روسيا والبرازيل واليمن، ثلاث دول يتم فيها التقليل من شأن كوفيد -19
بقلم: فرانسوا بروسو
السياسية:
ترجمة: أسماء بجاش-سبأ
بلغ عدد حالات التلوث بالفيروس التاجي المستجد في 21 مايو، 5 ملايين حالة في جميع أنحاء العالم، في حين حصد الوباء أرواح زهاء 330 ألف شخص, وهذه الأرقام هي الحد الأدنى المطلق، وربما الأقل من الواقع.
وهنا نسلط الضوء على العديد من التفسيرات، من ثلاثة بلدان تقدم أمثلة تختلف عن الأرقام الحقيقية والرسمية: روسيا والبرازيل واليمن.
إذ يمكن أن تتفاوت الأسباب التي تجعل الإحصاءات الواردة من هذه البلدان لا تقول الحقيقة بشكلٍ كامل – بل ومضللة – كما يكون هناك تفاوت كبيرا بين الإخفاء وعدم القدرة على العد الموضوعي والآثار الضارة للسياسة.
معدل وفيات منخفض بشكل يدعو للشك في روسيا:
لدى روسيا أرقام هامة عن الوباء, 318 ألف حالة تلوث رسمية وحوالي 3,100 حالة وفاة حتى 21 مايو.
كما أن قدرات الكشف عن المرض والعلاج أعلى من تلك الموجودة في بلدان مثل اليمن وسوريا, فالاتحاد السوفييتي كان يتباهى ذات يوم، وليس بدون مبالغة، بوجود أفضل نظام صحي في العالم.
وبعد شهري مارس وأبريل, كانت الحالات المبلغ عنها نادرة نسبياً، ولاسيما في مدينتي موسكو وسانت بطرسبرغ، بيد أن شهر مايو شهد ارتفاع معدل الإصابة بصورة هائلة, في جمهورية داغستان, التي لطالما عانت بالفعل جراء الحكم السوفياتي, حيث أن النظام الصحي فيها يعاني من تدهور كبير.
في بادئ الأمر، كان فلاديمير بوتين يحب أن يتباهى بمعدل الوفيات المنخفض للغاية في روسيا، وهو أقل من 1%! لكن عدداً قليلاً من الأطباء والمعارضين المحليين سرعان ما اتهموا السلطات بالتستر وإخفاء الحقيقة, فعلى سبيل المثال، سجلات الوفاة المرتبطة بوباء كوفيد-19, غالبا ما يتم حذفها، وبدلاً من ذلك، تم إدراج سبب الوفاة تحت بند مشاكل في الجهاز التنفسي، والالتهاب الرئوي، وما إلى ذلك, وهذا على الرغم من أن السبب الحقيقي للوفاة كان تفشي الفيروس التاجي في أجساد المتوفين.
وفي مطلع مايو، أظهرت استطلاعات وتحقيقات نشرتها صحف مثل “فايننشال تايمز” و”نيويورك تايمز” أن عدد القتلى الفعلي في روسيا قد يتضاعف إلى ثلاثة أضعاف الأرقام الرسمية المعلنة, حيث تم دراسة التناقض بين أرقام الوفيات الرسمية لجائحة كوفيد -19, وما يسمى بالوفيات الزائدة العامة مقارنة مع الوفيات المسجلة في مارس وأبريل 2020 بالأشهر المقابلة لها من عامي 2019 أو 2018، عندما لم يكن الوباء قد وجد.
ونتيجة لذلك، وعلى عكس ما حدث في كيبيك، حيث كان سجل الوفيات الفعلية لكوفيد-19, صارماً بل ولا هوادة فيه, ولا يوجد تقريباً أي فارق بين الوفيات الزائدة عموماً في هذه الفترة والوفيات التي تعزى إلى جائحة كوفيد-19, وبالتالي فإن الفجوة كبيرة في روسيا.
وقد تبين أنه في أبريل 2020 في العاصمة موسكو، لم يتم تسجيل 70% من أجمالي وفيات الفيروس التاجي في سجلات الإحصاءات الرسمية, وبالنسبة لبقية الأراضي الروسية، سوف تصل هذه النسبة حتى 80%, لذلك كان سيتم فقط اظهار ربع أو ثلث العدد الفعلي للوفيات الناجمة عن وباء كوفيد-19.
