” انتكاسة 7/7″ الدلالات والأبعاد والتداعيات
أحمد يحيى الديلمي —-
الحقيقة أن الأسئلة مكلمة لبعضها تتحد في الهدف والغاية فأقول الموضوع متشعب ويحتاج إلى إجابة طويلة لكني أوجز فأقول ما حدث كان بسبب اهتزاز الثقة والنوايا المبيتة من قبل نظام الشمال آنذاك والرغبة في احتواء القادمين من الجنوب وتحويلهم إلى طرف لاحق وخاضع لإرادة الحاكم الأول أي أن يرتضي مسئولي الجنوب بالتحول إلى كيانات ورقية لا وزن لها ولا فعل ، لذلك بدأ صالح من أول وهلة بإغراقهم بالأثاث والسيارات وكل آليات الرفاهية المحرومين منها لأن معيشتهم كانت بسيطة في الجنوب ، ولا يتمتع المسئولين بأي امتيازات عن المواطن العادي إلا في حدود بسيطة وفي تلك الأثناء لم يتردد الرئيس صالح عن مدح علي سالم البيض واعتباره رجل الوحدة الحقيقي كما صرح بذلك بنفسه في أكثر من مناسبة.
هذا السيناريو رفضه البيض ومن معه وأصروا على قيام دولة حقيقية تتوزع فيها المهام والمسئوليات بما في ذلك تقييد سلطات إخوان الرئيس وأبنائه وأن تكون في حدود المهام الموكلة إليهم ، هذا التوجه أفزع صالح ومن معه وكان التعويل على انتخابات 1993م باعتبارها صمام الأمان الكفيلة بتجاوز كل العقبات إلا أن هذه الانتخابات دخلت بسند جديد مؤيد لصالح وهو حزب الإصلاح العدو التاريخي للوحدة ولنظام الجنوب بشكل خاص مما جعل الحزب الاشتراكي يحس بعدم الأمان على كوادره بالذات أن عدد منهم تعرض للاغتيال وآخرين نجوا من هذه المحاولات التي تمت في وضح النهار بعناية الدولة وكما تعلمون أن هذه الأوضاع جعلت البيض يعتكف في عدن لفترة ثم لحق من بعده عدد من مسئولي الجنوب معلنين الاحتجاج على كافة الممارسات غير السويه التي يتعرضون لها من قبل المؤتمر والإصلاح أو تحالف النظام على وجه الدقه ، وحرصاً من القوى الوطنية الأخرى تم تشكيل ما سُمي بلجنة المصالحة الوطنية التي كان همها الأساسي منع الاحتقانات وعدم الوصول بالأوضاع إلى حالة الانفجار ، في تلك الأثناء دخل ملك الأردن على الخط خاصة أن القوى المعنية في اليمن كانت قد توصلت إلى شبه وثيقة عملية تحدد المسئوليات وتضع كل طرف في مستواه الحقيقي ، أي أن صالح والبيض لم ينقادا إلى توقيع الوثيقة في عمان إلا نزولاً عند رغبة القوى الوطنية ومن خلفها الجماهير ..
