أحمد يحيى الديلمي ——

في العام 2011 عندما اتجهت رياح الربيع العربي صوب عُمان وخرجت الاحتجاجات إلى الشارع، كان المرحوم السلطان قابوس أول من تنبه إلى العملية وبادر إلى اجراء اصلاحات أولية تمثلت في إعفاء نصف الحكومة.

أما الخطوة الثانية والتي كانت لها أثرها في امتصاص غضب الشارع، فقد تمثلت في عدالة توزيع الثروة إلى كل بيت عماني وتمثلت في أعطاء الاسر العمانية مبلغا معينا من المال تستعين به على شؤون الحياة.

هذه الاجراء أدى إلى تهدئة النفوس وقطع حبال الشر وأيادي التآمر التي حاولت الوصول إلى عمان من خارج الحدود، أي أن الرجل استطاع أن يسقط كل رهانات الاطاحة بالنظام.

هذا هو المرحوم السلطان قابوس ين سعيد الذي انتقل إلى جوار ربه بعد حياة حافلة بالعطاء، فلم يكن مجرد سلطان أو حاكم كبقية الحكام لكنه مثل شمسا متوهجة سطعت في سماء عُمان فدار في فلكها كل شيء، وأنارت كل الزوايا القاحلة في كل الوطن العُماني بحيث انار العلم والثقافة والعقل واستهدف الجهل والتخلف بحكمة ورؤية وطنية تحول معها إلى حارس لقيم الدين والدنيا ومثل القدوة الحسنة والأسوة الصالحة لكل العُمانيين، حيث انتهج انفتاح متوازن واتخذ مواقف سلمية محايدة وتبنى فكرة الحداثة والإصلاح على أساس عُماني بحت، وبذلك جنب البلاد الدخول في مزالق الصراعات الإقليمية والدولية، وتدرج في ترسيخ عوامل البناء الداخلية، كما ركز على نبذ الطائفية والمذهبية وأي توتر يثير الفتنة ويؤجج الصراع، وبدا أول خطوة بالتصالح مع ما كان يسمى الجبهة الشعبية لتحرير عُمان.

قال المرحوم قيس الزواوي، وزير الإعلام العماني السابق “كنا مجرد ملهاة في أيدي الآخرين إلى أن التقينا السلطان قابوس، وطلب منا أن نضع برنامجا لما نريده ونفكر فيه، ثم قدم لنا برنامجه فوجدنا أن برنامجه أكثر تقدما وموائمة للواقع العُماني، وفي الخطوة التالية تعينا جميعا وزراء وطلب منا تنفيذ البرنامج”.

أي أن الرجل كان صادقا ولم تكن العملية مجرد استدراج وضحك على الدقون، ولا محاولة لتصفية الخصوم عن طريق الابتسامة الصفراء وممارسة كل أنواع اللؤم والكراهية كما يعمل الآخرين في عالمنا العربي لكنه كان صادقا.

وفي السياقات المتعرجة للسياسيات الدولية والتي شكلت بعدا هاما أثر سلبا في كثير من الدول على إرادة صانع القرار وتحول إلى معضلة كبرى، إذا تعلق الأمر بإدارة وتوجيه سياسة البلاد الخارجية، وهذا ما استطاع المرحوم قابوس أن يتجاوزه ويضع معايير خاصة لسياسته الخارجية، فكان أكثر من أعطى وحقق الانجازات التي مثلت طفرة في تاريخ عمان إذ يكفي هنا أن نشير إلى نقطة هامة مفادها أن دخل عُمان عام 1976 كان 250 مليون دولار بينما ارتفع عام 2018 إلى 200 مليار دولار وكانت نسبة الامية 90 في المائة فاختفت نهائيا في نهاية مدة حياته.

كما اخلص في معالجة القضايا الدينية وأنقل هنا من كلامه للعلماء والساسة ما يلي” في هذه اللحظة الفارقة من تاريخ عُمان نحن بحاجة إلى تحكيم العقل والمنطق، وعلى كل عالم دين في أي مذهب أن يصلح من أخطاء نفسه ويعمل لمصلحة الأمة ونستند جميعا إلى القاعدة  الفقهية التي تقول حيثما مصلحة الجماعة فثما شرع الله، لا أحد يمتلك الحقيقة ولا يجوز احتكارها مطلوب احترام الرأي الآخر والاختلاف وليس لأحد أن يتسلط على غيره أو يفرض عليه آرائه”.

هذه لمحة بسيطة عن حياة المرحوم السلطان قابوس بن سعيد نسأل الله له الرحمة ولشعب عُمان التقدم والازدهار.