السياسية :نصر القريطي

 

لم تكن الرياض لتتجرأ على اتخاذ خطوةٍ نحو الأمام في طريق التلاعب بحصص اسواق الطاقة المتفاهم عليها عالمياً لو لم تحصل على الضوء الاخضر من واشنطن لذلك..

لطالما كان هناك توافق دوليٌ حتى بين الاعداء بجعل “منظمة اوبك” شوكة الميزان لوضع استراتيجيات تحديد حجم انتاج النفط العالمي وسعره حتى في اشد اوقات انخفاضه..

الجديد اليوم هو التهور السعودي المدفوع أمريكياً لخوض حرب “معركة كسر العظم” في سوق النفط العالمية التي قال عنها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن بلاده قادرةٌ على التعامل مع الأسعار الحالية للنفط عند مستوى (30 دولاراً للبرميل) لمدة عشرة أعوام كاملة دون أن يكون لها أثرٌ كبيرٌ على الاقتصاد الروسي وفق ما نقلت عنه وكالة “انتر فاكس الروسية”.

تحاول الرياض اظهار رغبتها في خوض هذه الحرب الاقتصادية مع موسكو في سوق النفط العالميه وليس ذاك فحسب بل إن السعودية تسعى لأن تظهر للجميع بأنها عقدت العزم على خوض هذه المعركة التي تبدو خاسرةً بالنسبة لها دون تراجع..

تنقل “وكالة رويترز” للأنباء عن وزير النفط السعودي تصريحاً قال فيه بأنه “لا مبرر لعقد اجتماعات تظهر فشلنا في القيام بما هو مطلوب وتبني الإجراءات الضرورية” في إشارةٍ إلى حوار سعوديٍّ روسيٍّ محتمل تحت مظلة الـ”أوبك”..

موسكو ردت سريعاً بالتأكيد على ان كل قيود الإنتاج الروسية المرتبطة بالاتفاق مع أوبك ستُرفع اعتبارا من مطلع أبريل المقبل الأمر الذي يضع البلدين فيما يمكن وصفه بـ”الحرب المفتوحة” على الحصص في السوق العالمية..

بعمل قراءةٍ سريعةٍ على من هو صاحب الحظوظ الأكثر للفوز بهذه “المعركة الاقتصادية الخطرة” فإن ما كشفت عنه الصحافة العالمية عن توجهٍ سعودي لخفض سعر البرميل الواحد ليصل إلى أدنى حدوده بحوالي “أثني عشر دولاراً” فإن الرياض هي الخاسر الأكبر في هذه المعركة خصوصاً أن العجز في الميزانية السعودية لهذا العام هو الأكبر في تاريخ المملكة..

ينقل تقريرٌ مطولٌ لصحيفة الـ“وول ستريت جورنال” الأمريكية عن خبراء في الاقتصاد الدولي تأكيدهم بأن السيطرة على العجز في الميزانية السعودية لهذا العام يتطلب أن لا يقل سعر برميل النفط في حسابات الموازنة عن ثمانين دولاراً..

فيما تؤكد روسيا بأن الخطوة السعودية الإماراتية لإغراق الأسواق العالمية بالنفط بعيداً عن نظام المحاصصة الذي تتبعه “أوبك” لن تؤثر عليها كثيراً خصوصاً وموسكو تتوقع مثل هذه الخطوة منذ فترةٍ لا بأس بها بسبب تقلب السياسات الدولية السعودية منذ صعود الملك الجديد وولي عهده المثير للجدل..

تحاول واشنطن الذي تقود حرب اسعار النفط ضد موسكو من خلف الكواليس ان تبقي الحرب في حدودها الآمنة كي لا يخرج فيها اطراف الصراع عن السيطرة لذا فقد اجرى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب اتصالاً هاتفياً ببن سلمان لمناقشة التطورات على هذا الصعيد فيما أوعز لوزير خزانته بالاتصال بالسفير الروسي في واشنطن للتأكيد على ضرورة ان تظل اسواق الطاقة منظمةً في حدها الأدنى على الأقل.

تتهم موسكو الرياض بالتسبب في انهيار أسعار النفط بسبب طرح أسعار أرامكو إضافةً لتقارير زيادة الانتاج.. فيما تتهم السعودية روسيا برفض التعاون لتخفيض الانتاج والتسبب في رفع اسعار النفط العالمية..

ختاماً: وبعيداً عن الاوراق والأسلحة والضغوط التي سيستخدمها كل معسكرٍ للفوز بمعركة التلاعب بـ”انتاج وأسعار النفط” فان ما يجب ان يركز عليه الجميع هو الاجابة على اهم تساؤلٍ تفرزه هذه الحرب التي لم تعد باردة وهو “من هو  المستفيد من هذه الحرب الخطرة ومن يقف وراء اذكاءها..!”

وإن كانت واشنطن هي المستفيد الأكبر من هذه المعركة التي سيخسر فيها الجميع فهل تتوقع أن تكون بمنأى عنها..

الشهور القادمة كفيلةٌ بالإجابة على هذه التساؤلات التي يبدو فيها الجميع واثقاً من الفوز ومتجاهلاً لفداحة هذه الخسارة..!