السياسية : رصد

 

الكاتب: يارا حسن – سلام العبيدي

سكان موسكو يتحدون الخوف ويزورون مهرجان “الساحة الحمراء” للكتاب المقام في الهواء الطلق، والعنوان الابرز لنشاطات هذا العام هو أمير الشعراء الروس الكسندر بوشكين.

 

التعطش للغذاء الروحي اجتاز حاجز الخوف من فيروس “كورونا”. موسكو تتحدى الوباء وتنظم مهرجان “الساحة الحمراء” للكتاب. نعم، في قلب العاصمة الروسية، وفِي ساحتها المركزية، تقام أكبر فعالية ثقافية في البلاد، ومن يدري، ربما في العالم بأسره.

 

مهرجان “الساحة الحمراء” للكتاب ينظم للعام السادس على التوالي بجوار أسوار الكرملين. لكن الفريد هذه المرة تقاطع الزمان والمكان والمناسبة: الزمان – “كورونا”، والمكان – “الساحة الحمراء”، والمناسبة – “ميلاد أمير شعراء روسيا الكسندر بوشكين”. كل هذه التقاطعات تركت بصماتها على المهرجان.

 

لقد صاحب المهرجان إجراءات وقائية واحترازية شديدة: ما ان تصل إلى مدخل الساحة الحمراء حتى يتعين عليك أن تصطف في أحد الادوار التي تنظمها الشرطة بحرص كبير على الالتزام بالتباعد الاجتماعي بين شخص وآخر. ثم يتم فحص رموز الاستجابة السريعة (QR-Code) التي يجب الحصول عليها مسبقاً عبر الموقع الخاص بالمهرجان. كما يمنع الدخول كل من هو فوق ال 65 من عمره وكذلك الأطفال دون سن السابعة، وكل من لا يضع كمامات واقية وقفازات طبية.

 

ويقول المنظمون إن المهرجان تم تنظيمه وفقاً لجميع قواعد الصحة والوقاية من الاوبئة: الالتزام بالتباعد الاجتماعي، تطهير الموقع والتحكم بالوصول. وهذا من شأنه تسهيل تنظيم “عيد كتاب” حقيقي لرفع الحالة المزاجية للبلد بأكمله، بعد أن سئم سكانه وملوا بالفعل من التزام المنازل.

 

عن انطباعاتها عن المهرجان تقول الطبيبة “آلّا” التي ابتاعت كمية كبيرة من الكتب: “أنا بنفسي طبيبة، وأرى أن الاجراءات جيدة جداً، والجميع يلتزم بها. لدي عائلة نهمة في القراءة وجئت لاشتري مخزوناً جديداً من الكتب لأطفالي وأهلي”.

 

وكانت الحكومة الروسية قد قدمت بالفعل “إسعافات أولية” لقطاع الطباعة والنشر من خلال إدراج قطاع نشر الكتب في قائمة القطاعات الأكثر تضرراً من وباء “كورونا”.

 

بدوره وعد نائب رئيس “الوكالة الفيدرالية للصحافة والإعلام الجماهيري” فلاديمير غريغورييف، بأن المشاركين في المهرجان وضيوفه سوف يستمتعون بماراثون أدبي فريد من نوعه، وسيكون ذلك دعماً قوياً آخر للكتّابِ والناشرين، الذين تأثروا بشكل كبير بالأزمة المادية التي تسبب بها الوباء.

هكذا، وفي الساحة الحمراء التي تحتضن المهرجان تضيع بين الاجنحة والخيم البيضاء المصفوفة بتناسق، ولكل جناح اسم وتعريف بمحتوياته بدءاً بالادب الروسي، مروراً بالادب العالمي، وتعريجاً على الخيال العلمي، وانتهاءً بقصص الاطفال والمجلات المصورة (كوميكس).

 

وكانت لافتة أعداد الزوار الذين توافدوا على المهرجان،رغم تعمد المنظمين ضبط هذه الاعداد، مما يوحي بالتعطش لاقتناء كتب جديدة بشكل يدوي ومباشر في حدث اجتماعي وثقافي كهذا، وليس من خلال التفاعل عن بعد عبر الانترنت.

 

وبالمناسبة فإن تظاهرة ثقافية جماهيرية بهذا الحجم تحصل للمرة الاولى منذ حوالي ثلاثة أشهر عملياً. وفي فترة العزل الاجتماعي، في “زمن كورونا”، نتذكر شعر المتنبي الذي قال: “خير جليس في الزمان كتاب”.

 

ويشتهر الشعب الروسي بأنه أحد أكثر الشعوب قراءة. ووفق منظمة “اليونسكو”، فإن روسيا تحتل المرتبة الرابعة عالمياً بين الدول الاكثر نشراً للكتب (نهم موروث من الماضي: الاتحاد السوفييتي السابق كان الاول عالمياً)، وهذا ما يفسر الماراثون الأدبي المتواصل حتى في ظل الظروف الحالية.

أما في مهرجان “الساحة الحمراء” فإن أكثر من 200 ناشر يعرضون أفضل المطبوعات للضيوف والقراء. وكل دار نشر شغلت جناحاً، تتنافس لعرض كتبها وجذب الزائرين مع تقديم شرح مفصل. وجوه مبتسمة ومتشوقة للقاء القراء تجيب على أسئلة الرواد، ومنهم داريا روبلوفا ممثلة دار “ريبول كلاسيك” للنشر التي قالت للميادين الثقافية “في البداية ترددنا كثيراً في الانضمام لهذا الحدث، لكن بعد ان رأينا اجراءات الامان والصحة الصارمة التي اتخذها المنظمون، حيث تم فحص كل مشارك للتأكد من عدم اصابته بالفيروس، سارعنا الى احضار احدث اصداراتنا وجئنا لملاقاة قراءنا”.

 

وتدرج على برنامج المهرجان نشاطات عديدة كمشاركة أهم الكتاب والشعراء في مناقشات حول إصداراتهم، بالاضافة إلى تقديم كتبهم الجديدة. لكن العنوان الابرز لنشاطات هذا العام هو أمير الشعراء الروس الكسندر بوشكين الذي افتتح المهرجان في يوم ميلاده الحادي والعشرين بعد المئتين.

 

المهرجان متاح لأصغر القراء أيضاً، حيث خصصت أقسام عدة لقصص الاطفال ومجلاتهم، بالاضافة إلى برنامج تعليمي منفصل بمشاركة أشهر مؤلفي كتب الأطفال.

وتقول الطفلة ألينا، إنها تأتي كل عام مع والدتها لأنها تحب قصص الخيال العلمي، بينما تؤكد والدتها: “حضرت انا وابنتي من دون خوف، نتبع قواعد السلامة كما يفعل الجميع، كما ان ابنتي فوق سن السابعة مما يسمح لها بحضور المهرجان”.

وهكذا أصبح المهرجان “العلامة الأولى” للخروج التدريجي من العزل الاجتماعي العام. 

 

ومما لا شك فيه ان هذا الحدث الأدبي في روسيا سيعطي جرعة من الحرية للمؤلفين والشعراء والكتاب، حيث سيمكنهم مرة أخرى من التحدث إلى الجمهور، وسيشحنهم سحر الساحة الحمراء بطاقة إضافية.

 

المصدر :الميادين نت