“الرمال المتحركة في الخليج: مساعي الملك سلمان الأخيرة من أجل إحلال السلام”
أصبحت العلاقات بين دول الخليج أكثر تعقيداً خلال السنوات الأخيرة، خاصة منذ عودة الأزمة النووية الإيرانية إلى الساحة الدولية, أضف إلى ذلك التحالفات المتهاوية والتقاربات والمصالحات, فيما يخص الوضع الجغرافي السياسي الذي أضحى معقد للغاية, وفي هذا السياق، ليس من المستغرب أن يتقرب العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز من دولة قطر.
بقلم: سيباستيان بوسويس*1
(صحيفة “لو سوار- LE SOIR” البلجيكية, ترجمة:أسماء بجاش-سبأ)
على مدى السنوات الثلاث الماضية، لم يكن من السهل مواكبة التغييرات الهامة في العلاقات بين الدول في منطقة الخليج العربي, حيث كان إعادة بناء هذه التحالفات في بعض الأحيان خجول إلى حداً ما، وأحياناً أخرى كانت محاولات لزعزعة الاستقرار الكامل لهذه الدول, مع عودة الأزمة حول البرنامج النووي الإيراني إلى الساحة الدولية منذ العام 2016, والحصار الذي فرضته الرباعية: السعودية والإمارات والبحرين ومصر, بقيادة الرياض وأبو ظبي في العام 2017 على دولة قطر, إذ وجدت الدوحة نفسها باتت وحيدة بين أعضاء مجلس التعاون الخليجي الآخرين.
وبدعم من طهران وأنقرة، اضطرت الدوحة إلى مراجعة شبكة تحالفاتها, ولكنها تمكنت من المقاومة حيث باء الحصار المفروض عليها بالفشل, وفي حين لا تزال قطر واقفة على قدميها, وينطبق الشيء نفسه على طهران، التي تقاوم الضغط الدولي الأقصى الذي يمارسه عليها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالإضافة إلى الاضطرابات الداخلية فهل يمكن أن تدوم هكذا؟
حتى الآن، كانت التحالفات واضحة: من ناحية الرياض وأبو ظبي المدعومة من واشنطن وتل ابيب ضد طهران وفي الحرب على اليمن ومن جهة أخرى الدوحة التي لم تشارك على الإطلاق في الرؤية الجيوسياسية لطهران في المنطقة.
ماذا حدث في الأسابيع القليلة الماضية؟ لماذا قررت الإمارات الاقتراب بشكلٍ مفاجئ من إيران ولماذا قام الملك العجوز سلمان بإجراء مكالمات هاتفية مع الدوحة لدعوة الأمير تميم آل ثاني لحضور قمة مجلس التعاون الخليجي القادمة؟
المقاومة الإيرانية غير المتوقعة
علينا أن نعود قليلا إلى الوراء والبحث في اروقة التاريخ الحديث, بالتحديد عندما وصل دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، والفشل في محاولة إقناع باراك أوباما بالخطر الإيراني لمدة ثماني سنوات، حيث كانت دولة الإمارات بدعم من السعودية الواقعة على خط المواجهة قادرة على إقناع البيت الأبيض في العام 2016 بضرورة تفكيك الاتفاق النووي الإيراني.
ومن جانبها, عارضت قطر وعمان ذلك بشدة, ولكن على الأرجح لم تتخيل دولة الامارات، كما هو الأمر بالنسبة لقطر في هذا الشان، أن طهران سوف تقاوم, وسرعان ما أدرك محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي والمدافع القوي عن العقوبات ضد النظام الفارسي والضغط الأقصى، أن اندلاع شرارة حرباً محتملة في المنطقة لن يخدم مصالحة وأنه كان من الأفضل محاولة الاقتراب من إيران مرة أخرى.
تشجيع إزالة التصعيد
في نوفمبر 2019, صرح أنور قرقاش، وزير الخارجية الإماراتي، بأن التصعيد مع إيران ليس له أي فائدة وأن الدبلوماسية الجماعية ضرورية لحل مثل هذه الأزمات.
وفيما وراء خطاب الواجهة، يبدو أن هذا التقارب المفاجئ مشروط بتغييرين في نهج الإستراتيجية الإماراتية تجاه جارتها, والمتمثل في الانسحاب من حرب اليمن والأمن البحري لمنطقة الخليج.
