كوفيد -19 يعمق الأزمة في اليمن التي مزقتها الحرب
بقلم: هاريس زارجار
(صحيفة” ذا ميل اند جارديان The Mail & Guardian” افريقيا الجنوبية, ترجمة: انيسة معيض- سبأ)
تتجلى كارثة فيروس كورونا في اليمن التي دمرتها الحرب الأهلية منذ عام 2015, وقد أدت جائحة كوفيد 19, الآن إلى تفاقم الوضع بالنسبة لملايين الأشخاص في البلد التي تعاني المجاعة، حيث وان نظام الرعاية الصحية في الواقع منهار.
اليمن واحدة من أفقر دول العالم العربي، حيث تقع في الجزء الجنوبي لشبه الجزيرة العربية، وقد وقعت في حصار نتيجة للحرب الأهلية بين الحكومة المدعومة من السعودية ومقرها في عدن، ومنافسيها في الشمال، الحوثيين المتحالفين مع إيران.
لقد قُتل آلاف المدنيين وأصيب عشرات الآلاف نتيجة لمئات الغارات الجوية التي شنها التحالف بقيادة السعودية والإمارات والتي كانت تحاول استعادة السيطرة على المناطق التي استولى عليها الحوثيون.
ووفقاً للجنة وكالة المساعدة الدولية للإنقاذ, فإن الضربات الجوية التي لا هوادة فيها من قبل قوات التحالف قد قصفت بشكل عشوائي المنازل السكنية والأماكن العامة مثل المدارس والمرافق الصحية والأسواق، تاركة أثار الدمار الذي أدى إلى الحيلولة دون وصول الناس إلى الغذاء، والدواء والمياه النظيفة, وتمخض جراء ذلك الجوع وسوء التغذية والأمراض مثل الكوليرا في جميع أنحاء البلد، مما يجعلها واحدة من أشد الكوارث الإنسانية المستمرة في العالم, ويقال أن حوالي 80٪ من سكان اليمن بحاجة إلى الإغاثة والمساعدة الطارئة.
بعد تفشي مرض كوفيد-19, من المتوقع أن تزداد أزمة الرعاية الصحية سوءاً، مع تحذير وكالات الإغاثة من كارثة أخرى تلوح في الأفق على الكوارث الحالية، مما قد يؤدي إلى تفاقم أعداد حالات الوفيات.
لاحظت لجنة الإنقاذ الدولية أنه في العديد من البلدان المتضررة من الأزمات مثل اليمن والتي تعتبر فيها بيانات كوفيد 19, إما غير مكتملة أو غير متناسقة أو غائبة تماماً، فإن تتبع انتشار الفيروس، وخاصة بين الفئات الأكثر تعرضاً، هو أكثر صعوبة.
حذرت الأمم المتحدة في 22 مايو, من أن الوضع في اليمن “مقلق للغاية” وأن البلد “على شفا” كارثة إنسانية, وأشار المتحدث باسم مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، جينس ليرك، إلى أن “وكالات الإغاثة في اليمن تعمل على أساس الانتقال في جميع أنحاء البلد”.
في 10 أبريل، تم تأكيد أول حالة لكوفيد -19, في اليمن في محافظة حضرموت، مما أثار الذعر بين السكان المنغمسين في الصراع, ومن ثم تم الإبلاغ عن الحالات المصابة بالفيروس في 10 محافظات: عدن وحضرموت وتعز ولحج وأبين والمهرة وشبوة ومأرب والضالع ومدينة صنعاء.
قال ليرك إن اليمن أبلغ عن 184 حالة و 30 حالة وفاة، لكن “الحالات الفعلية أعلى من ذلك بكثير تقريباً”، مضيفاً: “إنهم يتحدثون عن الاضطرار إلى إعادة الناس لأنهم لا يملكون ما يكفي من الأكسجين [الطبي]، وليس لديهم ما يكفي من معدات الحماية الشخصية”.
المرض في المنزل
في العاصمة المؤقتة للبلد، عدن، أشارت منظمة أطباء بلا حدود إلى أن عدد حالات الوفاة الناجمة عن الفيروس كورونا في المركز الطبي الذي تديره في جنوب اليمن يؤكد أن “كارثة أوسع تتجلى ” في البلد, حيث استقبلت منظمة أطباء بلا حدود في عدن 173 مريضاً بين 30 أبريل و 17 مايو، مات منهم 68 على الأقل, وذكرت المنظمة أن العديد من المرضى الذين وصلوا إلى المركز يعانون بالفعل من متلازمة الضائقة التنفسية الحادة، مما يجعل من الصعب إنقاذ حياتهم، مما يشير إلى أن العديد من الأشخاص يعانون من المرض في المنزل.
