من سيهاجم من؟ إيران ومصير إسرائيل
بقلم: جان بيير بنسيمون
من الضروري قراءة هذا المقال التحليلي الموثق بشكلٍ ابداعي للغاية من قبل أستاذ العلوم الاجتماعية “جان بيير بنسيمون”
(موقع “جي فوغوم- jforum” الفرنسي, ترجمة:أسماء بجاش-سبأ)
إن احتمال وقوع هجوم إيراني وشيك على دولة إسرائيل هو السؤال الذي يطرحه القادة السياسيون والعسكريون في إسرائيل على أنفسهم اليوم أكثر من أي وقت مضى, وذلك بعد أن تغير المشهد الاستراتيجي بشكل جذري خلال الأشهر الأخيرة.
وفي الذكرى الثانية والعشرون للكنيست المنعقدة في 3 من أكتوبر الماضي، أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على أن تل ابيب تواجه تحدياً أمنياً كبيراً نظراً لأن هذا التصعيد أخذ في التقدم من أسبوع لآخر.
ومن جانبه, أكد نائب رئيس هيئة الأركان في الجيش الإسرائيلي “افيف كوخافي” هذا التطور العدائي في 24 أكتوبر, حيث قال أن الوضع على الجبهتين الشمالية والجنوبية متوتر وهش للغاية ويمكن أن يتصاعد إلى مواجهة عسكرية.
كما أوضح رئيس العمليات في الجيش الجنرال “هارون هاليفا”, أن هناك تهديدات تحدق بدولة إسرائيل في المناطق الحدودية الشرقية, والشمالية والجنوبية… وبالتالي لن يكون العام القادم مُواتيٍ لأمن إسرائيل … فالقوات الإيرانية متواجدة بالقرب من مرتفعات الجولان، بيد أن وجودهم هناك ليس بمثابة تهويل للأمر وليس مثيراً للقلق, وفي الوقت نفسه، أشار الجنرال السابق ومستشار الأمن القومي في إسرائيل، بالإضافة إلى كونه قد شغل أيضاً منصب رئيس قسم الأبحاث في المخابرات العسكرية الإسرائيلية وأحد أبرز الخبراء في البلد “يعقوب أمدرور”، إلى أن إيران تسعى إلى خلق “طوق من النار” حول الدولة اليهودية.
يضاعف الإيرانيون من جهتهم الاختلافات حول وعدهم بالقضاء على أعدائهم, وبالنسبة لحسين سلامي القائد العام للحرس الثوري الإيراني يجب أن تمحى الأنظمة الشريرة من على وجه الأرض، ولم يعد هذا حلماً صعب المنال، ولكنه هدف قابل للتحقيق.
تباهى نائب قائد العمليات في الحرس الثوري الإيراني، عباس نيلفوشان، بنفس الروح, حيث صرح قائلاً: “لقد تمكنت إيران من تطويق الكيان الإسرائيلي من أربعة جوانب, وهكذا لن يبقى شيء من إسرائيل”.
بيانات المواجهات الإسرائيلية الإيرانية قبل الصيف عام 2019:
في الواقع، إذا تغيرت صورة المواجهة بشكلٍ جذري في صيف العام 2019, يجب ألا نُغفل الطرف عن البيانات المستمدة من الحالة السابقة لفهم ما يحدث.
ففي أعقاب الاتفاق النووي الذي أبرم في العاصمة النمساوية فيينا في يوليو من العام 2015, تغيرت الوجهة المالية الإيرانية بشكل إيجابي ومذهل خاصة في مواردها المالية.
أضف إلى ذلك, فقد تم ارجاع 100 مليار دولار نقدا للحكومة الإيرانية و 15 مليار دولار تم تقديمها كمكافأة على موافقتها على الجلوس على طاولة التفاوض, كما تلقت طهران سيلاً عارماً من الاستثمارات الأوروبية والصينية وروسية وغيرها الكثير.
ومع انتصاراتها الدبلوماسية والمالية، استفادت ايضاً طهران من ضعف شركائها الغربيين, أولاً وقبل كل شيء على حساب الرئيس باراك أوباما الذي أراد فعلاً تسليمها مفاتيح المنطقة، وبالتالي كان في انتظار نظام آيات الله مستقبلاً أكثر إشراقا.
فهل كان يفكر الرئيس في الحياة اليومية لشعبه أو لتحديث مجتمعه؟ حيث يتطلب الأمر ميلاً معيناً للموضوع، وغالباً ما كان موجود لدى الغرب في فترة ما بعد الحداثة والعالمية، ليؤمنوا بذلك.
بالتأكيد لا يرى الطرف الآخر ما تتخيله عند ارتداءك النظارات السوداء الخاصة بك, فالنظام الإيراني كان منذ ولادته الخيار الأيديولوجي لخدمة انتصار الإسلام العالمي.
“جيش جمهورية إيران الإسلامية وفيلق الحرس الثوري الإسلامي … سيكونان المسوؤلون، ليس فقط عن حماية وحراسة حدود البلد, ولكن أيضاً عن تنفيذ المهمات الإيديولوجية للجهاد في سبيل الله، وهذا يعنى توسيع سيادة قانون الله في جميع أنحاء الأرض … ”
وبعبارات ملموسة، حددت إيران لنفسها منذ يوليو 2015, هدفا مزدوجاً يكمن في تسريع جهودها النووية ومضاعفة أنشطتها التوسعية في المنطقة, حيث تم التركيز على التقنيات والوسائل التي لا تزال تفتقر إليها فيما يتعلق بالأسلحة النووية: تصنيع القنبلة النووية، وتصغير حجم الأسلحة النووية ونظام الصواريخ البالستية العابرة للقارات.
