مع إعلان الانفصاليين الحكم الذاتي في عدن، تتطلع السعودية إلى الوصول لإستراتيجية خروج من اليمن
الغى إعلان الحكم الذاتي الذي اعلنه الانفصاليين اليمنيين اتفاق الرياض لوقف إطلاق النار الذي تم مؤخراً في اليمن، فيما تنزلق البلد بعيداً عن قبضة الرياض ويهدد الفيروس التاجي بابتلاع ما تبقى منه.
بقلم: تسفي باريل
ترجمة: نجاة نور – سبأ
نشأت “دولة” جديدة على أرض اليمن, بعد أن استولى المجلس الانتقالي الجنوبي، بقيادة الحاكم السابق لمحافظة عدن عيدروس الزبيدي على المباني الحكومية والبنك المركزي في المدينة الساحلية، وأعلن الحكم الذاتي في المناطق الجنوبية من البلد، في طريقه إلى إنشاء دولة جنوب اليمن.
كما وقد ألغى الإعلان فعلياً اتفاق وقف إطلاق النار الموقع في نوفمبر الماضي بين الحكومة اليمنية المعترف بها برئاسة عبد ربه منصور هادي والمجلس الانفصالي.
تم توقيع الاتفاقية تحت رعاية المملكة العربية السعودية التي دعمت القوات المحلية قبل خمس سنوات لمحاربة حركة الحوثيين المرتبطة بإيران في اليمن, لكن الآن لم يعد لدى السعودية سيطرة سياسية قابلة للتطبيق على التطورات في اليمن.
في غضون ذلك، أدركت الولايات المتحدة، التي لم تضيع أي وقت في “الإعراب عن القلق” بشأن الخطوة الأخيرة، أن الجهود المبذولة للحد من النفوذ الإيراني في اليمن ينحسر, كما يلوح في الأفق نذير شؤم ألا وهو وباء فيروس كورونا، الذي لم ينتشر بعد بكامل قوته في اليمن، ولكن في ظل الوضع الجديد سيكون من الصعب القضاء عليه عندما يتفشى.
التطلعات الانفصالية لـ 26 دائرة ممثلة في المجلس الانتقالي الجنوبي ليست جديدة, فمنذ توحيد اليمن في عام 1990, تحت قيادة علي عبد الله صالح، تم استبعاد الجنوب من مراكز الحكومة ومن الجيش ومن تمويل الدولة، على الرغم من أن معظم حقول النفط في البلد تقع في جنوب.
عندما شن الحوثيون في الشمال، حربهم ضد الحكومة اليمنية التي تأسست بعد اضطرابات الربيع العربي- التي أطاحت بنظام صالح الذي استمر لفترة طويلة كرئيس وخلفه عبد ربة منصور هادي في عام 2012 – وافقت القبائل الجنوبية على الانضمام للحملة ضد الحوثيين، لكنهم طالبوا بمكافآت سياسية وموازنة في المقابل, ولكن ذلك لم يتحقق بالفعل.
في عام 2015, أنشأ ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان وحاكم الإمارات تحالفاً عربياً لمحاربة معاقل إيران في اليمن- بالتعاون مع الميليشيات التي تدعم الحكومة في عدن والجيش- مما أدى إلى إطلاق حملة دامية واسعة لقي فيها أكثر من 100 ألف شخص حتفهم جراء القتال و المرض والجوع, لكن التعاون العسكري ضد عدو مشترك لم يمنع اندلاع الخلافات القديمة أو حل الخلافات الاستراتيجية بين الرياض وأبوظبي.
وفي حين سعت السعودية لتشكيل دولة يمنية موحدة، ستتمكن من السيطرة عليها من بعيد، دعمت الإمارات الانفصاليين بهدف تعزيز حكمهم في جنوب اليمن وفي مضيق باب المندب الاستراتيجي.
بعد ذلك، قامت الإمارات- بعد تعرضها لقصف صاروخي من الحوثيين وخوفاً من أن تصبح أيضاً مثل السعودية هدفاً مستمراً- بإعادة النظر في سياستها وشددت علاقاتها مع طهران وسحبت معظم قواتها من اليمن.
السعوديون الذين وجدوا أنفسهم بمفردهم تقريباً، بحثوا عن مخرج من الأعمال العدائية التي لا تنتهي، حيث أظهرت الحرب ضعفهم العسكري مرة أخرى- على الرغم من أنهم كانوا مجهزين بأسلحة وذخائر أمريكية الصنع.