من الأفضل دائماً بالنسبة لدولة الأمارات الاستقرار السلطوي، بغض النظر عن من كان الفاعل، من أن تنزلق في مستنقع الفوضى, لذلك كان من الضروري بدء عملية التهدئة لإظهار أنه على الأقل في حالة حدوث انزلاق، فإن أبو ظبي لن تكون مصدر حرب مفتوحة مع العملاق المجاور لها.
هجرة جماعية للإيرانيين من دبي
كان لأبو ظبي أيضا مصالح اقتصادية حقيقية, حيث دفعت ثمن العقوبات التي فرضت على طهران بعد انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي، إذ أن الجالية الإيرانية في دبي كانت تلعب دورا اقتصاديا هاماً, ناهيك عن كونها كانت تتمتع بشكلٍ دائم بقوة كبيرة جدا.
ومع الموجات الأولى من العقوبات الأمريكية قبل توقيع اتفاق فيينا في العام 2015, كانت أمارة دبي الميناء البديل الثاني للإيرانيين ولكن منذ ارتفاع حدة الأزمات في منطقة الخليج على مدار السنوات الثلاث الماضية، غادر أصحاب رؤوس الأموال الإيرانيون إمارة دبي, فهذه الهجرة الجماعية لم يستفيد منه الآن سوى تركيا وسلطنة عمان على وجه الخصوص, حيث فقدت أمارة دبي نصف عدد الإيرانيين الذين كانوا متواجدين على أراضيها والذين انخفض عددهم من 700 ألف شخص إلى 350 ألف شخص!
وينطبق الشيء نفسه الآن على قطاع التجارة الذي بلغ قيمته ما يقرب من 2 مليار دولار خلال العام 2018, إذ انخفضت كذلك إلى النصف, ولذلك فمن الوارد جداً أنه خلال الأشهر المقبلة، أن تأخذ العلاقة بين البلدين منحى آخر, حيث ستشهد ازدياد لم يسبق له مثيل.
الخوف من العزلة
بالطبع، كل هذا ينظر اليه بالفعل بنظرة سيئة جداً من قبل المملكة العربية السعودية، التي لم يكن لديها حل سوى محاولة التقرب من عدو أبو ظبي اللدود: قطر.
وفي خضم مواجهة خطر زعزعة الاستقرار الاقتصادي الكبير وعدم القدرة على إطلاق العنان للتنويع، لا تريد الرياض أن تكون معزولة بشكل تام, في الوقت الذي سيقاتل فيه الرئيس دونالد ترامب للحفاظ على مكانته في البيت الأبيض للسنوات الأربع القادمة في 2020.
ويبدو من الواضح جداً, أن الملك سلمان سعى إلى تهدئة حِدة حماس ولي العهد الأمير محمد بن سلمان الذي لم يتسبب في شيء سوى خلق الفوضى منذ توليه مقاليد سلطة ولي العهد، لذا عمل على التقرب من قطر.
في السياق الذي مات فيه مجلس التعاون الخليجي منذ حظر أحد أعضاءه وفي مواجهه المخاطر الكبرى لنيران الخليج، فان عمل الملك السعودي العجوز يكاد يكون مثل آخر على عمل من أعمال الشرف والبقاء لمقاومه الإغراء البافلوفي*2 الاقليمي من الفوضى.
كما أنه سيكون مثلاً للتقاليد العربية للمصالحة, حيث يطمح الملك في نهاية المطاف إلى ترك ارض هادئة ومستقره لابنه, فقد أدرك الملك سلمان بالتأكيد أنه لا يمكن القيام بأي شيء بشكل بناء وإيجابي في المنطقة بدون مجلس التعاون, وبدا ذلك في قمة مكة المنعقدة في مايو 2019, بيد أن هذه المحاولة أسفرت عن فشل لاذع في مسار المفاوضات بين جميع أعضاء المجلس, لذا هل يمكن أن تكون هذه أخر فرصة لتجنب اندلاع حرب مفتوحة؟
* سيباستيان بوسويس: بروفسور في العلوم السياسية وباحث في شؤون الشرق الأوسط والعلاقات الأوروبية العربية: الإرهاب والتطرف، بالإضافة إلى كونه مدرس في العلاقات الدولية في جامعة بروكسيل ومركز منع التطرف الذي يؤدي إلى العنف في مونتريال
*2 مصطلح في علم النفس السلوكي، يصف شكل من أشكال التعلم الترابطي، حيث يكتسب منبه خارجي معين القدرة على استحضار استجابة الفرد الخاصة بمنبه آخر.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.