سلسلة تقارير خاصة عن أهمية مضيق هرمز الاستراتيجي “الجزء السادس”
التفاف حول مضيق هرمز:بين المشاريع الصغيرة والخطط الطموحة للغاية
بقلم/ إيميلي بوفيه
(موقع “- les cles du moyen orient لوكليه دو موين اغيونت” الفرنسي- ترجمة: أسماء بجاش -سبأ)
خلال الحرب الضروس التي اشتعلت بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي رأت النور لأول مرة نتيجة لقيام ثورة 1979) وجمهورية العراق في ظل رئاسة صدام حسين في الفترة ما بين 1980 إلى 1988, خاض الطرفان خضم العديد من الاشتباكات من بين أمور أخرى خلال “حرب الناقلات” في الفترة ما بين 1984 إلى 1988, حيث حاولت كل من بغداد وطهران اللتين تعتمدان اعتماداً اقتصادياً كبيراً على صادراتهما من المواد الهيدروكربونية، على إضعاف بعضهما البعض من خلال استهداف سفن الشحن التي تمر عبر الخليج الفارسي وخاصة عبر مضيق هرمز, الذي يمر من خلاله ما يقرب من 500 سفينة, والتي سيكون مصيرها أما الإعطاب أو الغرق.
وضعت هذه المصادمات جميع دول الخليج التي تعتمد بدرجات متفاوتة على صادراتها من المواد الهيدروكربونات، أمام مكامن الضعف التي تعاني منها في منطقة مضيق هرمز الذي تسيطر عليه إيران إلى حد كبير.
وبسرعة كبيره، ومنذ بداية الصراع، نشأت مسألة إنشاء طرق التفافية للمضيق، لكي لا تتوقف على الاختناق الذي تعتمد عليه الاقتصاديات الخليجية.
وهكذا برزت العديد من المشاريع المختلفة، مع نجاحات نسبيه جدا, ولذلك يلزم تكمله البدائل الوظيفية بمشاريع جديدة قيد الدراسة في الوقت الحالي ولكنها تبين بوصفها فرعونية، كيف أن مضيق هرمز لا يزال ضروريا للمرور العابر للناقلات، ومن المحتم أن يظل ملزم بالبقاء لفترة أطول، على الرغم من أنها غير محدده في هذه اللحظة.
أول المشاريع البرية غير الناجعة:
إن تحليل خريطة الشرق الأوسط كاف لفهم الطبيعة الإستراتيجية التي يحظى بها مضيق هرمز:
لا يمكن لأي طريق بحري آخر أن يخدم الدول المطلة على الخليج الفارسي, نظراً لأن النقل الجوي على نطاق واسع للهيدروكربونات غير ممكن لأسباب تتعلق بالتكلفة والربح، بمعنى أن النقل البري هو البديل الوحيد القابل للتطبيق للالتفاف حول مضيق هرمز.
كان المشروع الأول الذي تم تصوره قبل اندلاع التوترات مع إيران يهدف إلى أتاحه الوصول المباشر لنفط السعودي إلى البحر الأبيض المتوسط، وفي الوقت نفسه تم تطوير المنطقة والبلدان التي سيمر من خلالها خط الأنابيب “تابلاين-” والتي تعني بالعربية خط الأنابيب عبر البلاد العربية.
بدأ العمل على إنشاء خط أنابيب تابلاين في العام 1947 بشراكة مع الولايات المتحدة الأميركية التي أرادت تامين مصدر جديد لإمدادات النفط كجزء من بدايات الحرب الباردة، حيث كان من الممكن أن يغادر خط الأنابيب من القيصومة في المملكة العربية السعودية القريبة من بلده حفر الباطن والوصول إلى ميناء صيدا في لبنان والمرور على طول الحدود العراقية ثم عبر الأردن ومرتفعات الجولان خلال الفترة التي كانت لا تزال فيه في أحضان الدولة السورية.
تم فتح صمامات خط الأنابيب هذا في العام 1951 حتى تم إغلاقها في العام 1983, حيث نقل خط أنابيب تابلاين ما يقرب من نصف إنتاج النفط السعودي.