قالت كارولين سيغوين، منسقة الطوارئ في منظمة أطباء بلا حدود في اليمن، في بيان: “ما نراه في مركز العلاج لدينا هو مجرد غيض من فيض من حيث عدد الحالات المصابة وحالات الوفاة في المدينة, يأتي الناس إلينا بعد فوات الأوان لإنقاذهم، ونحن نعلم أن الكثير من الناس لا يأتون على الإطلاق: إنهم يموتون في المنزل”.
أكدت الحكومة اليمنية المعترف بها من قبل الأمم المتحدة ومقرها في الجنوب, وجود 197 حالة إصابة في جميع أنحاء البلد، مع 33 حالة وفاة, لكن الحصيلة لا تشمل حالات مؤكدة في شمال البلد والتي تخضع لسيطرة
الحوثيين المتهمين بإخفاء حجم تفشي الفيروس التاجي عن طريق إخفاء أعداد الحالات وترهيب الصحفيين والأطباء.
وعلى عكس التقديرات الحكومية المنخفضة، أشارت منظمة إنقاذ الطفولة التي تتخذ من المملكة المتحدة مقراً لها والتي تعمل من عدن في وقت سابق إلى أن ما لا يقل عن 385 شخصاً في المدينة الساحلية لقوا حتفهم بسبب أعراض شبيهة بفيروس كورونا.
يتلقى ما يقدر بنحو تسعة ملايين شخص الخدمات الصحية في 189 مستشفى و 200 مركز رعاية صحية أولية في جميع أنحاء اليمن, لكن البيانات الجديدة التي نشرتها لجنة الإنقاذ الدولية تكشف أن اليمن لديها واحد من أدنى الأرقام لأجهزة الاختبارات، حتى بالمقارنة مع الدول الأخرى المتضررة من النزاع، حيث تمتلك 31 جهاز اختبار لكل مليون شخص, ويوجد في البلد حوالي 500 جهاز تهوية و 700 سرير لوحدة العناية المركزة وهناك 100 اسطوانة أكسجين شهريا لكل 2.5 مليون شخص.
انسحاب مجموعات الإغاثة
تعد اليمن موطناً لأكبر عملية إنسانية للأمم المتحدة، وتقدم ما قيمته 3.2 مليار دولار إلى ما يقدر بنحو 24 مليون شخص يعتقد أنهم بحاجة إلى المساعدة في البلد, لكن نقص التمويل يجبر وكالاتها والمنظمات غير الحكومية الشريكة على تقليص عملها هذا العام, ويُعتقد أن الأمم المتحدة سحبت أكثر من نصف موظفيها الدوليين المتبقين من عاصمة اليمن لحمايتهم, وبحسب ما ورد غادر حوالي 100 من موظفي الأمم المتحدة البلد في الفترة مابين 12 – 17 مايو، مما انقص عدد موظفي الأمم المتحدة الأجانب في العاصمة إلى حوالي 60, من أصل 158.
اتهم جيمس كليفرلي، وزير الخارجية البريطاني لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا،
الحوثيين بوقف تسجيل حالات الفيروس التاجي وتعريض حياة ملايين اليمنيين للخطر من خلال تأجيج الصراع بعدوانهم المستمر، على الرغم من الدعوات العالمية لهدنة لمعالجة تفشي مرض كوفيد 19.
كتب في “ذا ناشيونال”: “من دواعي القلق الشديد أن بعض الزعماء اليمنيين تخلوا عن مسؤولياتهم وسعوا لاستخدام الأزمة لخدمة أجنداتهم الخاصة الضيقة”.
أشار كليفرلي إلى وجود “قيود لا داعي لها” في جميع أنحاء البلد على المساعدات الإنسانية الدولية تلك القيود التي تمنع وصول المساعدات إلى من هم في أمس الحاجة إليها, وقال : “في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، هذه القيود شديدة لدرجة أنها تمنع إيصال المساعدات إلى ملايين الأشخاص المحتاجين”.
في عام 2015, بدأت المملكة العربية السعودية وحلفاؤها تدخلاً عسكرياً في اليمن كجزء من محاولة لإقصاء الحوثيين وإعادة الرئيس السابق عبد ربه منصور هادي إلى السلطة.
تشير التقديرات إلى مقتل 100.000 شخص في اليمن منذ أوائل عام 2016, وكان هناك أكثر من 1100 ضحية مدنية نتيجة النزاع في العام الماضي وحده، مع نزوح 3.6 مليون نتيجة الحرب.