اما بالنسبة للمنطقة، فإنها سوف تشهد حروب عديدة في أماكن جديدة مختلفة في: سوريا والعراق واليمن, وعلى سبيل المثال، سوف يتغنى النائب علي رضا زكريا أو آيه الله علي يونيسي، مستشار الرئيس روحاني، بالسيطرة على بيروت ودمشق وبغداد وصنعاء كما تفاخروا في وقت مبكر من العام 2015.
تكتيكات حرب إيران فريدة من نوعها على هذا النطاق, حيث تنطوي بشكلٍ تقريبي على إنشاء أو سيطرة الجماعات والأحزاب والميليشيات والقبائل والعشائر الذين سيقاتلون نيابة عنها بالوكالة، على أنموذج حزب الله الإيراني أو الجهاد الاسلامي في فلسطين أو الحركة الحوثية في اليمن.
وهذا يسمح لآيات الله في إيران بعدم الظهور على الخطوط الأمامية في الخطط الممنوحة لأنصارهم وتأييدهم للجرائم التي يرتكبونها.
وفي الوقت نفسه، فإنهم يوفرون عتاد المقاتلين,كما يوفرون ايضاً المال في لهذه الصراعات غير المكلفة نسبيا.
لن تتردد طهران من هذا المنطلق في نقل الأسلحة ومعظم التكنولوجيات الأكثر تقدماً إلى ميليشياتها على نطاق واسع.
فعلى سبيل المثال، فبعد أن تم تزويد حزب الله بالصواريخ بصورة وفيرة، فانه يزوده الآن بالمعلومات الاستخباراتية والمعدات لإضافة أنظمة توجيه دقيقة إلى الأجهزة التي في ترسانتها، وبالتالي سيرفع من معدل خطورتها.
واليوم ينتاب صناع القرار في الغرب حالة من القلق حيال أحد بنود اتفاقية فيينا والذي يحد من خمس سنوات من الحظر المفروض على شحنات الأسلحة المتقدمة إلى إيران.
وهكذا, ستُمنح روسيا والصين الضوء الأخضر لتسليم معدات متطورة مثل صواريخ كروز, بالإضافة إلى التقنيات ذات الصلة إلى طهران والتي ستسرع بدورها في إسنادها إلى “وكلائها”.
حذر براين هوك, الممثل الخاص للولايات المتحدة الأمريكية في إيران، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشيوخ بهذا الشان:
“منذ العام 2017, وسعت إيران من أنشطتها في مجال الصواريخ الباليستية لشركائها في جميع أنحاء المنطقة”.
من المقرر رفع الحظر المفروض في 18 أكتوبر من العام 2020, ويبدو أن لا الصين ولا روسيا، اللتين لديهما حق النقض “الفيتو” في الأمم المتحدة على استعداد تام لتمديده.
يمكن لهذه الأسلحة ضرب إسرائيل وأوروبا كذلك, وهكذا، فإن الحروب الإيرانية بواسطة البدائل المحلية تعارض القانون الدولي والاتفاقيات، سواء كانت غير موالية أو إرهابيه, حيث ستسمح لها بتحقيق في الانصهار الذي لم يسمع به بين دور المرشد في السياسة الثورية ودور أعضاء المجتمع الدولي وبين وضع سيد التخريب ومركز المتعصبين في النظام الدولي.
إستراتيجية إسرائيل للحرب بين حربين, لا تستطيع إسرائيل قبول الآثار الثلاثة المترتبة على تداعيات حماقة الإله الشيعي بعد العام 2015:
أ- أن تصبح إيران نووية, في الواقع يمكن للقنبلة الذرية أن تلحق أضرراً بالغة في بلد صغير, حيث يتركز فيها الناس والبنية التحتية, وفي حال عدم استخدامها بشكل مباشر، فهي بالتأكيد ستكون بمثابة وسيلة ابتزاز لا يمكن وقفها, حيث ستجعل من الحياة مستحيلة في الدولة اليهودية.
وحتى تقتصر بشكل صارم على الدفاع عن إيران الأسطورية التي من شانها أن تكون حكيمة وعقلانية، فإن استخدامها سيفضي حتما إلى نهاية العالم كما هو موضح في الدارسة التي تقدم بها البرفيسور “ستيفن ر ديفيس”, في مجال الأمن والسياسة في الشرق الأوسط والتي تحمل عنوان :”المسلحة والخطرة:لماذا إيران النووية عقلانية؟ خطر غير مقبول على إسرائيل”.
ب – تم تشكيل جبهة ثانية على غرار جبهة جنوب لبنان، مع نشر ميليشيات موالية لإيران على حدودها, بالإضافة إلى نشرها صواريخ متوسطة المدى على حدودها الشمالية مع سوريا وخارج الأراضي العراقية.
ج- إن ترسانات الصواريخ الموجهة بشكل دقيق يتم نشرها في نطاق “أراضيها الداخلية” والتي تضع سكانها ومدنها وبنيتها التحتية تحت رحمة نواب المرشد الأعلى الإيراني.
فعلى سبيل المثال, اخترع صناع القرار الاستراتيجي في القدس مفهوم “الحرب بين الحربين” وقاموا بتطبيقه على أي العمليات غير محددة والتي تحظر بالقرب من المناطق الحدودية، حيث أن نشر القوات العسكرية أو الترسانة العسكرية للعدو ونقل الأسلحة التقليدية وأنظمة التوجيه تعتبر تغيير لقواعد اللعبة، وهذا يعني على الأرجح زعزعة موازين القوى العسكرية.
يختلف نوع العمليات والهجمات في بعض الأحيان, فمنها ما قد يكون عسكري وقد تكون أيضا هجمات الإلكترونيه وحروب نفسية واقتصادية وحتى دبلوماسية.