وهناك تفاصيل كثيرة سيتم التحدث عنها بالتفصيل فيما يلي :
1) فشل القيادة لا الوحدة
هذا السؤال بالذات يؤكد الدور المشبوه للخارج في تكريس هذه المفاهيم لأن له صلة بآليات ومؤامرات دولية سبق تطبيقها في مصر مثلاً للتأثير على النزعة القومية وتثبيط الهمم تجاه القضية الفلسطينية وتحويلها من قضية مركزية للأمة إلى شأن داخلي يخص الفلسطينيين وحدهم ، وهذا ما نعاني منه اليوم فقد أقنعوا الشعب المصري أن مشاكله كلها بسبب مواقفه القومية ونصرته للشعب الفلسطيني ، وأنقاد لهذا المفهوم غالبية أبناء الشعب المصري مما سهل على القيادة التقاعس والتخلي عن نصرة الشعب الفلسطيني ، وهكذا الأخوة في المحافظات الجنوبية استسلموا لأمواج الدعاية الممنهجة التي حملت الوحدة كل المصائب ، فاعتبروا كل شخص قادم من المحافظات الشمالية شر مستطير ، وهو موقف ينم على الظلال والبهتان فالانحراف والاختلالات واتساع مظاهر الفساد والإفساد والنهب للأراضي وانتهاك الحرمات تم من قبل النظام وأزلامه وما كان يسمى بالمجاميع الجهادية والقبائل الذين ركبوا الموجه ومارسوا كل أعمال النهب ، للأسف هذا الموقف كان له تأثير كبير على وجود أنصار الله في عدن والمحافظات الجنوبية وهي التي جعلت قائد المسيرة القرآنية يبادر إلى سحب اللجان الشعبية والجيش منها نتيجة المواقف المسبقة واختلال الحاضنة الشعبية بفعل نفس الدعاية الكاذبة التي اعتبرت الأخ خصم والخصم صديق وفي هذا الواقع توافدت القوات الأجنبية من كل حدب وصوب وفرضت استعمار جديد في المناطق التي وصلت إليها ، وهذا ما بدأ يحس به بعض المنصفين من أبناء الجنوب الذين أدركوا أن حركة أنصار الله حينما وصلت إلى عدن إنما كانت خطوة استباقية لمنع المؤامرات والحيلولة دون وصول المستعمرين إليها ، والأمل أن يصل هذا المفهوم إلى كل مواطن حريص على استقلال وسيادة الوطن ، لكي نتجنب المزالق ولا نسمح للآخرين للتحكم في شئون البلاد .
2) الوحدة إنجاز عظيم لم يقدره القادة
مثل إنجاز إعادة تحقيق وحدة الوطن اليمني الأرض والإنسان أهم حدث في التاريخ العربي المعاصر ، لأنه تجاوز الواقع المرير من التشطير والاحتراب والترقب ورصد الأنفاس من قبل نظامي الحكم في الشطرين ، المفاجأة أذهلت العالم لأنها تمت بطريقة سلمية ، والحقيقة أن قيادتي الحكم في الشطرين إنصاعت لإرادة الجماهير المتلهفة لهذا الهدف النبيل وكم كانت الفرحة عامرة لدى الجماهير عندما زالت براميل التشطير وسمح بتنقل المواطنين بالبطاقة الشخصية ، هذه كانت أهم عقبة أرقت المواطنين عقود من الزمن وتعرضوا للمعانة والإمتهان كلما حاولوا زيارة بعضهم البعض بالذات الأسر المتصاهرة أو التي تربطها صلة القرابة ، من حيث المبدأ الشعب كان موحد وحالة المصاهرة والاختلاط واسعة بالذات أن عملية الانتقال والتواصل كانت سهلة ومبسطة في زمن الملكية والاستعمار الانجليزي ، هذا الأمر اختلف في مرحلة الفكر الثوري المتطرف ، فلقد قطع خطوط التواصل وأخضعه لإرادة الأجهزة الأمنية مما زاد في معاناة المواطنين ووضع عراقيل كبيرة أمام تواصلهم فجاءت الوحدة لتمثل المنقذ ، ولهذا الأمر دلالات كبيرة انعكست في الاحتفالات بالانجاز واستعداد كل مواطن لبذل الغالي والرخيص من أجل الحفاظ عليه خوفاً من الانتكاسة والعودة إلى زمن التشطير البغيض .
