المثلث في الخليج: المملكة العربية السعودية وإيران وقطر
( موقع “بوليفارد أكستورير – “BOULEVARDEXTERIEUR الفرنسي , ترجمة: أسماء بجاش- سبأ)
يوجد ثلاث دول لها دور رئيسي في منطقة الخلجان: العربي والفارسي, كما يوجد دول أخرى لديها حصة أصغر, في حين أن الولايات المتحدة وروسيا هما القوى الخارجية الوحيدة التي تتدخل في شأن المنطقة, وخارج المجال الاقتصادي، يعتبر الدور الأوروبي غائباً بشكلٍ تقريبي, وهذه الدول الثلاث هي:
– المملكة العربية السعودية التي تعتبر القوة الحقيقية, بيد أنها تعاني بشكل خاص من هشاشتها الديموغرافية.
– إيران وهدفها الأساسي هو ضمان أمنها من خلال جعل منطقة الخليج مساحة فارسية.
– قطر التي لديها سياسة خارجية نشطة بشكل خاص.
ولتسليط الضوء على هذه الملفات, عمل خبراء “Club des Vingt” على تحليل الوضع في المنطقة.
1- المملكة العربية السعودية: قوة حقيقية، قوة هشة:
تقوم الرياض بدور قيادي في المنطقة, بالرغم من كونها قيادة ضعيفة, وفي المقابل لا يمكن لسوريا ولا للعراق ولا حتى لمصر أن تكون قادرة على المطالبة ولو لفترة بهذا الدور القيادي لفترة طويلة, وبالتالي, فإن إيران هي خصمها الرئيسي.
تمتلك الرياض أصول كبيرة ومهمة, فهي تعتمد على نظام قائم على التحالف بين أسرة آل سعود، حيث أنهم يحتفظون بجميع أدوات السلطة الدينية السلفية والموارد المالية الكبيرة المستمدة من قطاع النفط والتي تقدر بي 260 مليار دولار المتوقعة للعام 2019, بالإضافة إلى شبكة من التأثير الديني ذات تداعيات عالمية، بما في ذلك رابطة العالم الإسلامي وجامعة المدينة التي تدرب الأئمة في جميع أنحاء العالم, لكن المملكة العربية السعودية تعاني من الهشاشة الديموغرافية: 20 مليون سعودي مقابل 80 مليون إيراني, بالإضافة إلى سوء إدارتها, وإذا كان جيشها مجهزاً بمعدات حديثة ومتطورة بفضل الميزانية العسكرية التي تعادل 10٪ من إجمالي الناتج المحلي، فمن البديهي أن تتمكن من جذب المرتزقة, وفي المقابل تم أظهار قدرة تشغيلية متدنية.
كان للصواريخ التي من المحتمل أن تكون من أصل إيراني والتي جعلت من المنشآت النفطية السعودية هدفاً نصب أعينها، أثر مذهل وخانق, حيث خلق هذا الهجوم شعوراً بالضعف.
أعاد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان توافق الآراء بين السعوديين بالقوة الوقائية لصالح فرع عائلته, فهو يحفز سياسة المغامرة التي يقرها في الكثير من الإخفاقات التي ساهمت في تشويه الصورة العامة للمملكة:
– اضعاف نفوذها في لبنان.
– فشل الجماعات السلفية في سوريا.
– الجمود والكارثة الإنسانية في اليمن.
– فشل الحصار المفروض على قطر.
وعندما يتعلق الأمر بالسياسة الخارجية، ركز ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان على الرئيس الأمريكي ترامب، ولكن مع اغتيال الصحفي السعودي كاتب العمود في صحيفة الواشنطن بوست “جمال خاشقجي، فقد ذهب بعيدا جدا, حيث أن الرياض تعتبر اقل عداء للمؤسسة العسكرية مما هو عليه بالنسبة للكونغرس والجمهور الأمريكي.
2- إيران:طموح ذو طاقة عالية, وشاغل أمني ذو أولوية:
الهدف الرئيسي لإيران التي أصيب بصدمة جراء الحرب الدامية التي خاضتها مع العراق، هو ضمان أمنها, ومن جانبها, روجت السياسة الأمريكية إلى حد كبير لهدفها المتمثل في التخليص من تهديدها الرئيسي، صدام حسين، وذلك من خلال إنشاء قوه شيعيه في العراق من خلال لعبة الديمقراطية, وعلى الجانب الآخر أكدت دورها في سوريا ولبنان من خلال وجودها العسكري.
