بقلم: ماري كريستين بيدولت

 

(موقع “لي زيو دي موند- les yeux des monde” الفرنسي – ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)

 

اُبتليت اليمن منذ صيف العام 2014 بصراع دموي تداخلت فيه العديد من القضايا الدينية والمجتمعية والدولية, وهذا ما وضع الحركة الحوثية وهي طائفة شيعية تنحدر من المذهب الزيدي في طليعة القوات المناهضة للحكومة اليمنية والمتمثلة في الرئيس عبد ربه منصور هادي المعترف به من قبل المجتمع الدولي, فالفصيل الأول يتلقى الدعم من إيران، بينما يتلقى الفصيل الثاني الدعم من دول التحالف العربي المنضوية تحت راية المملكة العربية السعودية.

 

تعثر حرب ذات جبهات متعددة:

 

في أعقاب اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في العاصمة السويدية ستوكهولم في منتصف ديسمبر 2018، اعتمد مجلس الأمن في 17 يناير من العام التالي, قرار إنشاء بعثة الأمم المتحدة لدعم اتفاق الحديدة أحد أهم بنود اتفاق السويد, والهدف من ذلك هو تأمين الميناء الرئيسي في البلد والذي يمر عبره زهاء 85% من أجمالي المساعدات الغذائية والصحية و70% من الواردات.

 

ومع ذلك، لم ينسحب الحوثيون قط من مدينة الحديدة, حيث احتفظوا بالسيطرة على مناطق واسعة في الجهة الغربية والشمالية من البلد, حيث تقع العاصمة صنعاء المنطقة الأكثر اكتظاظاً بالسكان.

 

ومنذ ذلك الحين، تعثرت الحرب الدائرة في اليمن وتخللتها عدة محاولات بآت بالفشل لحل الصراع, حيث اندلعت حروب فرعية واستغلت الجماعات الجهادية الفوضى للحصول على موطئ قدم لها في هذا البلد.

 

وبحسب التقارير الصادرة عن هيئة الأمم المتحدة، فقد قتلت الحرب أكثر من 100 ألف شخص، من بينهم 12 ألف مدني، في حين شرد 80% من السكان والذين أصبحوا اليوم في حاجة ماسة إلى المساعدات الإنسانية.

 

وتوالت الأحداث المأساوية على هذا الجزء الفقير من العالم, حيث اتخذ الصراع منعطفاً جديداً في صيف العام 2019, حيث طالب الانفصاليون الجنوبيون المنضوين تحت راية المجلس الانتقالي الجنوبي والمتحالفين لفترة طويلة مع الحكومة، باستقلال جنوب اليمن، وذلك بفضل الدعم الذي توليه لهم دولة الإمارات العربية المتحدة.

 

ومن جانبها, عملت المملكة العربية السعودية من أجل الحوار, حيث آلت الأمور إلى توقيع اتفاقية الرياض في 5 نوفمبر من نفس العام, والتي نصت على تقاسم السلطة في الجنوب وعودة الرئيس من أرض المنفى، بيد أن هذه الاتفاقية عانت من تباطؤ شديد في عملية التنفيذ, وهكذا ساعد الانقسام الذي طال المعسكر المناهض للحوثيين والذي أدى بشكل خاص إلى إعلان دولة الإمارات الانسحاب الجزئي لقواتها على تعزيز معسكر التمرد الحوثي.

 

تجّذر الحركة الحوثية في معاقلهم الشمالية:

 

تدهورت الحالة في اليمن تدهوراً حاداً مرة أخرى في العام 2020, ففي 20 يناير الماضي، أدت الهجمات التي شنها الحوثيون بالصواريخ والطائرات بدون طيار على معسكر تابع للقوات الحكومي إلى تجدد العمليات القتال في مناطق صنعاء ومأرب والجوف, وفي 15 فبراير، تمكنت القوات الحوثية من إسقاط طائرة تابعة للتحالف في محافظة الجوف, كما تم استهداف منشآت النفط السعودية “أرامكو”  المطلة على البحر الأحمر في محافظة ينبع, في 21 من نفس الشهر.