مقابل هذا الاحتفاء الجماهيري الواسع ظلت هواجس الخوف من الآخر ورغبة الاستئثار بكل شيء متحكمة في أطراف النظام ، خاصة الرجل القابع في سدة الحكم أي أن من وقعا الاتفاق لم يرتقيا إلى مستوى عظمة الحدث ، مع أنه كان سيدخلهم التاريخ ويحتلا أبرز صفحاته الناصعة ، لكنهم لم يقدروا هذا الأمر وظلت عملية التآمر والاستهداف المتبادل هي السائدة فكانت الانتكاسة المروعة في 7/7/1994م والتي سقطت بهؤلاء إلى مزبلة التاريخ وسنتحدث عن هذا بالتفصيل في الإجابة على بقية الأسئلة .
3) محاولة اغتيال البيض
هذه الواقعة روى تفاصيلها الرجل بنفسه في فترة المماحكات وتبادل الاتهامات ، ومفادها أن صالح أخذه إلى استراحة خاصة به في أعلى جبل عطان ، ووجد الأجواء كلها جاهزة لتصفيته والخلاص منه إلا أنه استطاع النفاذ مما حيك له بأعجوبة كما قال ، المعلومة نفسها أكدتها قيادات إصلاحية وأخرى مؤتمرية أعلنت الخروج من المؤتمر مع بداية 2011م وعندما أنقطع حبل الود مع صالح ، وهي مشهورة وموجودة في كثير من المراجع .
4) دور هادي فيما حدث
للحديث عن دور هادي لابد أن نعود إلى نقطة البداية ، فالرجل كان مجرد ضابط عادي تمت محاكمته بتهمة الخيانة والعمالة لبريطانيا وصدر الحكم عليه بالإعدام وكان الرئيس / سالم ربيع علي مُصر على إعدامه ، إلا أن تدخل الرئيس الأسبق / علي ناصر محمد باعتباره من أبناء منطقته “أبين” تشفع له وألغى الحكم وعندما تولى علي ناصر الحكم عينه نائباً لرئيس الأركان لشئون التموين المنصب الذي ظل فيه إلى أحداث يناير المؤلمة بعدها لجأ إلى الشمال مع مجاميع عسكرية كبيرة تمركزت في عدة مناطق آخرها الجوف باسم (لواء شلال ) الحديث في هذا الجانب يدلنا على نقطة هامه تحدد مسئولية الحرب ومن أشعل فتيلها ، لأن عبد ربه منصور هادي الذي أستطاع التقرب من علي محسن وأصبح أحد أتباعه تم تعيينه بعد الوحدة قائداً لمحور البيضاء ، وفي البيضاء بدأ يخطط للمواجهة والحرب الشاملة واكتساح عدن بما تطلبه الأمر من تكديس للأسلحة والسير في ركاب علي محسن بشكل غير معقول جعل الرئيس السابق صالح يستغرب في اتصال هاتفي أجراه مع عبد ربه عند أن قرأ قوائم الأسلحة المصروفة لمحور البيضاء ، أتصل بهادي الذي تعمد فتح مكبر الصوت لإشعار الحاضرين في المكان وكنت منهم أنه على اتصال مباشر بالرئيس صالح ، وكان الهدف إقناع الضباط الذي يتهمونه بالعمالة لمحسن بأنه أيضاً رجل علي عبد الله صالح ، حدث ذلك في 2/8/1992م أي قبل اندلاع الحرب بعامين ، قال علي عبدالله صالح في التلفون .. ما هذايا عبد ربه منصور ؟! اين ستذهب بكل هذه الأسلحة أنت وعلي محسن ؟! هذا جنون .. أين ستذهبوا بكل هذه الأسلحة ؟! أجاب هادي وعلامة الزهو باديه على وجهه .. يا فندم أنت تشتي عدن ، عدن مهرها غالي غالي جداً .. هذا السلاح لا يكفي إلا لاقتحام قاعدة العند فكيف سنصل بعد ذلك إلى عدن ، سكت صالح وأجاب المهم حافظوا عليها ..
