الأزمة الليبية وغياب الحل.. من اتفاق الصخيرات إلى مؤتمر برلين
"يتقاتل الليبيون على وهم السيطرة على المساحات الجغرافية هنا وهناك واجتمع العالم في برلين للحفاظ على مصالحه في ليبيا".
السياسية – خالد الحداء:
يكاد العالم أن ينخرط في الصراع الليبي بصورة مباشرة أو غير مباشرة، هذا هو الحال في ليبيا بعد تسع سنوات من ثورة 17 فبراير 2011، التي أطاحت بنظام معمر القذافي، حيث تسعى مختلف الأطراف الإقليمية والدولية للحفاظ على ديمومة الصراع العسكري والسياسي بهدف الحفاظ على ما يعتقد بأنها مصالح استراتيجية في ليبيا، وما أن تسود التهدئة في المواجهات العسكرية هنا أو هناك إلا ويعقبها حسابات الربح والخسارة من مختلف الأطراف، وبالتالي يسعى من يعتقد أن مصالحته أصبحت مهددة إلى إشعال المعارك مجددا مستفيدا من حالة الانقسام الداخلي القائم في ليبيا، ولذلك من الطبيعي أن يوصف الصراع في ليبيا بكونه حرب بالوكالة لصالح قوى إقليمية ودولية.
اتفاق الصخيرات الحل المتاح
نجحت الأمم المتحدة في جمع طرفي الصراع في ليبيا بعد اكثر من عام على اطلاق ما يسمى بـ “عملية الكرامة” بقيادة اللواء خليفة حفتر، وكانت مدينة الصخيرات المغربية شاهدة على اتفاقية المصالحة التي وقع عليها من قبل ممثلين عن الطرفين في 17 ديسمبر 2015.
شمل الاتفاق على تشكيل حكومة للوفاق الوطني، ومجلس النواب (الذي احتفظ بمجلس النواب الموجود في برقة) والمجلس الأعلى للدولة (برئاسة أحد أعضاء المؤتمر الوطني العام الجديد في طرابلس)، وتم التوافق على اختيار فايز السراج كرئيس للمجلس الرئاسي في ليبيا تحت مسمى حكومة الوفاق الوطني، وتسلم منصبه رسمياً في مارس 2016.
وعلى الرغم من أهمية اتفاق الصخيرات إلا أن المجريات على الأرض لم تتغير كثيرا، حافظ الطرفان على بقاء الوضع كما هو دون تغيير يذكر، حكومة الوفاق الوطني في طرابلس المعترف بها دوليا التي تشكلت بناءً على اتفاق الطرفين، وحكومة أخرى في طبرق التي تحالفت مع اللواء خليفة حفتر.
رغم الاتفاق المنصوص عليه بين الطرفين لتشكيل حكومة وفاق برئاسة فايز السراج، إلا أن قوات اللواء حفتر استمرت في شن حملتها العسكرية في مدينة بنغازي وبحلول يوليو 2017 سيطرت قوات حفتر على المدينة، لم تتوقف القوات عند السيطرة على أهم مدن الشرق ولكنها شنت هجوما كاسحا على سبها بداية 2019، أدى لسيطرته على المدينة وانسحاب قوات حكومة الوفاق.
ومع تعثر تنفيذ اتفاق الصخيرات وغياب تام لأي تسوية سياسية وعسكرية تحقن دماء الشعب الليبي تصاعدت المواجهات إلى أن وصلت للعاصمة في ابريل 2019، بهدف انهاء وجود حكومة الوفاق الوطني، سيطرت قوات حفتر الموالية لحكومة طبرق على مدينة غريان جنوب العاصمة، بالمقابل أطلقت حكومة السراج معركة مضادة اسمتها “بركان الغضب” للدفاع عن العاصمة، ولتستمر المعارك ما بين كر وفر بين الجانبين في العاصمة طرابلس ومحيطها إلى يومنا هذا.
مؤتمر برلين والمخاوف الأوروبية
سارعت الدبلوماسية الالمانية إلى الدعوة إلى عقد مؤتمر دولي بشأن الأزمة الليبية، وعملت برلين على حشد ابرز الفاعلين الدوليين والإقليميين في الأزمة الليبية، والهدف المعلن هو البحث عن مخرج للأزمة المستعرة في هذا البلد الممزق بالصراعات والانقسامات والتي زادت من حدتها التدخلات الخارجية وتضارب المصالح بين العديد من الدول.
وينظر لمؤتمر برلين بإيجابية كونه يمثل فرصة جديدة لاختراق جدار الأزمة الليبية المعقدة، بعد أن عجز المجتمع الدولي في إيقاف الحرب المستعرة، يضاف إلى ما سبق أن الاتحاد الاوروبي اصبح اكثر قناعة أن تفاقم الأزمة الليبية وخروجها عن السيطرة قد يجر الويلات على القارة الاوروبية من خلال تسارع موجات المهاجرين إلى أراضيها عبر السواحل الليبية المواجهة للقارة الأوروبية، بالمقابل ينظر العديد من المراقبين لمؤتمر برلين بأنه لم يكن معدا له الإعداد المناسب الذي يسهم في ايجاد الحلول القابلة للتنفيذ، وقد وجهة للمؤتمر العديد من الانتقادات في مقدمتها :
* طرفي الصراع في ليبيا لم يكونا جزءا من فعاليات المؤتمر حيث ذكرت المستشارة الألمانية انغيلا ميركل بأن هناك الكثير من الخلافات ما بين الطرفين وهما لم يكونا جزءا من المؤتمر ولكن تواجدهما في برلين بهدف أعلامهما بالمحادثات!