أسباب سياسية:
ويمكن أن تكون هناك أيضا، بطبيعة الحال، أسباب سياسية للتستر عن الوضع الحقيقي الحاصل, فعلى سبيل المثال، روسيا بلد لا تتمتع فيه السلطات الإقليمية – المعينة وغير المنتخبة – بحكم ذاتي قوي, حيث تعتمد بشكل كبير على الحكومة المركزية, ولذلك فهم يميلون إلى قول ما تريد موسكو سماعه, وإذا جاءت النتائج سيئة من منطقة ما، فإن الحاكم المعني قد يواجه المشاكل, فالخوف والإذعان للقيصر يعود إلى الوراء مسافة طويلة في هذا البلد.
وفي الآونة الأخيرة، وبعد شهري مارس وأبريل, عندما كان الرئيس بوتين منتصراً، مشيراً إلى أن روسيا كانت الأفضل بصورة كبيرة مقارنة مع الدول الأوروبية الفقيرة، وذلك بعد أن تغيرت الأمور في شهر مايو.
في الأسابيع الأخيرة، بدا الرئيس أكثر تجهماً, بعد أن حرم من إحياء الذكرى الخامسة والسبعين لانتهاء الحرب في الساحة الحمراء, “إنه يُزوّر ظهوره… ومن قبيل الصدفة، يرسل الآن الكرة مرة أخرى إلى المناطق!”
ضعف البنية التحتية وإنكار الرئيس في البرازيل:
الرئيس البرازيلي جير بولسونارو يحيي مؤيديه خلال مظاهرة مناهضة للاحتواء في 17 مايو 2020 في برازيليا/ رويترز / تصوير: أدريانو ماتشادو
في البرازيل، مزيج من السياسة (الصراع بين الرئاسة والمناطق، بين الرئيس ووزرائه) وضعف البنية التحتية، وهذا ما يفسر الدراما الحاصلة في البلد.
ينفي الرئيس جير بولسونارو حجم الوباء وأهميته, وهذا قصر النظر الطوعي, له أثر حقيقي في تأجيج الوباء.
وعلى الرغم من أنه شوهد أحياناً وهو يرتدي قناع وقائي، إلا أن الرئيس يرفض مبدأ الابتعاد الاجتماعي، لدرجة أنه يدفع حتى ثمن الحمامات الجماعية.
وعلى غرار الرئيس دونالد ترامب في الولايات المتحدة الامريكية، يطالب بولسونارو بإعادة تشغيل سريع للاقتصادي، بغض النظر عن التعليمات الاحترازية ومشورة وزرائه, ونتيجة لهذا التعنت, فقد استقالا للتو وزيران للصحة ، واحدا تلو الآخر.
ومع ذلك، فإن البرازيل تنزف جراء جائحة كوفيد -19, مع العديد من الفاشيات الأخرى (في الأمازون وفي ولاية ساو باولو)، وقصص الرعب: المقابر الجماعية، ونظام الصحة العامة الذي عفا عليه الزمن في بعض المناطق.
شخصيات مخيفة:
يتم نشر تقييمات لحجم الوباء في الصحافة البرازيلية، ولكن هذه التقديرات يجب أن تؤخذ بحبة ملح, وبحسب هذه التقديرات، ينبغي أن يتضاعف عدد الحالات بخمس أو حتى عشر حالات.
رسمياً، كان هناك 292 ألف حالة في 21 مايو، وعدد الوفيات بمقدار حالتين أو ثلاث حالات, وها نحن نرى أن العدد الرسمي للحالات في البرازيل وروسيا مماثل, ما يزيد قليلاً على 300 ألف حالة ولكن عدد الوفيات مختلف جداً: 20 ألف حالة في البرازيل، مقارنة بـ 3100 حالة في روسيا.
وفي كلتا الحالتين، الأسباب مختلفة، ويتم التقليل من حجم المأساة, فالرئيس بوتين يخفي، في حين أن الرئيس بولسونارو في حالة إنكار والحالة البرازيلية أقرب إلى الحالة الولايات المتحدة.
الارتباك والدمار ونقص الموارد في اليمن:
سكان يمنيون يسيرون في أحد شوارع مدينة عدن وهي مدينة ساحلية في جنوب البلد، في 17 مايو 2020/ أ ف ب/ تصوير: نبيل حسن
المحطة الأخيرة، هذه المرة في اليمن الواقع في جنوب شبه الجزيرة العربية، فهذا البلد دمرته حرب استمرت خمس سنوات, حيث تقودها من بين دول أخرى، الجارة الشمالية لليمن, والمتمثلة بالمملكة العربية السعودية، بعد أن قامت بشن حملة قصف ضد الحوثيين المدعومين من إيران.
