر, حذرت وكالات الإغاثة من أن الأرقام الحقيقية من المحتمل أن تكون أعلى بكثير من تلك المعلن عنها.
لم يتم الإبلاغ عن الحالات الأولى في البلد حتى أوائل أبريل؛ حيث ظهرت الوفيات الأولى بعد ثلاثة أسابيع من تفشي الوباء, لكن اليمنيين مثل محمد شعروا بتأثير الوباء قبل أسابيع من ظهوره على أعتابهم، حيث أدت التدابير الرامية إلى التخفيف من انتشار الفيروس التاجي إلى إغلاق الشركات في جميع أنحاء العالم وتسريح العمال أو منحهم إجازة غير مدفوعة، مما أدى إلى انخفاض هائل في حجم الحوالات التي يرسلها اليمنيون من الخارج إلى ذويهم في اليمن كل عام بحوالي 10 مليارات دولار.
عمل والد محمد في السعودية لمدة 20 عاماً، كان آخرها سائق توصيل لغرفة مبيعات السيارات.
واليوم, فقد وظيفته، تاركاً عائلته في اليمن بدون راتب شهري قدره 1000 ريال سعودي (265 دولاراً) كانوا يعيشون منه طوال العقدين الماضيين.
هذا ما جعل محمد الذي طلب عدم نشر لقبه خوفاً على سلامة والده، المعيل الوحيد لوالدته وأشقائه الأربعة وأصغرهم يبلغ من العمر عامين.
الآن أصبح كل شيء يعتمد على وظيفته بدوام جزئي في المتجر والذي يتقاضى منه ما يعادل حوالي 45 دولاراً في الشهر.
دفعت الحرب اليمنية التي تدور بين الحوثيين ومؤيديهم والتحالف الذي تقوده السعودية الداعم لحكومة الرئيس عبد ربه منصور هادي وحلفائها المعترف بها دولياً، والذي يعيش معظمها في المنفى.
أدى الصراع إلى انهيار الاقتصاد اليمني وأزمة إنسانية كبيرة, حيث تقول الأمم المتحدة أن 24 مليون يمني، أي حوالي 80% من السكان، بحاجة إلى نوع من أنواع المساعدة.
شهد ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وفقدان الوظائف، وفشل الدولة في دفع أجور موظفي الخدمة المدنية: المدرسين والعاملين في مجال الرعاية الصحية، حيث أصبح هناك اعتماداً متزايداً على تحويل الأموال من الوافدين اليمنيين مثل والد محمد.
دعمت هذه الأموال العائلات التي تكافح من أجل البقاء، وكانت مساعداً اساسياً في منع وقع المجاعة التي لطالما حذرت منها وكالات الإغاثة منذ فترة طويلة.
قال عبد الواسع محمد، مستشار السياسة في منظمة أوكسفام في اليمن، أن انخفاض التحويلات قد يجعل العديد من اليمنيين في وضع متدهور بشكل خطير, حيث قال لـ , أن ذلك سيؤدي إلى تفاقم الوضع الإنساني. The New Humanitarian”
كما سيتعين على أولئك الذين يعتمدون عادة على التحويلات المالية لشراء الطعام بالدين حتى تنفذ فرص الدين, ثم يتعرضون لخطر الطرد من منازلهم عندما لا يستطيعون دفع الإيجار أو إجبارهم على رهن الممتلكات وبيع الماشية, وأضاف محمد أن ذلك قد يجبر الناس على تقليل من عدد الوجبات التي يتناولونها يوميا, إن أزمة سوء التغذية سوف تزداد سوءا”.
اقتصاد التحويلات:
في حين أن هناك مغتربين يمنيين في جميع أنحاء العالم، كانت السعودية لفترة طويلة مصدراً رئيسياً لفرص العمل والتحويلات.
ووفقاً لوزارة شؤون المغتربين اليمنيين، هناك 1.6 مليون عامل يمني في المملكة، وهم يعتبرون مصدر ما يقدر بنحو 61% من تدفقات التحويلات عبر الطرق المالية الرسمية.
تختلف الأرقام حول مقدار الاقتصاد اليمني الذي يعتمد على الأموال المرسلة من الخارج, وتشير إحصاءات البنك الدولي الرسمية إلى 3.3 مليار دولار في عام 2014, قبل عام من بدء حرب اليمن – وهو رقم ارتفع بنسبة 12% إلى ما يقدر بنحو 3.7 مليار دولار في العام 2019.