ولكي تظل هذه المبادرات “بين حربين” يجب أن لا تؤدي إلى حرب عامه ويتم اختيارها بعناية للامتثال لهذا الشرط.
لكن عدم وجود الحرب لا يعني بالضرورة وجود السلام, إنها اللحظة “الرمادية” عندما يتم فيها التصرف بشكل حكيم لمنع حدوث حرب قادمة في ظل ظروف معاكسة وغير مواتية.
وبالتالي، ووفقا للتقارير الأجنبية، فقد استهدفت إسرائيل ما لا يقل عن 300 هدف في سوريا فقط.
وتشير تقارير أخرى إلى تحول هام في هذه المسألة, حيث رحب يعقوب أمدرور، المذكور أعلاه بنتائج هذه الاستراتيجية “العدوانية” ولكنه يأسف بشكل شبة عميق بشأن الإستراتيجية السابقة المتمثلة في “الحذر” التي سمحت لحزب الله بأن يمتلك ما بين 130 و 150 ألف صاروخ في جنوب لبنان.
ومع ذلك، يبدو أنه منذ أن أعلنت إيران أنها سترد على الهجمات التي استهدفت قواتها أو منشأتها, أظهرت إسرائيل محاولات في ضبط النفس بشكلٍ غير عادي.
ووفقا لما ذكره بعض المراقبين، فقد تغير الكثير جدا، حيث أصبح مفهوم الحرب بين حربين من المفاهيم التي عفا عليها الزمان الآن.
وبالنسبة لهم، يجب أن يتم على وجه الاستعجال استعراض المذهب الاستراتيجي للبلد وتعديله وفقا للوضع الجديد.
التغييرات الكبيرة في صيف 2019, واصلت إيران مطلع شهر يونيو شن هجماتها، مما أغضب السياسة الأمريكية إلى درجة أن الرئيس ترامب انتقل من موقف الشخص الذي يفرض المفاوضات على إيران إلى الشخص الذي يتوسل اليها, كما تخلى أيضاً في الوقت نفسه عن حلفائه التقليديين، بعد أن فقد ثقته فيهم.
وهذا ما دفعهم إلى السعي إلى أقامة علاقات مباشره مع إيران من أجل إيجاد حلٍ للتسوية.
إضافة إلى ذلك، فقد أظهرت طهران قدرات تكتيكية غير متوقعة, متحديا بذلك ببراعة مذهلة من خلال جميع أنظمة الكشف الأمريكية والسعودية, حيث شلت في بضع دقائق من خلال ضربات تم شنها مرة واحدة, 50 ٪ من إمكانات النفط في السعودية دون تسجيل سقوط قتلى أو جرحى أو حتى كسر زجاج في مبنى في المنطقة المحيطة.
إن الحرية، التي يتمتع بها الجانب الإيراني وترسانته العسكرية، أصبحت الآن كاملة لدرجة أنه لم يعد يتردد في تحرير نفسه علنا من قيود الاتفاق النووي.
غرق الرئيس ترامب:
في 8 مايو من العام 2018, انسحب الرئيس ترامب من الاتفاق النووي الذي ابرمه سلفه باراك أوباما مع إيران تماشيا مع تعهداته الانتخابية, حيث وصف هذا الاتفاق بأنه “اسوا الاتفاقيات”, حيث طلب من طهران في فترة سابقة إعادة فتح ملف المفاوضات ولكن دون جدوى.
ومن جانبه, أعرب الرئيس ترامب عن رغبته في إعادة فتح ملف القيود المؤقتة المفروضة على إنتاج إيران من المواد الانشطارية وتوسيع نطاق المناقشة فيما يخص القذائف بعيدة المدى والأنشطة التخريبية التي ينتهجها آيات الله في العديد من بلدان الشرق الأوسط.
وفي مواجهة رفضهم المستمر، أعلن الرئيس ترامب عن العودة التدريجية إلى نظام العقوبات في غضون 180 يوما.
انتهى الأمر بعدة محاولات من هذه الإجراءات إلى فرض حظر اقتصادي على إيران حيث هجرتها الشركات متعددة الجنسيات التي عملت على تطوير مشاريع استخراج النف من على الأراضي, حيث خاطر المستثمرين من البلدان الأجنبية، بما في ذلك الصين، بأنفسهم, إذ باتوا معرضين لخطر العقوبات.
كان نظام “الضغط الأقصى” هو الذي دفع بطهران إلى الموافقة على الدخول في مفاوضات بالشروط التي يرغب بها الرئيس ترامب, ولكن إيران طالبت فورا بسحب العقوبات قبل النظر في إمكانية التفاوض.
بيد أن الوضع والحماس الذي أبدياه كلاً من إيمانويل ماكرون وأنجيلا ميركل اللذين أضافا خطة إنقاذ بقيمة 15 مليار دولار لإرضاء آيات الله قد تعثرت, حيث لم يتمكنوا من الدفع بالمجريات التفاوضية إلى الأمام ولا حتى قيد انملة.
وبدلا من الركوع، اختارت إيران مبدأ الهجوم, حيث بدأت سلسلة من عمليات التخويف في مايو 2019, وذلك بعد انتهاء مدة الأذون المؤقتة بشراء النفط الإيراني لمدة ستة أشهر إلى عدد قليل من البلدان, حيث كان الرد الإيراني عدواني جدا، إذ تراوح بين عمليات تخريب للناقلات في البحر، والاستيلاء على سفن الشحن وناقلات النفط، وشن هجمات على المحطات النفطية في المملكة العربية السعودية.
