هل انتهت أزمة الخليج من سرد فصولها؟ بعد عامين ونصف من الحرب الباردة تم فتح طريق دبلوماسي خجول مرة أخرى بين قطر وكلاً من السعودية والإمارات والبحرين, وذلك بعد أن خيمت معطيات حسن النية على كلا الجانبين، ولكن المصالحة لم تتم بعد حيث وأن هذه المرة كان السعوديون هم من نسجوا خيوط المصالحة.

 

بقلم: ألن جريش* وسارة غريرا

 

(موقع” orientxxi-اوريان 21″ الفرنسي, ترجمة: أسماء بجاش-سبأ)

 

افتتح أمير دولة قطر تميم بن حمد آل ثاني الدورة التاسعة عشرة لمنتدى الدوحة, يوم السبت 14 ديسمبر, حيث تطرق خلال الكلمة الافتتاحية إلى عواقب التخلي عن الشرعية والقانون الدولي في أكثر من مكان، بما في ذلك في منطقة الخليج.

 

ومن الصعب ألا نرى في هذه الجملة إدانة لسياسة العقوبات التي تخضع لها قطر منذ يونيو 2017.

 

وخلافا لما يوحي به آخر تحقيق للتقارب، فإن العودة إلى الحياة الطبيعية بين الدوحة والرياض لن تكون في اليوم التالي:

 

أشار مصدر قطري أنه لا يزال من السابق لأوانه الحديث عن المصالحة, إذ لا يوجد اتفاق على اي شيء, فنحن في الإدارة القطرية نريد حلولا طويلة الأجل، حتى لا تتكرر هذه الأزمة, كما نجدد رفضنا للعودة إلى اتفاقية العام 2014.

 

ولكن منذ منتصف نوفمبر الماضي، كان هناك عده علامات لانفراج الأزمة بين الدوحة والرياض، بعد عام من إشادة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان بالاقتصاد القطري, وذلك في أكتوبر 2018, بعد عملية اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي.

 

كانت أولى علامات انفراج الأزمة السياسية الخليجية, تتمحور حول الدعوة الرسمية لمنتخبات السعودية والبحرين والإمارات العربية المتحدة إلى كاس الخليج في نسخته الرابعة والعشرون والتي انتهت في 8 ديسمبر بتتويج منتخب البحرين بالكأس.

 

وفي نسختها السابقة “23”، انسحبت كلاً من السعودية والإمارات والبحرين من بطولة كأس الخليج، وتم الإعلان أن الكويت ستستضيف البطولة  بدلاً من قطر نظرا لانسحاب الدول الثلاث بسبب الأزمة الدبلوماسية.

 

وبعد ذلك بأسبوعين، كشف مقال لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية, أن وزير الخارجية القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني قد قام في أكتوبر “بزيارة وصفت بالسريه […] للقاء كبار المسؤولين السعوديين”.

 

يوجد علامة فارقة أخرى توحي بالانفراج في الأزمة الخليجية, وهي الدعوة الرسمية لدولة قطر لحضور قمة الرياض في 10 ديسمبر, فقد تم كل شيء بفضل المساعدة الدبلوماسية الكويتية والتي تمضي قدما في دورها كرئيس لمجلس التعاون الخليجي للعام 2020, لكن في حين كان الترحيب السعودي في قمة الرياض حارا جدا مع استقبال الوفد القطري من قبل الملك سلمان، فقد أختار الأمير تميم إرسال رئيس وزرائه بدلاً من الذهاب إلى هناك شخصياً.

 

السعوديون هم أصحاب المبادرة:

 

لم تعد الشروط الـ 13 الصارمة التي تطلبها المملكة العربية السعودية والإمارات (إلى جانب البحرين ومصر) في يونيو 2017- بما في ذلك إغلاق قناة الجزيرة – على جدول الأعمال،  وفي المقابل, تؤكد مقالة “وول ستريت جورنال” على رغبة القطريين في تقديم التنازلات, حيث يقال أنهم عرضوا قطع العلاقات مع جماعة الإخوان المسلمين الذين يتهمون بتمويلها في بادرة واضحة من الاسترضاء.

 

بيد أن هذه القصة خاطئة, فبحسب مصدر مطلع، “لقد كان السعوديون هم الذين امسكوا بزمام المبادرة والاتصال بقطر, حيث كان هذا هو قرار شخصي من الأمير محمد بن سلمان, إذ بعث أحد مستشاريه الشباب للالتقاء بالوفد المرافق لأمير قطر خلال زيارته للندن في سبتمبر ولطوكيو في اكتوبر, وقد توجت هذه الاتصالات بالزيارة السرية التي قام بها وزير الخارجية القطري إلى الرياض في أكتوبر”.