يفسر إغلاق خط الأنابيب أول مره باستيلاء الجيش الإسرائيلي على مرتفعات الجولان في العام 1967, في حين سمحت تل أبيب للبلدان المستفيدة من خط الأنابيب بمواصله العمل، بيد أن وجودها في الأراضي المحتلة يجعلها تواجه تحديات متزايدة من جانب الحكومات الإقليمية بقياده سوريا والأردن، الخاسرة الرئيسية في حرب الأيام الستة كما تعرف في إسرائيل, أو ما تعرف بنكسة 1967.
ساهم التدخل العسكري الإسرائيلي في لبنان في العام 1982 في زيادة زعزعه الاستقرار في المنطقة وزيادة الإجهاد في ربحيه الأنابيب.
توقف العمل بخط الأنابيب في العام 1983 أثناء حرب لبنان (1975-1990)، حيث تم إغلاقه بشكل دائم في العام 1990 من قبل الرياض التي تهدف إلى معاقبة الأردن جراء الدعم الذي قدمته للعراق خلال حرب الخليج الأولى (1990-1991).
أدت المشاكل التقنية المتزايدة التي واجهت خط الأنابيب إلى جانب ظهور ناقلات النفط، تدني القيمة الربحية والتي أصبحت بكل حال من الأحوال غير صالحة للاستعمال.
كان خط أنابيب النفط العراقي في المملكة العربية السعودية (IPSA) نتيجة لمحض الصراع القائم بين إيران والعراق, حيث كان الغرض من خط الأنابيب هو تنويع طرق تصدير النفط العراقية بعد أن هُجمت الناقلات العراقية في الخليج الفارسي.
بدأ خط الأنابيب من محطة نفط البصرة جنوب شرق العراق قبل أن ينضم إلى الدمام والعبور من الشرق إلى الغرب من شبه الجزيرة العربية إلى ميناء ينبع المطل على ساحل البحر الأحمر السعودي.
ومع ذلك، فإن خط الأنابيب الذي تم افتتاحه في العام 1987, تأثر بسرعة بالجغرافيا السياسية الإقليمية:
ففي العام 1990, أغلقت السعودية صمامات خط الأنابيب استجابة للغزو العراقي للكويت ورفضت إعادة تنشيطه, وخلال السنوات التالية, أعلنت الرياض في العام 2001 الاستيلاء على خط الأنابيب, حيث اعتبرته بمثابة تعويض عن الديون المستحقة لها من بغداد, ومنذ ذلك الحين وحتى الآن تم استخدام خط الأنابيب هذا فقط لتوصيل الغاز إلى محطات الطاقة السعودية الواقعة غرب المملكة.
في ديسمبر من العام 2011, أدى تهديد طهران الأول لمنع وصول السعوديين إلى مضيق هرمز إلى إعادة النظر في هذا المشروع بالإضافة إلى مدى قدرته من الناحية النظرية على نقل 1.6 مليون برميل من النفط يوميا.
ومن جانبه, دفن الوضع الأمني غير المستقر في العراق في ذلك الوقت تجديد المشروع الذي أصبح مرة أخرى في 2017 موضوع مناقشات بين السعوديين والعراقيين, حيث دار النقاش حول ترك الرياض لحقوق تشغيل خط الأنابيب إلى العراقيين, بيد أنه تم رفض المشروع من الجانب السعودي مراراً وتكراراً لأسباب أمنيه, حيث كان من المقرر لخط أنابيب أنه سيربط البصرة بالبحر الأحمر عبر الأردن وميناء العقبة غير أن هذا المشروع لم تلح في سمائه أي مؤشرات على تطبيقه.
تُظهر خطوط الأنابيب المهجورة هذه الصعوبات التي تواجهها المشاريع التي تضم العديد من الشركاء الإقليميين، بسبب الوضع الجغرافي السياسي الذي ما لبث أن يتغير في المنطقة, ففي الواقع، يظهر الممران اللذان يعملان حاليا في مضيق هرمز كقرارات أحادية الجانب التي لا تتحكم فيها سوى قوه واحده.