وعلاوة على ذلك، عملت طهران في 20 من يونيو 2019 على إسقاط طائرة استطلاع بدون طيار من طراز آر كيو- 4غلوبال هوك تابعة لسلاح الجو الأمريكي.
ومن جانبها, لا تعترف إيران أبدا بأنها المؤلف أو المحرض على عمليات حرب عصابات الدولة هذه, حيث أنكرت الاتهامات بشكلٍ ساخر فيما يخص عملية إسقاط الطائرة الأمريكية، متهمة الطائرة بانتهاك مجالها الجوي.
وهكذا أثبتت إيران للإدارة الأمريكية انها بإمكانها شل طرق الشحن في منطقة الخليج، وفتح جبهات مختلفة في المنطقة وجرها إلى مستنقع الحرب وجعل طهران كابوسا يؤرق مضجع البنتاجون والرئيس ترامب الذي يأمل في إعادة انتخابه في العام 2020.
دعوانا نلخص ذلك:
يعتقد ترامب أنه يمكن أن يُركع طهران على ركبتيها بعد فرض العقوبات الاقتصادية عليها, ومن جانبها, ردت إيران بالتهديد بإجبار واشنطن على الدخول في حرب عالمية غير متوقعة من شانها أن تكلفه إعادة انتخابه, وهكذا انتصر خامنئي على ترامب بحسب موقع إيبون.
بدأ عصر التقهقر والركوع, حيث بدأ الرئيس ترامب بالامتناع عن الاستجابة العسكرية لإنقاذ الملاحة البحرية، ووقف العمليات التخريبية، والمصائد النفطية، وتدمير طائرة الاستطلاع بدون طيار الأمريكية، إلى استهداف عمق حليفتها السعودية في 14 سبتمبر, ويعود هذا الاجراء الإداري الأولي لهذا الانعكاس من تاريخ الأول من أغسطس 2019.
وفي ذلك اليوم، جدد الرئيس الأمريكي ترامب الإعفاءات التي تأذن لبعض الدول بالتعاون مع إيران في مجال الطاقة النووية المدنية، وهي أحدى الطرق المحددة للسعي السري لبرنامجها النووي العسكري.
ووفقا لما ذكره أحد أبرز الخبراء الأمريكيين “مايكل دوران”: “بالنسبة لخامنئي، فإن الاستثناءات هذه بمثابة حجر الزاوية في الاتفاق النووي، وهو الهيكل الذي يوفر التغطية الدولية لبرنامج إيران للأسلحة النووية.
هذا هو الأساس الذي لم يجرأ ترامب على إسقاطه بإلغاء “التنازلات” المبرمة خلال الموعد النهائي في نهاية شهر أكتوبر، في حين أن الإيرانيين أذنوا لأنفسهم بصورة رسمية استئناف الأنشطة النووية المحظورة في محطة فوردو والتي تعتبر من البنى التحتية النووية الرئيسية للبرنامج الخاص بالأسلحة, بالإضافة أيضاً إلى استئناف الأنشطة النووية المحظورة في مفاعل اراك.
تمشيا مع هذا التحرك العام، فقد عمل الرئيس ترامب بالفعل على طرد مستشار الأمن القومي، جون بولتون، في 10 سبتمبر من البيت الابيض، بالرغم من كونه أحد أكثر الصقور تشدداً حيال الملف الإيراني.
“الضغوط القصوى” ما هي إلا مجرد شعار, وخلال انعقاد الجمعية العامة للأمم المتحدة في واشنطن، أهان الرئيس ترامب نفسه عندما توسل للرئيس حسن روحاني لإجراء مكالمة هاتفية معه في مقر إقامة, في حين رفض الرئيس روحاني الرد على المكالمة التي كان ترامب ينتظر فيها على الخط الآخر من الهاتف.
كيف يمكن تفسير هذه الكارثة التاريخية؟ يمكن لنا أن نتذكر الوعود التي اطلاقها الرئيس ترامب خلال حملته الانتخابية، حيث وعد ناخبيه بسحب الولايات المتحدة الأمريكية من الحروب التي خاضها أسلافه وعدم الانخراط في حروب جديدة.
والآن, هناك أيضا خسارة نسبية لقيمة منطقة الشرق الأوسط بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية المكتفية ذاتيا في مجال النفط.
إستراتيجية إيران ذكية في قلب ميزان القوى من الصعود إلى التطرف وهو موقف لا يمكن تصوره تماما للرجال الأعمال التجارية.
تعمل وسائل الإعلام الأمريكية على تكثيف التركيز على القارة الآسيوية, حيث العملاق الصيني, ومع ذلك، فان هذه العوائق لا تبرر الخيارات المحفوفة بالمخاطر للقاطن الحالي للبيت الأبيض.
في الأساس، تكمن نقاط ضعف الرئيس ترامب في اتجاهين, الأول يكمن في الجهل بالتاريخ وغياب الرؤية, والثاني يكمن في أساليب العمل التي تقتصر على الاستخفاف بالطرف الآخر, حيث يقتصر تصوره للقيادة على فن الصفقات التجارية من أجل الحصول على الأموال من خلال سلسلة من صفقات بيع الأسلحة العسكرية, فهو يهمل رؤية المستقبل وثقل العناصر غير الملموسة.
من الواضح أن الرئيس ترامب لا يفهم القوة الذهنية للقناعات المشتركة ولا قوة المواقف مثل احترام الالتزامات والتمييز بين الأصدقاء والأعداء والردع ضد العدو والتزامن بين الكلمات والأعمال….وعندما يتعلق الأمر بصنع القرار، فإنه لا يتنبأ بتبعات القرار: فهو غير قادر على النظر في الخطوة الثانية والثالثة عقب اتخاذ القرار، حيث أن جهله في التاريخ واضح جداً, بالإضافة إلى عدم قدرته على تحقيق الاستقرار وتسهيل عمل فريقه من المستشارين, كما أنه أكثر سخرية، فهذه هي الوسطية التي من الضروري تجريمها.