أضف إلى أمنها المباشر، فأن هذا التقرير يفسر القضايا الأمنية للإدارة الإيرانية، كما كان الحال في الماضي من قبل حكم الشاه، والذي تلخص في جعل الخليج فضاء فارسي خارج نطاق تأثير القوى الخارجية.
ساعدت وطأة العقوبات التي بدأت منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية من منع نمو الاقتصاد الإيراني الذي يمتلك جميع الصفات التي تؤهله ليصبح قوة صاعدة, ولكن أدى سوء الإدارة في الحكم الذي قوضه الفساد إلى تفاقم هذا الوضع.
كما أدى الانسحاب من اتفاقية فيينا الموقعة في العام 2015، وتفاقم العقوبات الامريكية إلى جعل إيران دولة مدمرة اقتصادياً بموارد مالية محدودة, حيث انخفضت صادرات النفط الايرانية, ناهيك عن سحب جميع الاستثمارات الأجنبية من البلد, بيد أن إيران تظهر الآن مرونة كبيرة في مواجهة العقوبات بفضل التضامن وتكاتف الأسرة الدولية وعمليات التهريب.
الميزانية العسكرية في ايران تشكل 1/6 مقارنة بالميزانية العسكرية للمملكة العربية السعودية, ولكن طهران تملك قوات محنكة تتكون من الجيش النظامي والحرس الثوري.
تم تجهيز القوات بمعدات أمريكية عفا عليها الزمن، وفي المقابل, تمتلك إيران خارطة تصنيع تسليح محلية, كما يعتمد النظام الإيراني على نظام اداري فعال وعلى شبكة فعالة لإنفاذ القانون من خلال شبكة المجتمعات الملالية والشيعية.
وسعياً لحماية شبكة التمييز باسم “الباسيج”، وسعت الجمهورية الإسلامية الإيرانية نفوذها من طهران إلى بيروت, وهذا الإنجاز يجعل منه محاوراً رئيسياً في منطقة الشرق الأوسط.
ولكن من خلال شبكتها القمعية المنتشرة في كل مكان، فقدت طهران هيمنتها الاخلاقية كالصوت المدافع عن المظلوم, حيث يواجه اليوم حزب الله هو الاخر تحديا في لبنان, كما أن الشيعة في العراق لا يريدون تحول إلى جمهورية إسلامية, وهكذا فشل النموذج الإيراني لتكميم المحتجين والمعارضين.
3- قطر: بلد دبلوماسي دفتر الشيكات ليست كافية لضمان الأمن:
تتمثل أولوية دولة قطر في ضمان سلامتها ومستقبلها في ظل قيادة الشيخ حمد واليوم ابنه تميم، حيث تتمتع دولة قطر بسياستها الخارجية النشطة بشكل خاص وذلك بفضل الموارد الكبيرة التي تجنيها من تصدير النفط ومشتقاته, وبالأخص في قطاع الغاز, إذ من المتوقع أن تسجل الدوحة 140 مليار دولار خلال العام 2019.
ومن جهة وبدرجات متفاوتة من النجاح، شجعت قطر ثورات الربيع العربي لصالح جماعة الإخوان المسلمين في كل من تونس وليبيا وكذلك في مصر أو قطاع غزة.
ومن جهة أخرى، تمارس قطر سياسة القوة الناعمة، على سبيل المثال مع قناتها “تلفزيون الجزيرة”, ومن خلال المشاركة الكبيرة في العديد من الشركات الهامة بما فيها الشركات متعددة الجنسيات, أضف إلى أمنها مكفول أيضا بموجب اتفاقيات التعاون العسكري، ولاسيما مع فرنسا, كما أن الدوحة موطن لقاعدة العديد الأميركية، ولكن أيضا للمنظمات والحركات الأكثر تنوعاً.