2- الطريق البحري الجديد باعتباره البديل الحقيقي الوحيد لمضيق هرمز:
تم أنجز مشروعان عن طريق البر، واللذان لا يزالان يعملان حتى يومنا هذا, الأول هو خط أنابيب النفط الخام بين الشرق والغرب والتابع للسيادة السعودية, حيث يبلغ طوله 746 ميل ويمتد من حقل بقيق في المنطقة الشرقية على الحدود السعودية القطرية إلى مدينة ينبع المطلة على البحر الأحمر, تم بناؤه خلال الحرب العراقية الإيرانية.
ففي بادئ الأمر, تم تصميم هذا الخط في أصلا لنقل النفط الخام، في حين تم تحويله إلى خط نقل الغاز الطبيعي قبل العودة إلى وظائفه الأصلية.
يغطي خط الأنابيب هذا حوالي ثلث الإنتاج السعودي المقدر بـ 9,8مليون برميل من النفط يوميا، بقدره استيعابية بلغت 3 مليون برميل من النفط يوميا.
في 25 يوليو 2019, أعلن خالد الفالح، وزير الطاقة السعودي، أن حكومته تعكف على جدوى زيادة في حجم إنتاجها النفطي الخام بنسبه 40% الذي ينقله خط أنابيب النفط الخام بين الشرق والغرب في غضون عامين, وذلك من أجل زيادة خفض الاعتماد عل مضيق هرمز.
غير أن خط الأنابيب هذا لا يكفي لحل مشكله مضيق هرمز, حيث أن ثلثا الإنتاج السعودي مجبر علي العبور من هناك، كما لا يتم تشغيل خط أنابيب الشرق والغرب إلا من قبل السعودية, وبالتالي يضطر إنتاج النفط من العراق والكويت والبحرين إلى العبور عبر المضيق, في حين أن الإمارات العربية المتحدة تجد نفسها في وضع مماثل، ولكنها تحاول الصمود أمام هذا الوضع.
بدا الإماراتيون في 2008 ببناء خط أنابيب من حقل النفط في حانشان بالقرب من أمارة أبو ظبي إلى محطة نفط الفجيرة على ساحل خليج عمان مصب مضيق هرمز, حيث يطلق على خط الأنابيب الذي اكتمل بنائه في العام 2012 أسم خط أنابيب “ADCOP خط أنابيب أبو ظبي للنفط الخام”.
يبلغ طول هذا الخط 360 كم, إذ يهدف ببساطه إلى عبور دولة الإمارات من الغرب إلى الشرق، وبالتالي نقل النفط مباشره إلى الناقلات التي ترسو في خليج عمان دون الحاجة إلى المرور عبر مضيق هرمز.
تبلغ الطاقة الإنتاجية لخط نفط ابو ظبي مليون ونصف المليون برميل يومياً، فهذا العدد يغطي ما يزيد بشكل بسيط من نصف إنتاج الإمارات الذي يقدر بنحو 2.7 مليون برميل من النفط يومي.
ومع ذلك، كان افتتاحه حصيفاً للغاية، حيث أعلن محمد الهاملي وزير البترول الإماراتية في العام 2012 أن هذا المشروع “لم يكن موجهاً ضد إيران مؤكدة في الوقت نفسه أنه مشروع استراتيجية للغاية “.
وعلى الرغم من أن هذه الأنابيب تعمل وتساعد علي تخفيف الاعتماد السعودي والإماراتي على مضيق هرمز، فان خطوط الأنابيب هذه ليست حلا طويل الأجل, نظراً لكون حجم الطاقة الاستيعابية لها من المواد الهيدروكربونات لن تتطابق مع الطاقة الاستيعابية لتلك الناقلات، كما أن صيانتها باهظة الثمن, ناهيك عن كون بنيتها التحتية تمثل أهدافا رئيسيه لخصومها.
ففي 15 مايو المنصرم، على سبيل المثال، نفذ الحوثيون هجوما بواسطة طائرات بدون طيار على خط أنابيب، مما تسبب في إغلاقه مؤقتا لأسباب أمنيه وإجراء الإصلاحات اللازمة دون البالغ عن أضرار جسيمة.
وفي مواجهه عدم اكتفاء خطوط الأنابيب، يدعو البعض إلى إنشاء ممر شحن جديد: بعبارة أخرى، حفر قناة جديدة تربط الخليج الفارسي ببحر العرب.
