أحمد يحيى الديلمي

التقيته بالصدفة دكتور جامعي ، نزح مع زوجته وأولاده الثلاثة من عدن إلى صنعاء الصدر الدافئ لكل اليمنيين من أين ما كان موطنهم وكيف ما كانت وجهتهم السياسية ، صنعاء العاصمة التاريخية لليمن تحتضن الجميع تستقبلهم بكل محبة ومودة باعتبارها قلب اليمن النابض عاصمة الحضارات المتعاقبة والثقافات المختلفة ، التي شهدت أول معالم البناء الحضاري في العالم ليس على مستوى المنطقة بل في الكرة الأرضية ، وتاريخها محفور في رفوف الذاكرة الإنسانية ، إذ يكفي أن هذه المدينة العظيمة كانت مضرب المثل من قبل الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وكبار الصحابة بأعتبارها الحاضرة الوحيدة للوجود البشري الكثيف والمدينة الضاربة في أعماق التاريخ .

المهم أن الرجل كان في غاية السعادة يتحدث عن الأمن والاسقترار الموجود في صنعاء مقابل الأوضاع السيئة التي عاشها في عدن ، وكيف أنه ضاق ذرعاً بالحياة بالذات بناته اللاتي أضطررن للانقطاع عن الجامعة بسبب الأضطرابات الأمنية ووجود العصابات المسلحة التي تتصدى لإذاء الفتيات بأسم الدين دفاعاً عنه .

هذه الصورة الجميلة اختتمها بالحديث عن مشهد يسيء جداً إلى عظمة المدينة وتاريخها العريق ، قال أنه اشترى قطعة أرض صغيرة بعد أن قرر فعلاً البقاء في صنعاء لأنه ألف الوجوه والحياة والناس وأصبح يعيش  أفضل مما كان يعيش في مسقط رأسه عدن ، لكن وكما يقال “المليح لا يُكتمل” بمجرد أن دفع قيمة الأرض وبدأ بتسويرها تهافتت عليه عصابات المافيا التي تمرست في موضوع السطو على الأراضي وافتعال المشاكل من أجل الحصول على المال ، قال كل يوم يظهر لي غريم وإلى جانبه مجموعة من المسلحين ، معظمهم في الأخير يكتفوا بطلب قليل من المال ، والحقيقة أن الجهات الأمنية والنيابة تفاعلت معي إلا أن الإجراءات بطيئة جداً نتيجة وجود ثغرات في القانون تتعلق بما يسمى بجمع الاستدلالات ، بينما العصابات لا تعرف هذا الشأن تستمر في السطو قادمة من مناطق ومسميات مختلفة قامت بتسوير الأرضية وأنا أشاهد بأم عيني وجهات الاختصاص مشغولة بجمع الاستدلالات وأنا كرجل قانون درست القانون بشقيه السماوي والوضعي أستغرب جداً أن يتم التعامل مع مثل هذه العصابات بهذا الأسلوب ، المطلوب إيقاف مثل هذه الممارسات المسيئة ، خاصة حينما تمتد الآثام إلى أروقة القضاء ونجد أن عصابة من العصابات تحتمي بقاضي معروف كان له دور في القضاء ، فالمطلوب في هذه الحالة اعتبار أي سطو أو اعتداء مسلح من قبل أي جماعة اعتداء على مكانة الدولة واستهداف مباشر لهيبتها ، وعلى جهات الاختصاص أن تتصدى للمعتدين وتقوم بضبطهم وإنزال العقاب عليهم حتى وإن كان لهم حق فإن مجرد إقدامهم واعتدائهم على الأرض بهذا الأسلوب إخلال بالقانون وإقلال للسكينة العامة ، وكم من القضايا قد حدثت في هذا الجانب وسار ضحيتها مساكين عابرين في الشارع لا ناقة لهم ولا جمل ، نتيجة تبادل إطلاق النار بين عصابتين مسلحتين ما يجعل الأمر في غاية الخطورة ، يلوث الوجه الناصع والبريء لصنعاء وأبنائها ويضع الدولة في مآزق كبيرة .

مع أن الأمر سهل إذا وجدت الإجراءات الرادعة لمثل هذه الأعمال الغير سوية ، فالبعض قد يراها صغيرة لكنها ليست كذلك ، كونها تمس أمن واستقرار الناس وحياتهم الخاصة ، والدولة يجب أن تكون راعية للجميع والقضاء بوابة العدل ومنع الظلم وإيقاف الظالم عند حده ، وإذا سلمنا بهذه الثقافة وتحولت إلى قاعدة مرعية فإن صنعاء ستحافظ على نقائها وكبريائها وعظمة أبنائها واتساع صدورهم لأخوانهم من كل محافظات اليمن ، فأنا عندما أتجول في صنعاء وألاحظّ البشاشة في الوجوه أحس بأني في اليمن فعلاً ولم  أبرح مسقط رأسي ، بل أن ما أجده هنا يبدو أكثر ألفة ومحبة مما أجده في مسقط رأسي ، وأنا في هذه الحالة أطلق صرخة كبيرة أرجو أن تصل إلى كل المسئولين المعنيين بالأمن والقضاء في الأمانة ، خاصة في المناطق المحيطة بصنعاء التي أزدهرت فيها تجارة الأراضي وأصبح الناس يتهافتون عليها وإذا تطورت الحالة وأصبحت مكفولة فإن الأمور ستتحسن وستكون أكثر حيوية ، أنا لا أتحدث عن أرضيتي الصغيرة فلقد أنتهى أمرها أضطررت إلى شرائها ثلاث مرات ، لكني أتحدث عن مآساة الكثيرين ممن عانوا ويعانوا من هذه المشاكل الغير سوية ، والمطلوب فقط إظهار هيبة الدولة وقولة فعلها تجاه بعض الوجاهات المتنفذة التي أجدها أكثر خطر من العدو القابع في مرابض القتال .

أقول في الأخير.. صنعاء هي وجه اليمن وعاصمته التاريخية وملاذ كل اليمنيين وهذا ما أثبتته الأحداث الأخيرة ، حافظوا عليها وأمنعوا هذه العصابات المسلحة من السطو والاستيلاء بالقوة على أراضي الغير ، يجب أن يكون للقضاء كلمته وأن يكون نزيه في إحقاق الحق وإزهاق الباطل ، هذه صرخة إلى كل ذي بصيرة وكل إنسان يألف صنعاء ويتخذها سكناً له ، لأن الصمت سيترك في مثل هذه الأعمال عاقبة وخيمة.. والله من وراء القصد ..