لكن هذا لا يمثل سوى ما يتم إرساله من خلال النظام المصرفي الرسمي، في بلد يمتلك 3.5 % فقط من سكانه حسابات مصرفية قبل الحرب, ويستخدم الطرق غير الرسمية الأكثر شيوعاً للتحويلات: شركات تحويل الأموال مثل ويسترن يونيون و موني جرام ووكلاء التحويل المحليين.
وبحسب تقرير في عام 2019, الصادر عن مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية وهو مركز أبحاث يركز على شؤون اليمن، فإن التحويلات الرسمية المرسلة من خلال البنوك لا تمثل سوى 2.9 % من الإجمالي والتي يقدر أنها أقرب إلى 10 مليار دولار سنوياً, بينما قدر آخرون الرقم بين 6 و 8 مليارات دولار.
يعتبر مصرف الكريمي الإسلامي من أكثر المزودين الموثوقين في اليمن لإرسال الحوالات الرسمية والذي كان يستخدمه والد محمد عادةً لإرسال الأموال.
وبحسب مصدر، طلب عدم الكشف عن هويته لحماية نفسه، فإن التحويلات عبر الكريمي إلى اليمن عادة ما تبلغ في المتوسط 80 مليون ريال سعودي اي (21 مليون دولار) شهرياً.
ووفقاً للمصدر، انخفضت التحويلات عبر الكريمي بطريقة غير مسبوقة بنسبة 70 % عندما تم اتخاذ تدابير التخفيف للحد من تفشي فيروس كورونا لأول مرة إقليمياً في مارس.
كما شهد شهر رمضان المبارك من (24 أبريل – 23 مايو) وهو عادة أكثر الأوقات ازدحاماً في السنة لأفراد العائلة الذين يرسلون الأموال إلى اهلهم زيادة طفيفة، ولكن التحويلات عبر البنك كانت لا تزال منخفضة بنسبة 50% عن العام السابق.
أفادت مصادر مالية يمنية غير رسمية أخرى عن انخفاضات كبيرة، من المحتمل إلا تكون مدعومة بحقيقة أن العديد من الفروع قد أجبرت على الإغلاق بسبب القيود التي فرضتها الدول لمواجهة وباء كوفيد-19.
وبحسب البيانات التي جمعتها منظمة أوكسفام، فإن محافظة صعدة الشمالية- معقل الحوثيين التي تعرضت لقصف شديد خلال الحرب – يعتمد فيها حوالي 30 ألف شخص على التحويلات.
ومنذ بداية ظهور فيروس كورونا، تقول أوكسفام إن عدد معاملات التحويلات التي تتم معالجتها في تحويلات صعدة قد انخفضت بأكثر من 95%، بما يعادل أكثر من 2500 في الشهر إلى 100 فقط بنهاية أبريل.
أزمة ذات ثلاثة محاور:
إن الترابط بين الاقتصاد اليمني يعني أن التراجع في أي من المصادر الرئيسية الثلاثة للعملة الأجنبية: المساعدات الإنسانية، وصادرات النفط، والتحويلات, له تأثير كبير على القوة الشرائية المحلية, والآن تواجه اليمن الآن تراجعاً في المصادر الثلاثة.
تجبر قلة الحوالات المالية مع انخفاض أسعار النفط وانخفاض التمويل وكالات الإغاثة والمنظمات غير الحكومية في اليمن على إغلاق أو تقليص البرامج الإنسانية المختلفة، بما في ذلك المساعدات الغذائية والإعانات للعاملين في مجال الرعاية الصحية, بالإضافة إلى نقص حجم التمويل في مؤتمر تعهد المانحين لليمن في 2 يونيو بأكثر من مليار دولار عن هدفه، ومن غير المرجح أن يتم تسليم الكثير من الأموال الموعودة لبعض الوقت.
وقال أنتوني بيسويل، المحلل الاقتصادي بمركز صنعاء للدراسات الاستراتيجية، إن كل هذا من المرجح أن يؤدي إلى انخفاض قيمة الريال اليمني وتفاقم سوء الأمن الغذائي في اليمن، حيث يتوفر الطعام غالباً في الأسواق مع عدم قدرة الناس على شرائه, كما حذر من أنه “لا يمكننا المبالغة في تقدير حجم الأثر الذي سيحدثه انخفاض تدفقات التحويلات النقدية على البلد على المستويين الوطني والمحلي.