* سعى الألمان إلى مضاعفة الجهود، بدعم أوروبي، في محاولة لقطع الطريق على التدخل التركي والروسي، الذي يتعارض مع المصالح الأوربية، في الشأن الليبي، خاصة وأن اتفاق وقف إطلاق النار المعلن منذ 12 يناير كان برعاية تركية روسية وهو ما اعُتبر محاولة لسحب البساط من تحت أقدام الألمان و الأوروبيين.
* غياب بعض دول الجوار بالشأن الليبي شكل علامة استفهام كبيرة، حيث اعتذرت تونس عن المشاركة بعد تأخر وصول الدعوة، فيما تم تجاوز المغرب على الرغم من الدور الايجابي الذي لعبته في اتفاق الصخيرات.
وعلى الرغم من أن نتائج قمة برلين قد حددت الحل في ثلاث مسارات سياسي وعسكري واقتصادي، إلا أن الأخبار، أثناء وبعد المؤتمر، تشير إلى أن طبول الحرب ما زالت تقرع من خلال تجدد المعارك في العاصمة طرابلس وبالتالي لا سلام في الافق وأن ليبيا مقبلة على موجه جديدة من الصراع قد تكون أشد من ما سبقها، ولا جديد في التأكيد أن الصراع في ليبيا سوف يستمر خلال المرحلة القادمة خاصة وأن الصراع القائم اصبح ذات أبعاد يتعدى المحلية إلى الإقليمية والدولية.
المستقبل وسيناريوهات الصراع :
السيناريو الأول/
يمتلك اللواء خليفة حفتر الكثير من الخبرة في إدارة الصراع العسكري مع خصومه، مستعينا بخلفيته العسكرية وخبرته الممتدة لأكثر من نصف قرن، وهو ما أكسبه القدرة على تشكيل التحالفات مع المليشيات القبلية والقوى المختلفة في الشرق والجنوب وصولا إلى العاصمة والغرب الليبي، وكان للدعم الكبير الذي تلقاه، ومازال، من قبل داعميه في الخارج وفي مقدمتهم فرنسا ومصر والإمارات والسعودية إلى جانب روسيا التي أظهرت دعما مباشر “وإن لم يكن معلنا” هكذا دعم سوف يدفع حفتر الذي يسيطر على نحو 90% من الأراضي الليبية إلى تشديد الخناق على العاصمة طرابلس على أمل إحداث شرخا متسارع ما بين الجماعات الداعمة لحكومة الوفاق، من خلال تقديم الامتيازات والاغراءات المتنوعة لتلك الجماعة بهدف ترك المعركة في العاصمة ومحيطها، وبالتالي سقوط حكومة الوفاق عمليا وسيطرة قوات حفتر على كامل التراب الليبي.
وما يعزز هذا السيناريو أخفاق حكومة الوفاق منذ وصولها في مارس 2016 إلى العاصمة طرابلس في بسط سيطرتها على العديد من المناطق ومن ضمنها العاصمة، التي عانت من عدم الاستقرار خلال السنوات الماضية نتيجة عدم سيطرة السراج على الفصائل والمليشيات الداعمة لحكومته.
السيناريو الثاني/
بقاء الدعم الدولي لحكومة فائر السراج واعتبار بقائها ضروريا للحفاظ على مدنية السلطة القائمة في مواجهة نظام عسكري جديد، خليفة حفتر، من جهة أخرى استمرار الدعم التركي الكبير، سياسيا وعسكريا، لحكومة الوفاق والذي احدث تأثيرا إيجابيا في موازين القوى، خاصة بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية ومعاهدة التعاون ما بين الطرفين، وهو ما يسهم في اعادة التوازن لحكومة السراج وقواته في مواجهة قوات اللواء حفتر.
وبالتالي تعقيد الوضع العسكري في ليبيا وصعوبة الحسم لأي طرف وهو ما قد يمضى بالصراع نحو استمرار المعارك على تخوم العاصمة طرابلس لفترات زمنية قد تمتد لسنوات قادمة، وهو ما يفاقم الوضع الإنساني ويدفع بالملايين للنزوح بعيدا عن مناطق الاشتباكات وصولا إلى تدفق موجات بشرية كبيرة باتجاه القارة الاوروبية، ومع استحالة الحسم العسكري وتصاعد الضغوط الدولية على الفرقاء المحليين وداعميهم يُمكن التوصل إلى تسوية سياسية شاملة وقيام حكومة تمثل مختلف الفرقاء في ليبيا.
ختاما
” يتقاتل الليبيون على وهم السيطرة على المساحات الجغرافية هنا وهناك واجتمع العالم في برلين للحفاظ على مصالحه في ليبيا “.
على الرغم من هذه الحقيقية إلا أن من التسطيح بمكان أن يصنف الصراع في ليبيا اليوم بأنه صراع إقليمي ودولي فقط، ولكن ما يجب التأكيد عليه أن الصراع والتنافس في بُعده الدولي والإقليمي لم يكن أن يجد له موطئ قدم على الأرض في حال كان هناك توافق ليبي داخلي في حده الادنى، وعليه : يجب على الليبيون إدراك حقيقة الصراع الداخلي وعن مدى ارتباطه بوجود العديد من الرؤى والتوجهات في مجموعة من القضايا البارزة وفي مقدمتها مدنية الدولة ومستقبل الإقاليم والفيدرالية، ولعل ما يؤرق فعلا أن ميراث الفترة التي أعقبت ثورة 17 فبراير يثير الكثير من التوجسات والمخاوف من قبل بعض الأطراف الليبية، وقد يكون هذا تحديدا هو سبب القبول باستدعاء الخارج، وللخروج من هذا المأزق لا بد حوار ليبي داخلي لوضع المعالجات المناسبة للوصول إلى سلام مجتمعي يشمل مختلف المكونات الليبية.