هذا البلد كان بالفعل، قبل الحرب، فقيراً جداً، مع بنية تحتية ضعيفة, وبالإضافة إلى ذلك، وجدت العديد من الأوبئة الأخرى مثل الكوليرا، وكذلك حمى الضنك والملاريا وشيكونغونيا- شيكونغونيا مرض يتعرض المصاب به عادةً إلى حمى أولية مفاجئة من يومين إلى 7 أيام ويتعرض لآلام تدوم لأسابيع أو أشهور وحتى سنوات- في هذا الجزء من العالم بيئة خصبة ومواتية للانتشار, قبل وصول جائحة كوفيد -19 إليها.
وبالرغم من كل هذه الأسباب وغيرها، فإن كوفيد -19, موجود، ولكن هناك عدة عوامل تحول دون رؤيته, لذلك لدينا سبب وجيه جداً للتشكيك في الأرقام الرسمية الصادرة والبالغة ـ 184 حالة تلوث و30 حالة وفاة, تم الإبلاغ عنها في 21 مايو على موقع جامعة جونز هوبكنز.
ما الذي يمنعك من رؤية الحقيقة؟
أولا، لدينا طرق قليلة جدا للاختبار, ثانيا، لا يوجد وباء واحد فحسب، بل هناك وباء واحد يتداخل لطمس جميع المسارات, كما عملت الكوليرا وحمى الضنك والملاريا على إنهاك المستشفيات والمرافق الصحية المدمرة بالفعل بسبب القصف السعودي المستمر منذ أواخر مارس من العام 2015.
هذه الحرب معقدة، مع جبهات متعددة, فاليمن بلد مجزأ من الناحية السياسية مع عدد كبير من الجهات الفاعلة، وليس مجرد حكومة مركزية ستواجه حرب عصابات موحدة, ومن شأن هذا النوع من الصراع أن يسمح، على سبيل المثال، بهدنة, ومن شأن ذلك أيضا أن يتيح إمكانية أفضل للوصول والفحص الأفضل و توفير فرصة رعاية أفضل, لكن الصراع اليمني ليس كذلك.
سجلت أولى الحالات الرسمية للكوفيد -19 في عدن، المدينة الساحلية الرئيسية في الجنوب, في شهر مايو, ولكن في نهاية الشهر، أعلن أفراد الميليشيات المحلية الحكم الذاتي للمناطق الجنوبية.
وفي الجنوب والشرق، لا تزال هناك حرب أخرى، مع الانفصاليين وتنظيم القاعدة وشركائهم.
ففي اليمن، يتربص الموت بالسكان في كل مكان, حيث أودت العمليات القتالية بشكل مباشر أو غير مباشر عشرات الآلاف من السكان على مدى السنوات الخمس الماضية ودمرت البنية التحتية الأساسية.
وفي مثل هذا السياق، ماذا يمكن أن يعني البحث عن الأرقام الحقيقية للضحايا كوفيد -19 بالنسبة لامرأة يمنية وأطفالها الثلاثة الجياع الذين يحملون كل هذا على ظهرهم؟
سجلت مدينة عدن، في 16 مايو وحده، بحسب وكالة الصحافة الفرنسية، نقلاً عن السلطات المحلية، أكثر من 80 حالة وفاة بسبب أوبئة مختلفة, ومن الواضح أن الوفيات الناجمة عن الأمراض مهمة, ولكن بسبب عدم القدرة على الاختبار، ليس من المعروف ما إذا كان وباء شيكونغونيا، أو الملاريا أو كوفيد -19, هي التي قتلت هؤلاء الناس.
لذا إليك سيناريو آخر: بلد دمرته الحرب، بدون موارد، حيث السياق العام فيه مأساوي للغاية، فالأرقام لا تحكي القصة كاملة ولا تعني الكثير بعد الآن, فهذه الأمثلة الثلاثة تتحدث عن نفسها, وقد تختلف التفسيرات للتناقضات, ولكن عندما تقرأ أنه بالنسبة للعالم كله، هناك رسميا خمسة ملايين حالة تلوث جراء جائحة كوفيد -19 و 330 ألف حالة وفاة, يجب أن ينظر إليها على أنها الحد الأدنى، وربما أقل بكثير من الواقع.
* موقع “هيئة الإذاعة الكندية” ici.radio-canada- الكندي
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.