حرية إيران في العمل النووي وإتقانها لأحدث التقنيات العسكرية: كان لانهيار ترامب اثر فوري في إفلات إيران من العقاب, إذ لم يعد وريث بلاد فارس القديمة يخشى انتقام واشنطن المحتمل بغض النظر عن مخاطر هذا العمل على المنطقة, حيث كان قادراً على الإفلات من العقاب بعد استهداف منشأتي بقيق وخريص الواقعة في العمق السعودي والحليف القديم لمعاهدة كوينسي التي ابرمها الملك عبد العزيز آل سعود مؤسس المملكة العربية السعودية والرئيس الأمريكي فرانكلين روزفلت في العام 1945, فهذا الهجوم جاء مصحوباً بغطرسة غير مسبوقة، إذ تم حرمان المجتمع الدولي من 5% من موارده الهيدروكربونية, كما أنه كان قادرا على إسقاط طائرة الاستطلاع بدون طيار وإفلات من العقاب مرة اخرى, بالإضافة إلى قيامه بتزويد الحوثيين بالأسلحة المتطورة والتصرف كما يحلو له في العراق…. الخ.
إن حرية طهران الثانية في التسليح العسكري جاءت نتيجة انهيار خصومها السنّة المباشرين: السعودية والبحرين والإمارات التي تعرضت لضرباتها, حيث ذهبوا إلى كانوسا، أي إلى محكمه خامنئي ليتجنوا التوبيخ الشديد من طهران.
أكد وزير الخارجية السعودي عادل الجبير من على منصة موقع التواصل الاجتماعي “تويتر” أن المملكة العربية السعودية نقلت رسالة إلى إيران عبر “بلد شقيق”، مفادها أن الرياض لطالما سعت دائما إلى تحقيق الاستقرار والأمن في المنطقة”.
لم يعد يتعين على آيات الله القلق بشان هذا الأمر، وعلى الأقل على المدى القصير, لان العداء المتجذر في الانتماءات الدينية عميق جدا لدرجة يصعب حله بسهولة.
لا يزال هناك سؤالين:
الأول: هل ستبقى أمريكا بقيادة ترامب محايدة إذا قررت إيران مهاجمة إسرائيل؟
الثاني: هل ستبقى أمريكا خارج اللعبة إذا قررت إيران الانتقال إلى “الطفرة النووية”؟
تم أعطى إجابات واضحة إلى حد ما من قبل قادة البلدين, إذ لا ينتاب نتنياهو توجس أو اي أوهام, حيث ابلغ أعضاء مجلس الوزراء أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لن يتصرف ضد إيران قبل الانتخابات العامة الأمريكية في نوفمبر من العام 2020.
رد كريستوفر فورد، مساعد وزير الخارجية الأمريكي للشؤون للأمن الدولي وعدم الانتشار في مؤتمر عقد في معهد دراسات الأمن القومي في تل ابيب في 11 نوفمبر, على سؤال حول موقف الولايات المتحدة الأمريكية من انتهاك إيران المتزايد للقيود المفروضة عليها فيما يتعلق بالاتفاقية النووية، حيث قال: “لا يمكن أن تجبر إيران على السير على عكس المأزق الذي يواجهه من خلال الاتفاق النووي… فقد وضعنا أكبر عدد ممكن من القيود على سلوك إيران… »
ومن الواضح أنه يجب علينا أن ندرك بأن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد أن تستخدم وسائل أخرى سوى ضبط النفس حتى في أخطر الحالات مثل “الوسائل العسكرية”.
تطرق الجنرال يعقوب امدرور، الذي حضر نفس الاجتماع الذي حضره وزير الخارجية الأمريكي، إلى أربع نقاط, وأضاف:”قد يتعين علينا أن نتصرف بشكل مباشر مع إيران لوقف تقدمهم… فالعالم ليس مستعدا لردع إيران, لا الناتو ولا الولايات المتحدة الأمريكية… أنهم يفضلون إغلاق أعينهم, إذا لم يمنع العالم إيران من الحصول على أسلحه نووية, فان السعودية وتركيا ستفعل ذلك أيضا، حيث سيكون لدى العديد من الدول في الشرق الأوسط أسلحه نووية يمكن أن تدمر موسكو وبرلين وحتى واشنطن”.
ما هي الحالة النهائية لمسرح الشرق الأوسط بالنسبة لإسرائيل في نهاية صيف العام 2019 ؟
1- فقدت واشنطن الحليف الرئيسي لتل ابيب نفوذها الرادع على الجبهات المواليها المحلية, كما منحت إيران الحرية الكاملة في العمل حتى لو كانت قد انخرطت في “طفرة نووية”.
2- تسيطر إيران على التكنولوجيات العسكرية مثل المعالجة الاستخباراتية المتقدمة واستخدام الصواريخ غير القابلة للكشف بشكل خاص والطائرات بدون طيار, وبالتالي فهي تمثل تهديدا استراتيجية جديدة لإسرائيل التي لا تعرف بالضرورة كيفيه التعامل معها.
3- إن الحلفاء العرب ضد إيران المنضوين تحت الجناح الأمريكي يقومون الآن بالعمل على أيجاد حل لتفاوض مع آيات الله، مما يسمح لهم التوقع في أحسن الظروف، بأنهم سوف يتخذوا موقف الحياد في المواجهة الإسرائيلية مع إيران.