 

إن الحقيقة تكمن في أن هذه المناورة التي قام بها ولي العهد السعودي كانت بمثابة الاعتراف بالمأزق الذي وقع فيه بعد تراكم “الأخطاء” الاستراتيجية منذ العام 2015:

 

1-   الدخول في الحرب اليمن والتي انتهت بالفشل الذريع والأزمة الإنسانية الكارثية, لدرجة أن المملكة العربية السعودية بعد المنعطف الأمريكي الذي طلب منها إنهاء الغارات الجوية على اليمن، تفكر الآن للتفاوض مع الحوثيون المدعومون من إيران.

 

2-   اختطاف رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري في نوفمبر 2017, والذي أجبرته الرياض على تقديم استقالته.

 

3-    وليس أخراً, عملية اغتيال الصحفي السعودي المعارض جمال خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول في العام التالي، مما شوه صورة المملكة  بشدة على الساحة الدولية.

 

غير أن المملكة الوهابية لم يعد بوسعها تحمل وجودها على عدة أصعدة, حيث ذكر الملك سلمان في قمة الرياض أن منطقه الخليج “تمر بظروف وتحديات صعبة  تتطلب جهوداً مشتركة للتعامل معها, حيث أكد مجدداً أن العدو الرئيسي يتمثل في إيران وللقيام بذلك كان من الضروري خلق بيئة تتسم بالهدوء في منطقة الخليج.

 

واقع مختلف من العام 2014:

 

ومع ذلك، لا يبدو أن قطر تميل إلى العودة إلى الحضن السعودي بأسرع وقت, حيث أشار مصدرنا إلى أن السعوديون فوجئوا بموقف الدوحة التفاوضي.

 

بعد الصعوبات التي قبلتها الدوحة خلال الأشهر الأولى التي تلت المقاطعة، برزت بقوة أكبر من هذه الأزمة سواء على المستوى الإقليمي أو من حيث السيادة الوطنية.

 

تعرض الدوحة بالأخص الشروط المتعلقة بالنقطتين الرئيسيتين المقدمتين ضدها في يونيو 2017:

 

–         دعم جماعة الإخوان المسلمين.

 

–         علاقاتها مع إيران.

 

قال وزير الخارجية القطري في مؤتمر الحوار المتوسطي الذي انعقد في الفترة ما بين 5 إلى 7 من ديسمبر الحالي في روما أن الاتهامات الموجهه للقطر بدعم جماعة الإخوان المسلمين كان مزيفاً, حيث صرح:” نحن لا ندعم الإسلام السياسي أو جماعة الإخوان المسلمين، […] لدينا فقط علاقات مع الدول والشعوب، وليس مع الأحزاب السياسية”.

 

وفيما يخص العلاقات التي تقيمها دولة قطر مع إيران، أكد مصدر قطري رفيع المستوى أن الدوحة لن تعيد النظر في علاقاتها مع طهران:

 

“ايران جارة لنا, ونحن نتشارك حقل الغاز معهم, صحيحاً أنه لدينا خلافات معهم بشأن عدد من القضايا, ولكن لا يمكننا أن ننسى أنهم في العام 2017 فتحوا مجالهم الجوي وموانئهم أمام أولئك الذين فرضوا حصاراً علينا”.

 

وبالتالي، فانه ليس من حق دوله قطر أن تسترجع مصالحة نوفمبر 2014: قبل ثمانية أشهر، استدعت الرياض وأبو ظبي والمنامة سفراءها في الدوحة, كما طالبت بإغلاق قناة “الجزيرة”, وفي إشارة إلى حسن النية، وافق الأمير تميم على المطالبة برحيل سبعة من مسؤولي جماعة الإخوان المسلمين، بما فيهم محمود حسين، أمين عام الجماعة في مصر.

 

واليوم, تصعد القناة القطرية بالتأكيد لهجتها الهجومية عندما يتعلق الأمر بالأمير محمد بن سلمان, حيث قال لنا مصدر مقرب من القناة أنه إذا استمر في “تمرير المعلومات التي لا تعجب الرياض، فسوف يأتي وقت لن نعد نملكه فيه شيئا, وفي بعض الأحيان يعتبر محررو القناة الآن بعض الموضوعات المنتقدة للمملكة العربية السعودية “اقل اهميه”.

 

لكن الدوحة هذه المرة حريصة كل الحرص على استقلالها, كما يشير المصدر القطري الرفيع: “يمكننا مناقشة أي شيء باستثناء ما يؤثر على سيادة البلد, حيث لن نسمح بأي تدخل في الشؤون الداخلية أو الخارجية لدولة قطر”.

