المخاوف السعودية – الإسرائيلية من قمة كوالالمبور الإسلامية
السياسية – عبد الخالق الهندي:
شكلت قمة كوالالمبور المصغرة، فاتحة جديدة للعمل الجمعي للأمة الإسلامية، خصوصا وأن محور إنطلاقها؛ تمثل في مواجهة الاسلافوبيا التي تشن ضد المسلمين في كل بقاع العالم بهدف التشويه والتأثير على صورة الاسلام السمحة في مخيلة الرأي العام العالمي.
كما أن توقيت إنعقادها شكل ايضاً رداً رادعاً لمن يحاول ان يُخضع كل مؤسسات العمل المشترك للأمة الاسلامية والعربية ( الجامعة العربية، منظمة التعاون الاسلامي) لأهواء الامريكيين والإسرائيليين .
والناظر للظروف التي صاحبت وقت انعقاد هذه القمة ، يلحظ أن هناك توجه كبير لتأسيس عمل إسلامي – عربي، حر ومستقل يتصدى لكل القضايا والمشاكل الكبيرة التي تواجه المسلمين، علاوة على انه يسعى إلى وأد وطمس كل مظاهر الفرقة والتشتت التي دأب المشروع الصهيوأمريكي على زرعها وتغذيتها بواسطة أدواته وأذرعته المتأسلمة.
وقد تجلى خوف أعداء هذه القمة في اللحظات الاولى لانعقادها، من خلال الضغوط التي مارستها السعودية والإمارات على باكستان واندونيسيا، لإجبارهما على عدم المشاركة في القمة ، وكانت النتيجة عدم حضور زعماء هاتين الدولتين القمة.
وكحال أي قمة سواء كانت عربية أو إسلامية لا تشارك فيها السعودية التي تعتبر نفسها الدولة الكبرى الحريصة على العالم الإسلامي، تعرضت القمة الإسلامية المصغرة التي اختتمت أعمالها في العاصمة الماليزية كوالالمبور السبت الماضي، لهجمة شرسة من قبل وسائل الإعلام السعودي والإماراتي والدول المتحالفة معها كالبحرين ومصر وغيرها وصولا إلى وصفها بقمة “الضرار”.
ضغوط المال السعودي:
وزعمت الرياض أن القمة التي انطلقت في الـ 18 من ديسمبر الماضي بمشاركة 20 دولة عربية وإسلامية ويتزعمها رئيس الوزراء الماليزي مهاتير محمد والرئيس التركي رجب طيب اردوغان وأمير دولة قطر الشيخ تميم بن حمد والرئيس الإيراني حسن روحاني، ستعمل على تقويض دور منظمة التعاون الإسلامي، ومقرها في السعودية والتي تمثل 57 دولة تسكنها أغلبية مسلمة.
ولم تكتف السعودية برفض المشاركة في القمة رغم الدعوة الموجهة لها من رئيس الوزراء الماليزي، بل مارست ضغوطا كبيرة على دولا كثيرة متحالفة معها لثنيها عن المشاركة.
باكستان التي كانت من الداعيين لقمة كوالالمبور إلى جانب اندونيسيا، أعلنت في اللحظات الأخيرة قبيل انطلاق فعاليات القمة اعتذارها عن المشاركة لأسباب خاصة عقب زيارة إلى الرياض قام بها عمران خان وهي ما وصفها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بضغوطات سعودية وإماراتية مفترضة.
السعودية ومن منطلق هيمنتها على بعض الدول الإسلامية، مارست ضغوطا كبيرة على باكستان حتى تتخلى الأخيرة عن المشاركة في القمة ووفقا لما كشفه الرئيس أردوغان في مؤتمر صحفي في اليوم الختامي للقمة، فإن الرياض التي قدمت تعهدات وودائع للبنك المركزي الباكستاني، هددت بسحبها ، ولم يقتصر الأمر على ذلك حيث هددت السعودية بطرد قرابة أربعة ملايين عامل باكستاني من أراضيها واستبدالهم بعمال من بنجلاديش الأمر الذي جعل رئيس وزراء باكستان يتراجع عن حضور القمة وهو التصرف ذاته الذي قام به نائب الرئيس الإندونيسي في اللحظات الأخيرة قبيل انطلاق القمة.
القمة الإسلامية لم تشكل مصدر قلق للرياض وحلفائها فقط في العالم العربي والإسلامي، بل كانت مصدر إزعاج لدولة الاحتلال الإسرائيلي ولدول غربية مارست ضغوطا كبيرة على أدواتها في الشرق الأوسط ومنها الرياض وأبو ظبي ودولا أخرى كي تعمل على إفشال القمة بسبب مشاركة إيران وهو ما ظهر جليا في وسائل إعلام السعودية وحلفائها كالإمارات والبحرين ومصر التي شاركت الرياض رفضها غير المبرر للقمة وترجمة ذلك بوضوح في وسائل إعلام تلك الدول.