وبعد حوالي خمس سنوات من القتال، كان من الواضح أن قوات التحالف غير قادرة على إخضاع الحوثيين، على الرغم من أن الرياض كانت تأمل في الأصل في القضاء عليهم في غضون أسابيع قليلة.
ونتيجة لذلك، وجدت السعودية والرئيس الأمريكي دونالد ترامب نفسيهما في مواجهة مع الكونغرس الأمريكي، الذي حمل ولي العهد مسؤولية قتل الآلاف من اليمنيين وكذلك قتل الصحفي والمعارض للنظام السعودي جمال خاشقجي.
تحويل الموارد:
تحول الصدع العميق بين المجلس الانتقالي الجنوبي والحكومة المعترف بها من صدام سياسي إلى صدام عسكري.
أصبح الأمر أكثر سخونة عندما قرر الرئيس اليمني الذي يعيش في السعودية بعيداً عن بلده، إقالة زعيم الميليشيات الجنوبية، عيدروس الزبيدي، من منصبه كمحافظ لمحافظة عدن، مدعيا، على ما يبدو، أن الزبيدي كان ينوي الانقلاب علية.
وفي عام 2016 ، أعلن الزبيدي الذي يعيش في دبي الآن, عن نيته إنشاء هيئة سياسية مستقلة وقطع علاقته بالحكومة اليمنية المركزية.
في أبريل 2017, بعد تنفيذ الخطوة، تم السيطرة على القصر الرئاسي واعتقل الرئيس الذي لم يُفرج عنه إلا بعد تدخل السعودية والإمارات .
لكن المواجهات بين الطرفين لم تتوقف, ففي نوفمبر الماضي، برعاية الرياض تم التوقيع على اتفاقية لوقف إطلاق النار بين القوات الحكومية والمجلس الانفصالي, حيث نصت الاتفاقية على تشكيل حكومة مشتركة وعد فيها الانفصاليون الجنوبيون بالمساواة من حيث عدد الوزراء وميزانية الدولة.
في ذلك الوقت، بدا أن الاتفاق يرسم خارطة طريق قبلها الجانبان, يمكن أن تؤدي إلى وقف طويل الأمد للأعمال القتالية وتوسيع الأفق السياسي.
قبل كل شيء، كان يُعتقد أن الاتفاقية يمكن أن تمنح السعودية طريق للهروب من المستنقع اليمني, بيد ان الأعمال العدائية لم تتوقف في الأشهر التي تلت توقيع الاتفاقية, والواقع يشير الى أن العملية السياسية في الوقت الحالي التي تشارك فيها الأمم المتحدة أيضا وصلت إلى طريق مسدود.
بعد تفكك ما اعتبر اتفاقاً سخياً، لم يعد لدى السعودية الكثير من الذخائر في ترسانتها لتقديمة للانفصاليين، مقابل الانضمام إلى الحكومة المعترف بها.
علاوة على ذلك، توقفت الإمارات عن دفع رواتب المقاتلين في الجنوب، وهي تنأى بنفسها عن الساحة اليمنية.
وفي المقابل، ففي حين أن الحوثيون وإيران ينظرون إلى إعلان الحكم الذاتي الجنوبي الاخير على أنه فرصة.
بدون احتمال صدور قرار عسكري، ومع تزايد انقسام الرياض وأبو ظبي، أمام الحوثيين خيارين:
– توسيع هجماتهم العسكرية في جنوب اليمن من أجل الاستيلاء على عدن والمناطق النفطية.
– التوصل إلى اتفاق بشأن وقف النار والتعاون الحكومي مع السلطات اليمنية وهي خطوة بدأت الرياض تروج لها مؤخراً تحت الضغط الأمريكي, فقبل حوالي أسبوعين، أعلنت السعودية والإمارات وقفاً شاملاً لإطلاق النار، في الوقت الذي بدءوا فيه في مكافحة جائحة فيروس كورونا الذي اصبح متفشياً بشكل خطير.
ومع ذلك، أظهر الحوثيون القليل من الحماس تجاه الإعلان، مطالبين بالمزيد والمزيد من التنازلات من الرياض مقابل توقيع وقف إطلاق نار جديد.
وفي هذه الأثناء، يستمر القتال على الأرض وتجد منظمات الإغاثة صعوبة في الوصول إلى المحتاجين للطعام والأدوية والخدمات الصحية الضئيلة.
التدخل الدولي، الذي كان محدوداً في البداية توقف تماماً لأنه تم تحويل الموارد إلى الكفاح الدولي ضد فيروس كورونا.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.
* صحيفة “هآرتس” الإسرائيلية –