4- يبدو أن مفهوم “الحرب بين حربين” التي حدت من وصول الأسلحة المتطورة وزيادة أعدد الميليشيات في مرتفعات الجولان وإطلاق القذائف من الأراضي العراقية كانت من السيناريو الإيراني لإشعال فتيل الحرب مما قد يؤدي إلى الانسحاب من القدس كخيار للدفاع عن النفس مع تجنب الحرب المفتوحة.
5- ارتفاع وتيرة القدرات الهجومية للميليشيات التابعة لإيران بشكلٍ سريع في كلاً من: لبنان, وغزة, وسوريا, والعراق واليمن, لأن إيران تقوم بنقل الأسلحة المتطورة بشكل منهجي (جزء من صواريخ “جوال” الموجّة والطائرات بدون طيار) وتكنولوجيات إنتاجها محلياً.
6- اتساع رقعة المد الجغرافية الإيراني وصولاً إلى اليمن المستفيد من الصواريخ الإيرانية بعيدة المدى المدرجة ضمن قائمه البلدان التي يمكن لإيران أن تشن هجماتها من أراضي تلك الدول, ولكن هذه المرة من جنوب السعودية، في حين تهدد طهران الدفاعات الإسرائيلية من الشمال.
ومن ناحية أخرى، تتدهور الحالة في إيران كذلك فيما يتعلق ببعض المعايير:
1- سيكون لدى طهران عجز مالي كبير لدفع تكاليف إعادة تجهيز ميليشياتها التي تقدر بالمجموع بما يدنوا من 200 ألف مقاتل, بالإضافة إلى توفير الخدمات للسكان المحليين المحتجزين فيها طالما استمرت العقوبات الاقتصادية الامريكية.
2- تظاهر الحشود الجماهيرية الكثيرة بشكل دائم في لبنان والعراق احتجاجا على وجود ميليشياتها بالوكالة وسيطرتها على الدول الوطنية, الأمر الذي يضاعف التقلبات التي تؤثر على استراتيجيتها التوسعية وزيادة التكلفة.
3- تدهور الوضع الاقتصادي لطهران سيكون له أثر سلبي في الاستقرار الداخلي للنظام الإيراني، كما أنه سيؤدي إلى تقهقر المد الإيراني الإقليمي.
ما الذي تريده إيران بالضبط؟
بحكم أنه “مؤيدً لعلي”، فقد أعطى الخميني لثورته مهمة استعادة الجوهر الإلهي لخلافة نبي الإسلام “محمد”، وهذا يعني إعادة المسلمين لطريق الإيمان الحقيقي والتخلص من السلطة الإسلامية العليا لأي شخص لا يستطيع تأكيد وجود صله النسب بالنبي “محمد”.
إن حلم النظام الإيراني يكمن في طرد الشيطان الأميركي الأكبر من منطقة الشرق الأوسط, وبالتالي البدء دون عوائق أو قيود في تدمير الشيطان الإسرائيلي الأصغر، والتخلص من عائله آل سعود التي لا تربطها أي صلة بالنبي “محمد”, بالإضافة إلى بسط الوصاية على المدينتين المقدستين في الدين الإسلامي: “مكة والمدينة”.
وعلى أساس هذه الانتصارات يمكن أن تصبح طهران منارة وقبلة للمسلمين لاستعادة إيمانهم الطاهر المنقى بعد 15 قرنً من الأخطاء.
وفي هذا الإطار، فان مخطط الوقود الثوري في جوهره وجميع أفعاله يجب أن يكون مترابط بشبكة القراءة هذه.
وأخيراً ولعدة عقود، لطالما حلم الخمينيون بتقديس مرجعهم وفتح فرص الغزو من خلال تطوير أسلحة نووية وبالستية حديثة.
وبالإضافة إلى هذه الأحلام التي لم تبرح أن تنفك من مخيلتهم والتي ظلت تراودهم منذ 40 عاماً, فإن جموع آيات الله البراغماتيين والانتهازيين في الوقت نفسه يسعون الآن إلى تحقيق أهداف ملموسة للغاية, بيد أن تدمير إسرائيل ليس هدفهم الأول.
فهم يعتبرونه تتويجا لقبضتهم على منطقة الشرق الأوسط في عمليه تدريجية من العزلة والمضايقة والخنق، حيث أن مذهبهم يحتم عليهم إخفاء عملياتهم والتصرف بالوكالة.
أنهم يعملون حاليا على زيادة عدد مواقعهم الأصلية لشن هجماتهم المحتملة وإنشاء بنك من الأهداف لتعقيد الدفاع عن إسرائيل.
ولكن لتامين أماكنهم في العراق وسوريا التي تتعرض للغارات الإسرائيلية, يمكنهم شن هجمات في أي وقت إلى داخل الدولة العبرية على النموذج الذي هز العربية السعودية في 14 سبتمبر الماضي أو على وضع جديد واقل قابليه للتنبؤ به.
يمكن أن نتوقع جدول أجندتهم: فالغارة الحارقة ذات الأصداء المدوية التي تم تنفيذها في 14 سبتمبر على حقول النفط في قلب السعودية ربما كانت الهدف الرئيسي لتخلي الرياض عن تدخلها في اليمن.
في الواقع وفيما يتعلق بالإمارات يبدو أن البلد قد تخلى وبدأ بتفاوض بشان خروجه من المسرح اليمني ذو الأهمية الكبرى لمستقبلها.
وفي هذه الحالة، وجدت إيران ضرورة تعزيز حكم الحوثي بشكلٍ إلزامي, حيث قدم لها بطبق من ذهب سيطرتها على الموقع الذي تحلم به عند مدخل المضيق الاستراتيجي لباب المندب, بالإضافة إلى تجميد تدريجي للجزاءات الأمريكية الحالية.