مما أسلفت تتجلى عدة حقائق هامة وهي :
أ ) أن خيار الحرب كان حاضراً في أذهان قيادة الشمال من أول وهلة وأن الحشد والإعداد والتجهيز ليوم الطامة كان قائماً وكان لعبد ربه منصور هادي دور فيه ، وأن الهدف كان تلويث الإنجاز الناصع للوحدة بالدم ، ووفق ما أفصح عنه الدنبوع نلاحظ أن الجميع كان فاقد الثقة في استمرار الأجواء السلمية ويعتبر أن الحرب واقعة لا محالة .
ب ) أن القيادة في الشمال استفادت من المجاميع التابعة لما كان يسمى بالزمرة ، العارفين ببواطن الأمور في عدن وتموضعات القوات الموالية للحزب الاشتراكي وما تمتلكه من قوه وقدرتها على المواجهة ، إضافة إلى عامل هام لعب دوراً أساسياً في سرعة حسم المعركة وهو أن هذه المجاميع قاتلت برغبة الانتقام والثأر للجنوب الذين قتلوا في أحداث يناير ، إضافة إلى ما ناله من القتل والإقصاء والتشريد والتنكيل عقب الأحداث ، هذا العامل استفاد منه صالح وعلي محسن ، فأسند القيادة في عدن ولحج إلى عبد ربه منصور هادي وفي حضرموت وشبوة إلى عبد الله علي عليوة ، وهذا الأخير مكافأة له تم تعيينه وزيراً للدفاع بعد حسم المعركة وتعيين هادي نائباً لرئيس الجمهورية .
على ما يبدو أن الاثنين استوعبا الدرس وعرفا أن هذه المناصب هلامية وتعني الموافقة على تنفيذ اي توجيهات لقائد عسكري من الأسرة الحاكمة مهما تدني مستواه الوظيفي ، وبالتالي تم التفاهم معهم وبقائهم في السلطة مدة طويلة بالذات عبد ربه منصور هادي الذي كان قد تعين وزيراً للدفاع في خضم المعركة ، وكان أكثر الناس انصياعاً وامتثالاً للأوامر .
ج ) إن الكتائب التي حشدها الإصلاح كان حضورها شكلي وتركز دورها بوضوح بعد الدخول إلى عدن في أعمال النهب والسلب والتعاطي اللاإنساني مع أبناء عدن باعتبارهم كفار مرتدين دماؤهم وأعراضهم مباحة ، إلى جانب أن عبد ربه وعلي محسن استغلا وجود بعض المجاميع الجهادية ممن كان يطلق عليها المجاهدين الأفغان ، وبالتعاون مع حزب الإصلاح فزجوا بهم إلى محارق الموت ممثلة في حقول الألغام التي كانت واسعة والتي مزقت أشلاءهم في الصحراء ، أكثر من 2000 شخص ذهبوا بهذه الطريقة وتم الخلاص منهم بحسب إفادة مصادر مطلعة .