 

ومن جانبه, اكد تلفزيون الجزيرة: “هناك حديث عن استقلال الدعم الرسمي للقناة هذه المرة، خلافا لاتفاق الرياض للعام 2014, عندما دعا ممثل وزاره الخارجية على الهواء إلى ضرورة حث وسائل الاعلام على ضرورة احترام “العلاقات الأخويه بين دول مجلس التعاون الخليجي.

 

ومن ناحية أخرى، فان قطر لديها أكثر من سبب لعدم الركض وراء اتفاق تطبيع علاقاتها مع السعوديين, حيث قد يكون مشكله بالنسبة لها، لأنها ستضطر بعد ذلك إلى الاستجابة لطلبات الرياض، بما فيها تلك الطلبات المالية، كما سوف تتدخل في مختلف الصراعات*، وخطر الحد من حريتها في المناورة في الوقت الذي تقوم فيه الدوحة بالاعتماد على دبلوماسيتها ودورها كوسيط لترسيخ مكانتها الإقليميه والدولية.

 

المعارضة الإماراتية والنظام الإقليمي الجديد:

 

وأكدت مصدرنا وجود “مفاوضات ثنائيه” بين الرياض والدوحة, وعن مقال صحيفة وول ستريت جورنال عن الوساطة الإماراتيه التي كانت ستسمح بالتقارب أمر خاطئ, حيث كانت هذه الأنباء نابعة على الأرجح من المصادر الإماراتيه, وبينما كان الإماراتيون يحاولون تجميل صورتهم أمام الرأي العام، إلا أنهم فشلوا واكشفوا حقيقة أمرهم في المفاوضات في وضح النهار.

 

 

 

وفي الواقع، يبدو أن سياسة دولة الامارات المنتهجة على خلاف مع سياسة حليفتها “السعودية”, على الأقل بصورة جزئية، حيث اختارت ابو ظبي في يوليو 2019, سحب قواتها من اليمن وفتح طريقاً للمفاوضات مع إيران, ومن ناحية أخرى، ترفض أبو ظبي أي تسوية مع الدوحة.

 

ومن جانبه, أكد مصدر قطري: “لا يوجد  بيننا وبين صناع القرار في دولة الإمارات أي مباحثات في الوقت الراهن, وعلى الرغم من دورهم في فرض الحصار، إلا أننا في القيادة القطرية ما زلنا نقوم بتزويدهم بالغاز, حيث تعتمد دولة الإمارات على 40% من الغاز القطري لتوليد الكهرباء”.

 

وفيما يتعلق بأسباب هذا العداء الذي يكنه الجار الإماراتي، فإن قطر لا تتحدث عن ذلك البتة, ولكن السياسات المتعارضة التي ينتهجها الجاران في أعقاب “الربيع العربي” تتحدث عن نفسها, ناهيك عن العداء التاريخي الذي كثيرا ما واجه رغبة قطر في التحرر من هيمنة جارتها, وهذا منذ اعلان الاستقلال، عندما كان من المفترض أن تكون قطر مع البحرين جزءاً من الامارات العربية المتحدة التسع، ولكن في نهاية المطاف لم تضم المنظومة الإماراتية سوى سبعة أمارات فقط.

 

ومن المؤكد أن هذه ألازمه ليست الاولى من نوعها في المنطقة، كما ذكر أعلاه, ولكنها تميزت بأنها عقدت أثناء ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي كان له رد فعل قوي وداعم للمملكة العربية السعودية والإمارات ضد قطر, حيث ألقاء هذا الدعم بظلاله على بلدان المنطقة, وهم يعرفون الآن أن الدعم الأمريكي لم يعد ضماناً بأي شكلٍ من الأشكال.

 

في الواقع  فإن الخليج تدويل على الرغم من نفسه, حيث أن التحالفات الإقليمية الجديدة آخذة في الظهور وأكثر لفتاً للنظر منها ما هو بلا شك الحلف المنسوج بين قطر وتركيا, والتحالفات التي لم تعد أيديولوجية بقدر المصالح السياسية والاقتصادية الوطنية، مما يجعل الفجوة الدبلوماسية ممكنة في حالة الدوحة.

 

*1 ألن جريش: رئيس تحرير مجلة أوريان ٢١، متخصص في شؤون منطقة الشرق الأوسط، له  العديد من المؤلفات منها:علام يدل اسم فلسطين, وأغنية الحب, وإسرائيل-فلسطين، تاريخ فرنسي مع هيلين الديجير.

 

*2 قامت دولة قطر بنشر ألف جندي في المملكة العربية السعودية على الحدود مع اليمن في العام 2015, ولكنها قامت بسحبهم بعد تأجج الأزمة بين البلدين.