أشار كريستوفر فورد في مؤتمر تل ابيب والمذكور أعلاه أن الولايات المتحدة الأمريكية اقترحت على إيران عرضا تفاوضيا يتضمن:
“تخفيف جميع العقوبات, واستعادة العلاقات الدبلوماسية والعلاقات التعاونية المماثلة للعلاقات مع الدول العادية, وفي المقابل يجب أن تتصرف مثل الدولة العادية، ولكن على أمل أن تتخذ إيران بدورها هذا الخيار”.
وربما ينتظر آيات الله الموافقة على الحصول على ضمان، على غرار الرئيس أوباما, بحيث يكون اتفاقاً جديداً سيغلق المصالحة دون تقييد حقيقي لاستمرار برنامجهم النووي والبالستي.
من الطبيعي أن تواصل إيران انشاء قواعد عسكرية “دائرة النار” حول إسرائيل من خلال تثبيت الجماعات المسلحة الموجودة على أرض الواقع وتزويدها بالأسلحة الأكثر تطوراً وتحسين قدرتها على التنسيق والمناورة.
ومن وجهه النظر هذه، فإن الأردن الواقعة في قلب العاصفة نظراً لكونها تمتلك حدودا طويلة مع العراق ومع إسرائيل أيضا, ومن المتوقع أن تؤدي عمليات التخريب التي تتم بالتحكم عن بعد من طهران إلى إجبار المملكة السنية “الأردن” إلى الانخراط ضمن “المحور الشيعي”.
وفي الأخير، ستنتهي الحملة الانتخابية الأمريكية في 3 نوفمبر 2020, أي في غضون أقل من عام.
وكما وضح كريستوفر فورد، ستتمتع إيران بالحرية الكاملة في العمل العسكري خلال هذه الفترة، حيث ستتمكن من تنفيذ برنامجها النووي.
يمكن لآيات الله أن يغتنموا بشكلٍ كامل هذه النافذة غير المتوقعة لكي يدخلوا في “خضم طفرة نووية” بمعنى آخر “صنع القنبلة النووية”, فمن الناحية النظرية من الممكن أن تستغرق عاماً لامتلاكها ولكن في الواقع، كما يعلم الجميع، لا يستغرق صنع مثل هكذا سلاح سوى بضعة أشهر فقط.
ما هي الاستراتيجية بالنسبة لإسرائيل؟
اتساع نطاق الصدامات في هذا المسرح الاستراتيجي الكبير المكون من آلاف الكيلومترات بفضل المجموعة الجديدة من الصواريخ، فقد كان من بين الحتميات تحديد التحالفات الممكنة.
من الواجب أن تكون أولى الحلفاء المحتملين لإسرائيل ضد إيران هم الدول الأوروبية, فهذا ليس بسبب التعاطف المفرط مع الدولة اليهودية ولكن لأنهم يتقاسمون مصالح مشتركة هامة معها.
تقع أوروبا ضمن نطاق الصواريخ الإيرانية العابرة للقارات، وهي تعترف إيران أن صواريخها قد تحتوي على رؤوس نووية عما قريب, إذ لا يخفى عليها أيضا مدى الغطرسة التي يتسم بها نظام آيات الله عند الدفع ببيادقهم.
ومثلاً على ذلك:
– تفجيرات العام 1953 التي هزت العاصمة اللبنانية بيروت والتي راح ضحيتها 58 جنديا فرنسيا.
– تفجيرات 1985-1986 التي هزت العاصمة الفرنسية باريس.
– هجوم فيلبينتي الفاشل شمال باريس في العام 2018.
تعي تل ابيب جيداً أن إيران تقترب بشكلٍ أو بآخر من البحر المتوسط، فناءها الخلفي.
وأخيراً، فهي تعرف أن الإيرانيين الذين ينتشرون في الخليج الفارسي وعلى أطراف باب المندب، يسعون إلى سيطرتهم للطرق البحرية الاستراتيجية الجنوبية لغرض مصالحها التجارية، مما قد يسبب زلزالا في الاقتصاد العالمي، والذي قد تكون أوروبا هي الضحية الاولى ويجب على إسرائيل أن تسعى وترعى هذا التحالف بروح خلاقه.
وعلاوة على ذلك، يجب على إسرائيل أن تستعد لاحتمال وقوع هجمات واسعة النطاق بواسطة أسراب من الصواريخ.
وبحسب التقديرات، فإن حزب الله يمتلك اليوم ترسانة عسكرية مكونة من 130 إلى 150 ألف صاروخ بأنواعها القصيرة والمتوسط وطويلة المدى.
وفي حال نشوب حرب شاملة, يرى بعض المحللين أن الجماعة الإرهابية “حزب الله” التي اصبحت بالواقع تمتلك قوة عسكرية سيكون بمقدورها إطلاق ما بين 1500 إلى 2000 صاروخ يوميا على إسرائيل.
ومن المستحيل وقف هذا النوع من الهجوم بواسطة الأجهزة المضادة للصواريخ – المشبعة- أو من خلال الطيران الذي لم يتم تكوينه بعد بشكل كامل لضرب صندوق غير محدد من الأهداف الصغيرة.
وبالتالي, فإن الحل الوحيد يكمن في النشر الفوري للقوات البرية لاحتلال الأرض في أسرع وقت ممكن.
وهذا ينطوي تحت تغيير جذري في العقيدة العسكرية, فمنذ العام 1982, تم تلخيص العقيدة الإسرائيلية في صيغه ” “Intel/Firepowerأي “الاستخبارات والضربات القوية على الأهداف”, وهذا الخيار يحفظ عمليات النشر البري، وبالتالي الحفاظ على حياة الجنود, ولكن العدو قد تكيف على ذلك, فهو يعرف الآن كيفية التفريق بين الأهداف، وكيفية نشر الأهداف الزائفة، بالإضافة إلى كيفية دفن رجاله وأسلحته, وهذا ما يسمى بـ انخفاض الاستراتيجية “Intel/Firepower.