- نهب وتبديد أربعين مليار ريال
على نفس هذه الخلفية لابد أن نتطرق إلى موضوع هام يتعلق بدور هادي وعلي محسن في مرحلة لاحقة عندما تعين هادي رئيساً للجنة معالجة ضحايا حرب 1994م في الجنوب ممن تم فصلهم وإبعادهم عن المجال العسكري وقطع رواتبهم وآخرين تم الزج بهم في السجون ، إلى أن جاءت المظاهرات تحت راية ما سمي بالحراك الجنوبي المدافع عن كرامة وحقوق أبناء الجنوب فاستجابت السلطة وشكلت اللجنة التي كانت معالجتها عقاب من نوع آخر إذ اتسمت هذه المعالجة بالمناطقية وتم صرف المال لمن لا يستحقون وبمبالغ زهيدة لم تصل إلى خمسة مليار ريال والباقي (35) مليار ريال ذهب إلى جيوب رئيس وأعضاء اللجنة المكلفة بالمعالجة ، أي استأثر بها هادي وعلي محسن ، وهادي في هذه الحالة وإن كان رئيس اللجنة إلا أن ما حصل عليه ضئيل بالنسبة لما حصل عليه علي محسن ، هذا غيظ من فيض عن الرجل والأدوار المشبوهه التي لعبها واقترفها في حق هذا الوطن ، وهنا نقول لأحبنا من أبناء الجنوب الحبيب ماذا تنتظرون من هذا الرجل أكثر مما عمله بكم ، فلقد بدأ حياته بالعمالة المفرطة لبريطانيا ، ثم استباح عدن وحرماته وكرامات أبناءه في 94م والآن استدعى شذاذ الأفاق ومرتزقة الحروب وامتهنوا كرامة الأرض والإنسان ، فماذا تنتظرون منه أكثر من ذلك !! الرجل عميل وخائن بالأصالة وماضيه ملوث بكل الحقارات ، إذ يكفي أنه تحالف مع أسوى وأحقر رجل المدعو علي محسن الأحمر الذي استباح كل شيء في عدن بحقد وكراهية ، فكيف تأتمنون على أمثال هؤلاء ؟! السؤال سيظل معلق في سماء الوطن حتى تدركوا أبعاده الحقيقة فيعود كل مواطن يمني شريف إلى رشده ويعرف من يتآمر علي ومن يسعى في مصالحه .
5) شعار الوحدة أو الموت
مما تقدم تتضح لنا حقيقة حرب 94م الظالمة ، صحيح أن علي سالم البيض يتحمل الوزر الأكبر لأنه انقاد للرغبة السعودية ، وأعلن الانفصال والعودة بالأمور إلى ما كانت عليه قبل الوحدة ، إلا أن الطرف الآخر يتحمل بقية الأوزار ، أما الشعار فأمره سهل بالذات من قبل سلطة الحكم المسيطرة على مقاليد الأمور إذا احتاجت إلى استمالة العامة فإنها تسعى إلى استقطاب العواطف واستمالة المشاعر بجملة من المبررات والذرائع الزائفة وتجعلها شعارات براقة تزيف بها الفعل الظالم ، فيزيد بن معاوية مثلاً برر فعلته الشنيعة بقتل الإمام الحسين عليه السلام بإشاعة أنه ينتصر للدين ، وهكذا فعل الرئيس صالح عندما شن الحرب الظالمة على الشهيد القائد / بدر الدين الحوثي رحمه الله في صعده ، هذا الأمر اختلف في حرب 94م فلقد تطلب الأمر شعار يلهب الحماس ويستثير العواطف فكان ذلك هو الوحدة أمل كل الجماهير اليمنية والتي يعتبرها كل يمني خط أحمر ، فتم رفع الشعار لاستمالت الغالبية العظمي وضمان التأييد والتحشيد ضد من يسمى بالانفصاليين ، هذه الكلمة ظلت هي المحور السلبي في معالجة الأوضاع بعد ذلك ومواجهة تبعات الحرب للآسف .
6) دور علي محسن والإصلاح ..