ووفقاً لليونيسف، فأن أكثر من 50٪ من الناس في اليمن لا يحصلون على المياه الصالحة للشرب ويعاني أكثر من مليوني طفل وامرأة حامل من سوء التغذية الحاد
لم يتوقف إطلاق النار
في أبريل من هذا العام، مدد التحالف الذي تقوده السعودية وقف إطلاق النار من جانب واحد في اليمن لمدة شهر واحد لدعم الجهود المبذولة لاحتواء جائحة الفيروس التاجي، على الرغم من رفض الحوثيين وقف إطلاق النار الذي استمر أسبوعين والذي أعلنه التحالف العسكري.
وبعد إعلان وقف إطلاق النار، أبلغ مبعوث الأمم المتحدة الخاص لليمن، مارتن غريفيث، مجلس الأمن الدولي بالتقدم المحرز نحو هدنة في المحادثات المغلقة بين السعوديين والحوثيين، مع توقع اتفاق في المستقبل القريب.
وقال غريفيث إن العامل المحفز للسلام هو الفيروس.. مشيراً إلى أن اليمن “لا يمكن أن تواجه جبهتين في نفس الوقت: حرب وجائحة”.
وفقًا لمجلس اللاجئين النرويجي، على الرغم من الدعوات العالمية لوقف العنف خلال وباء فيروس كورونا، استمرت الغارات الجوية بقيادة السعودية في اليمن، مع قيام أطراف أخرى أيضاً بعمليات مسلحة أدت إلى نزوح 24.000 الف شخص منذ 23 مارس, وأكدت المنظمة أنه مع تفشي حالات جديدة من الاصابة بـ [الفيروس التاجي] بسرعة، فإن اليمن يتجه نحو كارثة في خضم كارثة.
ومما يزيد من تفاقم الأزمة، فأن منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (الفاو) لاحظت أن اليمن الذي هو بالفعل على حافة المجاعة، يمكن أن يواجه نقصا “كارثيا” في الغذاء بسبب مشاكل الإمداد التي يعيقها تفشي وباء فيروس كورونا, وقال مساعد المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة عبد السلام ولد أحمد في بيان “النظام الصحي [في اليمن] كان يعاني بالفعل من ضغوط شديدة وستتضاعف الضغوط عليه الآن إذا استمر فيروس كورونا في الانتشار”.
وفي تقرير آخر، لاحظت هيومن رايتس ووتش ومقرها نيويورك أن موجة القتال مؤخراً في اليمن هددت الملايين من النازحين الذين هم في مخيمات نزوح مكتظة بشكل خطير مع وجود الرعاية الصحية المتدنية وعدم الوصول بما يكفي إلى المياه النظيفة والصرف الصحي وغير ذلك من الخدمات الضرورية الأساسية.
أكدت الباحثة اليمنية في منظمة هيومن رايتس ووتش، أفراح ناصر، “بالنظر إلى الأزمة الإنسانية الحالية في اليمن والنظام الصحي المتدهور والتهديد الوشيك بحدوث تفشي وباء الكوليرا، يواجه النازحون في مأرب الآن التهديد المزدوج المتمثل في تجدد القتال وانتشار غير متحكم به لفيروس خطير “.
خلص مقال نشر في المجلة الطبية الرائدة The Lancet إلى أنه بالنظر إلى الوضع الإنساني والصراع داخل اليمن، فإن تأثير وباء كوفيد 19 يمكن أن يكون “كارثياً”، مؤكداً أن الوضع الهش والسلطات المجزأة في البلد كانت تمثل تحديات رئيسية تعوق تنفيذ اللوائح الصحية الدولية والتشريعات والسياسات ذات الصلة أثناء تفشي الأمراض, وأضافت أن “اليمن يعاني من نقاط ضعف هيكلية تطورت على مدى فترة طويلة من الصراع وسوء الحكم وكان نظامه الصحي هو الأكثر معانا, ولمنع الانهيار التام للنظام الصحي الهش في البلد, يجب على الحكومة والمجتمع الدولي أن يعمل بشكل أكثر حسما.
مع عدم احتمال توقف الفصائل المتحاربة في اليمن عن القتال، يظل الوضع في البلد قاتماً.
إن انتشار الفيروس التاجي على نطاق واسع ستكون له عواقب وخيمة على هذه الدولة الفقيرة التي تعاني بالفعل مما وصفته الأمم المتحدة بأنها أسوأ أزمة إنسانية في العالم.
*هاريس زارجار صحفي من كشمير الخاضعة لسيطرة الهند يكتب عن نقاط تقاطع السياسة والصراع والأمن البشري, وقد عمل كمراسل سياسي في نيودلهي حاصل على شهادات في الصحافة ودراسات التنمية.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.