وكرد فعل رسمي من منظمة التعاون الإسلامي التي زعمت الرياض أن قمة كوالالمبور ستقوض عملها، سارع أمين عام المنظمة يوسف العثيمين إلى القول إن منظمة التعاون الإسلامي جامعة لكل المسلمين، وأي عمل إسلامي مشترك يجب أن يتم في إطار المنظمة مع أنها ومنذ تأسيسها لم تحل أي قضية من القضايا التي يعاني منها المسلمون في أغلب البلدان وخصوصا مسلمي “الروهينغا” في ميانمار الذين يتعرضون وبصورة مستمرة لأبشع أنواع الاضطهاد والتعذيب والذي وصل إلى حد الحرق حتى الموت على مراى ومسمع العالم العربي والإسلامي إلى جانب قضايا أخرى كالقضية الفلسطينية التي يتم المزايدة السياسية عليها من قبل عملاء الغرب وإسرائيل وآل سعود في مقدمتهم.
العثيمين وفي صورة أظهرت تأثر السعودية على منظمة المؤتمر الإسلامي زعم أن أي عمل خارج المنظمة ويقصد بذلك قمة كوالالمبور يعد إضعاف للإسلام والمسلمين.. متناسيا أن ما يعانيه المسلمين اليوم هو بسبب القادة الذين يحاول إرضائهم والذين يعتبرون وصمة عار في جبين الأمة الإسلامية.
مهاتير مهدد الصهيونية:
القلق الإسرائيلي من القمة الإسلامية في ماليزيا نقلته صحيفة “العربي الجديد” عن مركز القدس لدراسة المجتمع والدولة الذي يرأس مجلس إدارته دوري غولد وكيل وزارة الخارجية الإسرائيلي الأسبق، المركز الذي توقع أن تخرج القمة بمواقف معادية لدولة الاحتلال وخصوصا ما يتعلق بالتعاطي مع الشعب الفلسطيني وقضيته بسبب توجهات الدول الممثلة في القمة إزاء عاصمة الكيان الصهيوني “تل أبيب”، ومن ذلك مواقف مهاتير محمد من الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي وهجومه في وقت سابق على منظمة التعاون الإسلامي بسبب عجزها عن القيام بتحركات جدية لمساندة القضية الفلسطينية والوقوف ضد العدوان الإسرائيلي المتواصل على الشعب الفلسطيني.
وما زاد مخاوف المركز الإسرائيلي هو مشاركة وفد حركة حماس الفلسطينية بقيادة رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنيه في القمة، إضافة إلى مخاوف أخرى من ثقل سياسي للدول المشاركة في القمة لردع وتقليص حدة المخاطر التي يتعرض لها المسلمون في العالم.
الجانب الاقتصادي، كان حاضرا في القمة المصغرة وهو ما أفصح عنه رئيس وزراء ماليزيا مهاتير محمد في اليوم الختامي من مباحثات بين بلاده وإيران وتركيا وقطر لتنفيذ المعاملات التجارية بالذهب ونظام المقايضة كنوع من الحماية من أي عقوبات مستقبلية محتملة عليها مستشهدا بما تعانيه إيران وقطر من تبعات مقاطعات اقتصادية الأمر الذي يستدعي ضرورة اعتماد العالم الإسلامي على نفسه لمواجهة أي تهديدات مستقبلية من السعودية وحلفائها كما حصل ضد قطر منذ أكثر من عامين ونصف العام وما يحدث لإيران من عقوبات جديدة قبل عام من أمريكا تحت مبررات وحجج واهية كالإرهاب.
زعماء الدول التي شاركت في القمة اتفقت على ضرورة إبرام المزيد من المعاملات بين دولهم والتجارة بعملاتها المحلية.
غياب الازمات الكبرى:
ومع أن القمة كانت جرس انذار للعرب والمسلمين كما قال الكاتب العربي الكبير عبد الباري عطوان للمخاوف المذكورة سلفا إلا أنها لم تناقش بصورة مستفيضة الأزمات الكبرى القائمة منذ زمن التي تمس المسلمين ومنها فلسطين وكشمير ومحنة مسلمي الروهينغا في ميانمار واحتجاز مسلمين من الأويغور في معسكرات بمنطقة شينجيانغ في الصين، إضافة إلى سبل مكافحة ظاهرة “الإسلاموفوبيا” بالعالم.
وما تم التطرق اليه لم يتعدى مخاوف من اخضاع بعض المسلمين في الدول غير الإسلامية لاندماج قسري دون أن يذكر دولة بعينها.. رافضا ذلك الاندماج القسري الذي يصل إلى حد التخلي عن العقيدة الإسلامية.
المخاوف السعودية من القمة إلى جانب الموقف ذاته في الكيان الصهيوني تؤكد فشل سياستها مع حلفائها تجاه العالم الإسلامي ودوله التي تعاني من مشاكل كبرى لا تُحل إلا في اجتماع الكلمة وهو ما تخشاه الرياض وتل أبيب وهذا رأي الكثيرين.