علي محسن صالح .. هذا هو الاسم الذي عرفناه به بعد صعود علي عبد الله صالح إلى سدة الحكم ولقد كان له منصبين ، الأول ظاهر وعلني وهو أركان حرب الفرقة الأولى مدرع والثاني مبهم وخفي لا يعرفه إلا الخاصة وهو قائد المنطقة المركزية ، وهذا المنصب بالغ الأهمية من خلاله يمكن الإطلاع على كل صغيرة وكبيرة في الوطن لأنه يشرف على كل أجهزة المخابرات وينظم العلاقة بين الأجهزة الأمنية وبعضها ، وبعد الوحدة كان الرجل عبارة عن لغز بالنسبة للاشتراكيين فهو في الصورة رجل عسكري بعيد عن كل ما يجري وفي الواقع الرجل الثاني في المؤتمر الشعبي العام وصاحب القرار الحاسم في الإصلاح ، قال الأستاذ المناضل الشهيد / جار الله عمر رحمه الله وهو يوصف هذه الحالة ” لقد وجدنا أنفسنا بين فكي كماشة محورها علي محسن الأحمر ” فهو في المؤتمر صاحب القرار والفاعلية وفي الإصلاح المحرك واليد الطولى ، فلم نجد أين نذهب أمام هذا الغول الرهيب ومع ذلك تظل أدواره خفيه ولا يمكن لأحد أن يتطرق إليها ، المهم وكما أسلفنا في الحديث عن دور عبد ربه منصور هادي ، كان علي محسن هو محور الارتكاز لهادي وغيره وهو الذي تولى ملف الأخوة النازحين من الجنوب بعد أحداث يناير وتفرد بالعسكريين بالذات ، فكان يستخدم معهم العصى والجزرة، من أنصاع لأمره وسار وفق إرادته يواسيه بالمال وقطعة أرض فيما كان يسمى بالجمعيات الوهمية ومن تمرد عليه وعصى أمره ينال ما يناله من العقاب بصورة غير مباشرة وأحياناً التصفية الجسدية وتقيد القضية ضد فاعل مجهول ، المهم أن علي محسن والإصلاح كانا في طرف واحد وكان دور الإصلاح هو الترويج والتضليل وتزييف الحقائق وتمجيد علي محسن باعتباره رجل البر والتقوى والإيمان الصادق الصوام القوام وعلي محسن يحيك المؤامرات بكل الأساليب القذرة التي تستهدف كل رمز وطني وتحاول النيل من كرامته ، بالذات عندما أصبح رجل من رجالات السعودية ، فلقد كان يتآمر على كل شيء في الوطن وهو في أعلى منصب في الدولة ويستخدم الدين بالتعاون مع الإصلاح بالتغرير على الناس وإيهامهم أن الخطر داهم ومحدق بالدين ، وهذا ما جعله يتصدر كل المواقف ويستقطب كل الناس لاستهداف المقامات المعروفة وإذلالها عن طريق استخدام المال وبعض المغريات منها الأراضي ، ففي94م كان علي محسن المرجع والمحور الأساسي للحرب ، إذ أن عبد ربه منصور هادي القائد الميداني ووزير الدفاع فيما بعد كان يرجع إليه في كل صغيرة وكبيرة ، وبالتالي مارس نوع من الانتقال الحقير في المناطق الجنوبية واستأثر بالقرار ردحاً من الزمن فصال وجال ونهب الأراضي وتحكم فيها كما يشاء، أما عن الدور الآخر عن الإصلاح غير الفتوى الظالمة التي استباحت المناطق الجنوبية وأبنائها فلقد تمثل في التهيئة والإعداد والتعبئة العامة بل والمشاركة الفاعلة في إدارة الحرب واقتسام الغنائم فيما بعد ، وكان الإصلاح يقاسم علي عبد الله صالح بحجة مشاركته في جريمة 7/7 وهكذا ظل الإصلاح إلى أن انكسر العصى بين الطرفين وأصبحا خصمين في مواجهة بعضهما البعض .
7) تفريغ الوحدة من المضمون السامي
ما حدث بعد 7/7 لم يؤدي إلى ترسيخ وتثبيت دعائم الوحدة بالمضمون الذي كانت عليه ، لكنه مثل كارثة بكل المقاييس لأن فكرة فرض إرادة المنتصر على المهزوم جعلت المواجهة دائمة وفتحت أفاق الإفراط في استخدام القوة ، وجعلت المواطن في المناطق الجنوبية يحس بالدونية وأنه مستعمر وهو ما قاد إلى الانفجار بعد إنشاء ما سمي بالحراك الجنوبي ، وهنا تكمل الإشكالية لأن المنتصر والمتغلب فرض إرادته فذهب إلى إلغاء أهم ما ورد في اتفاقية الوحدة من مضامين وأقدم على تعديل الدستور بمبررات سخيفة ، مثلاً اكدت أن حكم الفرد أفضل من حكم الجماعة مخالفة بذلك القاعدة التي تقوم ” حكم الجماعة لا يشقى العباد به وحكم الفرد يشقيها ” لكنهم كتاب السلطة وأتباعها والمنظرين لها زينوا الباطل حق والحق باطل ،وهكذا تحولت الوحدة إلى عبئ على الكثيرين .