كان محمد وعائلته يشعرون بالألم بالفعل، ولم يكونوا متفائلين لرؤية تحويلات جديدة من والدهم في أي وقت قريب.
قال محمد:”من قبل، كنا نعيش على ما يرام، والآن هو نوع من …” صمت وعبس وجهه ثم أضاف: “سيكون الوضع قاحلاً إذا لم يعد هناك مال.”
حتى لو تعافت السعودية من المشاكل الاقتصادية التي تسببها كوفيد -١٩، فقد لا يستعيد الموظفون مثل والد محمد وظائفهم, وقد يتسبب التقشف في أن تسرع الحكومة السعودية اتخاذ سياستها الأخيرة في استبدال القوى العاملة الأجنبية في القطاع الخاص بالمواطنين السعوديين.
بالإضافة إلى التأثير المباشر على الأسر اليمنية، من المرجح أن يكون انخفاض تدفق الأموال من الأهل والأصدقاء في الخارج آثار اقتصادية واسعة, نظراً لكون التحويلات هي المصدر الرئيسي للعملة الأجنبية في اليمن، وهي دولة تستورد الغالبية العظمى من غذائها.
أوضح علوي بافقيه، وزير شؤون المغتربين في حكومة هادي، أنه دون أي شيء آخر عن طريق الدخل خلال الحرب، كانت الأموال المرسلة من الخارج عاملاً رئيسياً في الحفاظ على هذه الواردات سارية, كما أن انخفاض التحويلات “سيكون له اثر كارثي بالفعل”.
ومن المرجح أن يؤدي فقدان هذا التدفق إلى زيادة الضغط على سعر الصرف، مما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار, حيث ارتفعت أسعار المواد الغذائية بالفعل نتيجة لتفشي الوباء.
يحذر محللون من أن الريال اليمني قد يفقد الكثير من قيمته في الأشهر الستة المقبلة، لأن وديعة بقيمة 2 مليار دولار في عام 2018 من السعودية إلى البنك المركزي اليمني في عدن قد نفدت.
حتى مايو، بقي 200 مليون دولار فقط من هذه الأموال والتي حالت دون التضخم المفرط وسمحت لبنك عدن – لدى الحوثيين مؤسسة منافسة في صنعاء – بتوفير سعر صرف أجنبي مدعوم لاستيراد المواد الغذائية والسلع الأساسية الأخرى .
وفي وقت سابق من هذا الأسبوع، استولى انفصاليون جنوبيون أعلنوا “الحكم الذاتي” في عدن وأجزاء أخرى من البلد، على كونتيرات تحمل مليارات الريالات اليمنية المتوجهة إلى البنك.
شيء واحد لم يضيع في الحرب هو شبكات التكافل الاجتماعية غير الرسمية في اليمن والتي حلت محل الدولة الضعيفة منذ فترة طويلة.
المجتمعات في المناطق الريفية القبلية في البلد وفي المناطق الحضرية تعتني بالأفراد الأفقر وأولئك الذين يحتاجون إلى المساعدة في الأوقات العصيبة.
وبينما يختبر الانتشار العالمي والداخلي لـفيروس كورونا القدرة المالية لهذه الشبكات، فقد تم مساعدة عائلة محمد: حيث أعطى صديق والده 1000 ريال سعودي (265 دولاراً) للعائلة خلال شهر رمضان.
في متجر الزاوية في عدن، في حرارة شديدة، جاء صبي صغير، أحد جيران محمد، وهو يلوح بقطعة دجاج ملفوفة بالبلاستيك, حيث اشترى الصبي الدجاجة في اليوم السابق، ولكن مع انقطاع التيار الكهربائي في منزله، كان طعام عائلته لليوم عرضة للتلف.
قام محمد، الذي توفيت خالته في 20 مايو بأعراض تشبه تلك المرتبطة بفيروس كورونا، بإعادة البطانية السميكة التي تغطي الفريزر- التي تستخدم أثناء انقطاع التيار الكهربائي كعازل للحفاظ على أي برودة متبقية – وادخل الدجاجة اليها، مما وفر وجبة لعائلة واحدة من أجل يوم أخر.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع