(افتتاحية صحيفة “ويست فرانس” الفرنسية – ترجمة: محمد السياري – سبأ)

 

على مدى خمس سنوات عجاف، عملت الحروب المروعة على تدمير كل ما هو جميل في هذا البلد الفقير للغاية, وفي الفترة ذاتها كان الشعب اليمني يعاني الأمرين: حيث لقي ما لا يقل عن 95 ألف شخص حتفهم في حين خسر ما يربو على 85 ألف طفل أرواحهم على أثر ذلك الصراع المرير الذي تتواجه فيه الحكومة اليمنية الشرعية مع الجماعة الحوثية المستميتة للأستحواذ على مقاليد الحكم في البلد. وفي الوقت الذي تتلقى فيه تلك الأولى كامل الدعم اللازم من قبل قوات التحالف العربية بقيادة المملكة العربية السعودية، تجد الأخرى نفسها مدفوعة من قبل المطامع الاستعمارية لجهورية إيران الشيعية.

وفي ظل هكذا إطار، لنا ان نجزم بأن معاناة الشعب اليمني لا يمكن ان تصل إلى نقطة النهاية في ظل الظروف السيئة التي تحوطه من كل حدب وصوب: ومن المعلوم للجميع أن الافتقار الشديد إلى المياه في هذه المنطقة قد جعل مسيرة الكفاح ضد الأوبئة الخطيرة كالكوليرا مسيرة عبثية لا تسد رمقاً ولا تشبع جوعاً؛ وبالإضافة إلى ذلك يجد اليمنيون صعوبة بالغة في الحصول على المواد الغذائية الضرورية للبقاء على قيد الحياة؛ كذلك هي الحال بالنسبة للرعاية الطبية والمواد الإغاثية العلاجية التي تجد طريقها نحو كثيرٍ من الفئات المدنية المستهدفة.

وفي ضوء التراجع المستمر في معدل الرواتب, بات يتحتم على العديد من العائلات المفاضلة بين احتياجاتها: فإما العمل من أجل شراء العلاجات الضرورية للمرضى وإما الغذاء للأطفال!

من زاوية مناظرة، كان لذلك الصراع العديد من الأبعاد الكارثية الأخرى؛ ومن ذلك أنه كان سبباً في دفع الملايين من السكان إلى هجر المحيط المتمدن تحت وطأة عمليات القصف الكثيفة باحثين عن ملجأ يأويهم ويستر عائلاتهم لدى المجتمعات القروية التي من البديهي ألا تكون لديها الموارد الكافية لاستيعابهم, أضف إلى ذلك التصاعد المتسارع في وتيرة الضغوط ومظاهر الفساد المتنامية والمتوغلة في عمق المجتمع؛ ولا نغفل كذلك الأتساع المخيف في رقعة الممارسات العنيفة في الاوساط الأسرية، إلى جانب التنامي الكبير في عدد الزيجات القسرية للفتيات القاصرات، وغالباً ما يكون مرد ذلك إلى العجز المادي الذي أصاب ذويهن ليصبحوا غير قادرين على توفير أبسط الاحتياجات ولاسيما الضرورات الغذائية.

ولعل أكثر ما يذيب القلب حزناً وألماً، على حد تعبير وفاء السعيدي، أن يضطر حديثي السن من الشباب إلى الانخراط في المجال العسكري لتوفير ما أمكن لإعالة أسرهم، الأمر الذي يسهم حقيقة إلى حد بعيد في تسعير نيران الحرب والدفع برحاها نحو حافة اللاعودة.

في ضوء هذه المحنة، لا تقدم المساعدات الإنسانية والإغاثية الكثير كما هو متوقع منها، وما من شيء ملموس سوى بعض التخفيف من المعاناة التي يعاصرها الشعب اليمني بصورة يومية, وفي هذا الإطار لم تنسى وفاء السعيدي تقديم الشكر كأقل ما يمكن لقراء صحيفة “ويست-فرانس” على تبرعاتهم التي تساعد ولو بشيء يسير في شراء الأدوية والمعدات الطبية الضرورية لمساعدة ضحايا هذه الحرب الشؤومة, ولكن بالرغم من ذلك لا تزال المساعدات الإنسانية، على حد قولها، بعيدة كل البعد عن بلوغ الحد الذي يمكن من خلاله تدارك الانهيار المستمر في الأوضاع الصحية والغذائية: وما ذاك إلا لاستحالة تقديم المساعدة اللازمة لما يقرب من 28 مليون نسمة.

ومن هذا المنطلق، يجب أن تتمثل الغاية المرجوة من المساعي الأممية في إعادة الأوضاع إلى معيارها الطبيعي حتى يتمكن الناس من استئناف حياتهم ومواصلة المسير؛ وإذا ما نجحت تلك المساعي في إيقاف الحرب، عندها فقط يصبح من الممكن استئناف جهود التنمية على هذه الأرض “الحزينة” رغم ما عرف عنها على مر العصور.

الشعب المكلوم… وشبح الموت!

أينما ألقينا بأنظارنا نجد الحزن قد خيم على المكان, فما من عائلة إلا وهي ترثي طفالاً أو زوجة أو أباً أو بعلاً, وليست أطراف النزاع هي الاخرى في منأى من عبثية الحرب وشبق العنف؛ بل الجميع في دائرة واحدة منغمسين في مستنقع من الدماء والأشلاء المتناثرة هنا وهناك, الأمر الذي لم يعد يتحمله كلا الشعبين على مختلف فئاتهم وأعمارهم وانتماءاتهم؛ ولأجل ذلك على الجميع أن يغتم الفرصة متى ما كانت مواتية ومهما كانت ضئيلة للالتفاف حول طاولة واحدة والبحث عن مخرج ينقذ الجميع من شبح الدمار والخراب والموت، على حد قول وفاء السعيدي التي تعلق آمالاً كبيرة على المجتمع الدولي وتؤكد على إيمان الشعب اليمني الراسخ في قدرة هذا الاخير على الضغط على أطراف النزاع بما يحقق الخلاص والسلام الشامل للجميع.

في السياق ذاته، هنالك نقطة جوهرية جلية للعيان ولا يمكن أن يختلف عليها أثنان: فبفضل المجتمع الدولي والمساعي الكبيرة التي يقوم بها على الدوام أنخفض معدل عمليات القصف الجوية التي تقوم بها طائرات التحالف إلى حد كبير وملحوظ، فضلاً عن أن ميناء الحديدة لم يتعرض للتدمير والركود كما هو الحال بالنسبة لمختلف المؤسسات الحيوية والبنى التحتية الأخرى؛ وذلك أنجاز رائع لا نكران لشكره والثناء عليه؛ ولكن بالرغم من ذلك تبقى المسألة والغاية المرجوة بعيدة كل البعد عن تلك التخوم: إذ لا بد من فرض سيادة القانون واحترام مبادئ وحقوق الإنسان المكفولة من قبل المجتمع الدولي، كما أنه يتحتم علينا وضع حد نهائي وحاسم للحصار الذي تفرضه دول التحالف على الأراضي اليمنية، وكذلك وقف الاقتتال وإقامة السلام, وهذا في حقيقة الأمر ما ينشده اليمنيون ويأملون في تحققه.

من زاوية أخرى ودون أن نبتعد عن المسار، يتحتم على الحكومة الفرنسية من جانبها أن تكون جادة كلياً في تحمل مسؤولياتها وتعمل بكل شفافية على إيقاف صفقات بيع الأسلحة التي تبرمها باستمرار مع السعودية التي لا تتوانى مطلقاً هي الاخرى عن توظيفها بطريقة مخالفة لما وجدت له كقمع المدنيين واستهداف الأوساط السكنية وغير العسكرية. ووفقاً لما استندت إليه الأطراف القانونية المناهضة لتلك الصفقات في باريس، فذلك لا يتعارض مع  القانون الدولي وما يتضمنه من بنود فحسب، بل أنه يرقى إلى المستوى الذي يجعل الدولة الفرنسية غير مؤهلة وغير مستحقة لتغدو كما وصفها رئيس الجمهورية اليافع، إيمانويل ماكرون، إحدى القوى العظمى الرائدة في القرن الحادي والعشرين.

* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.