والبديل هو العودة إلى العقيدة السابقة والمتمثلة في”النتائج الإيجابية الحاسمة” والتي تعني القتال البري على أراضي العدو لوضع حد فعال لقدرتها التدميرية.
جاء الانتصار في الانتفاضة الثانية في شهر ابريل من العام 2002 من خلال عملية “الدرع الواقي” حيث سقط المئات من الضحايا مما استدعى إرسال الجنود إلى المدن الفلسطينية الرئيسية والتي عرفت بمثلث الدرع “طولكرم وجنين ونابلس”.
ومن جانبها, تدرك هيئة الأركان العامة الإسرائيلية تماماً أن بناء جيش تقليدي يتفوق في المناورات الأرضية هو خيار معقد ويستغرق وقتاً طويلاً.
كما أن الإستراتيجية الإسرائيلية تتضمن الدفاع ضد الصواريخ الانسيابية ” كروز” والطائرات بدون طيار الهجومية التي يصعب اكتشافها.
وإذا كانت الأقمار الصناعية والنظم الأرضية الأمريكية والسعودية غير قادرة على كشف أسراب الصواريخ الإيرانية وهجوم الطائرات بدون طيار التي تقترب من أهدافها بالتحليق بالقرب من الأرض، فذلك يرجع بشكلٍ جزئي إلى اتساع رقعة المنطقة المترامية الأطراف التي تم تغطيتها.
لا يختلف التركيب الجغرافي للمملكة العربية السعودية عن القارة الأوروبية, ومن وجهة النظر هذه، فأن إسرائيل تتمتع بميزتين اثنتين, لا تخضع للتأثير المفاجئ لأن الغارة التي وقعت في السعودية في وقت سابق لم يتم تحليلها على النحو المطلوب هذا من ناحية.
ومن ناحية أخرى، وبالنظر إلى المجال أو النطاق المطلوب تغطيته، فإن التغطية الحالية قد تكاد تكون كافيه، حيث أن هناك رادارات دوبلر ذات السعر المتدني والتصميم الإسرائيلي والتي يمكن أن تغطي المساحة المحتملة بين أفق الكشف للأجهزة الحالية على الأرض.
أخيرا وليس آخرا، ماذا سوف يكون الرد على أن إيران التي كانت ستستحوذ على “القفزة النووية” وهي فرضية معقولة جدا، إذ لطالما لمسنا هذا الشيء.
لا يخفى على هيئة الأركان العامة الإسرائيلية الموارد الخاصة والصعوبات التي تكتنف هذه المساعي.
عانت دولة اسرائيل من ثلاث إخفاق لتنفيذ هجمات عسكرية ضد إيران في ثلاث مناسبات:
– الأولى كانت في العام 2010, حيث اصدر رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع ايهود باراك اوامر للجيش بتنفيذ ضربة عسكرية ضد ايران لكن مئير داغان رئيس جهاز الموساد وغابي أشكنازي رئيس الأركان، رفضا تلك الأوامر وبالتالي لم يتم تنفيذ تلك العملية.
– بعد عام فقط, جدد رئيس الأركان الجنرال بيني غانتس، الحملة العسكريّة عينها والتي بادر إليها كل من نتنياهو وباراك، ومعهما وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان.
– تم أجهاض المحاولة الثالثة في العام 2012، حيث ظهرت خلافات جدية بين نتنياهو وباراك حول توقيت الهجوم المفترض، ومن جديد لم يقدر للعملية أن تخرج إلى حيز التنفيذ.
وفي العام 2019, أصبحت العملية الهجومية أكثر تعقيدا, لأن إيران قامت خلال العشر السنوات الماضية بوضع دفاعات وقائية لها جديدة على الساحة, والمسالة الآن في ايدي التسلسل الهرمي السياسي والعسكري للبلد, والمؤكد أن هناك العديد من الطرق لإثارة المشكلة الإيرانية بشكل عام.
أشار يعقوب أمدرور إلى نقد السياسة المتبعة في العقد الماضي, حيث قال أن الإستراتيجية “الحذرة” الخاسرة والفاشلة، لـ “حزب الله” سمحت بتجميع وتكديس ترسانة عسكرية هجومية ووحشية في حلق الدولة اليهودية, وفي المقابل، مع الحرب في سوريا، سمحت “الإستراتيجية العدوانية” بالحد من نقل الأسلحة إلى المناطق الشمالية، ونشر أنظمة توجيه صاروخية دقيقة وإقامة قواعد عسكرية.
ماذا يقترح يعقوب أمدرور؟
أدركت طهران أن تل ابيب قد نجحت في تفكيك آله الحرب في سوريا, لذلك شرعت هي الأخرى في تشييد آله حرب مستقلة لها في العراق…. وبالنسبة لطهران، فإن الفكرة تكمن في امتلاك قدرة عسكرية قريبة من تل ابيب مع البقاء على مسافة بعيدة.
والسؤال اللافت للانتباه هو ماذا ينبغي أن يكون رد فعل إسرائيل في مثل هذه الحالة؟ نحن نعرف جيداً أن رأس الأفعى موجود في إيران, فهل ستسعى إسرائيل إلى تحقيق أهدافها في كلاً من: سوريا, أو العراق, أو لبنان أو اليمن؟ أو ستذهب بصورة مباشرة إلى لاقتلاع رأس الأفعى؟
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.