هل تحتاج اسرائيل بالفعل الى السعودية؟
بقلم: توفيق رباحي
السياسية:
ترجمة: نجاة نور- سبأ
لن يختلف أي شخصان في أن المملكة العربية السعودية قد تجد لديها كل شيء وأي شيء باستثناء الحريات المدنية, وبالتالي، سيكون من الخطأ الكبير أن نعتقد للحظة أن الصحفيين السعوديين ونشطاء وسائل التواصل الاجتماعي الذين يتسابقون لإهانة الفلسطينيين ويسعون إلى صداقة إسرائيل, يقومون بذلك وفقاً لإرادتهم الحرة ويستفيدون من التغييرات المزعومة التي تحدث في المملكة.
السعودية سجن ضخم لجميع أشكال الحريات, وسيستغرق التخلص من هذا السجن عقوداً إذا بدأ اليوم عمل حقيقي وحسن النية.
أولئك الذين يتشاركون في دور الإطراء لإسرائيل ولعن فلسطين والفلسطينيين يفعلون ذلك بدافع الجشع والرغبة في الفوائد الفورية والإشباع المادي.
قد تكون هناك فوائد أخلاقية خلف هذا التصرف، ولكن في الأغلب ليس إلا إرضاء بسيط للحاكم المتهور من أجل جذب انتباهه.
أولئك الذين يراقبون المشهد السعودي، حتى قبل انتشار وسائل التواصل الاجتماعي، يعرفون أن الليبرالية على الطريقة السعودية اقتصرت على حفنة من الصحفيين الذين يصفون أنفسهم بأنهم متمردون ضد الركود والظلام الذي يجتاح بلادهم.
هؤلاء الناس يعيشون في عواصم أوروبية ويعيشون أسلوب حياة غربي، لكن ليبراليتهم، حتى عندما تكون مفرطة، لم تصل إلى حد لعن الفلسطينيين علنا ومغازلة إسرائيل بطريقة غير مسبوقة ومخزية تخرج من قلب الرياض خلال هذه الفترة.
الموقف السعودي الحقيقي تجاه فلسطين غير مفهوم, إنها حقيقة، أن الخطاب الدبلوماسي المعلن يحتضن ويدافع عن القضية الفلسطينية بقوة مثل الدول العربية الأخرى من الخليج إلى المحيط الأطلسي.
ومع ذلك، كل هذا للاستهلاك العام والدولي, ففي الواقع، كان هناك وجه غير مرئي للسياسة السعودية تجاه فلسطين منذ عام 1948, وهذا الوجه متروك لمحكمة التاريخ، ولكن هناك العديد من النقاط غير الواضحة وعلامات الاستفهام المحيطة به.
يتطلب منا الصدق والشرف أن نقول أن السعودية ليست وحدها في مسألة الوجه الخفي الذي تحول إلى دعم إسرائيل، لأن الحكومات العربية الأخرى لديها قصصها الخاصة التي لم يتم الكشف عنها بعد، بل قد يكون بعضها مخزياً.
ومع ذلك، لم يسبق لأي دولة عربية أن تجرأت – ولا حتى أولئك الذين قاموا بتطبيع العلاقات مع إسرائيل – على التصرف كأن شيء لم يكن وتنمية العلاقات الودية مع إسرائيل وإهانة الفلسطينيين كما فعلت السعودية منذ شهور.
القادة السعوديون الذين يقودون جوقة التطبيع يشبهون الراحل الليبي معمر القذافي في استفزازه وتهوره تجاه الفلسطينيين لدرجة أنه في بعض الأحيان التبس علية الأمر بشأن ما يريده منهم.
أولئك الذين في الرياض يحلمون بأن التطبيع مع إسرائيل سيمحي تاريخهم من الخطايا والظلم ويبقي أبواب الود مع واشنطن مفتوحة مهما كانت الظروف، حيث وصلوا إلى السوق متأخرين ليقدموا بضائع قليلة ورخيصة.
لم يعد التطبيع على الطريقة السعودية موضة دارجة في الحالي ولم تعد إسرائيل بحاجة إليه لأن الزمن تغير والواقع أنها لم تستفد كثيراً من التجارب السابقة.
إذا كان التطبيع الحكومي، مدعوماً بدفعة إعلامية وثقافية، قد أفاد إسرائيل بالفعل، لكانت تحصد الآن فوائد التطبيع مع مصر والأردن.
وهذا ما لم تفهمه السعودية عندما سمحت لنشطاءها المتهورين بتحقير واهانة كل شيء فلسطيني دون خجل.
لم تعد إسرائيل بحاجة إلى الحكومات العربية كما كانت تفعل في الماضي, إنها تعلم أن التطبيع كما حدث مع مصر (بعد أكثر من 40 عاماً) والأردن (بعد أكثر من ربع قرن) مفيد نفسياً وإعلامياً فقط ؛ ومناسباً للاستخدام في المناسبات العامة وجداول الأعمال السياسية الداخلية والدليل هو أنه بعد كل هذه العقود من التطبيع، لا تزال مجموعة سياحية إسرائيلية لا تجرؤ على التجوال بحرية في شوارع القاهرة أو عمان.
وتعلم إسرائيل أيضاً أن هذا التطبيع يصطدم برفض عربي عميق الجذور للدولة الاسرائيلية، حتى لو تمكنت من التطبيع مع جميع الحكومات العربية دون استثناء.
لذلك يبقى على إسرائيل أن تفهم أن هذا الرفض المتجذر في العقل الباطن العربي لا ينكسر ولا يتأثر من قبل النخب الإعلامية والثقافية التي ليس لها مصداقية وتتواطأ مع الحكام ضد شعبهم.
في حالة السعودية، فإن جهود التطبيع شكلاً ومضموناً تبدو سخيفة, فأولئك الذين أمروا بهذه الحملة الإعلامية والثقافية المكثفة يتصرفون مثل الأحمق الذي يخصي نفسه لينتقم من زوجته.
إن الادعاء بأن الفلسطينيين ناكرين للجميل ويكرهون السعودية، واستخدام ذلك كذريعة للإشادة بغولدا مئير ومدح إسرائيل أمر مثير للشفقة.
القضية الفلسطينية لم تكن أبداً حصراً قضية محمود عباس أو حكومته، كما لم تكن يوماً قضية حماس أو أي فصيل ديني أو اجتماعي أو سياسي.
الجزء المحزن في هذه المهزلة هو تزامن حملة التشهير المنظم والبذائة مع حملة اعتقال وإساءة للفلسطينيين الذين عاشوا في السعودية لعقود ونشأوا هناك.
فالبعض في السجن والبعض الأخر نزح، بينما الأكثر حظا ما زالوا طليقين ولكنهم يعلمون أنها ليست سوى مسألة وقت قبل أن يتم القبض عليهم أيضا.
لا يوجد جدل حول حق الحكام السعوديين في التخطيط لمستقبل أقل ظلاماً لشعوبهم, ومع ذلك، فإن مستقبل جميع الشعوب لا يبنى على الكراهية القائمة على أعداء خياليين.
إن عدو السعودية اليوم هو التخلف وليس الفلسطينيين, المشكلة هي العقم الاقتصادي وعرقلة الآفاق وليس القضية الفلسطينية, ما لم يفهم حكام السعودية ذلك، فإن جهودهم ستذهب سدى.
* صحيفة “ميدل ايست مينتور”
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.