السياسية – نصر القريطي:
دعت السلطة الوطنية الفلسطينية الجامعة العربية للانعقاد على المستوى الوزاري بصورةٍ طارئة السبت في جلسةٍ سيحضرها “الرئيس الفلسطيني” محمود عباس كأول تحركٍ فلسطيني على المستوى العربي بعد الإعلان الأمريكي الرسمي عن ما باتت تعرف بـ”صفقة القرن.
قد يكون من الطبيعي بل المفترض ان يلجأ الفلسطينيون لمحيطهم العربي في مثل هذا التوقيت الحرج من تاريخ “القضية الفلسطينية” الذي وصفه كثيرٌ من المراقبين بانه “المرحلة التكميلية” من “وعد بلفور” المشؤوم.
وبعيداً عن استجابة الدول العربية لهذه الدعوة أو محاولة “إجهاضها” فإن هناك تساؤلات لابد من طرحها قبل مناقشة خطوة “الاستنجاد الفلسطيني” بالحضن العربي المنقسم الضعيف الذي تسوده الصراعات وتعدد الأقطاب والولاءات.
هل من الصواب لجوء الفلسطينيين “سلطةً ومقاومة” للجامعة العربية على الرغم من الوضع العربي الجمعي الذي يمر بأسوأ حالاته في التاريخ الحديث..!
هل يجب ان يقفز الفلسطينيون فوق ما آلت اليه أوضاع الكثير من الدول العربية بعد ثورات “الربيع العربي” وآثارها الكارثية على العلاقات العربية العربية..!
هل من المنطق دعوة الجامعة العربية للانعقاد أصلاً ناهيك عن مطالبتها باتخاذ أيِّ “موقفٍ جماعي موحد” في الوقت الذي تقود فيه السعودية والامارات محوراً تدميرياً لم يؤدي فقط لانقسام الصف العربي بل حوله لـ”تكتلات متصارعة” بعضها ينخرط في حروبٍ اقليميةٍ مباشرة في المنطقة.
للإجابة على تلك “التساؤلات المُرَّة” لابد ان نلتمس العذر لموقف “السلطة الفلسطينية” الضعيف الذي يحاول ان يستنجد بـ”قشة العروبة” التي يرى انها “نارٌ” قد تجيرهُ من “رمضاءِ” الفخ “الصهيوني الامريكي” الراهن.
قد يكون “الواقع العربي” الراهن اسوأ بكثير من “التهديد المحدق” بمستقبل قيام الدولة الفلسطينية المنشودة لكن “السلطة الفلسطينية” ترى ان “انتزاع” موقف عربي “شبه موحد” من “كمّاشة صفقة القرن” هو بحد ذاته “انتصارٌ جوهريٌ” لها سيشكل “اللبنة الأولى” لـ”انتفاضةٍ فلسطينيةٍ” بنفسٍ عربي كما يمكن توظيفه لاحقاً كسلاحٍ في وجه “خارطة ترامب” الاجرامية..
كما ان انتزاع مثل هذا الاجماع العربي “في هذا التوقيت” يمكن ان يشكل “الأرضية الجديدة والمنطقية” التي سيبنى عليها ما سيصدر لاحقاً من مواقف موحدةٍ عربيةٍ أو اسلاميةٍ أو دولية مناهضةٍ لـ”الصفقة الملعونة”.
يقول مستشار الرئيس الفلسطيني “صائب عريقات” في تصريحٍ خص به قناة “الجزيرة القطرية” أن الفلسطينيين لم يعودوا ملزمين بكل الاتفاقيات المبرمة مع الاسرائيليين والأمريكان أو التي تمت برعايتهم بما في ذلك “اتفاقية اسلو”.
لكن بالمقابل فإن الصحافة العالمية تستغرب حالة الخمول أو اللامبالاة الرسمية والشعبية التي شكلت في مجملها “ردَّ الفعل العربي الأولي” في مواجهة “خارطة نتنياهو ــ ترامب”.
في هذا السياق تتساءل صحيفة الـ”جارديان” البريطانية “أين الغضب العربي الذي كان موجوداً ذات يوم انتصاراً للقضايا الفلسطينية..
وتضيف الصحيفة أن اللامبالاة التي تسود الحكومات والشعوب العربية تثير الاستغراب متسائلةً “ألم يعد ينظر للقضية الفلسطينية” بصفتها موضوعا مركزيا أو قضية تستحق الدفاع عنها عربياً.
