السياسية : نجيب هبة

هل تنجح المحاولات المستمرة للوصول بأفغانستان إلى بر الأمان وتحقيق السلام المنشود؟ أم أن العراقيل التي تظهر من وقت إلى آخر في طريق تنفيذ اتفاق السلام – الذي وقع نهاية فبراير الماضي بين طالبان و واشنطن – ستؤدي إلى تأخيره وتكون لها كلمة أخرى؟ وهل فعلا يطل الشيطان من نافذة التفاصيل؟

فقد رفضت حركة طالبان دعوة الحكومة الأفغانية لوقف إطلاق النار خلال شهر رمضان، مشيرة إلى أن أي هدنة “غير منطقية”..

ونسبت وكالة الصحافة الفرنسية إلى الناطق باسم طالبان سهيل شاهين انتقاده عرض الحكومة.. لافتا إلى أن الخلافات المستمرة بشأن عملية السلام وتأخر تبادل الأسرى يعتبران من أسباب مواصلة القتال.

وقال “طلب وقف النار غير منطقي وغير مقنع”.. واتهم الحكومة بوضع حياة السجناء على المحك خلال الوباء.

وناشد الرئيس الأفغاني أشرف غني المسلحين بإلقاء سلاحهم خلال شهر رمضان الذي بدأ الجمعة في وقت تكافح السلطات الانتشار المتزايد لوباء كورونا.

من جهته دعا حلف شمال الأطلسي حركة طالبان إلى خفض أعمال العنف في أفغانستان والعودة عن قرارها.. وجاء في بيان مشترك لدول حلف الأطلسي أن “المستوى الحالي للعنف جراء عمليات طالبان غير مقبول، ندعو بإلحاح حركة طالبان لخفض العنف”.. حسب مانقلته الوكالة الفرنسية.

من جانبها تبدي واشنطن خشية على اتفاقها مع طالبان وتحاول جاهدة تبديد العقبات من أمام تنفيذه حيث اجتمع مؤخرا المبعوث الأميركي الخاص زلماي خليل زاد والجنرال سكوت ميلر قائد القوات الأمريكية وقوات حلف شمال الأطلسي في أفغانستان في العاصمة القطرية الدوحة مع وفد من الحركة برئاسة الملا عبد الغني بارادار، وبحث الجانبان تفعيل خطوات تنفيذ الاتفاق.

وكان الخلاف بشأن الإفراج عن السجناء وزيادة الهجمات من جانب طالبان وقضايا أخرى قد جمد الجهود لإنهاء أطول الحروب الأميركية وعقود من الصراع في أفغانستان.

ففي هذا الإطار اتهمت حركة طالبان الأسبوع الماضي الحكومة الأفغانية بالمسؤولية عن تأخر تنفيذ اتفاق الدوحة لرفضها الإفراج عن معتقلي الحركة.. وحمّل متحدث المكتب السياسي للحركة سهيل شاهين حكومة كابل مسؤولية عرقلة تطبيق الاتفاق، وذلك بعدم التزامها بإطلاق سراح خمسة آلاف معتقل من منتسبي الحركة في العاشر من مارس الماضي حسبما نصّ عليه الاتفاق.

كما اتهمت طالبان الولايات المتحدة بانتهاك الاتفاق من خلال دعم عمليات لقوات الأمن الأفغانية في بعض مناطق البلاد، وحذرت من أن “أي دعم من هذا النوع سيعرض الاتفاق للخطر”.

وتأتي الجولة الأخيرة من الاتهامات المتبادلة بعد مقتل العشرات من أفراد قوات الأمن الأفغانية ومسلحي حركة طالبان في موجة جديدة من العنف خلال الأسابيع الماضية.

وفي إطار الاتفاق، كان من المفترض أن تكون الحكومة الأفغانية ومسلحو طالبان قد نفذوا عملية تبادل للأسرى واستهلوا محادثات تهدف إلى التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار.

ولكن استمرار العنف والهجمات بين الأطراف المتعددة يعد سبباً آخر مهم من أسباب عرقلة تنفيذ اتفاق الدوحة ومؤشرا على أن الوصول إلى السلام ليس بالأمر السهل على الأقل في هذه المرحلة التي تبدو فيها خيوط اللعبة أكثر تشابكاً في أفغانستان.

وماتم خلال الأيام الماضية يعد جزءا بسيطا من عملية تبادل الأسرى المفترضة.. حيث أفرجت كابل عن نحو 550 من سجناء حركة طالبان، في حين أطلقت الحركة سراح 60 فقط من معتقلي الحكومة.

وينص اتفاق الدوحة على تخفيض عدد القوات الأمريكية من نحو 13 ألفا إلى 8600 عسكري في غضون 135 يوما.

ويدعو الاتفاق إلى الإفراج عن نحو خمسة آلاف محتجز من طالبان وحوالي ألف أسير من الحكومة، تمهيدا لبدء مفاوضات سلام كان من المفترض إجراؤها في 10 مارس الماضي بين الحركة ووفد أفغاني يضم مسؤولين من حكومة كابل.

ورغم أن هذا الاتفاق من الناحية العملية قد حسم الحرب مبدئيا لصالح حركة طالبان التي حصلت على شرطها بسحب القوات الأميركية من أفغانستان مقابل تعهدها بعدم السماح لأي تحركات معادية للأميركيين وحلفائهم.. إلا أن محللين اعتبروه فرصة تاريخية لإحلال السلام في البلد الذي عصفت به الحروب لنحو 20 عاما.. وسيساهم تطبيقه كذلك في تعزيز الأمن الاقليمي والعالمي.

ويبدو أن الاتفاق قد رمى الكرة إلى ملعب الأفغانيين أنفسهم وأصبح مستقبل بلادهم في أيديهم بعد أن مهد أمامهم الطريق لنقلها إلى السلام الشامل والمستدام.. فهل سيلتقطون هذه الفرصة التاريخية ويحققون الأمن والأمان لأفغانستان أم أن للتفاصيل التي يكمن فيها الشيطان رأي مختلف؟!