4- الولايات المتحدة في تراجع و روسيا في تقدم:
إن فك الارتباط بين الولايات المتحدة الأمريكية الذي بدأه الرئيس السابق باراك أوباما كان نفس النهج الذي سار عليه خلفه, وعلى الرغم من استئناف العلاقات الأكثر دفئاً مع العديد من الدول، بما في ذلك المملكة العربية السعودية، حذر الرئيس ترامب بشكلٍ علني من أنها يجب أن تعتمد بشكل أساسي على نفسها, وذلك من أجل ضمان سلامتها وتطورها, حيث يجب العودة إلى الوراء قليلاً بالتحديد إلى يوم 21 مايو 2019, عندما ألقاء الرئيس ترامب في الرياض خطاباً أشار فيه إلى أنه لا يمكن لدول منطقة الشرق الأوسط أن تنتظر أو تقف مكتوفة الأيدي حتى يتم القضاء على أعدائها من قبل واشنطن, وبالتالي فأن الأمر متروك لهم لتقرير نوع المستقبل الذي يريدون أن تعيشه بلدنهم.
يجب عدم أساءه استخدام تغريدات الرئيس الأمريكي الموجهه ضد إيران, إذ يتجلى بشكلٍ واضح ذلك في عدم رد الفعل غير اللفظي عندما تم إسقاط طائره أمريكية بدون طيار في يونيو المنصرم, وخلال الهجوم الإيراني على المنشات النفط السعودية في منتصف سبتمبر من هذا العام, فالرئيس ترامب والمؤسسة العسكرية لا يردون أثارت حرب جديدة, في حين لم تغادر جميع المجموعات الأمريكية منطقة الشرق الأوسط, أضف إلى ذلك, تلعثم العلاقة مع الرياض خاصة بعد قضية مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
ومع ذلك، تنوي الولايات المتحدة الأمريكية الحفاظ على شبكة من القواعد العسكرية التي لا تزال موجودة بشكلٍ تقريبي في جميع دول الخليج, إضافة إلى مصالحها الاقتصادية وبيع المعدات العسكرية.
لم تكن دول الخليج قط جزءاً من فضاء النفوذ الروسي, ولكنه لم يتوانى عن نسج المزيد والمزيد من العلاقات الجديدة.
قام الملك سلمان بن عبد العزيز في أكتوبر 2017, وللمرة الاولى بزيارة للعاصمة الروسية موسكو, كما جرت العديد من اتصالات بين ولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، في مدينة سوتشي.
كانت منطقة الشرق الاوسط في شهر أكتوبر المنصرم على موعداً مع زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى العاصمة السعودية الرياض, حيث وقع الطرفان 30 اتفاقية اقتصادية وتجارية بنحو ملياري دولار, و خلال هذه الرحلة، توقف الرئيس بوتين ايضاً في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، إذ يرغب البلدان في تطوير علاقاتهما في جميع المجالات.
5- بلدان أخرى في المنطقة:
أ- تدار دولة الامارات العربية المتحدة بالفعل من قبل السلطة المركزية في العاصمة أبو ظبي, حيث يتمثل هدف هذه الامارة في ضمان أمن وسلامة الدولة.
وتحت القيادة الحازمة لولي العهد محمد بن زايد، تدخل أبو ظبي خارج حدودها في كلاً من ليبيا واليمن والقرن الافريقي.
مكنت ثروتها الهيدروكربونية من الحصول علي صندوق الثروة السيادية لهيئة أبو ظبي للاستثمار (ADIA) والذي يبلغ حوالي 700 مليار دولار, ناهيك عن كون دولة الأمارات تملك جيشاً مجهز تجهيزً عالياً, كما عكفت ايضاً على ابرام اتفاقات التعاون العسكري, حيث تستضيف قواعد عسكرية أمريكية وفرنسية.
عُرفت دولة الإمارات بعدائها التام لثورات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة في العام 2011، حيث لطالما عملت على التصدي للنفوذ القطري الذي شد عضد جماعة الاخوان المسلمين, ولكن الحماقات التي ارتكبته الشريك السعودي قادت دولة الإمارات إلى سياسة خارجية أكثر حذراً, ففي اليمن، عملت ابو ظبي على دعم المجلس الانتقالي الجنوبي المنادي بانفصال الجنوب وعودة اليمن إلى ما قبل مايو 1990, كما عملت على استأنف العلاقات الدبلوماسية مع الرئيس السوري بشار الأسد, بالإضافة إلى مساعيها الحثيثة في تجنب اي مصادر للصراع مع إيران.