ووفقاً لتقرير مطول نشرته الـ”جارديان” فإن القضية الفلسطينية ظلت خلال السبعين عاما الماضية “قضية العرب الأولى” والمحفز الأول للشارع العربي وتعتبر الاغاني والاناشيد التي تتحسر على ما حصل لفلسطين حاضرة في كل المناسبات الدينية والوطنية والقومية العربية بل إن الكثير من “رجال الحكم في الدول العربية” صعدوا إلى كراسيهم على ظهر الحماس للقدس ووعود الانتصار لها.
وتنتهي الصحيفة البريطانية إلى أن الكثير من ذلك قد تغير ولم تعد “القدس وفلسطين” القضية المركزية للعرب وتراجع “موقعها” في اهتمامات الحكومات والساسة والشعوب العربية وتصدرت القضايا المحلية الطارئة لـ”دول الربيع” بورصة اهتمامات كل العرب.
هناك رؤية أخرى أكثر سوداويةً وعدائية تجاه “القضية الفلسطينية”.. فوريث العرش السعودي مثلاً توصل ــ بحسب الـ”جارديان” ــ إلى أن “الفلسطينيين أصبحوا عبئا ماليا وسياسيا على المملكة ولا يستحقون الاستثمار فيهم”.
بدورها تبدو دولة الامارات بقيادتها الحالية أكثر حماساً للمضي في تطبيق “صفقة القرن” حتى من الاسرائيليين أنفسهم وهذا ما عكسته تصريحات سفير أبوظبي في واشنطن الذي حضر تدشين خطة ترامب إلى جانب السفيرين البحريني والعماني.
وفي تغريداتٍ نقلتها “وكالة الانباء الاماراتية” قال “يوسف العتيبة” المقرب من “محمد بن زايد” أن بلاده تثمن الخطة الامريكية للسلام واصفاً إياها بأنها “خطةٌ جادة” تعالج الكثير من القضايا الفلسطينية العالقة.
قراءةٌ غربيةٌ أخرى ترى بأن “العرب يعطون أولويةً لعلاقاتهم مع أمريكا” على حساب دعم الفلسطينيين.. ووفقاً لتقرير بثته “وكالة رويترز” يوم امس فإن رد فعل القوى العربية على “خطة ترامب للسلام” في الشرق الأوسط بدا أنه يعطي أولوية للعلاقات الوثيقة مع الولايات المتحدة على حساب الدعم التقليدي الثابت للفلسطينيين.
فلسطينياً انتقدت “الخارجية في رام الله” الدول العربية بعد تعليقاتها الفورية التي تعتبر مؤيدة بوجه عام لخطة ترامب ولا تلتفت لـ”مصير القدس” و”الفلسطينيين”.
ونقلت “وكالة الأنباء الفلسطينية” بياناً لخارجية “السلطة الوطنية” قالت فيه أنه ”بعد الكشف عن تفاصيل المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية فإنه من غير المقبول الاختباء وراء مواقف وبيانات وصيغ فضفاضة مبهمة كبوابة للهروب من استحقاق مواجهة تلك المؤامرة“ والإشارة في ذلك بالتأكيد لـ”المطبعين العرب”.
المراقب لردود الفعل العربية الاولية جراء اعلان “صفقة القرن” في هذا التوقيت يدرك ان موعد “الحصاد الصهيوني” لنتائج “الربيع العربي” قد بدأ وأن مرارته وكارثيته أشد على العرب من آثار “نكبة 48″ و”نكسة 67”.
بالعودة للتساؤل الذي يطرح نفسه بقوةٍ اليوم “هل يجب أن لا ينطلق الفلسطينيون في معركتهم لتكسير “لعنة القرن الترامبية” من جامعة الدول العربية” فإن كل الدلائل تشير إلى أن وجود “السعودية والامارات” وبقية الدول العربية المتحمسة لخارطة “نتنياهو ــ ترامب” في تلك الجلسة الطارئة سيشكل حجر عثرةٍ كبيرٍ جداً ويبدو أنه من الصعب تجاوزه..
كما أن الرياض وابوظبي وبقية “المطبعين العرب” سيسعون “وفي موقفٍ جماعيٍ موحد” الى تمييع “الهدف الفلسطيني الرئيسي” من تلك الجلسة الطارئة الذي يأمل في “توحيد كلمة العرب” ولو لمرةٍ واحدة في “زمن ربيع الانقسام والتشظي والصراع” العربي العربي.