 

وفي مطلع مارس، استولى الحوثيون على مدينة الحزم، عاصمة محافظة الجوف, والآن أصبحوا يسيطرون على جزء كبير من هذه المحافظة, كما يطوقون محافظة مأرب الغنية بالنفط, حيث سمح لهم هذا الصيد الثمين, بتأمين طرق الإمداد بين صنعاء ومعقلهم في محافظة صعدة, ويشكل فقدان السيطرة على هذه المحافظة الشمالية الإستراتيجية نكسة كبيرة بالنسبة للقوات الحكومية اليمنية.

 

وفي مواجهة خطر انتشار وباء كوفيد -19, أعلن التحالف العربي بقيادة الرياض في 9 أبريل, وقف إطلاق النار من جانب واحد لمدة أسبوعين, حيث رفضها الحوثيون باعتبارها “مناورة سياسية وإعلامية”, وفي 24 من نفس الشهر، مدد التحالف وقف إطلاق النار من جانب واحد لمدة شهر واحد.

 

وفي مواجهة الزيادة الكبيرة في عدد الوفيات التي شهدتها الأيام الأخيرة والزيادة في عدد المرضى، دقت المنظمات الدولية، بما فيها منظمة الصحة العالمية، أجراس الإنذار والخطر بشأن انتشار الوباء, فالأرقام هذه تكاد تكون معدومة أو أقل من الواقع.

 

وفي حين سجلت الحكومة رسمياً 128 حالة تلوث و20 حالة وفاة، إلا أن السلطة الحوثيين في صنعاء في حالة إنكار تام للمرض.

 

الانفصاليون والسعي وراء الحكم الذاتي للجنوب:

 

وعلى هذه الخلفية من الأزمة، أعلنت القوات الانفصالية التابعة لـ “للمجلس الانتقالي الجنوبي” في 26 أبريل, الحكم الذاتي لجنوب اليمن, إذ يجعل هذا الإعلان من اتفاقية الرياض الموقعة في نوفمبر 2019 باطلة ولاغية.

 

ومن جانبها, لم تعترف أبو ظبي، وهي من مؤيدي المجلس الانتقالي بشكلٍ رسمي, بهذا الإعلان “الحكم الذاتي”, وهذا قد يعكس رغبتها في عدم الدخول في مواجهة مع السعودية بشكلٍ مباشر, وردا على ذلك, ففي مطلع مايو المنصرم، شنت ميليشيات موالية للحكومة التابعة لحزب الإصلاح التابع لجماعة الإخوان المسلمين هجوما على الانفصاليين, حيث كان يهدف هذا الهجوم على السيطرة على مدينة زنجبار، عاصمة محافظة أبين، الواقعة شرق مدينة عدن, إن إعلان الحكم الذاتي هذا, ما هو إلا خطوة أخرى في الجريمة السياسية والمؤسسية في اليمن.

 

واليوم، لا يزال الرئيس اليمني هادي في المنفى في الرياض, كما لا تزال الحكومة اليمنية تنصاع وراء المملكة العربية السعودية سياسياً ومالياً وتزن القليل عسكرياً، مقارنة بالقوى الأخرى المعنية.

 

إن الجهات الفاعلة الإقليمية المشاركة في الحرب في اليمن لها مصالحها الخاصة وتلعب لعبة غامضة في بعض الأحيان,  ومن أجل التوصل إلى حل، سيتعين على جميع اللاعبين المشاركة في المفاوضات.

 

يبدو أن الحوثيون أقوى من أي وقت مضى في مواجهة التحالف وضعف القوات الحكومية.

 

هل ستساعد أزمة كوفيد-19 على إنهاء الصراع؟ إلا أن التطورات الأخيرة لا تسير في هذا الاتجاه, فاليمن اليوم بلد مقسم تماماً, وحتى لو انتهى الصراع، فمن المحتمل أن يكون من الصعب جداً إيجاد “يمن موحد” في يوم من الأيام.

 

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.