نشر مركز دراسات القرن العربي دراسة حول مقترح لما يسمى “قناة سلمان” أو “قناة العرب” لربط الخليج العربي ببحر العرب، حيث تستند هذه الدراسة على مسار رئيسي ومسارين احتياطيين، فالقناة في الخطة الرئيسية تبدأ من الخليج العربي من الجزء التابع للعربية السعودية على خور العديد صوب بحر العرب بطول 950 كم, حيث تمتد في الأراضي السعودية 630 كم، وفي الأراضي اليمنية 320 كم، ويبلغ عرض القناة 150 متراً، والعمق 25 متراً.
وفي حاله عدم الاستقرار السياسي في اليمن، من المتوخي أيضا وجود طريق مساعد عبر غرب عمان.
ستسمح القناة للناقلات ليس فقط بتجنب مضيق هرمز، ولكن أيضاً تجنب نصف المسافة عبر المضيق, ومن شأن هذه القناة أن تسمح كذلك بفك تشابك حركة النقل البحري في الخليج الفارسي التي تعاني من ثقل في حركة المرور.
وبالنسبة لمؤيدي المشروع، سيتم كذلك إحياء منطقة”الربع الخالي” بوجود هذه القناة, حيث سيتم بالفعل إدراج مدينتين صناعيتين في الدراسة فضلا عن ثلاث مدن سكنيه، يرافقها الكثير من المنتجعات الساحلية السياحة, ومن جانبه صرح سعد بن عمر، مدير المركز الذي يقف وراء هذه الدراسة، قائلاً أن القناة ستخلق مليون فرصة عمل بين أوساط السكان اليمنيين.
أفادت التقارير أن هذا المشروع لفت انتباه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي قرر اعتماد أسم سلمان على القناة تكريماً لوالده, بتكلفة بلغت 80 مليار دولار, في حين سيرى هذا المشروع النور, بحسب تصريحات بن عمر, في غضون خمس سنوات.
وكانت الإمارات العربية المتحدة التي تمتلك خط ساحلي مطل على الخليج الفارسي وآخر مع خليج عمان، قد فكرت أيضا في فكرة مماثلة.
ففي العام 2008, كانت حكومة دولة الإمارات قد درست مشروع قناة طولها 180 كيلومتراً تربط الجزء الغربي من البلد حول جبال حجار (لم يتم تحديد الموقع بشكلٍ دقيق)عند محطة نفط الفجيرة، على الساحل الشرقي للإمارات, وبالنظر إلى التكلفة المأهولة للمشروع تم التخلي عنه في نهاية المطاف لصالح خط أنابيب نفط حبشان الفجيرة الذي يمتد من حقل حبشان بإمارة أبو ظبي شمال الإمارات مروراً بسويجان إلى ميناء الفجيرة المطل على خليج عمان جنوباً على بحر العرب.
الخاتمة:
هذه المشاريع الطموحة بشكل كبير يجري دراستها بجديه في شبه الجزيرة العربية, وذلك في حال كانت إيران ستغلق المضيق لأنها هددت بالقيام بذلك عده مرات منذ العام 2011 وحتى الآن، حيث ان الطريق الوحيد لتصدير النفط في الوقت الراهن هو خطوط الأنابيب المذكورة أعلاه.
ستقوم شركه بتروخط أوليدوك بخدمه الناقلات التي يمكن أن تستمر في طريقها التقليدي عبر قناة السويس أو مضيق باب المندب معتمدة على عملائها, حيث يمكن لخط أنابيب دولة الإمارات أن يخدم مباشره الدول الآسيوية التي هي من بين كبار العملاء الإماراتيين.
ومع ذلك، فان مسألة حجم النقل لا تزال مطروحة، حيث يبقى في الوقت الحاضر، الحل الأكثر نفعا، هو حفر قناة, إذ أن هذا الحل هو من سيحرر بالفعل الدول المنتجة من قيود قناة السويس، بينما تقدم نفس قدره النقل البحري, فتحقيق هذا المشروع الضخم مسألة لا تزال مفتوحة حتى يومناً هذا.
الجزء الاول :
الجزء الثاني :
الجزء الثالث :
الجزء الرابع :
الجزء الخامس :
سلسلة تقارير خاصة عن أهمية مضيق هرمز الاستراتيجي (الجزء الخامس)