8) مفاوضات الوحدة وأمدها
بالنسبة لمفاوضات الوحدة الموضوع طويل جدا بدأ بعد حرب 1972م باتفاقيتي القاهرة وطرابلس التي تم بموجبهما وضع الأسس وتشكيل اللجان التي أوكلت إليها مهمة إعادة تحقيق الوحدة وتجاوز مخاطر التشطير ، بعد ذلك حدثت طفرة غريبة أذهلت العالم في فترة حكم الرئيسين الشهيدين / إبراهيم الحمدي ، وسالم ربيع علي ، فلقد ألتقيا أكثر من مره وأتفقا على إعلان هذا الحدث التاريخي بشكل ثنائي ، لكن العملاء تحركوا وأبلغوا أسيادهم في الخارج فتمت المؤامرة بتصفية الرئيسين المناضلين / إبراهيم الحمدي ، وسالم ربيع علي ، في الليلة التي كان الحمدي قد عزم الذهاب إلى عدن وإعلان الوحدة من عدن ، وأتفق مع سالم ربيع على كافة التفاصيل التي تخرج الحدث إلى النور بعيداً عن رقابة الآخرين ، لكنهم تنبهوا إلى ذلك فأعدوا العدة الكفيلة بتصفية الرئيسين بأسلوب خبيث وحقير لا تتنبه إليه إلا المخابرات الدولية وهي دلالة واضحة على أن اليمنيين ما كانوا إلا أدوات لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه في الخارج ، وهناك معلومة في هذا الصدد تقول أن المخابرات الأمريكية و الروسية كما التقت على تصفية الحمدي وربيع علي ، لأن الاثنين كانا سيقدما على خطوة غير موافق عليها من قيادتا قطبي العالم آنذاك وهما أمريكا والاتحاد السوفيتي ، أي أن الرغبة الذاتية المدفوعة بحس وطني وإيمان صادق بالوطن والمواطن اليمني ووجهت بتآمر دولي مريب وتم إسقاطها ، بعد ذلك تحولت فكرة الوحدة إلى وسيلة للمزايدة كل طرف يزايد على الآخر ويعتبر نفسه الوحدودي المندفع إلى الوحدة بكل ما لديه ، كما حدث بعد حرب 98م في اجتماع الكويت ، فلقد كان المناضل الكبير / عبدالفتاح إسماعيل هو السباق لإعلام فكرة الوحدة الاندماجية مما جعل علي عبد الله صالح يشعر بالخوف ويتهرب ويحاول التملص من الفكرة ، هذا الأمر عاد إلى الذاكرة في مرحلة لاحقة بعد أحداث يناير وأول لقاء جمع قيادتي الشطرين في طرابلس بحضور الرئيس القذافي فلقد كان علي عبدالله صالح صاحب السبق إلى إعلان الوحدة الاندماجية والتغني بها ، وكلها مزايدات من أجل إسقاط حق الآخر والتغلب عليها ، إلى أن حصص الحق وجاءت الظروف الملائمة وتهيئة الأجواء دولياً لترجمة هذا المنجز العظيم والتفاصيل في هذا الجانب تطول جداً ولا نستطيع حصرها في هذه العجالة .. وإنشاء الله أعد بأن أتطرق إليها بالتفصيل في مؤلف خاص يختص في مفاوضات الوحدة وكشف الحقائق بعيداً عن التزوير والتمويه والمغالطات باعتبارها شهادات للتاريخ وحقائق تقرأها الأجيال كما حدثت لا كما يصورها الزعماء والحكام ..