أحمد يحيى الديلمي

 

الإيمان أعلى مرتبة اليقين والتسليم بالعبودية لله سبحانه وتعالى، دل القرآن الكريم على هذه الحقيقة بنص واضح قال تعالى (قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا) الحشر “14”، الدلالة واضحة لا يقلل منها النص الآخر في قوله تعالى (فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين) الذاريات “35 -36 “.

وفق ما ذهب إليه بعض المفسرين بينما النص أيد نفس الدلالة، فالبيت كان لنبي الله لوط عليه السلام ومن أسلم من أهله لم يرتقي إلى مرتبة الإيمان، فلو أن أحدهم أرتقى إلى هذه المرتبة لكان قد وقف إلى جانب النبي المرسل ونهى عن الفاحشة البشعة الشائعة في القوم، من ذات السياق نستدل على فكرة عظيمة توضح صفات المؤمن المؤهل للقيام بفريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، بذات المعايير التي تجعل القصد من الفعل الفوز برضى الله سبحانه وتعالى خالي من شبهات الشهرة والريا والنفاق أو الانتقام والفوز برضاء سلطة الحكم القائمة، من ذات الدلالة نخلص إلى أمرين غاية في الأهمية:

الأول: يوضح  عظمة الصفة الممنوحة من الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وسلم لليمنيين بقوله ( الإيمان يمان والحكمة يمانية ) وهي أعظم شهادة قرنت الإيمان باليمنيين واعتبرتهم أهل الحكمة لأنهم أمنوا برسالة، بعد ذلك نصروا الدين وقادوا الفتوحات، فالثابت عن اليمنيين أنهم منذ فجر التاريخ نصروا دعوات الأنبياء ورفضوا بشكل مطلق أي تدخل في شئون بلادهم وتصدوا ببسالة لكل خطر قادم من خارج الحدود، واكتشفوا منذ عقود بعيده أن محاولة توظيف الدين للاستغفال وتحقيق منافع ذاتية إنما هو مصدر الوبال والنقمة، وهذا هو مبعث الحكمة لأن سرعة التسليم والإيمان بدعوة الرسول محمد بن عبد الله صلى الله عليه وآله وسلم لم يأتي من فراغ لكنه جاء نتاجاً للتطور التاريخي والاجتماعي والسياسي ومفهوم القيم الجمعية التي تجذرت في الواقع ومدها الإسلام بمنظومات قيمية دفعت اليمنيين إلى التسليم بروح إيمانية عكست صفات التحدي وقناعة النفوس الأبية.

الثاني: يشير إلى أهمية وقدسية المنهج التوعوي الذي دعى إليه قائد المسيرة القرآنية السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي وحث فيه صفوة المجتمع اليمني من العلماء والمثقفين والساسة على الإسهام للارتقاء بذهنيات اليمنيين إلى مستوى فهم عظمة وقدسية التكريم النبوي العظيم والحفاظ على الهوية الإيمانية كما هي ثابتة في النفوس.

هذه النقطة هامة أكدت حرص قيادة المسيرة على الهوية الإيمانية للوطن والإنسان بما تمثله من حصانة قوية تحمي المجتمع اليمني من الاختراقات الزائفة ومحاولات التغريب التي طالت عدد من الدول الإسلامية فجردتها من قيم الالتزام بتعاليم الدين القويم فأضرت بمعنويات تلك المجتمعات وأحدثت شروخ عميقة في النسيج الاجتماعي إلى حد الإخلال بقواعد الانضباط السلوكية والانقياد الساذج إلى ميادين تقليد المظاهر المخلة بالشرف والكرامة والإقدام على اقتراف الأخطاء والممارسات غير السوية المخالفة لروح الدين والمتعارضة مع أبسط تعاليمه وأحكامه السامية، بالذات الاختلالات التي توفرت لها أرضية خصبة بفعل انغلاق وتطرف بعض الجماعات التي أدعت الوصاية على الدين وحولته إلى لائحة محرمات أو مجرد عبادات بعيدة عن سلوكيات الألتزام بأحكام وتعاليم الدين القويم وتمثلها في السلوك والممارسة في الحياة العامة بما مثلته من إجحاف وانتهاك للحرمات والكرامات، مما قاد الشباب إلى الاندفاع نحو الغرب بتبعية مذلة واستسلام مُهين بدعوى الحداثة تارة ومسايرة الموضة تارة أخرى والانقياد الزائف لبعض الظواهر التي مست منظومة الأخلاق والقيم المجسدة لروح الهوية الإيمانية، مما أدى إلى تفاقم تلك الاختلالات بفعل الأداء النزق وغير المسئول لتلك الجماعات والسلوكيات المتفلتة لبعض أعضائها بما مثلته من تعسف وتدخل غير مسئول في أبسط الخصوصيات بما في ذلك ما جرى في اليمن في وقت سابق وتمثل في إقامة ما يُسمى بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كتقليد للنموذج القائم في السعودية، مع ذلك تنبه المثقفين والعلماء إلى خطورة نفس الكيان وسعوا إلى وأده في مهده، رغم أنه كان قد تم التدشين وحظى بدعم السلطة وتشكلت الهيئات العليا لنفس الكيان إلا أن الجهود تكاثفت حتى تم إلغاء الفكرة ووأدها في المهد حفاظاً على الإسلام وعلى روح التسامح والألفة والمحبة بنفس المعايير السائدة بين اليمنيين.

من الخلفية السابقة تتضح حنكة وحكمة قائد المسيرة القرآنية، فبقدر حرصه على ضرورة إحياء هوية الشعب الإيمانية إلا أنه ألقى المهمة على عاتق العلماء والمثقفين وفتح آفاقهم على خفايا وانحدارات مبهمة عنهم لكي يسهموا في نشر الوعي وتنمية مستويات الالتزام بأحكام وتعاليم الدين والتعاطي معها باعتقاد يقيني وقول صادق وفعل أمين يبعث روح الالتزام بمعاني الهوية الإيمانية بتلقائية دافعها الخوف من الله سبحانه وتعالى واليقين الثابت أن الإيمان بمعانية السامية هوية كل يمني صادق الإيمان ومصدر إنسانيته واعتزازه بالحضارة والتاريخ.

الموضوع واسع وسنواصل الحديث عنه في تناوله قادمه إن شاء الله .. والله من وراء القصد..