ب- تولي دولة إسرائيل اهتماما بالغاً بدول الخليج, حيث ينبع هذا الاهتمام في المقام الأول من “التهديد الوجودي” الذي تفرضه طهران المتهمة بتطوير برنامج نووي عسكري, وبالنسبة لتل ابيب، فأن اتفاق فيينا كان بمثابة كارثة وخطيئة.
فطهران من جانبها, لديها خطاب عدواني, في حين اظهر حزب الله اللبناني قدراته العسكرية, كما مكن الدعم الذي توليه طهران لنظام بشار الأسد من تأكيد وجود قوات فيلق القدس والمليشيات الشيعية التي تدربها وتمولها في سوريا, حيث لم تؤد الضربات الإسرائيلية في سوريا ضد إيران إلى الحد من وجودها هناك.
أقامت دول الخليج: السعودية, والإمارات, وسلطنة عمان وقطر علاقات مفتوحة مع إسرائيل بشكل متزايد, حيث نشط التعاون بين أجهزة الاستخبارات, ولكن التطبيع الحقيقي سيتطلب بالضرورة حلا للقضية الفلسطينية.
ج- تحافظ تركيا على علاقاتها الطبيعية مع إيران, في حين تتشاطر التقارب مع قطر التي استغلت الحصار الذي لم يؤثر عليها في تطوير وجوده الاقتصادي.
د- منطقه هشه حيث لا أحد يريد الحرب فيها “المملكة العربية السعودية” التي ادركت مواطن ضعفها وضعف منشأتها النفطية، لا تريد ان تخاطر بهجوم مماثل آخر للهجوم الذي وقع في 14 سبتمبر المنصرم, كما أن الرئيس ترامب يريد أن يستبعد اي خطر من اندلاع حرب جديدة خلال فترة الانتخابات, بعد أن أكد على قوة نجاحه بعد نجاح عملية تصفية أبو بكر البغدادي زعيم تنظيم الدولة الأسلامية أو ما يعرف ايضاً بتنظيم داعش, وفي إسرائيل، يحول الارتباك السياسي الرأي عن “التهديد الوجودي”, كما دل فشل مبادرة الرئيس ماكرون في قمة الدول الصناعية السبع المنعقدة في مدينة بياريتز الفرنسية على مدى صعوبة المفاوضات المتواضعة.
يمكن أن يكون السيناريو الأكثر احتمالا على الأقل على المدى القصير, هو الإبقاء على الوضع الراهن الذي من المحتمل أن يتخلله بعض المناوشات, ولكن إيران تعتزم مواصلة الضغط طالما وأنها لا تتمكن من تصدير كمية كبيرة من النفط.
علاوة على ذلك، لا ينبغي علينا استبعاد المبادرات الأكثر قوة على الجانب الأمريكي إذا ما تم النظر في البرنامج النووي بما يتجاوز الانحرافات الرمزية القليلة لاتفاقية فيينا من الجانب الإيراني حتى الآن، مثل تخصيب اليورانيوم إلى أعلى من مستوى من المستويات المنصوص عليها في الاتفاق 3.7 ٪ أو استخدام أجهزة الطرد المركزي المتقدمة, ويصح القول نفسه إذا أسفرت حادثة وقعت في إيران عن وفاة مواطنين أمريكيين أو إذا استأنف البرنامج النووي الإيراني طموحاته الحقيقية, وفي هذه الحالة، سيكون من الممكن التدخل لمرة واحدة, حيث يمكن أن تحقق الأهداف الإيرانية.
وحتى بضعة عقود مضت، كان لقصر الاليزيه الفرنسي دور كبير في المنطقة, واليوم، لا توجد قوة كبرى لديها القدرة على فرض حلولها.
وفي الأخير, أصبح الشرق الاوسط اليوم في الواقع في ايدي الشرق الأوسط, ولكن إذ لم تمس أي شخص بسوء, ويمكن لفرنسا أن تضطلع الآن بدور “الوسيط المنقذ”، شريطة أن تكون لديها الإرادة السياسية.
* المقال تم ترجمته حرفياً من المصدر وبالضرورة لا يعبر عن رأي الموقع.